بسم الله الرحمن الرحيم
إن المؤمن يمشي على هذين السبيلين:
1- سبيل التدبير.
2- سبيل التقدير.
- إن بعض الناس يعتمد على سبيل التقدير، دون التدبير، وشعاره في الحياة: (لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).. فهو يرى أنّ الله هو مسبب الأسباب، ولا يعتني للأسباب في هذا المجال أبداً.. وهذه نظرة انحرافية، إذ ليس معنى التقدير والاعتماد على المدد الغيبي، أن يجلس الإنسان في حالة استرخاء، من دون سعي وكدّ في هذا المجال.. ولهذا من المحال أن ينبت الله -سبحانه وتعالى- زرعا في أرض لا بذر فيه، إذ لا بدّ من زارعٍ يضع البذر في أعماق التراب، ثم يقوم بوظيفته كإنسان مزارع، والبقية على الله -عزّ وجلّ- {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
- إن الله -عزّ وجلّ- يبارك في السعي الموجود، ولا يبارك العدم.. فالبركة في الوجود، والوجود الذي ينسجم مع خطه.. فهو -تعالى- لا يتولى إنسانا جاهد نفسه في غير مرضاته -عزّ وجلّ- وجاهد نفسه في غير الأسلوب الشرعي، وعبد الله في غير ما أمر الله -عزّ وجلّ- فهذا الإنسان لا يصل إلى شيء.. إن البعض -مع الأسف- قطع الشريعة قطعاً، وأخذ منها ما يلائم مزاجه.. ومن المعلوم أن الشيطان عندما جادل ربه، وطلب إعفاءه من السجود لآدم نظير عبادة لا مثيل لها، جاءه النداء -بمضمون الحديث- أن اعبدني من حيث أريد، لا من حيث تريد.
فإذن، إن القضية سعيٌ موجود، ومطابق لمراد المولى سبحانه وتعالى.
- ولهذا فإن هناك جماعة في تاريخ المسلمين، اعتمدوا على التقدير، وانعزلوا عن الحياة، فبنوا الصوامع، ولجئوا إلى ما يشبه ذلك، لا في مجال الرزق المادي، ولا في مجال الرزق المعنوي.. وجعلوا توقعاتهم على مستوى المدد الإلهي فحسب!.. من دون أية حركة دائبة في هذه الحياة، وهذا خلاف نمط أئمتنا عليهم السلام.. فالأئمة -عليهم السلام- في عالم السعي المادي: لهم مزارع، ولهم سقي، ولهم ما لهم من الأعمال البدنية في مجال كسب المعيشة.. ومع ذلك إذا جنّ عليهم الليل، هم كجدهم المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم حالات لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل: نهارهم كذلك، وليلهم كذلك.. فهم في الليل وفي النهار، لم ينظروا إلى شيء، إلاّ ورأوا الله قبله ومعه وبعده.. هذا هو الأسلوب الطبيعي.
- إن الإنسان المزارع عليه أن يعتمد على الماء المستخرج، لا على الغيث.. فبعض المزارعين يزرعون على أمل المطر، فتخيب آمالهم، ويذهب البذر سدى، لأنهم ما اعتمدوا على شيء موثوق به.. فالزراعة المائية، أوثق من زراعة الأمطار.. وبالتالي، فإن الإنسان إذا أراد أن يزرع، عليه أن يعتمد على الماء المستخرج، لا على الغيث النازل.. نعم هو يزرع، ويسقيه من كدّ يمينه، وإذا شاء الله -عزّ وجلّ- أنزل عليه الغيث.
الخلاصة: أن على المؤمن أن يمشي على هذين السبيلين: التدبير، والتقدير.. وعليه أن يطبق هذه القاعدة الزراعية ،في حركته إلى الله سبحانه وتعالى.. فلا يعتمد على الغيث، بل على الماء المستخرج.