بسم الله الرحمن الرحيم
- إن المشورة هي عبارة عن ضمّ العقول بعضها إلى بعض.. فالوصي والنبي ارتباطه بالسماء، ولا يحتاج إلى مشورة المخلوق، باعتبار أن العالي لا يرجع إلى الداني.. ولكن حركة حياتنا اليومية تدل على أن {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.. فالمؤمن مهما بلغ من التقوى والكمال، لا يدعي العصمة والتفوق المطلق على الآخرين.. والمؤمن رغم أنه ملهم، ورغم أنه مسدد، فهو يحتاج إلى أن يستشير أخوانه المؤمنين.
- إن هناك بعض الناس، يعيشون حالة التردد: لا مرّجح لفعله، ولا لتركه.. فبمجرد أن يسمع ترجيحا من أحد، قد يوجب له التكليف.. وهذه أيضا حركة خطيرة، وهي أن نسلّم زمام عقولنا وآراءنا، إلى من لم يؤتَ سعة في العلم والبصيرة.. فإذن، إن المشورة أمرٌ ضروري، ولكن بشرطها وشروطها.
صفات المستشار:
أولا: أن يكون خاليا من أي هوى في الأمر.. فهذا إنسان يريد أن يشير عليك برأي، ويعود عليك بالفائدة وبالنفع.. لذا عليك أن تراعي هذه الناحية، وهي أن يكون إنسانا نزيها تمام النزاهة في المشورة.
ثانيا: أن يكون على درجة من العقل والتفهم.. أي يحلل الأمور، ويرى ما وراء الستار، ويستكشف البواطن الخفية عليه.
ثالثا: أن لا يكون خاليا من عنصر التسديد والإلهام (اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله).. إذا وجدت النزاهة الحيادية، والتعقل، والتسديد؛ يعني القدرة على تفهم واقع الأمور بمدد من الله -عزّ وجلّ- فلهذا نقرأ في الدعاء: (اللهم!.. أرنا الأشياء كما هي).. إذ أن هناك صورة واقعية وهمية بعدد العقول، والواقع لا يتعدد.. هناك واقع واحد، وصورة ذهنية مزيفة من عشرات العقول.
- إن الإنسان المؤمن إذا أراد أن يقدم على أمر، وهو لا يعرف عدم صلاح ذلك الأمر أو عاقبته.. وأحب أن يستشير أخاه في هذا الأمر، فلا بأس قبل ذلك أن يتوسل إلى الله -عز وجل- ويطلب منه -تعالى- أن يجعل الخير على لسان أخيه المؤمن.. فالاستبداد في الرأي، وتصور بأنه لا رأي وراء رأيه، من صور الإخفاق في الحياة.
- إن مراجعة المكتوب هي أيضا من صور المشورة، أي أن بإمكان الإنسان أن يستشير في المجال الذي يريده، وذلك بمراجعة ما كتبه العلماء في ذلك الباب.. فيراجع الأبواب الروائية في هذا المعنى.. مثلا: إنسان يريد أن يتاجر، أو يريد أن يسافر، أو يريد أن يتزوج.. فهناك مشورة مع الخلق، وهناك مراجعة لما ورد عن الأئمة المعصومين -عليهم السلام- في باب التجارة، والسفر، والزواج.. فعندما نسمع الإمام الصادق -عليه السلام- يقول: "كذا وكذا"؛ موصيا أصحابه، فهذه صورة من صور المشورة
--------------------------------------
الشيخ حبيب الكاظمي
يتبع
تعليق