اللهم صل على محمد وآل محمد
لقد تحدثت الروايات الشريفة عن شخصية السفياني بشكل مفصل، وقد احتلت هذه الشخصية مساحة أكثر واهتمام أعظم من باقي الشخصيات التي ستسبق خروج الإمام المهدي عليه السلام، أو التي ستتزامن مع خروجه عليه السلام، ولعل السبب في حظوته بهذا الكم الكبير من الأحاديث هو الدور الخطير الذي سيلعبه حينما يظهر، والذي سنعرف بعضه فيما يأتي:
إن خروج السفياني لعنه الله من المحتوم
صرح عدد كبير من الروايات الشريفة بان السفياني وخروجه وحركته هي من قبيل الأمور المحتومة ــ والأمر المحتوم هو الذي لا يمكن إسقاطه ويكون حتمي الوقوع ــ، ويدل على حتميته رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن من الأمور أمورا موقوفة وأمورا محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لابد منه» (راجع كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص313).
وكذلك رواية حمران بن أعين انه قال للإمام أبي جعفر الباقر صلوات الله وسلامه عليه: «إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف فقال أبو جعفر عليه السلام: لا والله إنه لمن المحتوم» (راجع كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص312 ــ 313).
وقد جاء التعبير في بعض الروايات بان الإخبار بخروج السفياني هو من قبيل الوعد الإلهي والله سبحانه لا يخلف الميعاد، وفي بعض الروايات جاء التصريح بأنه لا يكون قائم إلا بسفياني فعن الإمام علي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليه قال: «إن أمر القائم حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني» (راجع قرب الإسناد للحميري القمي: ص374. بحار الأنوار للمجلسي: ج52، ص182. مسند الإمام الرضا للشيخ عزيز الله عطاردي: ج1، ص217).
في نسب السفياني عليه اللعنة ومحل خروجه وأوصافه
ذكرت الروايات الشريفة أنّ السفياني منحدر من نسل أموي وبالتحديد من أولاد أبي سفيان لعنه الله والد معاوية وجد يزيد لعنهما الله، وقد صرحت الروايات أيضا بأن هندا آكلة الأكباد هي جدته، ويكون خروجه من الشام من ارض سميت في الروايات الشريفة بالوادي اليابس.
أما ملامحه وأوصافه البدنية فهو رجل ربعة أي لا بالطويل ولا بالقصير معتدل الطول ومتوسطه، وفي بعض الروايات وحش الوجه والوحش هو الرديء من كل شيء فيصبح المعنى ان السفياني رديء الشكل قبيح المنظر، ولعل وصفه بوحش الوجه جاء بسبب ان علامات الوحشية والقسوة بادية على وجهه بحيث لا تخفى على من يراه، أو لعل المعنى هو ان من يراه يستوحش منه ولا يستأنس بمشاهدته ولقياه.
ومن أوصافه أيضا انه ضخم الهامة بوجهه اثر جدري والظاهر ان هذا الأثر جاءه نتيجة إصابته بهذا المرض قبل أيام ظهوره المشؤوم، أو لعل تلك الآثار جاءت نتيجة تشوه في الخلقة قبل الولادة أو بعدها، ومن أوصافه أيضا ان في إحدى عينيه خللا بحيث من يشاهده يحسبه اعور العين، وقد روي عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه انه قال: «قال أبي صلوات الله وسلامه عليه قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان» (راجع كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص651).
وعن عثمان عن عمر بن يزيد قال: قال لي أبو عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه: «إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس» (نفس المصدر السابق).
أسمه ومدة حكمه المشؤوم
أما اسمه فقد ذكرت بعض الروايات ان اسمه هو عثمان بن عنبسة كما مر في الرواية السابقة، ولكننا نجد في روايات أخرى حينما يُسأل الإمام صلوات الله وسلامه عليه عن اسم السفياني فانه لا يعير لاسمه أي أهمية ويطلب من السائل التركيز على مواصفات أخرى وميزات ثانية تعرف من خلالها شخصية السفياني، ولعل عدم الاكتراث لتبيان اسمه ناتج عن ان السفياني ربما سيتخذ اسما آخر يختفي وراءه ويستتر به فيكون التركيز على الاسم وتبيانه لغوا.
