إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

اغتيال النبي محمد ص واله من مصادر سنية وشيعية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    غضب النبي (صلى الله عليه وآله) على عصبة قريش وأقواله فيهم

    بعد اشتداد حدة الصراع بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين حزب قريش رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أقوال وأعمال عصبة قريش وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة بشدة بما يلي: 1 - لعن العاصين لحملة أسامة بن زيد إلى الشام (2). 2 - رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قولهم يهجر (في يوم الخميس) ورفضهم
    (هامش)
    (1) العقد الفريد 4 / 259، تاريخ أبي الفداء 1 / 156، تاريخ الطبري 3 / 198. (2) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 52. (*)
    نظريته: كتاب الله وعترتي أهل بيتي بقوله لهم: إنهن (نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) أفضل منكم (1) وذلك بعدما قال عمر لهن: اسكتن (2). 3 - أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمر وأصحابه من منزله في يوم الخميس قائلا لهم: قوموا (3). 4 - قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعائشة وحفصة في صبيحة يوم الاثنين (يوم وفاته) ردا على دعوتهما أبويهما لإمامة الصلاة في المسجد النبوي: إنكن لصواحب يوسف (4). 5 - تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) موت عائشة السريع قبل وفاته (صلى الله عليه وآله) إذ قالت عائشة: فتمنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) موتي قائلا: وددت أن ذلك يكون وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك (5). أي تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) موت عائشة السريع قبل مشاركتها في قتله ودخولها في فتنة عمياء، ومسيرها لمحاربة علي (عليه السلام) في البصرة. 6 - وقال النبي (صلى الله عليه وآله) عن مسكن عائشة: هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، من حيث يخرج قرن الشيطان (6).
    (هامش)
    (1) كنز العمال، المتقي الهندي 3 / 138. (2) منتخب كنز العمال، المتقي الهندي 3 / 114. (3) مسند أحمد بن حنبل 1 / 325، صحيح مسلم في آخر الوصايا 1 / 232، السقيفة والخلافة، أبو بكر الجوهري، صحيح البخاري، باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118. (4) تاريخ الطبري 2 / 439، سيرة ابن هشام 4 / 301. (5) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 206. (6) صحيح البخاري 4 / 92، 174، 5 / 20، 8 / 95، صحيح مسلم 8 / 172، سنن الترمذي 2 / 257. (*)
    7 - وبعدما سقوه وصف عملهم بالعمل الشيطاني (1). 8 - وبعد مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله) وقبل وفاته قالت عائشة: ذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى البقيع ثم التفت إلي فقال: ويحها لو تستطيع ما فعلت! (2) وهذا النص واضح في إقدام عائشة على ارتكاب فعل خطير مشابه لفعلها في معركة الجمل، وذلك الفعل ما هو إلا إقدامها على سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لصالح أبيها وعصبته. وفسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك بعدم سيطرتها على أهوائها. وإقدامها على جريمة عظيمة. وأخرج مالك بن أنس ما يبين حادثة منكرة لأبي بكر قائلا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي. فبكى أبو بكر ثم بكى، ثم قال: أإنا لكائنون بعدك؟ (3) وهذا من دلائل النبوة إذ أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعائشة بجريمتهم قبل وبعد سمهما له.
    (هامش)
    (1) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245. (2) الطبقات، ابن سعد 2 / 203 طبعة دار صادر، بيروت. (3) الموطأ، مالك بن أنس ص 236، كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله حديث 995. (*)
    هل قتلت عصبة قريش أحدا من المسلمين؟

    لقد قتل رجال الحزب القرشي الكثير من الناس بوسائل مختلفة وعلى رأس تلك الوسائل الاغتيال، فقد هجم عمر وأتباعه بأمر أبي بكر على بيت فاطمة (عليها السلام)، بعد يوم واحد على دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فضغط عمر باب فاطمة (عليها السلام) على فاطمة (عليها السلام) المتسترة خلف الباب، ودخلوا بيتها عنوة ودون إذنها (1). فاغتالوا فاطمة (عليها السلام) بعد اغتيالهم لأبيها (صلى الله عليه وآله) إذ ماتت بعد فترة وجيزة من ذلك الحادث قال اليعقوبي: إنها عاشت بعد أبيها ثلاثين، أو خمسة وثلاثين يوما، وهذا أقل ما قيل في مدة بقائها بعد أبيها (2). وقول آخر أربعون يوما، وقول ثالث خمسة وسبعون يوما وهو الأشهر. والرابع خمسة وتسعون يوما وهو الأقوى (3). وقال الإمام الصادق: إنها قبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة (4). وامتنعت سيدة نساء العالمين من التحدث إلى أبي بكر وعمر وعائشة
    (هامش)
    (1) أنساب الأشراف 1 / 586، أعلام النساء 4 / 114، مروج الذهب، المسعودي 3 / 77 طبع دار الهجرة. (2) تاريخ اليعقوبي 2 / 115. (3) المصدر السابق. (4) دلائل النبوة، الطبري ص 45. (*)
    وحفصة من يوم قتل أبوها إلى أن ماتت (1). وتسببت عصبة قريش في مقتل الكثير من الصحابة لاحقا، من أمثال سعد بن عبادة وخالد بن سعيد بن العاص وأبي ذر وعبد الله بن مسعود (2)، دون سبب موجب لذلك، مثل ردة بعد إسلام، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس مؤمنة. وبعد اغتيال الحزب القرشي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة (عليها السلام) تقدموا لقتل بقية أهل البيت (عليهم السلام) وحذف السنة النبوية من النواحي التراثية والسياسية والعلمية بقولهم: حسبنا كتاب الله، فمنعوا تدوين السنة النبوية وتفسير القرآن، بينما سمحوا لكعب الأحبار وتميم الداري بالوعظ الديني في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) (3). ثم تحرك رجال الحزب القرشي لاغتيال بعضهم البعض في سبيل الاستحواذ على السلطة والاستمرار فيها، فقتلوا أبا بكر وصاحبه عتاب بن
    (هامش)
    (1) صحيح البخاري، باب فرض الخمس 5 / 177، تاريخ الطبري 3 / 202، الإمامة والسياسة 1 / 14، أعلام النساء 3 / 314، صحيح مسلم ص 1259. (2) أنساب الأشراف، العقد الفريد، ابن عبد ربة 4 / 247، السقيفة والخلافة، عبد الفتاح عبد المقصود ص 13، تاريخ أبي زرعة ص 111، أسد الغابة 1 / 359، تاريخ دمشق، ترجمة أبي ذر، تاريخ أبي الفداء 1 / 333. (3) مجمع الزوائد عن الإمام أحمد ص 190، تاريخ أبي زرعة ص 335 ح 1915، الطبقات، ابن سعد 5 / 140، تاريخ ابن كثير 8 / 107، تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبة 1 / 12. (*)
    أسيد الأموي، وطبيب العرب ابن كلدة الذي فضح الاغتيال (1). وقتل معاوية أشراف قريش دون استثناء منه لرجال بني أمية. فاغتال في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والحسن بن علي (عليه السلام)، وزياد بن أبيه (2).
    زوجتا النبي (صلى الله عليه وآله) عائشة وحفصة

