ج: الجماد لا خيرة له، فلو رميته من فوق، جذبه طبعه إلى الأرض والنبات لا خيرة له، ينمو تحت عوامل الحر والضوء والتراب. والمياه لا خيرة لها، تركد إذا لم تجد مسيلاً، وتسيل إذا وجدت مسرحاً. والشمس والقمر، والنجوم والسحاب، و.. كلها تجري بتقدير العزيز العليم، حسب موازين القدرة العليا.
والإنسان له ناحيتان:
1: ناحية التكوين، ويشترك في هذه الجهة مع سائر الموجودات، فالدورة الدموية، وحركة القلب والرئة، وتصفية الكبد، و.. كلها خاضعة للقانون العام الذي أودعه الله تعالى في الجسم.
2: ناحية الإرادة، والإنسان من هذه الجهة حر مختار.. يأكل حيث أراد، ويمشي كيف شاء، ويعمل ويفكر، وينظر ويغمض، ويحسن ويسيء، كل ذلك حسب إرادته ومشيئته.
فإن من يزعم: أن الإنسان مجبور في عمله، كالحجر المرمي، والنبات النامي، يصادم البديهة. ولو كان الإنسان مجبوراً في عمله، لكانت القوانين والمحاكم، والأنظمة و.. كلها لغواً، ولا يقول بذلك إلا من كان بعيداً عن الإنسانية.
فإن الحيوان: مختار في كثير من أعماله- كما نشاهد- فكيف بالإنسان الذي هو أرقى من الحيوان وأرقى؟
وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين) الكافي ج1 ص160.
فإن الإنسان في تصرفاته مختار إن شاء أحسن وإن شاء أساء، وفي نفس الحين تكون قدرته على الإحسان وعلى الإساءة هي من الله تبارك وتعالى، (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، (وهديناه النجدين).
ولتقريب الصورة نذكر المثال التالي: تصوروا قطاراً يسير بقوة الطاقة الكهربائية حيث ان في أعلى القطار حلقة مربوطة بسلك كهربائي يمتد هذا السلك إلى محطة، في تلك المحطة رجل بإمكانه أن يقطع التيار الكهربائي عن القطار فلا يسير، وبإمكانه أن يوصل السلك بالكهرباء فيتمكن من السير، وفي نفس القطار هناك قائد يتحكم فيه إيقافاً وتسييراً وفي أخذه ذات اليمن وذات الشمال، فقائد القطار في حين أنه مختار في تصرفه بالقطار، هو أيضاً لا قدرة له بالتحكم فيه، لأن الرجل الذي في المحطة لو قطع عنه تيار الكهرباء لما تمكن القائد من التحكم بالقطار.
والإنسان كذلك جميع ما عنده من النعم والقوى والملكات والكفاءات هي من الله تبارك وتعالى ولكنه مختار إن شاء استخدمها في الخير فيثاب ويؤجر على ذلك وإن شاء استخدمها في الشر فيأثم ويعاقب على ذلك قال تعالىإنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).
هذا، وقد دار حوار بين الإمام الكاظم(عليه السلام) والنعمان أبو حنيفة حيث قال للإمام (عليه السلام): مِمَّن المعصية؟ قال(عليه السلام): يا شيخ لا تخلو من ثلاث: إما أن تكون من الله وليس من العبد شيء فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله، و إما أن تكون من العبد ومن الله والله أقوى الشريكين فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه، وإما أن تكون من العبد وليس من الله شيء فإن شاء عفا وإن شاء عاقب. بحار الأنوار ج5 ص27.
تعليق