فالمهم ان نعرف باقي ميزاته التي بها يمكن تشخيصه، والتي منها ان السفياني سيحكم خمس مناطق متجاورة وهي التي عبرت عنها الروايات بالكور الخمس، وان مدة حكمه وبقائه في السلطة سيدوم ثمانية أشهر لا يزيد عليها يوما واحدا فعن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال: سألت أبا عبد الله صلوات الله وسلامه عليه عن اسم السفياني فقال: «وما تصنع باسمه، إذا ملك كور الشام الخمس دمشق، وحمص، وفلسطين، و الأردن، وقنسرين فتوقعوا عند ذلك الفرج، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما» (راجع كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:ص651 -652).
وفي رواية أخرى يوجد تفصيل أكثر وفيها زيادة في مدة حكمه وهي التي عن عيسى بن أعين عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: «... ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهرا، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوما» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص310).
ولا تعارض في ما بين الروايتين الأولى والثانية لاحتمال ان الرواية الأولى تتكلم عن مدة حكمه الفعلي، بينما الثانية تتحدث عن ثمانية أشهر التي هي مدة حكمه بإضافة شهر يكون بعد سقوط ملكه فيه بقايا آثار فتنته، شأنه في ذلك شأن كل الدول أو الحكومات التي يتم الإطاحة بها فان بعض آثارها تستمر حتى بعد الإطاحة بها ولفترة تطول أو تقصر، ولعل الرواية التالية عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه توضح هذا التفسير والجمع بين الروايتين حيث يقول: «... وإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر ولا يجوزها إن شاء الله» (المصدر السابق: ص312). وفي قوله (وإنما فتنته) دلالة واضحة على ان فترة التسعة أشهر هي مدة حكمه بإضافة ما يستتبعها من آثار سيئة.
وتعليق مدة حكم السفياني بالإشاءة الإلهية في قول الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه: (لا يجوزها إن شاء الله) دليل على ان فترة التسعة أشهر هي أيضا فترة غير نهائية وغير مجزوم بها على نحو القطع فلربما زادت مدة حكمه وما يستتبعها من فتن على التسعة أشهر وربما نقصت، وهذه الزيادة والنقصان تابعة للظروف الموضوعية التي ستحيط بحركة السفياني والتي سيكون لوح المحو والإثبات كفيلا بتحديدها قال سبحانه: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (سورة الرعد، الآية: 39).
فيتضح لنا مما سبق ان أصل خروج السفياني حتمي الوقوع لذلك وصف بأنه من المحتوم أما مدة حكمه فهي قابلة للزيادة والنقصان لذلك علقت على المشيئة الإلهية.
في تحديد توجهاته الدينية
والسفياني كما هو الظاهر من الروايات شخص ليس بمسلم أو انه مسلم ولكن لديه توجهات صليبية لا تتماشى مع الإسلام وهذا هو المستظهر من قول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: «وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب» (مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص199).
وعن بشير بن غالب قال: (يقبل السفياني من بلاد الروم منتصرا في عنقه صليب وهو صاحب القوم) (كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص463).
ولو قلنا بإسلام السفياني الملعون فان إسلامه شكلي وهو من الذين لا يعترفون بأحكام الله ولا يؤدون فروضه فعن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه قال: «السفياني... لم يعبد الله قط ولم ير مكة ولا المدينة قط» (بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص254).
في انه يخرج قبل الإمام المهدي عليه السلام بستة أشهر
وأما وقت خروجه المشؤوم فقد حدد في الروايات الشريفة بأنه سيقع في شهر رجب فعن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «إن أمر السفياني من الأمر المحتوم وخروجه في رجب» (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص650).
والسفياني كما صرحت به بعض الروايات الشريفة يخرج في نفس السنة التي يخرج فيها الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله وسلامه عليهما أنه قال: «السفياني والقائم في سنة واحدة» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص275).
ويكون خروج السفياني الملعون كما بينا سابقا في شهر رجب، وأما خروج الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه فيكون في شهر محرم فعن أبي بصير قال: قال أبو جعفر صلوات الله وسلامه عليه: «يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشورا اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام» (كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص654).
أي ان بينه صلوات الله وسلامه عليه وبين ذلك الملعون ستة أشهر.