    من المستحسن ذكر بعض أعمال عائشة وحفصة للتعرف على شخصيتهما: لقد ذكر البخاري اعتزال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنسائه (3) أي طلاق النبي (صلى الله عليه وآله) لعائشة وحفصة. وأيد مسلم نزول هذه الآية في تلك الحادثة { عسى ربه طلقكن أن يبدله
    (هامش)
    (1) اغتيال الخليفة أبي بكر والسيدة عائشة، المؤلف. (2) نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 129 - 151، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 247، 250، طبقات ابن سعد 3 / 198، مروج الذهب، المسعودي 2 / 301، 410، السقيفة والخلافة، عبد الفتاح عبد المقصود ص 13، سنن البيهقي 9 / 128، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 8 / 26، 24 / 24، الكامل في التاريخ 3 / 204، 353، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 92، 95، تاريخ الطبري، أحداث معركة بدر، تاريخ اليعقوبي 2 / 139، الاستيعاب 2 / 393، الإصابة 3 / 306، مقاتل الطالبيين ص 47، 48، مستدرك الحاكم 3 / 476، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 58 - 60. (3) صحيح البخاري 6 / 70، طبعة دار الفكر - بيروت. (*)
    أزواجا خيرا منكن، مسلمات مؤمنات } (1). وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد طلق عائشة وحفصة ثم راجعهما (2). مما يبين سوء أخلاقهما معه وعدم حبهما له وإغضابهما له. وكانت حفصة وعائشة قد تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). فنزلت الآية المباركة: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه... } (4). وكانت عائشة وحفصة تؤذيان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يظل يومه غضبان (5). فقال عمر بن الخطاب لحفصة: لقد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يحبك (6). واعتراف البخاري بذلك، يعني أن خبر أذاهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قد انتشر بين الناس وتواتر الخبر. وهما اللتان صورتا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشيطان نعوذ بالله من ذلك، يوم قالتا لمليكة (زوجته الجديدة): قولي لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله منك، فإنه يحب ذلك.
    (هامش)
    (1) التحريم: 5، صحيح مسلم 4 / 188، ط. دار الفكر - بيروت. (2) المستدرك، الحاكم 4 / 16 ح 6753، 6754، 2351، 2352 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (3) صحيح البخاري 6 / 69، طبعة دار الفكر - بيروت. (4) التحريم: 66 / 4، 5، تفسير الثعلبي، الآية، تفسير ابن كثير 4 / 634، صحيح البخاري 3 / 136. (5) صحيح البخاري 6 / 69، طبقات ابن سعد، المتوفى سنة 230 ه‍، 8 / 56. (6) صحيح مسلم 4 / 188. (*)
    فقالت المسكينة ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فطلقها (1). ثم ماتت المسكينة كمدا، وكانت المتعوذة بالله سبحانه من الرسول (صلى الله عليه وآله) بتعليم عائشة وحفصة أكثر من واحدة. وشككت عائشة في نسب إبراهيم ابن الرسول (صلى الله عليه وآله) (2). وخالفت عائشة وحفصة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه وأرادت كل واحدة منهما أن تدعوا أباها لإمامة صلاة الجماعة فقال لهن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنكن صواحب يوسف (3). وخالفت عائشة قول الله سبحانه وتعالى: { قرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } (4). وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الامتناع عن محاربة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فحاربته في معركة الجمل، وأرادت حفصة الاشتراك في ذلك فمنعها أخوها عبد الله (5). وكانت زبيدة زوجة هارون الرشيد أفضل من عائشة إذ جاء: لما قتل محمد الأمين دخل إلى السيدة زبيدة أمه بعض خدمها، وقالوا
    (هامش)
    (1) طبقات ابن سعد 8 / 145، المحبر ص 94 - 95، المستدرك، الحاكم 4 / 37، الاستيعاب 2 / 703، الإصابة 3 / 530 في ترجمة نعمان بن أبي الجون، تاريخ اليعقوبي باب أزواج النبي (صلى الله عليه وآله). (2) المستدرك، الحاكم 4 / 42، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) تاريخ الطبري 2 / 439، سيرة ابن هشام 4 / 301. (4) الأحزاب: 33. (5) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 80، تاريخ الطبري 3 / 477، معجم البلدان 2 / 362، 2 / 78 - 79، الروض المعطار ص 206، تطهير الجنان، ابن حجر، بهامش الصواعق المحرقة ص 108. (*)
    لها: ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين؟ فقالت: ويلك ماذا أصنع؟ قال: تخرجين فتطلبين بثأره، كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت: اخسأ لا أم لك، ما للنساء وطلب الثأر ومنازلة الرجال؟ ثم أمرت بثيابها فسودت، ولبست مسحا من شعر (1). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعائشة يوما: أفأخذك شيطانك (2). وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) عن دار عائشة: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان (3). وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لمن سقاه الدواء (السم) في بيت عائشة: إنها من الشيطان (4). واستمرت عائشة في مخالفتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبينما قال الرسول: الولد للفراش وللعاهر الحجر كتبت عائشة لزياد بن أبيه: زياد بن أبي سفيان! (5) وفرحت عائشة وحفصة بمقتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (6).
    (هامش)
    (1) مروج الذهب 2 / 327. (2) مسند أحمد 6 / 221. (3) صحيح البخاري 4 / 46، طبعة دار الفكر - بيروت. (4) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245. (5) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 9 / 78. (6) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43. (*)
    وبينما قال الرسول (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (1). منعت عائشة مع مروان بن الحكم من دفن الحسن (عليه السلام) مع جده (صلى الله عليه وآله) (2). فتكون عائشة وحفصة قد أغضبتا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخالفتاه فطلقهما وصورتا خاتم الأنبياء بالشيطان - نعوذ بالله من ذلك -، وكذبتا عليه في الحديث، وتسببت عائشة في قتل أعداد كثيرة من المسلمين بفتواها وبيديها وقيادتها للجيوش. وأمرت في البصرة بقتل سبعين مسلما هم حراس بيت المال هناك للسيطرة على الأموال الموجودة في الخزينة العامة (3). ومن يفعل هذه الأفعال يكون من السهل عليه ارتكاب جريمة أخرى، وهذا ما يؤيد إقدامها على قتل رسول البشرية (صلى الله عليه وآله) لتهيئة الأرضية لحكومة أبيها. ويدعم ذلك الروايات الصحيحة في اشتراكها في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). ومثلما أغتيل رجال الاغتيال كمحمد بن مسلمة (5)، فقد اغتيلت
    (هامش)
    (1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 10، سنن الترمذي 2 / 306، مسند أحمد 3 / 3، 62، 82، الحلية، أبو نعيم 5 / 71، تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي 9 / 231، 232. (2) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 7 / 45، تاريخ أبي الفداء 2 / 255، تاريخ اليعقوبي 2 / 225. (3) تاريخ الطبري 3 / 486، 487. (4) تفسير العياشي 1 / 200، البحار، المجلسي 22 / 516، 28 / 21. (5) الإصابة، ابن حجر 3 / 384. (*)
    عائشة بيد معاوية بن أبي سفيان (1). وأفعال حفصة أيضا تؤيد الروايات الصحيحة في اشتراكها في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). وبينما تمتعت عائشة وحفصة في ظل خلافة أبويهما بأفضل معيشة دنيوية، في ظل خيرات البلدان المفتوحة، لم تحصل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) إلا على الحزن والحرمان والاغتيال. إذ قالت: صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا (3) وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد هيأها لاستقبال المعضلات والمظالم وهو من علائم النبوة له (صلى الله عليه وآله) إذ قال لها: يا فاطمة اصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا، فنزلت الآية الكريمة: { ولسوف يعطيك ربك فترضى } (4).
    من قتل على يد أم المؤمنين؟

