اللهم صل على محمد وآل محمد
- إن الحركة إلى الله –تعالى- قضية فيها مجاهدتان في حقلين:
1- الطبيعة: إن الحركة إلى الله –تعالى- والسير في طريقه -عزّ وجلّ- فيه واجب؛ أي فيه إلزام.. وفيه حرام؛ أي فيه ارتداع.. والإلزام خلاف المزاج، والارتداع الإجباري، خلاف المزاج الأولي، فالإنسان يحب الحرية في حياته.. ولهذا فإن دعاة الحرية والفلتان، لهم جمهورهم الكثير، لأنه كلام يطابق المزاج.. فإذن، إن الحركة إلى الله –تعالى- خلاف طبيعة الإنسان، وخلاف المزاج الأولي.
2- البيئة: وكذلك فإن الحركة إلى الله -عز وجل- هي خلاف البيئة.. فطوال التأريخ، لم تكن الغلبة للهدي الإلهي، بل العكس هو الغالب: أكثرهم لا يعقلون، وأكثرهم لا يؤمنون.
فإذن، إن المؤمن يعيش في صراعين: صراع مع نفسه، فالنفس لا تحبّ الإلزام والالتزام.. وصراع مع الآخرين؛ لأنه يعيش في جو لا ينسجم معه.. وبالتالي، فإن القضية تحتاج إلى كدح ومجاهدة: أي (يسبح عكس التيار)، وفي السير إلى الله -عزّ وجلّ- هذه الحركة موجودة.. ولهذا يقول أمير المؤمنين (ع): (لا تستوحشوا الطريق لقلة سالكيه).
- إن الإنسان الذي يتوقع الدافع الجماعي، والتشجيع البيئي؛ سينكسر يوما.. وكذلك فإن القرآن الكريم، يعبر عن هذا الطريق بطريق ذات الشوكة فيقول: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} سواء كان اللقاء في الموت أو يوم القيامة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فإنه يحتاج إلى كدح ومجاهدة ..والقرآن عندما يتحدث مع النبي (ص) يقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا}.
- إن الطريق إلى الله عز وجل، لا يخفى ما فيه من الثقل.. والعجب أن الإنسان حتى المؤمن، من أجل الحصول على بعض المكاسب الدنيوية، فهو مستعد للكدح والمجاهدة: في عالم الأسواق، وفي عالم الوظائف، وفي عالم الاقتران بالآخر.. فهم يكدحون، ويصرون، ويتحملون المآسي.
- علينا أن نعلم أن الإنسان الذي لا يستعدُّ للكدح والمجاهدة، لا يمكن أن يكون من السالكين.. طبعاً هذا في أول الطريق، أما مع الاستمرارية، فإنه يتحول الأمر إلى عالم آخر يستذوق الالتزام، ويلتزم بشوق وبرغبة؛ لأنّ في التزامه رضا المحبوب.. ولهذا قال أمير المؤمنين (ع): (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره أن يرفع رأسه من السجود)، بعد فترة يصل الإنسان إلى هذه الدرجة.. ولهذا عندما يذهب إلى الحج، لا يحتاج إلى مجاهدة.. وعندما لا يصلي في أول الوقت، فإن في ذلك معاناة له.. وإذا لم يقم الليل، فإن نهاره ذلك اليوم يكون نهارا كئيبا.
-------------------------------------
الشيخ حبيب الكاظمي