في الحروب التي سيخوضها ومدى حقده على الشيعة
والسفياني يكون في بداية أمره مشغولا في حروب طاحنة لأجل السيطرة على الكور الخمس التي ذكرناها من قبل، فيكون من بداية ظهوره إلى مدة شهر أو شهرين مشغولا عن أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بغيرهم، فيقتل في سبيل السيطرة على الحكم خلقا كثيرا من غير الشيعة، ولكنه لعنه الله ما ان يستقر حكمه ويحكم القبضة على الكور الخمس يتوجه إلى الشيعة بالإبادة والاستئصال، حتى لا يكون له هم غير قتل أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفنائهم فعن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه انه قال: «وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهرا أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم... فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص311).
وقوله عليه السلام: (وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم) معناه ان الوقائع التي ستقع ما بينه وبين أعدائه من غير أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ستصب من ثم في مصلحة الموالين لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لان كل نقص يصابون به في الأنفس والأموال يعد ربحا ولان اختلافهم وتنازعهم خير من اجتماع بعضهم مع البعض الآخر ضد الحق وأهله.
أما قوله عليه السلام: (وهو من العلامات لكم) فمعناه ان السفياني وخروجه من الدلائل والعلامات التي تستدلون بها على قرب الفرج وظهور الإمام صلوات الله وسلامه عليه
وعن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «كأني بالسفياني أو صاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه من جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف درهم فيثب الجار على جاره يقول هذا منهم فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم» (الغيبة للشيخ الطوسي: ص450).
خروج الخراساني واليماني في نفس السنة في نفس الشهر في نفس اليوم
والسفياني لا يخرج حتى يخرج معه شخصان هما:
أولا: اليماني
وهو من ارض اليمن وبالتحديد من مدينة صنعاء، فعن عبيد بن زرارة قال: «ذكر عند أبي عبد الله ـــ عليه السلام ـــ السفياني فقال: أنى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء» (راجع كتاب الغيبة للشيخ النعماني: ص286، الباب 14، ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم، الحديث رقم 60).
ثانيا: الخراساني
الذي هو من أرض خراسان في أرض إيران، فعن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق» (المصدر السابق: ص446).
وعن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه قال: «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه...» (بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص232).
وبناءً على هذه الأحاديث فإن خروج اليماني والخراساني يكون مقترنا بخروج السفياني ومن يدعي كونه اليماني أو الخراساني من أرباب رايات الضلال في وقتنا هذا وفي غيره يكذبهم كون السفياني غير موجود قطعا ولو كانوا محقين في دعواهم للزم عليهم أولا إثبات وجود السفياني وانه حاكم حاليا للكور الخمس وغير ذلك مما أثبتته الروايات سابقا ودون إثبات ذلك خرط القتاد، أو يلزمهم تكذيب هذه الروايات الصحيحة والتي بإنكارها وتكذيبها الكفر الصريح، فإذا لم يفعلوا هذا ولا ذاك لزمنا وجميع الناس تكذيبهم وتسخيف أقوالهم والوقوف بوجه انحرافاتهم حتى لا تأخذهم العزة بالإثم ويتمادوا في غيهم.
توصيات يمكن أن تنجيك من فتنة السفياني
ولصعوبة فتنة السفياني الملعون وشدتها على شيعة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومحبيهم صدرت عدة توصيات من قبل الأئمة عليهم السلام يجب على من يريد النجاة من تلك الفتنة أن يتبعها وهي التي جاء ذكرها في رواية الإمام الباقر عليه السلام: «أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهرا أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه، فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا وأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى. قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج، يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم، وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص311 – 312).
أقول: الظاهر ان مدة الشهر والشهرين التي يكون فيها السفياني مشغولا عن الشيعة كافية لمعرفة أمره وكشف حقيقته وانه هو السفياني الذي جاء ذكره في الروايات الشريفة وعليه يكون الوقت كافيا للخروج من الكوفة أو المدن التي سيدخلها وتغييب الوجه عنه وعن جيشه.
والحمد لله رب لعالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطاهرين.