    تختلف عائشة عن خديجة اختلافا منهجيا إذ كانت شديدة، وكانت
    (هامش)
    (1) الصراط المستقيم 3 باب 12 / 46. (2) المصدر السابق. (3) ذكره النابلسي في ثلاثيات مسند أحمد 2 / 489، والديار بكري في تاريخ الخميس 2 / 173، والعلامة ابن سيد الناس في عيون الأثر 2 / 340، والسمهودي في وفاء الوفا 2 / 443، والنبهاني في الأنوار المحمدية ص 593. (4) كنز العمال 12 / 422. (*)
    تحاول الاستفادة من شدتها في حل القضايا المعضلة عندها. في رواية عن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة وهو يقول: لا إله إلا الله ما فتح الليلة من الخزائن؟ لا إله إلا الله ما أنزل الليلة من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر، يريد به أزواجه... يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (1). وروى البخاري: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة. من حيث يطلع قرن الشيطان (2).
    حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) هنا عام في الفتنة، وأن منبعها مسكن عائشة، فهل يقصد في ذلك اشتراكها في قتله (صلى الله عليه وآله)، كما جاء في الرواية أم يقصد اشتراكها في دعم مشروع السقيفة واغتصاب الخلافة، أم تحركها الواسع لرفض الثقل الثاني بعد القرآن أي أهل البيت (عليهم السلام)، أم افتعالها معركة الجمل للمطالبة بدم عثمان وهي التي قتلته، أم أنه (صلى الله عليه وآله) يقصد بحديثه المذكور مجموع تلك الفتن وغيرها التي دخلتها أم المؤمنين عائشة. وكانت حفصة وعائشة لهما منزلة مشهودة في الشدة والقسوة في التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد نزل في حقهما آيات قرآنية تشهد على ذلك،
    (هامش)
    (1) صحيح البخاري، كتاب اللباس 4 / 33، صحيح الترمذي (الجامع 4 / 488)، ومسند أحمد (الفتح 32 / 34). (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 6 / 243 حديث 3104، ط. دار الريان، صحيح البخاري 4 / 92، 174، 5 / 20، 8 / 95، صحيح مسلم 8 / 172، سنن الترمذي 2 / 257. (*)
    كما ذكرنا في هذا الموضوع إلا أن منزلة عائشة أم المؤمنين كانت أشد بحيث أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزلها بأنه دار الفتنة ثلاث مرات. ولم تؤثر طول مدة الرفقة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عائشة والبالغة عقدا من الزمان، إذ بقيت شديدة قاسية لا ترحم من تبغض ولا تتوانى في الدفاع عمن تحب. وكان منطق العربي في الجاهلية كما قال الشاعر: لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا فالجاهلي كان يحب ويبغض طبقا لعصبيته، ويثأر لها بكل السبل المتاحة، ولا يتوانى عن حمل السلاح وطي المسافات الطويلة في سبيل غاياته وغايات قبيلته. طبعا كان ذلك من أعمال وصفات الرجال دون النساء إلا ما شذ وندر، ولقد فعلت أم المؤمنين عائشة ما عجزت عنه النساء في الجاهلية والإسلام. ولما طلبوا من زبيدة زوجة هارون الرشيد الثأر لمقتل ابنها الأمين بيد المأمون كما فعلت عائشة، رفضت ذلك وصدته طاعة لله سبحانه وتعالى. إذ قال تعالى في كتابه الشريف: { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى... } (1).
    (هامش)
    (1) الأحزاب: 33. (*)
    وأشارت المصادر إلى اشتراك أم المؤمنين عائشة في اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصدرت فتوى بقتل عثمان بن عفان وسعت لقتل الخليفة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في معركة الجمل. وتسببت في مقتل عشرين ألف مسلم في معركة الجمل. وقتلت رجلا من المسلمين، وفرحت عائشة بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأعلنت السرور وقالت: فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر وسجدت شكرا لله تعالى (1). وسمت خادمها باسم عبد الرحمن، حبا وكرامة لعبد الرحمن بن ملجم الخارجي، الذي قتل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). إذ روي عن مسروق أنه قال: دخلت على عائشة فجلست إليها فحدثتني واستدعت غلاما لها أسود يقال له عبد الرحمن، فجاء حتى وقف، فقالت: يا مسروق أتدري لم سميته عبد الرحمن؟ فقلت: لا. قالت: حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم (2). هذا في الوقت الذي روت فيه عائشة في أواخر أيام حياتها في الدنيا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
    (هامش)
    (1) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43. (2) كتاب الشافي 4 / 158، الجمل، المفيد ص 84. (*)
    أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب (1). أي أنها كانت تعرف ذلك وتكتمه من الناس لمعارضتها الخليفة علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقد امتنع الإمام علي (عليه السلام) عن إثارة حفيظتها وإغضابها في أيام خلافته، إذ لبى طلبها في عدم قتل المشاركين لها في حرب الجمل، والمختفين في بيتها في البصرة، ثم أكرمها وأعزها وأرجعها إلى بيتها في المدينة المنورة، بصحبة أخيها محمد بن أبي بكر، احتراما منه لرسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد كانت العلاقة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين زوجتيه عائشة وحفصة غير جيدة لمخالفتهما له، واشتدت حالة الخصام بينهما وبين النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): إنكن لصويحبات يوسف (2). واستمرت حالة العداوة بينهما وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الله سبحانه وتعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن } (3). وقد سأل ابن عباس من عمر بن الخطاب عن المقصود بالآية فقال: عائشة وحفصة.
    (هامش)
    (1) مستدرك الصحيحين، الحاكم 3 / 124، كنز العمال 6 / 400، الرياض النضرة 2 / 177، 193، ذخائر العقبى ص 77، حلية الأولياء 1 / 63، تاريخ بغداد 11 / 89، مجمع الزوائد 9 / 131. (2) تاريخ الطبري 2 / 439، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 322، صحيح البخاري 1 / 172 ب 46، صحيح مسلم 1 / 313، 94، 95، 101، دلائل النبوة، البيهقي 7 / 186. (3) التحريم 66 / 4، 5، صحيح البخاري 3 / 136، وجاء في تفسير الثعلبي وتفسير الكشاف أن صالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الطرائف ص 24. (*)
    وقد روت عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد طلب من نسائه أثناء مرضه العلاج في بيتها، إلا أنها كذبت ذلك لاحقا بقولها: ثم رجع إلى بيت ميمونة، فاشتد وجعه (1). وكانت عائشة قد تمارضت عندما شكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مرضه، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وارأساه فقالت: وارأساه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل أنا وارأساه. قالت عائشة: فتمنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) موتي قائلا: وددت أن ذلك يكون وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك (2). وتوجهات عائشة في حياتها تبين شدة طبعها، وخشونة أخلاقها، وحدة ميولها. فلقد طلقت زوجة من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) بالاحتيال عن طريق دفعها للقول للرسول (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله منك. فقالت أسماء بنت النعمان للنبي (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله منك. فقال: أمن عائذ بالله، الحقي بأهلك (3). ورفعت صوتها على صوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضربها أبوها. وكسرت إناء أم سلمة الذي قدمت فيه طعاما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
    (هامش)
    (1) الطبقات، ابن سعد 2 / 206. (2) الطبقات، ابن سعد 2 / 206. (3) الطبقات، ابن سعد 8 / 145، المحبر ص 94 - 95. (4) صحيح النسائي باب الغيرة 2 / 159. (*)
    وتحركت عائشة مع جيش من الناكثين لقتل علي (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بينما منع عبد الله بن عمر حفصة من الالتحاق بها، وكانت رغبتها في المشاركة في حرب الجمل أكيدة (1). فتسببت عائشة في مقتل عشرين ألف مسلم يشهد شهادة لا إله إلا الله، محمد رسول الله (2). ثم منعت عائشة مع مروان من دفن سبط النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن بن علي (عليه السلام) مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد أن سمته جعدة بنت الأشعث. ويعجب الإنسان من موقف عائشة من زوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن وصيه وسبطه! وعن الفتنة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرور فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها - وفي رواية - وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى علي (3). وروى أسامة بن زيد: أشرف النبي (صلى الله عليه وآله) على أطم (4). من أطام المدينة ثم قال:
    (هامش)
    (1) شرح نهج البلاغة 2 / 80. (2) مروج الذهب، المسعودي 2 / 371. (3) صحيح مسلم، كتاب الفتن 14 / 18، ومسند أحمد (الفتح 23 / 215) وكنز العمال 11 / 121، 11 / 122. (4) الأطم: القصر أو الحصن. (*)
    هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر (1).

    يتبع

    تعليق


    • #12
      مقتل جني بيد زوجة النبي (صلى الله عليه وآله)

      كانت أم المؤمنين عائشة تتوسل بالقوة لحل المعضلات وتضرب بيد من حديد كل من يخالف منهجها وأهدافها كائنا من كان. لذلك تصادمت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع علي (عليه السلام) ومع فاطمة (عليها السلام) ومع غيرهم فرحموها استنادا إلى منهجهم في إدارة الأحداث، إذ لم تكن عائشة تتصور بأن عليا (عليه السلام) سيتعامل معها بلطف عال بعد معركة الجمل، رغم سجلها الخطير في معارضة أهل البيت (عليهم السلام) ومحاولاتها في تحطيهم أطروحاتهم. ففي رواية كان جان يطلع على عائشة، فحرجت عليه مرة بعد مرة فأبى إلا أن يظهر، فعدت عليه بحديدة فقتلته. فأتيت في منامها، فقيل لها: أقتلت فلانا وقد شهد بدرا، وكان لا يطلع عليك لا حاسرا ولا متجردة، إلا أنه كان يسمع حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ منها ما تقدم وما تأخر، فذكرت ذلك لأبيها. فقال: تصدقي باثني عشر ألف ديته (2). بعد قراءتنا لهذه الرواية نفهم بأن عائشة قد قتلت شخصا مسلما، قد اشترك في معركة بدر إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
      (هامش)
      (1) صحيح البخاري، كتاب الحج 1 / 322، صحيح مسلم 7 / 18. (2) سير أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 196، 2 / 198، تذكرة الحفاظ، الذهبي 1 / 29. (*)
      ولكن يد السياسة قد حرفت الخبر فقد نسخته جانا بعد أن كان أنسيا، إذ لا يعقل قتل عائشة لفرد من الجن بيديها الضعيفتين! وهل يمكن قتل الجان؟ وكان الحزب القرشي قد تعود منذ الجاهلية على القاء مسؤولية الأحداث على الجن، للهروب من تبعات الأمور ومخاطرها. فقد قتل كفار قريش طالب بن أبي طالب في معركة بدر لمخالفته المشاركة في قتال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولما خافوا عشيرته ادعوا اختطاف الجن له! (1) ولما قتل محمد بن مسلمة (مأمور عمر الخاص) سعد بن عبادة في الشام سارعت السلطة لاتهام الجن بذلك. وأقدمت عائشة على تسطير شعر تأييدا لذلك! (2) والسؤال المفروض هو: من هو الصحابي الذي قتلته عائشة بيديها؟ لقد كان منزل عائشة بجانب المسجد النبوي والحادثة وقعت في ذلك المكان، والمسلمون يزورون المسجد النبوي للصلاة فيه ليلا ونهارا، لكننا لا نعلم هوية الصحابي المقتول! وقد يكون الحباب بن المنذر المعارض لأبيها الذي مات في ظروف مشكوكة في ذلك التاريخ. ورغم تصدقها عن دية الصحابي المقتول لكنها لم تتصدق عمن
      (هامش)
      (1) السيرة الحلبية 1 / 268 طبع دار إحياء التراث العربي. (2) تاريخ الإسلام، الذهبي 3 / 149، أنساب الأشراف، البلاذري، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 247. (*)
      تسببت في قتلتهم في معركة الجمل، وكان المغيرة بن شعبة قد قال لها: أنت قتلت عثمان (1).
      النبي (صلى الله عليه وآله) يتمنى موت زوجته السريع

      قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن منزل عائشة: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان (2). وجاء في رواية عن عائشة قولها: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصدع، وأنا أشتكي رأسي فقلت وا رأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه. ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك؟ فقلت: والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تمادى به وجعه فاستعز به (3). وفي رواية أخرى عن القاسم بن محمد عن عائشة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذاك (موتك) لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت: وا ثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت
      (هامش)
      (1) العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي 4 / 277. (2) صحيح البخاري، كتاب اللباس 4 / 33. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 446، البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 244. (*)
      آخر يومك معرسا ببعض أزواجك (1). لقد أدركت وعرفت عائشة من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) المذكور حبه لموتها العاجل والسريع فدهشت وصرخت. ولقد تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) موتها لمعرفته بالفتن التي ستخوضها من بعده والفتن التي تصنعها. ولم تصغ عائشة لقوله ولم تتمن ما تمناه لها، بل رفضت عرضه ودعاءه وأمنيته. وشككت في نواياه (صلى الله عليه وآله) فجعلتها نوايا دنيوية هدفها الرغبة في الزواج بنساء أخر وفي غرفتها! وكان الأجدر بها أن توافق على رغبته (صلى الله عليه وآله) لتنال شفاعته في الآخرة ودعاءه بالمغفرة في الدنيا.
      حقائق غيرت

      لقد غير الرواة الأمويون والقصاصون كلما استطاعوا عليه ومن ذلك لون الصحابة واصلهم وعبوديتهم. فقد كان عمر بن الخطاب عبدا حبشيا من عبيد الوليد بن المغيرة المخزومي فجعلوه حرا ومن ولد إسماعيل (عليه السلام) وأبيض اللون!! وهذه الزيف المتعمد يفقد القارئ الثقة بأولئك الكتاب والرواة. وكانت صهاك جدة عمر زنجية وكان نفيل زنجيا من الحبشة، وكانا من
      (هامش)
      (1) صحيح البخاري، كتاب الأحكام رقم 5 ج 9 / 190. (*)
      عبيد عبد المطلب بن هاشم، وكانت حنتمة أم عمر ممن عثر عليها هشام بن المغيرة المخزومي ورباها (1). وجاء بأن عمر بن الخطاب كان عسيفا (عبدا) للوليد بن المغيرة المخزومي (2). وقال ابن حجر العسقلاني عن عمر بن الخطاب: كان أعسر يسرا طويلا آدم شديد الأدمة (3). وقال سفيان الثوري: كان عمر رجلا آدم (4). لكن أتباع الخط القرشي الكارهين للون الأسود قالوا: كان عمر أبيض (5). لكن الواقدي أقر بزنجيته قائلا: إن سمرته إنما جاءت من أكل الزيت عام الرمادة (6). فأراد الواقدي أن يبعد أصله الحبشي الزنجي عن أذهان الناس، لكن الواقدي لم يعذر بلال الحبشي بأنه أصبح أسود اللون من أكله الزيت في عام الرمادة!
      (هامش)
      (1) راجع شرح نهج البلاغة، المعتزلي 3 / 102، تهذيب اللغة 8 / 122، تاج العروس، الزبيدي 13 / 188، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3 / 338، مثالب العرب، الكلبي ص 103. (2) أقرب الموارد، مادة عسف. (3) تهذيب التهذيب، ابن حجر 7 / 386. (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق. (6) المصدر السابق. (*)
      وكان أبو بكر وأبوه أبو قحافة من العبيد، وكان اسمه عتيق لأنه أعتق من العبودية. وكان أسود اللون إذ ذكروه في جملة السودان فقال ابن الجوزي في كتاب عيون الأثر: بأن السودان: أسامة بن زيد وأبو بكر وسالم مولى أبي حذيفة وبلال بن رباح (1). وسمي عتيق لأنه أعتق من العبودية، فجاء: قال جبير بن مطعم بن عدي لعبده وحشي: إن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق (2)، فعتيق هو كل من يعتق. وكان أولاد أبي قحافة هم: عتيق وعتيق ومعتق، وهذه أسماء المعتقين من العبودية. وقال الشاعر عمير بن الإلب الضبي عن حربه مع عائشة مع معركة الجمل: أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم إلا أعبد وإماء (3) لذلك قال أبو سفيان عن حكم أبي بكر: ما بال هذا الأمر في أقل قريش مكانة وأذلها ذلة (4).
      (هامش)
      (1) سورة الضحى: 5، عيون الأثر، ابن سيد الناس ص 449، وقد حذف الناشرون ذلك في الطبعات الجديدة. (2) السيرة الحلبية، الحلبي 2 / 217. (3) تاريخ الطبري 3 / 531. (4) أخرجه الحاكم وصححه الذهبي، تاريخ الخلفاء، السيوطي ص 66. (*)
      وقال عمر: والهفاه على ضئيل بني تيم (1). وكان أبو قحافة من عبيد عبد الله بن جدعان التيمي وعمله النداء على طعام ابن جدعان، فجاء في حق ابن جدعان من الشعر: له داع بمكة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادي فالمشمعل هو سفيان بن عبد الأسد والآخر هو أبو قحافة والاثنان من عبيد عبد الله بن جدعان، قال هشام بن الكلبي: كانت أم سفيان بن عبد الأسد أمة لابن جدعان (2). وكان ابن جدعان أكبر تاجر للعبيد والإماء في مكة وصاحب أكبر دار لتوليد وبيع الأطفال، إذ كان يملك العشرات من الإماء اللواتي يعرضهن على الرجال فيحملن منهم ثم يبيع الأطفال من آبائهم أو من الغرباء (3). وبعد ذكرنا لتلك النصوص نفهم بأن أبا بكر كان من العبيد السود، والعبيد السود جاءوا إلى مكة من الحبشة، ولأنه أعتق في بني تيم فقد أصبح أبو بكر التيمي. وغير رجال البلاط وأتباع الهوى لونه فأصبح أبو بكر أبيض وعربي وهو أسود وحبشي. متناسين نظرة الإسلام إلى اللون والقومية في عدم الفرق عنده!
      (هامش)
      (1) شرح النهج، المعتزلي 2 / 31 - 34. (2) مثالب العرب، هشام بن الكلبي ص 139، طبعة دار الهدى للتراث - بيروت، معجم البلدان، الحموي 2 / 424، 5 / 185، السيرة النبوية، ابن كثير 1 / 117. (3) المصدر السابق. (*)
      بقوله تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (1) ولم يقل أبيضكم وقريشيكم. وكان لقمان الحكيم من السودان (2). وكانت عائشة أيضا سوداء اللون مثل أبيها، لكن الرواة المنصفون! جعلوها بيضاء اللون بل شقراء! جاء في مصنفات الشيخ المفيد (3): وفي تاريخ يحيى بن معين 3 / 509 قال: سمعت يحيى يقول: قال عباد: قلنا لسهيل بن ذكوان: هل رأيت عائشة أم المؤمنين؟ قال: نعم قلنا: صفها قال: كانت سوداء (4). وقال ابن حجر العسقلاني: إنها كانت أدماء (أي سوداء) (5). وقال البخاري صاحب كتاب صحيح البخاري أيضا عن سهيل بن
      (هامش)
      (1) الحجرات: 13. (2) أعلام النبلاء، الذهبي 1 / 355. (3) مصنفات الشيخ المفيد 1 / 369 في الحاشية. (4) مصنفات الشيخ المفيد 1 / 369، تاريخ يحيى بن معين 3 / 509. (5) لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني 3 / 124، 3 / 125، 4 / 125 طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند. (*)
      ذكوان قوله: كانت أدماء (1). وجاء في كتاب المجروحين: حدثتنا عائشة وكانت سوداء (2). وقال ابن حجر العسقلاني: بوجهها أثر جدري (3). فتكون عائشة سوداء في وجهها أثر جدري. وسميت بالحميراء في حديث الحوأب لأنها كانت سوداء مشربة بالحمرة، مثلما جاء في وصف الشريان: هو شجر عضاه الجبال تعمل منه القسي، وقوسه جيدة سوداء مشربة بالحمرة (4). وسمي الهنود السود في قارة أمريكا الشمالية بالهنود الحمر. ويتأسف المسلم للتغيرات الحاصلة في كتب السيرة والحديث بحيث تصبح السوداء شقراء ويصبح الكذاب موثق وبالعكس. ولأن بلال الحبشي الأسود من المعارضين للنظام فقد أبقوه على صفته أسود وحبشي، بينما أصبح الآخرون من البيض والعرب! وعن رحلة أبي بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى غار حراء جاء: أخرج الشيخ ابن الصباغ المالكي وهو من أعاظم علماء المالكية في كتاب النور والبرهان عن حسان بن ثابت أنه قال: ذهبت إلى مكة للعمرة قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) فرأيت قريشا يسبون
      (هامش)
      (1) التاريخ الكبير، البخاري 4 / 104. (2) المجروحين، محمد بن حبان التميمي 1 / 353، ميزان الاعتدال، شمس الدين الذهبي 2 / 242، 243. (3) لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني 4 / 136، طبعة حيدر آباد - الهند. (4) تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 4 / 1232. (*)
      أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،... عليا فنام في فراشه (1)، وخشى من ابن أبي قحافة أن يدلهم عليه، فأخذه معه (2). وقالت فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين لأبي بكر الآمر بالحملة على بيتها: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها (3). وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذى الله تعالى، ومن أغضبها فقد أغضب الله تعالى (4). ولأن أبا بكر الحاكم الأول للمسلمين فقد حوله الأمويين إلى أبيض وعربي، وأول من أسلم، وأقرب رجل للنبي (صلى الله عليه وآله)، وجعلوا عائشة أقرب امرأة للنبي (صلى الله عليه وآله)!، ولأن عمر أصبح الحاكم الثاني، فقد منحوه مرتبة المقرب الثاني عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا!!
      أحاديث المناقب

