بسم الله الرحمن الرحيم
يقول العالم الرباني السيد عبد الأعلى السبزواري [قدس] :
خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، من حيث الجمال الظاهريّ، وتمام الصنعة والخلق والاستعداد لتلقي الفيوضات والقابلية للاستكمال، فأودع فيه الفطرة التي جمع فيها الحقائق والمواثيق، وجعل فيه العقل الذي به امتاز عن سائر المخلوقات، وليدرك به صنع ربّه فيه، وما أودعه في مخلوقاته، ويميّز بين الصالح من غيره وبعث لأجله التكليف والتشريع الذي هو نعمة إلهيّة خصّ بها أعزّ مخلوقاته وهو الإنسان، ولكنّه إذا غفل عن نفسه واتّبع هواه، فصار مرتعاّ للشيطان وأعرض عن ذكر الرحمن، أصبح عُرضة للفساد والآثام، فلم يكن له مستند فطريّ ليردعه عن غيّه، ولا إسناد عقليّ ليمنعه عن ضلاله، ولا اعتمد على مبدأ غيبيّ ليوصله إلى الكمال، فحينئذٍ يأتي الخطاب بأنّه ليس على شيء، وما أشد هذا الخطاب الربوبيّ، إذ هو يجرّد الإنسان عن جميع ما يكون سبباً لصلاحه، إلّا أن تدركه بارقة إلهيّة ليرجع إلى الطاعة، فينقدح فيه نور الإيمان، وليضيء له الدرب للاستكمال، فيتوب إلى اللَّه، ويرجع إليه بالإنابة ويقيم الشريعة، ولا ريب انّ تلك المراحل والمراتب للرجوع إلى الطاعة والإنابة لا تكون إلّا بتوفيق ربّ العالمين.
________________________________
مواهب الرحمن في تفسير القرآن: ج١٢ ص٦٧.