-----------------------------
بقلم: الشيخ وسام البلداوي
لقد تحدثت الروايات الشريفة عن شخصية السفياني بشكل مفصل، وقد احتلت هذه الشخصية مساحة أكثر واهتمام أعظم من باقي الشخصيات التي ستسبق خروج الإمام المهدي عليه السلام، أو التي ستتزامن مع خروجه عليه السلام، ولعل السبب في حظوته بهذا الكم الكبير من الأحاديث هو الدور الخطير الذي سيلعبه حينما يظهر، والذي سنعرف بعضه فيما يأتي:
إن خروج السفياني لعنه الله من المحتوم
صرح عدد كبير من الروايات الشريفة بان السفياني وخروجه وحركته هي من قبيل الأمور المحتومة ــ والأمر المحتوم هو الذي لا يمكن إسقاطه ويكون حتمي الوقوع ــ، ويدل على حتميته رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن من الأمور أمورا موقوفة وأمورا محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لابد منه» (راجع كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص313).
وكذلك رواية حمران بن أعين انه قال للإمام أبي جعفر الباقر صلوات الله وسلامه عليه: «إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف فقال أبو جعفر عليه السلام: لا والله إنه لمن المحتوم» (راجع كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص312 ــ 313).
وقد جاء التعبير في بعض الروايات بان الإخبار بخروج السفياني هو من قبيل الوعد الإلهي والله سبحانه لا يخلف الميعاد، وفي بعض الروايات جاء التصريح بأنه لا يكون قائم إلا بسفياني فعن الإمام علي بن الحسين صلوات الله وسلامه عليه قال: «إن أمر القائم حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني» (راجع قرب الإسناد للحميري القمي: ص374. بحار الأنوار للمجلسي: ج52، ص182. مسند الإمام الرضا للشيخ عزيز الله عطاردي: ج1، ص217).
في نسب السفياني عليه اللعنة ومحل خروجه وأوصافه
ذكرت الروايات الشريفة أنّ السفياني منحدر من نسل أموي وبالتحديد من أولاد أبي سفيان لعنه الله والد معاوية وجد يزيد لعنهما الله، وقد صرحت الروايات أيضا بأن هندا آكلة الأكباد هي جدته، ويكون خروجه من الشام من ارض سميت في الروايات الشريفة بالوادي اليابس.
أما ملامحه وأوصافه البدنية فهو رجل ربعة أي لا بالطويل ولا بالقصير معتدل الطول ومتوسطه، وفي بعض الروايات وحش الوجه والوحش هو الرديء من كل شيء فيصبح المعنى ان السفياني رديء الشكل قبيح المنظر، ولعل وصفه بوحش الوجه جاء بسبب ان علامات الوحشية والقسوة بادية على وجهه بحيث لا تخفى على من يراه، أو لعل المعنى هو ان من يراه يستوحش منه ولا يستأنس بمشاهدته ولقياه.
ومن أوصافه أيضا انه ضخم الهامة بوجهه اثر جدري والظاهر ان هذا الأثر جاءه نتيجة إصابته بهذا المرض قبل أيام ظهوره المشؤوم، أو لعل تلك الآثار جاءت نتيجة تشوه في الخلقة قبل الولادة أو بعدها، ومن أوصافه أيضا ان في إحدى عينيه خللا بحيث من يشاهده يحسبه اعور العين، وقد روي عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه انه قال: «قال أبي صلوات الله وسلامه عليه قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان» (راجع كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص651).
وعن عثمان عن عمر بن يزيد قال: قال لي أبو عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه: «إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس» (نفس المصدر السابق).
أسمه ومدة حكمه المشؤوم
أما اسمه فقد ذكرت بعض الروايات ان اسمه هو عثمان بن عنبسة كما مر في الرواية السابقة، ولكننا نجد في روايات أخرى حينما يُسأل الإمام صلوات الله وسلامه عليه عن اسم السفياني فانه لا يعير لاسمه أي أهمية ويطلب من السائل التركيز على مواصفات أخرى وميزات ثانية تعرف من خلالها شخصية السفياني، ولعل عدم الاكتراث لتبيان اسمه ناتج عن ان السفياني ربما سيتخذ اسما آخر يختفي وراءه ويستتر به فيكون التركيز على الاسم وتبيانه لغوا.