      قد يندهش القارئ من أمرين: الأول: صحة ما جاء في هذا الكتاب. والثاني: كثرة أحاديث المناقب في حق قتلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنقول:
      (هامش)
      (1) في الأصل المطبوع بكراچي جاء ذلك، والصحيح: فنام علي (عليه السلام) على فراشه . (2) كتاب النور والبرهان، ابن الصباغ المالكي. (3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 2 / 20، طبعة مؤسسة الحلبي، مصر. (4) المستدرك على الصحيحين 3 / 167 ح 4730، أسد الغابة 7 / 224. (*)
      إن أحاديث المناقب الموجودة في كتب الحديث والسيرة لمدح أفراد الحزب القرشي ليس لها أصل، بل وضعها الأمويون لصالح رفاقهم وكرها لأهل البيت (عليهم السلام). إذ قال ابن أبي الحديد: فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر (1). وقال الجاحظ والسيوطي بأن الأحاديث الواردة في مدح أبي بكر من الموضوعات (2). وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى الأمصار لتدوين الأحاديث الموضوعة في فضل عثمان بن عفان قائلا: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته، والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم . ثم كتب معاوية إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعو الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا من المسلمين في أبي تراب إلا وائتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وادحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان (3). فكثرت الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من أفراد الحزب القرشي حسدا لأهل البيت (عليهم السلام).
      (هامش)
      (1) شرح النهج، المعتزلي 3 / 15. (2) العثمانية، الجاحظ، المتوفى سنة 255 ه‍، ص 23، اللآلئ، السيوطي 1 / 286 - 304. (3) النصائح الكافية ص 72، 73 عن المدائني. (*)
      نادي الخمر الشهير

      ذكرت كتب الحديث المعتبرة شيئا عن نادي الخمر وأفصحت عن أسماء أعضائه قائلة: كان أبو بكر وعمر من أعضاء نادي الخمر الشهير، بينما كان أنس بن مالك ساقي القوم في ذلك النادي الذي يضم أيضا أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة زيد بن سهل صاحب النادي وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبا دجانة سماك بن خرشة وأبا أيوب الأنصاري وأبا بكر بن شغوب، ومعاذ بن جبل (1). وكانت هذه الحادثة في سنة فتح مكة الموافقة للسنة الثامنة للهجرة. وكان المعروف عن أبي بكر لعب القمار وشرب الخمر في الجاهلية، وبعد معركة بدر شربها مع عمر، وقالا هذا الشعر في رثاء قتلى المشركين: وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي (2)
      (هامش)
      (1) فتح الباري على صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني 10 / 30، صحيح مسلم 6 / 88. (2) أسباب النزول، الواحدي وأخرجه الطبري في تفسيرهما لآية لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى 203، 211، ربيع الأبرار، الزمخشري. (*)
      ثم شربها أبو بكر وعمر وأصحابهما في نادي الخمر قبل وبعد فتح مكة كما ذكرنا، ثم شربها أبو بكر في شهر رمضان بعد التحريم وقال شعرا منه: ذريني اصطبح يا أم بكر * فإن الموت نقب عن هشام ونقب عن أبيك وكان قرما * رحيب الباع شريب المدام ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام وتارك كلما يوحي إلينا * محمد من أساطير الكلام ولكن الحكيم رأى حميرا * فألجمها فتاهت باللجام (1) وكان سن أبي بكر عند شربه الخمر في ذلك النادي 58 سنة، وكان سن عمر 45 سنة وسن أبي عبيدة بن الجراح 48 سنة، وكان سن أنس بن مالك 18 سنة. وقد حرم الله سبحانه الخمر في السنة الرابعة للهجرة وقيل في السنة السابعة (2). وعظم على الطبري ذلك فأبدل اسم أبي بكر برجل وأبدل اسم أم بكر
      (هامش)
      (1) الأنوار العلوية ص 217، مجمع الزوائد 5 / 51، نواد الأصول، الحكيم الترمذي، الإصابة، ابن حجر، عمدة القارئ، العيني 10 / 82، المستطرف، شهاب الدين الابشيهي 2 / 291، سنن أبي داود 2 / 128، مسند أحمد 2 / 53، رسائل الجاحظ ص 34، كتاب مكة، الفاكهي، سنن النسائي 8 / 287، المستدرك، الحاكم 2 / 278، تفسير القرطبي 5 / 200، تفسير ابن كثير 1 / 255، تفسير الخازن 1 / 513، تفسير الرازي 3 / 458، تهذيب التهذيب 8 / 216، الحلية، أبو نعيم في ترجمة شعبة، عمدة القارئ، العيني 20 / 84، تفسير ابن مردويه، وفتح الباري على صحيح البخاري 10 / 30. (2) الامتاع، المقريزي، سيرة ابن هشام 2 / 192، عيون الأثر 2 / 48، عمدة القارئ 10 / 82. (*)
      ص 125
      بأم عمرو، وأم عمرو كنية عائشة. لكن الرواة والكتاب الآخرين أيدوا صحة سند الرواية: واستمر عمر في شربها في أيام حكمه (1).
      يتبع

