إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحلم وكظم الغيظ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحلم وكظم الغيظ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين

    عن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «إنّ الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم»1.
    يعد الحلم من القيم الأخلاقيّة التي أشاد بها القرآن الكريم والسّنة الشريفة، ومدحا المتخصّلين بها، وعرّف الحلم بتعاريف عديدة ومنها: ضبط النفس2 عند هيجان وثورة الغضب، وتملك عنانها حذر الاسترسال في هيجانها، فهو التمكن من الوقوف بصلابة في وجه ثورة النفس، والتأنّي وترك الانتقام عند شدّة الغضب مع القدرة عليه.
    فالحليم هو ذلك الشخص الذي لا يستفزّه الغضب فيسرع بالعقوبة، بل يضبط نفسه ويتريّث ويتعامل مع الموفق والحدث وفق ما تقتضيه الحكمة.
    والحلم من صفات المؤمنين المتّقين، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ 3.
    وقال تعالى في آية أخرى: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ 4.
    فيستفاد من قوله تعالى: ﴿ ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ... ﴾ 5 ومن قوله سبحانه: ﴿ ... وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ 6 أنّ المؤمنين ليس فقط يسيطرون على أنفسهم في حالة غضبهم، فيعيشون الحلم على من أغضبهم، بل يزيدون على ذلك بأن يغفروا له ويتجاوزا عن خطئه في حقّهم.
    وقال تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ 7.
    فالمؤمنون من عباد الله يتعاملون مع الآخرين من موقع المسالمة، لا من موقع الخشونة والتّحدّي والرّد بالمثل، فينطلقون من موقع عدم الاعتناء واللامبالاة، وكأنهم لم يسمعوا شيئاً مما قاله أولئك الجاهلون.
    وحثّ الدّين الإسلامي الحنيف المسلمين على التّحلي بخلق الحلم، وأمرهم أن يتعاملوا بالتي هي أحسن، فيتعاملون باللين واللطف والعفو والمغفرة ويبتعدون عن الطيش والتهوّر ومقابلة الإساءة بالإساءة، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ 8.
    أي لا تكون الحسنة كالسيئة ولا السيئة كالحسنة ﴿ ... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... ﴾ 9 فإذا أساء إليك مسيء من الخلق إساءة بالقول أو الفعل فقابله بالعفو والصفح عنه والإحسان إليه ﴿ ... فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ 9 أي كأنّه قريب شفيق ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ... ﴾ 10 فما يوفّق لهذه الخصلة الحميدة ﴿ ... إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ... ﴾ 10 وهم الذين عاشوا الصبر في أرفع مراتبه فملكوا زمام أنفسهم وأجبروها على ما يحبّه الله، لأنّ من الطباع السيّئة في النّفس مقابلة المسيء بالإساءة إليه وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان إليه؟ فإذا صبّر الإنسان نفسه وامتثل أمر ربّه، وعلم أنّ مقابلته للمسيء بجنس عمله لا ينفعه شيئاً ولا يزيد العداوة إلاّ شدّة وأنّ إحسانه إليه ليس دليلاً على ضعفه، وإنما سمة من سمات النبل وسمو الخلق ودواعي العزّة والكرامة هان عليه الأمر، فعفى عن الإساءة وقابل سيئته بالحسنة ﴿ ... وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ 10 فهي خصلة رفيعة عالية لا يرتقي إليها إلاّ صاحب النفس الكبيرة والشخصيّة العالية، الذي جاهد نفسه فحملها على الأخلاق الفاضلة الحميدة.

    وأمّا الرّوايات من السّنة الشريفة في الحث على الحلم وكظم الغيظ فهي كثيرة، منها:
    عن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «إنّ الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف»11.
    وقال «صلى الله عليه وآله»: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد، وينادي مناد من عند الله، يسمع آخرهم كما يسمع أولهم، يقول: أين أهل الصبر؟ فيقوم عنق من الناس12، فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم: ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله.
    قال: فينادي مناد من عند الله: صدق عبادي، خلوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب.
    قال: ثم ينادي مناد آخر، يسمع آخرهم كما يسمع أولهم، فيقول: أين أهل الفضل؟ فيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة، فيقولون: ما فضلكم هذا الذي نوديتم به؟ فيقولون: كنا يجهل علينا في الدنيا فنحتمل ويساء إلينا فنعفو.
    قال: فينادي مناد من عند الله تعالى: صدق عبادي، خلوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب»13.
    وعن الإمام علي بن الحسين «عليهما السلام» قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم ينادي مناد: أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلما، قال: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة»14.
    وعن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «ثلاث من لم تكن فيه لم يتم عمله: ورع يحجزه عن معاصي الله عزّ وجل، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل»15.
    وقال «صلى الله عليه وآله»: «ما جرع عبد جرعة أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله عزَّ وجل»16.
    وعن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «من أحب السبيل إلى الله عزّ وجل جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة مصيبة تردها بصبر»17.
    وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «ما من جرعة يتجرعها العبد أحب إلى الله عزّ وجل من جرعة غيظ يتجرعها عند ترددها في قلبه، إمّا بصبر وإمّا بحلم»18.
    وعنه «عليه السلام» قال: «من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه»17.
    وعن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: «ألا أخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقاً وألينكم كنفاً، وأبركم بقرابته، وأشدّكم حبّاً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب»19.
    وقال «صلى الله عليه وآله»: «ما جرع عبد جرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله عز وجل»20.
    وقال «صلى الله عليه وآله»: «ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع به الدّرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك»21.

    المصادر



    1. مستدرك الوسائل 11/261، برقم: 13058.
    2. قال الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» لابنه الإمام الحسن «عليه السلام»: «يا بني ما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النّفس» «موسوعة أحاديث أهل البيت 3/212، برقم: 2974».
    3. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 133 و 134، الصفحة: 67.
    4. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 36 و 37، الصفحة: 487.
    5. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 134، الصفحة: 67.
    6. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 37، الصفحة: 487.
    7. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 63، الصفحة: 365.
    8. القران الكريم: سورة فصلت (41)، الآية: 34 و 35، الصفحة: 480.
    9. القران الكريم: سورة فصلت (41)، الآية: 34، الصفحة: 480.
    10. القران الكريم: سورة فصلت (41)، الآية: 35، الصفحة: 480.
    11. الكافي 2/112.
    12. أي جماعة من النّاس.
    13. الأمالي للطوسي، صفحة 103.
    14. الكافي 2/108.
    15. مكارم الأخلاق، صفحة 437.
    16. تنبيه الخواطر «مجموعة ورّام» صفحة 132.
    17. a. b. الكافي 2/110.
    18. a. b. الكافي 2/111.
    19. الكافي 2/241.
    20. a. b. شعب الإيمان 6/314.
    21. الترغيب والترهيب 3/419.




    السَّلامُ عَلَى مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ ، وَمَسَاكِنِ بَرَكَةِ اللهِ ، وَمَعَادِنِ حِكْمَةِ اللهِ ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ ، وَحَمَلَةِ كِتَابِ اللهِ ، وَأَوْصِيَاءِ نَبِيِّ اللهِ ، وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ .

  • #2
    الأخت الكريمة
    ( شجون الزهراء )

    بوركت على هذا الاختيار رائع

    ما شاء الله

    أسأل الله أن يتقبل منك صالح الأعمال

    ويثيبك عظيم الأجر

    ولولا أبو طالب وأبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما
    فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما

    فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
    وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى
    كما لا يضر إياب الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما

    [/CENTER]

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X