فالمهم ان نعرف باقي ميزاته التي بها يمكن تشخيصه، والتي منها ان السفياني سيحكم خمس مناطق متجاورة وهي التي عبرت عنها الروايات بالكور الخمس، وان مدة حكمه وبقائه في السلطة سيدوم ثمانية أشهر لا يزيد عليها يوما واحدا فعن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال: سألت أبا عبد الله صلوات الله وسلامه عليه عن اسم السفياني فقال: «وما تصنع باسمه، إذا ملك كور الشام الخمس دمشق، وحمص، وفلسطين، و الأردن، وقنسرين فتوقعوا عند ذلك الفرج، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: لا ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما» (راجع كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:ص651 -652).
وفي رواية أخرى يوجد تفصيل أكثر وفيها زيادة في مدة حكمه وهي التي عن عيسى بن أعين عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: «... ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهرا، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر ولم يزد عليها يوما» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص310).
ولا تعارض في ما بين الروايتين الأولى والثانية لاحتمال ان الرواية الأولى تتكلم عن مدة حكمه الفعلي، بينما الثانية تتحدث عن ثمانية أشهر التي هي مدة حكمه بإضافة شهر يكون بعد سقوط ملكه فيه بقايا آثار فتنته، شأنه في ذلك شأن كل الدول أو الحكومات التي يتم الإطاحة بها فان بعض آثارها تستمر حتى بعد الإطاحة بها ولفترة تطول أو تقصر، ولعل الرواية التالية عن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه توضح هذا التفسير والجمع بين الروايتين حيث يقول: «... وإنما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر ولا يجوزها إن شاء الله» (المصدر السابق: ص312). وفي قوله (وإنما فتنته) دلالة واضحة على ان فترة التسعة أشهر هي مدة حكمه بإضافة ما يستتبعها من آثار سيئة.
وتعليق مدة حكم السفياني بالإشاءة الإلهية في قول الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه: (لا يجوزها إن شاء الله) دليل على ان فترة التسعة أشهر هي أيضا فترة غير نهائية وغير مجزوم بها على نحو القطع فلربما زادت مدة حكمه وما يستتبعها من فتن على التسعة أشهر وربما نقصت، وهذه الزيادة والنقصان تابعة للظروف الموضوعية التي ستحيط بحركة السفياني والتي سيكون لوح المحو والإثبات كفيلا بتحديدها قال سبحانه: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (سورة الرعد، الآية: 39).
فيتضح لنا مما سبق ان أصل خروج السفياني حتمي الوقوع لذلك وصف بأنه من المحتوم أما مدة حكمه فهي قابلة للزيادة والنقصان لذلك علقت على المشيئة الإلهية.
في تحديد توجهاته الدينية
والسفياني كما هو الظاهر من الروايات شخص ليس بمسلم أو انه مسلم ولكن لديه توجهات صليبية لا تتماشى مع الإسلام وهذا هو المستظهر من قول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: «وخروج السفياني براية خضراء وصليب من ذهب» (مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص199).
وعن بشير بن غالب قال: (يقبل السفياني من بلاد الروم منتصرا في عنقه صليب وهو صاحب القوم) (كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص463).
ولو قلنا بإسلام السفياني الملعون فان إسلامه شكلي وهو من الذين لا يعترفون بأحكام الله ولا يؤدون فروضه فعن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه قال: «السفياني... لم يعبد الله قط ولم ير مكة ولا المدينة قط» (بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص254).
في انه يخرج قبل الإمام المهدي عليه السلام بستة أشهر
وأما وقت خروجه المشؤوم فقد حدد في الروايات الشريفة بأنه سيقع في شهر رجب فعن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «إن أمر السفياني من الأمر المحتوم وخروجه في رجب» (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص650).
والسفياني كما صرحت به بعض الروايات الشريفة يخرج في نفس السنة التي يخرج فيها الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله وسلامه عليهما أنه قال: «السفياني والقائم في سنة واحدة» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص275).
ويكون خروج السفياني الملعون كما بينا سابقا في شهر رجب، وأما خروج الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه فيكون في شهر محرم فعن أبي بصير قال: قال أبو جعفر صلوات الله وسلامه عليه: «يخرج القائم عليه السلام يوم السبت يوم عاشورا اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام» (كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص654).
أي ان بينه صلوات الله وسلامه عليه وبين ذلك الملعون ستة أشهر.