      تعليق


      • #13
        الهدف من دخول البعض في الإسلام

        لقد دخل بعض الصحابة في الإسلام رغبة في المال والسلطة، وكان كفار قريش يعرفون هذا البعض، ولأنهم أعلنوا الشهادة فقد أصبحوا من المنافقين. وهذا واضح في أفعال ذلك البعض ومنها:: مخالفتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).: مخالفتهم النصوص الدينية.: فرارهم من ساحات القتال.: محاولاتهم المتكررة لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله).: عدم قتل كفار قريش لعمر بن الخطاب في أرض المعركة في حادثتين، بعد أن تمكنوا من قتله: 1 - في معركة أحد تمكن خالد بن الوليد مع سريته من قتل عمر يوم
        (هامش)
        (1) العقد الفريد 3 / 416، السنن الكبرى، البيهقي 8 / 299، كنز العمال 3 / 109، طب 6 / 156، محاضرات الراغب 1 / 319، جامع مسانيد أبي حنيفة 2 / 192، سنن النسائي 8 / 326، الآثار، القاضي أبو يوسف ص 226، سنن الدارمي 2 / 113. (*)
        كان وحده فلم يقتله، إذ جاء عن خالد: رأيت عمر بن الخطاب رحمه الله، حين جالوا وانهزموا يوم أحد، وما معه أحد، وإني لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم أحد غيري، فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له (1). 2 - وتمكن ضرار من قتل عمر في معركة أحد فلم يقتله (2). 3 - وفي معركة الخندق تمكن ضرار بن الخطاب الفهري من قتل عمر بن الخطاب فلم يقتله، إذ جاء: وحمل ضرار بن الخطاب الفهري على عمر بن الخطاب بالرمح، حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه، وقال: هذه نعمة مشكورة فاحفظها يا بن الخطاب (3). هذه النصوص توضح بأن كفار قريش لا يرغبون في قتل عمر بن الخطاب، ويريدون الحفاظ على حياته. وهذا خطير جدا معناه معرفتهم بواقع عمر. والأمر يستلزم بالمقابل عدم إقدام عمر على قتل رجال قريش، وفعلا حدث هذا، إذ فر عمر في كل حروب الرسول (صلى الله عليه وآله) مع الكفار ومع اليهود (4).
        (هامش)
        (1) مغازي الواقدي 1 / 237. (2) السيرة الحلبية، الحلبي الشافعي 2 / 321. (3) مغازي الواقدي 1 / 471، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 11 / 156، 157، طبقات الشعراء ص 63، البداية والنهاية 3 / 107. (4) مفاتيح الغيب 9 / 52، تفسير الفخر الرازي 3 / 398، السيرة الحلبية 2 / 227، تلخيص المستدرك 3 / 37، المستدرك، الحاكم 3 / 37. (*)
        وقد عير عمرو بن سعيد بن العاص الأموي عمر بن الخطاب لامتناعه من الالتحاق بحملة أسامة في زمن أبي بكر (1). فلم يستخدم عمر سيفه في قتل أي كافر أو يهودي إذ جاء عن عبد الله بن عمر: كان سيف عمر فيه فضة أربع مائة درهم، وقد أخذ معاوية سيف عمر، ولم يستعمله أيضا (2). بينما قتل ضرار بن الخطاب الفهري وخالد بن الوليد الكثير من المسلمين في معاركهم ضد الإسلام (3). وبعد دخولهم في الإسلام استمرا في قتل المؤمنين، إذ أمر خالد بن الوليد بقتل مالك بن نويرة، فقطع ضرار بن الخطاب الفهري رأسه! (4) وبينما لم يقتل أبو بكر وعمر وعثمان كفار قريش، قتلوا الكثير من المؤمنين مثل سعد بن عبادة والحباب بن المنذر وأبا ذر وعبد الله بن مسعود. ومن الطبيعي امتناع كفار قريش عن قتل عمر بن الخطاب لمعرفتهم الجيدة به، فهو الذي مدح قتلى المشركين في بدر قائلا: وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام
        (هامش)
        (1) تاريخ اليعقوبي 2 / 133 طبعة ليدن - هولندا. (2) كنز العمال 6 / 694 ح 17448، راجع كتاب نظريات الخليفتين، نجاح الطائي 1 / 293 - 300. (3) الإصابة، ابن حجر 2 / 209، تاريخ أبي الفداء 1 / 221، 222، تاريخ الطبري، باب معركة أحد. (4) تاريخ أبي الفداء، عماد الدين أبي الفداء 1 / 221، 222. (*)
        أيوعدني ابن كبشة (1) أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام (2) وفعلا كان عمر بن الخطاب وابنته حفصة وأبو بكر وابنته وعائشة عند حسن ظن كفار قريش، إذ أقدموا على اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة (عليها السلام) وقبضوا على سلطة المسلمين. وكان لعبد الرحمن بن عوف (أحد رجال العقبة) رسائل سرية مع أمية بن خلف (أحد طغاة مكة) (3). ولقد حاول ابن عوف الحفاظ على حياة أمية بن خلف في معركة بدر (4). بينما شارك في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة (5). وشارك في الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام). وشارك في محاولة اغتيال فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) (6) وبعد مقتل عمر بن الخطاب خير علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الشورى بين مبايعة عثمان وبين القتل (7).
        (هامش)
        (1) كان كفار قريش يكنون النبي (صلى الله عليه وآله) ابن كبشة. (2) المستطرف 2 / 260، جامع البيان 2 / 211. (3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 4 / 76 طبعة دار الفكر - دمشق. (4) مختصر تاريخ دمشق 4 / 76، البداية والنهاية، ابن كثير 3 / 350 طبعة دار إحياء التراث - بيروت. (5) منتخب التواريخ، محمد هاشم الخراساني ص 63، إرشاد القلوب، الديلمي ص 332. (6) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 48، البداية والنهاية 5 / 250، 5 / 270، سير أعلام النبلاء ص 26. (7) الكامل في التاريخ 3 / 71. (*)
        وسار ضرار بن الخطاب الفهري على خطى سلفه من أفراد حزب قريش، فدخل في الإسلام كذبا، واستمر في معاصيه وجرائمه وبقي شاربا للخمر محلا لها حتى مماته محتجا بهذه الآية: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا، إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } (1). وأسلم أبو سفيان لكنه انهزم بطلقاء مكة في معركة حنين، متسببا في هزيمة عظمى لجيوش المسلمين، ففرح وقال: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر (2). وشارك في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة (3). وقال قبل مماته في زمن خلافة عثمان بن عفان الأموي: والذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار (4). وقد لعن النبي (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان في سبعة مواطن (5). والذي يريد أن يفهم نظرة أفراد الحزب القرشي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليعرف نظرة الأمويين له، لأن الأمويين هم قلب الحزب القرشي: كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان: إن خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من رسوله إليهم، وكذلك الخلفاء يا أمير المؤمنين أعلى منزلة
        (هامش)
        (1) السيرة الحلبية، الحلبي 2 / 331، المائدة: 93. (2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 263. (3) شرح النهج، المعتزلي 2 / 103، منتخب التواريخ ص 63، نظريات الخليفتين، نجاح الطائي 2 / 133. (4) مروج الذهب، المسعودي 1 / 440، العثمانية، الجاحظ ص 23. (5) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 102، 3 / 79، أسد الغابة 3 / 116. (*)
        من المرسلين (1). وقال: إن خبر السماء لم ينقطع عن الخليفة (2). ففرح عبد الملك بن مروان بهذا الخطاب فتغاضى عن مساوئ الحجاج وولاه الحجاز، وهكذا يفعل الزعماء مع مادحيهم والمغالين في تعظيمهم! وقال خالد القسري: والله لأمير المؤمنين أكرم على الله من أنبيائه (عليهم السلام) (3). فسار ملوك بني أمية وبني العباس على تلك الخطى، وتبعهم ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب الذي قال: عصاي هذه خير من محمد لأنه ينتفع بها في قتل الحية والعقرب ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش (4).
        متى سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولماذا؟

        معرفة زمن اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) مهم جدا، للاطلاع على حقيقة الأحداث وتتابعها.
        (هامش)
        (1) العقد الفريد 2 / 354، 5 / 51 - 52، تهذيب تاريخ دمشق 4 / 72، البداية والنهاية 19 / 131، نهج الصباغة 5 / 317. (2) تهذيب تاريخ دمشق 4 / 72. (3) الأغاني 19 / 60، تهذيب تاريخ دمشق 5 / 82. (4) كشف الارتياب ص 139 عن خلاصة الكلام ص 230. (*)
        روى الواقدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمر بالحملة إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد في تاريخ ثلاث بقين من صفر، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، فيكون عصيان حملة أسامة قد استمر أسبوعين من الزمن (1). ولقد قال صاحب الطبقات الكبرى: عقد (صلى الله عليه وآله) لأسامة لواءا بيده ثم قال: اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، فخرج وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيره (2). فعندما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحملة أسامة، وحدد وقتا لعقد لواء الحرب، وعين المأمورين فيها، وفيهم وجوه قريش سموه! قال ابن سعد: لما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) المرض فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءا بيده (3). أي أنهم سموه بعد أمره بحملة أسامة في الزمن الواقع بين أمره بالحملة، وحركة الجيش إلى الشام! وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أمر بحملة أسامة إلى الشام يوم الاثنين وسم يوم الأربعاء (4)، وعقد اللواء لأسامة
        (هامش)
        (1) المغازي، الواقدي 1 / 126. (2) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249. (3) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249. (4) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 190، 200، 205، 272. (*)
        يوم الخميس. فبقي أسبوعين يصر على إرسال حملة أسامة، واستمر مرضه ثلاث عشرة ليلة (1). وقال ابن سيد الناس: أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بحملة أسامة يوم الاثنين، فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فحم وصدع (2). إن الحزب القرشي قد عرف هدف الرسول (صلى الله عليه وآله) من تلك الحملة، التي وضع فيها وجوه عصبة قريش وهم أبو بكر وعمر وعثمان وابن الجراح وابن عوف ومعاوية وابن العاص وخالد بن الوليد وأبو سفيان وسعد بن أبي وقاص وطلحة، هذا أولا. وثانيا: كان مقصد الحملة بلاد الشام وهي بلاد بعيدة عن المدينة تحتاج إلى فترة طويلة للذهاب والعودة. وثالثا: كان المطلوب من رجال الحملة محاربة الروم في بلاد الشام، وكان العرب يتخوفون من محاربة تلك القوة العظمى في ذلك الزمن. فلقد خافوا محاربة الروم في معركة تبوك والنبي (صلى الله عليه وآله) معهم. ورابعا: كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد عين عليا (عليه السلام) وصيا له في الغدير أي في تلك الفترة الزمنية. وخامسا: لقد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن وفاته القريبة وهذا يعني
        (هامش)
        (1) أنساب الأشراف 1 / 568، سيرة ابن هشام ص 1020، الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 206. (2) عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 281. (*)
        ذهاب الخلافة إلى علي بن أبي طالب 7 الذي بايعه النبي 9 في غدير خم. لهذه الأسباب خططت قريش للتخلص من الرسول (صلى الله عليه وآله) بشكل سري لئلا يفتضحوا.
        من أيد موت النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم

        لقد أيدت كتب الحديث والسيرة موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم، وذكرت ذلك بأحاديث متواترة: قال ابن سعد: جاء في رواية: ومات مسموما وله ثلاث وستون سنة. هذا قول ابن عبدة (1). وقال الشيخ المفيد: وقبض (صلى الله عليه وآله) بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته، وهو ابن ثلاث وستين سنة (2). وذكر العلامة الحلي شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم (3). وجاء في كتاب جامع الرواة: وقبض (صلى الله عليه وآله) بالمدينة مسموما (4). وقال الشيخ الطوسي: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسموما لليلتين بقيتا من
        (هامش)
        (1) المجدي في الأنساب، محمد بن محمد العلوي ص 6. (2) المقنعة، الشيخ المفيد ص 456، منتهى المطلب، الحلي 2 / 887. (3) منتهى المطلب، الحلي 2 / 887. (4) جامع الرواة، محمد علي الأردبيلي 2 / 463. (*)
        صفر سنة عشر من الهجرة (1). وقال المجلسي: سنة إحدى عشرة. ومن أدلة شهادته (صلى الله عليه وآله): دخل في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) والفضل وأسامة فقال رجل من الأنصار يقال له ابن خولي: قد علمتم أني كنت أدخل قبور الشهداء، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الشهداء فأدخل معهم؟ (2) وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن أبي معن عن الأعمش عن عبد الله بن نمرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك إن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا (3). وأيد الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين مقتل الرسول (صلى الله عليه وآله) ومقتل أبي بكر بالسم. إذ جاء: قال الشعبي: والله لقد سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسم أبو بكر الصديق وقتل عمر بن الخطاب صبرا وقتل عثمان بن عفان صبرا وقتل علي بن أبي طالب صبرا وسم الحسن بن علي وقتل الحسين (4).
        (هامش)
        (1) تهذيب الأحكام 6 / 1، البحار، المجلسي 22 / 514. (2) أنساب الأشراف 1 / 576. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449. (4) مستدرك الحاكم 3 / 60، ح 4395 / 99 باب المغازي والسرايا، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (*)
        لقد أقسم الشعبي بالله العظيم لإثبات اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر. وقسمه المذكور فيه معنى! وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): ما من نبي أو وصي إلا شهيد (1). وقال (صلى الله عليه وآله): ما منا إلا مسموم أو مقتول (2). وبعدما ثبت اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم بعد تعيينه عليا (عليه السلام) خليفة وتجنيده أفراد حزب قريش لحرب الروم حاولت السلطات ذر الرماد في العيون وإبعاد الأنظار عن مشاركتها في قتله، وذلك بإرجاع سبب قتله إلى سم خيبر! ولا يعتقد عاقل بهذه الحجة الواهية لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل في سنة 11 هجرية وحادثة خيبر في سنة 7 هجرية. من قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ جاء في روايتي البخاري ومسلم عن عائشة: لددنا (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني.
        (هامش)
        (1) بصائر الدرجات ص 148، بحار الأنوار 17 / 405، 40 / 139. (2) كفاية الأثر، الخزاز القمي ص 162، وسائل الشيعة 14 / 2، 14 / 18، البحار، المجلسي 45 / 1، من لا يحضره الفقيه 4 / 17. (3) راجع صفحة 89 هامش 1. (*)
        قلنا: كراهية المريض الدواء. فقال (صلى الله عليه وآله): لا يبقى في البيت أحد إلا لد، وأنا أنظر إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم (1). وجاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): لا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا (2). وجاء عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال: تدرون مات النبي (صلى الله عليه وآله) أو قتل إن الله يقول: { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } (3). فسم قبل الموت إنهما سقتاه (4). وتشير هذه الرواية إلى أن عائشة وحفصة سقتاه السم وقتلتاه. وجاء في رواية: عائشة وحفصة سقتاه (سما) (5). وقال المجلسي: يحتمل أن يكون كلا السمين دخيلين في شهادته (6). ويقصد المجلسي بالسمين سم خيبر والسم الثاني الذي سقوه في
        (هامش)
        (1) سنن البخاري 7 / 17، 8 / 40، سنن مسلم 7 / 24، 194. (2) العلل ص 31، البحار، المجلسي 27 / 240، كامل الزيارة ص 78، قصص الأنبياء (مخطوط). (3) النساء: 144. (4) تفسير العياشي 1 / 200، البحار، المجلسي 22 / 516، 28 / 21. (5) البحار، المجلسي 22 / 516. (6) البحار، المجلسي 22 / 516، وقد ذكرنا بأن سم خيبر كان قديما قبل خمس سنوات، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأكل طعام خيبر. (*)
        أواخر أيامه في الدنيا. وقد ذكرنا بأن السم الثاني هو الذي قتله، ولا أثر للسم الأول في ذلك لأن السم الأول كان في سنة 7 هجرية في فتح خيبر بينما قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) في سنة 11 هجرية. وثانيا أن النبي (صلى الله عليه وآله) عرف بمسمومية الطعام بواسطة جبريل فلم يأكله. وفي الحادثة الثانية جرعوا النبي (صلى الله عليه وآله) السم كرها، فدخل في جوفه وقتله! وذكرت عائشة بعد سم النبي أنه (صلى الله عليه وآله) قال لها: ويحها لو تستطيع ما فعلت (1). وهذا اعتراف من عائشة بارتكابها فعلا شنيعا بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك. وجاء في رواية في البحار باجتماع الأربعة على سمه (2).
        عدة روايات في لد النبي (صلى الله عليه وآله)

        جاء عن عائشة: لددنا (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه.
        (هامش)
        (1) الطبقات، ابن سعد 2 / 203 طبعة دار صادر، بيروت. (2) البحار، المجلسي 22 / 239، 246 طبعة دار إحياء التراث العربي، ويقصد بالأربعة أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة. (3) قال أبو عبيد عن الأصمعي: اللدود ما يسقى الإنسان في أحد شقي الفم، الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. ولدد: اللدود: هو بالفتح من الأدوية ما يسقاه المريض * كنز العمال، المتقي الهندي 7 / 268. اللد: فعلك باللدود حين تلد به، وهو الدواء يوجر في أحد شقي الفم، وتقول: لددته ألده لدا والجمع الدة * كتاب العين، الخليل الفراهيدي 8 / 9. (*)
        فقال (صلى الله عليه وآله): لا تلدوني. فقلنا: كراهية المريض الدواء. فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال: لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم (1). وعن عائشة: قالت: لددنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني. قلنا: كراهية المريض الدواء. فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم (2). قال البخاري: ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة (3). وقال السندي في شرح البخاري: معنى قوله: لا يبقى في البيت أحد إلا لد عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك (4).
        (هامش)
        (1) تاريخ الطبري 2 / 438. (2) تاريخ الطبري 2 / 438. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد 6 / 53، صحيح البخاري 7 / 17، 8 / 40، صحيح مسلم 7 / 24، 198. (4) كتاب صحيح البخاري، شرح السندي 3 / 95. (*)
        وجاء: فلدوه وهو مغمور (1)، فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال: من فعل بي هذا، هذا من عمل نساء جئن من ها هنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة (2). وهذا اعتراف من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه سقي سما بالطريقة التي تسقي بها نساء الحبشة رجالها. وسم الحبشة مشهور ومعروف. وكان البعض فيها مختص في السحر والشعوذة والسموم، وانتقامهم من سفير قريش عمارة بن الوليد بن المغيرة الذي خان ملك الحبشة في زوجته يبين ذلك. إذ نفخوا في إحليله وتركوه هائما مع الحيوانات الوحشية هناك (3). وجاء: إنا لنرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه. فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: من فعل هذا؟ فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس، فلد أهل البيت كلهم (4). أي أنكر الرسول (صلى الله عليه وآله) اشتراك العباس في ذلك، هذا أولا. وثانيا: وصف ذلك الفعل بالشيطاني.
        (هامش)
        (1) المغمور: المقهور، أقرب الموارد 2 / 886. (2) الطب النبوي، ابن الجوزي 1 / 66. (3) نسب قريش ص 322. (4) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (*)
        يتبع

        تعليق


        • #14
          تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) الحاضرين من لده

          لقد منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحاضرين في منزله من لده إذ روت عائشة عنه أنه (صلى الله عليه وآله) قال: لا تلدوني (1). وكان أمره (صلى الله عليه وآله) بعدم لده قبل سقيهم له ثم قال (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك لهم: ألم أنهكم أن لا تلدوني (2). فالنهي النبوي بعدم سقيه دواء واضح لا لبس فيه، ولأنه (صلى الله عليه وآله) عالم بأنهم يريدون أن يفعلوا فعلا ظالما وخطيرا. وبعدما سقوه ما أرادوا أن يسقوه، رغما عليه (صلى الله عليه وآله) وبخهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فعلهم. إن مخالفة الجماعة لأوامره ونواهيه (صلى الله عليه وآله) لا يختلف عليها اثنان، فهم الذين خالفوا أوامره ونواهيه وخاصة في الأسبوعين الأخيرين من حياته (صلى الله عليه وآله) في هذه الدنيا. وتجسدت معارضتهم له في مخالفتهم لأمره بانضمامهم في حملة أسامة بن زيد. وتجسد أيضا في مخالفتهم لأوامره (صلى الله عليه وآله) بالمجئ بصحيفة ودواة لكتابة وصيته الشريفة.
          (هامش)
          (1) سنن البخاري 7 / 17، 8 / 40، سنن مسلم 7 / 24، 198، تاريخ الطبري 2 / 438، مسند أحمد 6 / 53. (2) الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. (*)
          وتثبت أيضا في اتهامهم له بأنه (صلى الله عليه وآله) يهجر. واغتصابهم للسلطة. ومجموع تلك المخالفات من قبل الحزب القرشي ومن اتبعهم يثبت إصرارهم وتخطيطهم لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاستحواذ على السلطة. وقد وصل إلى هذه النتيجة العلماء والمحققون.
          كيف اغتيل النبي (صلى الله عليه وآله)