في الحروب التي سيخوضها ومدى حقده على الشيعة
والسفياني يكون في بداية أمره مشغولا في حروب طاحنة لأجل السيطرة على الكور الخمس التي ذكرناها من قبل، فيكون من بداية ظهوره إلى مدة شهر أو شهرين مشغولا عن أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بغيرهم، فيقتل في سبيل السيطرة على الحكم خلقا كثيرا من غير الشيعة، ولكنه لعنه الله ما ان يستقر حكمه ويحكم القبضة على الكور الخمس يتوجه إلى الشيعة بالإبادة والاستئصال، حتى لا يكون له هم غير قتل أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وفنائهم فعن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه انه قال: «وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهرا أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم... فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص311).
وقوله عليه السلام: (وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم) معناه ان الوقائع التي ستقع ما بينه وبين أعدائه من غير أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ستصب من ثم في مصلحة الموالين لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لان كل نقص يصابون به في الأنفس والأموال يعد ربحا ولان اختلافهم وتنازعهم خير من اجتماع بعضهم مع البعض الآخر ضد الحق وأهله.
أما قوله عليه السلام: (وهو من العلامات لكم) فمعناه ان السفياني وخروجه من الدلائل والعلامات التي تستدلون بها على قرب الفرج وظهور الإمام صلوات الله وسلامه عليه
وعن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «كأني بالسفياني أو صاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة فنادى مناديه من جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف درهم فيثب الجار على جاره يقول هذا منهم فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم» (الغيبة للشيخ الطوسي: ص450).
خروج الخراساني واليماني في نفس السنة في نفس الشهر في نفس اليوم
والسفياني لا يخرج حتى يخرج معه شخصان هما:
أولا: اليماني
وهو من ارض اليمن وبالتحديد من مدينة صنعاء، فعن عبيد بن زرارة قال: «ذكر عند أبي عبد الله ـــ عليه السلام ـــ السفياني فقال: أنى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء» (راجع كتاب الغيبة للشيخ النعماني: ص286، الباب 14، ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم، الحديث رقم 60).
ثانيا: الخراساني
الذي هو من أرض خراسان في أرض إيران، فعن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: «خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق» (المصدر السابق: ص446).
وعن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه قال: «خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه...» (بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص232).
وبناءً على هذه الأحاديث فإن خروج اليماني والخراساني يكون مقترنا بخروج السفياني ومن يدعي كونه اليماني أو الخراساني من أرباب رايات الضلال في وقتنا هذا وفي غيره يكذبهم كون السفياني غير موجود قطعا ولو كانوا محقين في دعواهم للزم عليهم أولا إثبات وجود السفياني وانه حاكم حاليا للكور الخمس وغير ذلك مما أثبتته الروايات سابقا ودون إثبات ذلك خرط القتاد، أو يلزمهم تكذيب هذه الروايات الصحيحة والتي بإنكارها وتكذيبها الكفر الصريح، فإذا لم يفعلوا هذا ولا ذاك لزمنا وجميع الناس تكذيبهم وتسخيف أقوالهم والوقوف بوجه انحرافاتهم حتى لا تأخذهم العزة بالإثم ويتمادوا في غيهم.
توصيات يمكن أن تنجيك من فتنة السفياني
ولصعوبة فتنة السفياني الملعون وشدتها على شيعة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومحبيهم صدرت عدة توصيات من قبل الأئمة عليهم السلام يجب على من يريد النجاة من تلك الفتنة أن يتبعها وهي التي جاء ذكرها في رواية الإمام الباقر عليه السلام: «أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهرا أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقا كثيرا دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه، فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا وأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى. قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج، يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم، وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله» (كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: ص311 – 312).
أقول: الظاهر ان مدة الشهر والشهرين التي يكون فيها السفياني مشغولا عن الشيعة كافية لمعرفة أمره وكشف حقيقته وانه هو السفياني الذي جاء ذكره في الروايات الشريفة وعليه يكون الوقت كافيا للخروج من الكوفة أو المدن التي سيدخلها وتغييب الوجه عنه وعن جيشه.
والحمد لله رب لعالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطاهرين.
-----------------------------
بقلم: الشيخ وسام البلداوي