          هناك شواهد وأدلة تشير إلى أن الحاضرين قد لدوا النبي (صلى الله عليه وآله) أثناء نومه، إذ قالت عائشة: لددنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني (1). وهناك رواية أخرى من طريق عائشة يشير إلى منعه (صلى الله عليه وآله) إياهم من سقيه بالإشارة (2). أي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) منعهم من سقيه شرابا بالقول (صلى الله عليه وآله)، ولما سقوه رغما عنه، أعاد عليهم تكرار نهيه بالإشارة (باليد)، لعدم تمكنه من النطق؟! ولكن لم ينفع معهم ذلك!
          (هامش)
          (1) صحيح البخاري 7 / 17، 8 / 40، صحيح مسلم 4 / 1733 طبع دار التراث العربي - بيروت، السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد بن حنبل 6 / 53. واللد هو: سقي المريض دواءا. (2) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد بن حنبل 6 / 53، سنن مسلم 7 / 24، 198. (*)
          والظاهر من رواية لدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونهيه عن ذلك بالإشارة، أنهم لدوه أثناء نومه، وبواسطة عصبة من الناس، ولما استيقظ في أثناء ذلك - وكانوا قد سقوه الدواء - لم يتمكن من دفعهم. فاكتفى بالإشارة إلى ذلك كما جاء في الرواية. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد منع من لده، فسمع الحاضرون ذلك، فامتنعوا من لده في يقظته انتظارا لنومه. ولما نام رسول الله (صلى الله عليه وآله) سقوه ما أرادوا أثناء نومه رغما عنه إذ جاء: فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) (1). وجاء: فلدوه وهو مغمور، فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال:... (2). فهل كان رسول البشرية وخاتم الأنبياء لا يعرف فائدة الدواء، وتلك المجموعة تعرف ذلك؟ وهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يتحسس مصلحته والآخرون يتحسسون ذلك؟ طبعا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدرك لمصلحته ومصلحة أمته من غيره، وأكثر علما بفائدة الدواء من غيره، ولكنه عالم بأن تلك العصبة لا تريد حياته، فذكريات حملة أولئك عليه في العقبة (3) ما زالت عالقة في ذهنه. فهل يعقل أنهم خططوا لاغتياله في سنة 9 هجرية ويريدون اليوم
          (هامش)
          (1) تاريخ الطبري 2 / 438، الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. (2) الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. (3) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225. (*)
          إطالة عمره! وقد قالوا له في ذلك التاريخ: إنه يهجر (1). الأقرب للذهن السليم أن جماعة العقبة لم تكن لتلده وتسقيه إلا سما قاتلا ينهي حياته، ويمكنها من إنجاز مخططها في الوصول إلى سدة الرئاسة. وكذلك انحرف النصارى عن عيسى (عليه السلام) إذ جاء: لما أراد الله تعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين، فخرج عليهم من عين في البيت يقطر ماءا، فقال: إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة، بعد أن آمن بي. ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الشاب فقال: أنا. فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا. فقال: هو أنت ذاك فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه، فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق (2).
          (هامش)
          (1) صحيح البخاري، باب قول المريض قوموا عني 7 / 9 صحيح مسلم، آخر كتاب الوصية 5 / 75. (2) تفسير ابن كثير 1 / 910 - 911 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
          اتهام قريش للعباس بلد النبي (صلى الله عليه وآله)

          بعدما لدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغما عنه قال (صلى الله عليه وآله): من فعل هذا؟ فقالوا: عمك العباس (1). أي إنهم أنكروا فعلهم القبيح وألقوا بتبعة عملهم على العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أن ذلك لم يخف على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي برأ ساحة العباس من ذلك الفعل واتهمهم بالخطيئة. واتهامهم للعباس بالفعل يدل على كون فعلهم عدوانيا وشيطانيا وإلا فليس هناك داع للفرار من فعل جيد هدفه المنفعة، ويعضد هذا الرأي ويسنده وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفعلهم بالشيطاني! (2) وتبرئة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمه العباس من الذنب كان واضحا وبينا لا يشوبه شائبة إذ قال (صلى الله عليه وآله): لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا عمي، هكذا أخرجه ابن إسحاق (3). لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم (4). فالعباس لم يكن أصلا في منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكيف يتهم بارتكاب
          (هامش)
          (1) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي 142. (2) المصدر السابق. (3) ذخائر العقبى، أحمد الطبري ص 192. (4) تاريخ الطبري 2 / 438، صحيح البخاري 7 / 17، 8 / 40، صحيح مسلم 4 / 1733 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
          ذلك الفعل القبيح. وجاء بأن الذي اتهم العباس بلد النبي (صلى الله عليه وآله) هي عائشة (1). وفي رواية إنهم جميعا قالوا: عمك العباس (2). فيتوضح من ذلك بأنهم سقوا الرسول (صلى الله عليه وآله) سما، والسم يشترك مع الدواء في طعمهما المر، ثم أنكروا ذلك، وقالوا بأن العباس سقاه فاجتمع في الحديث ما يلي: معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) بنية الجماعة في قتله، فحذرهم من سقيه شرابا. إقدام الجماعة على سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا قسرا وبالإكراه في أثناء نومه. قيام الجماعة بإلقاء تبعة سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا على العباس. موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك الحادث. لماذا لم يشترك أرحام الرسول (صلى الله عليه وآله) في لده؟ الأقرب إلى الصواب والحكمة أن الجماعة لو كانوا يريدون برسول الله (صلى الله عليه وآله) خيرا لأشركوا أرحامه في سقيه، وأقرب منزل إلى مسكن عائشة هو منزل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) لكنهما لم يشتركا. ولم يشترك في لده العباس وأولاده وبقية ولد أبي طالب وغيرهم من بني هاشم.
          (هامش)
          (1) السيرة النبوية، ابن كثير 4 / 446. (2) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (*)
          فهم لم يخبروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأرحامه بخطتهم في سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابهم المزعوم. فهل هناك سنة جارية بأن أهل المريض وأرحامه لا يحبون له شرب الدواء، وهل يعقل أن بني هاشم جميعا لا يحبون شرب الدواء ولا يعرفون منفعته. ومما يثير الشكوك حول خططهم العدوانية أنهم لم يشركوا أرحام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطتهم ثم ألقوا بتبعة فعلهم عليهم! فعندما سألهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فعل هذا؟ قالوا: عمك العباس (1). والصحيح أن الرسول (صلى الله عليه وآله) رآهم أثناء سقيهم له الدواء بالاكراه ومنعهم من ذلك بالإشارة ولكنهم تمكنوا من إنجاز عملهم والوصول إلى هدفهم. والملاحظ بأن دهاة قريش قد استطاعوا الوصول إلى غايتهم في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فشل اليهود في ذلك. وكانت العقبة الرئيسة في ذلك هي اطلاع ومعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله) بالطعام المسموم من خلال نطق الطعام بذلك مثلما حدث في خيبر، إذ نطقت الشاة المسمومة وأخبرته بأنها مسمومة (2). فعرف شياطين قريش بأن السم لا يدخل جوف النبي إلا بالاكراه، فخططوا لذلك تخطيطا دقيقا، مثلما خططوا للسقيفة، ونجحوا في أمرهم.
          (هامش)
          (1) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (2) العثمانية، الجاحظ ص 55، الطبقات، ابن سعد 2 / 202. (*)
          إذ سقوا النبي (صلى الله عليه وآله) سما (على أنه دواء) في أثناء مرضه وبالإكراه! ولحكمه الله تعالى فقد أبطل سبحانه محاولات الاغتيال السابقة، وأجاز هذه المحاولة في حق الرسول (صلى الله عليه وآله) التي جاءت بعد إتمامه لتبليغ الرسالة وقوله سبحانه: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (1). كان الفاعل مجموعة من الناس عند ملاحظة الروايات المتعلقة بالموضوع نفهم أن القائمين بلد (سقي) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه كانوا مجموعة من الناس، إذ قالت عائشة: لددنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه فقال (صلى الله عليه وآله): لا تلدوني (2). ويدل على كونهم مجموعة أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أحس بسقيهم له، واستيقظ من منامه لم يتمكن من دفعهم عنه فاكتفى بالإشارة إلى نهيه إياهم عن ذلك (3). ودفع النبي (صلى الله عليه وآله) لهم لا يجدي أيضا لأنهم كانوا قد سقوه السم فعلا. وقال (صلى الله عليه وآله) لهم: ألم أنهكم وهذا يشير أيضا إلى كونهم جماعة (4).
          (هامش)
          (1) المائدة: 3. (2) سنن البخاري 7 / 17، 8 / 40، سنن مسلم 7 / 24، 198، تاريخ الطبري 2 / 438. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد بن حنبل 6 / 53، سنن مسلم 7 / 24، 198. (4) الطب النبوي، ابن الجوزي 1 / 66. (*)
          حمى وآلام السموم

          من المعروف أن دخول السم إلى جسم الإنسان يتسبب في رفع درجة حرارة البدن ارتفاعا خطيرا تشكل آلاما مبرحة وصداعا عنيفا لا يطاق. وهذه الأعراض المرضية لاحظناها فيمن سم من الناس مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر (1). ذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) المرض فحم وصدع (2). وذكر الطبراني والهيثمي بأن النبي (صلى الله عليه وآله) احتجم بعدما حم (3). أي رغب الرسول (صلى الله عليه وآله) في رفع تلك الحمى العالية بالحجامة. وقال ابن سيد الناس: أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بحملة أسامة يوم الاثنين، فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فحم وصدع (4). ولما دخل أبو سعيد الخدري على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه قطيفة وضع يده عليه فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك؟ (5)
          (هامش)
          (1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 418 - 419 طبعة دار صادر - بيروت. (2) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249. (3) مجمع الزوائد 5 / 92. (4) عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 281. (5) الطبقات ابن سعد 2 / 208. (*)
          وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعائشة: بل أنا وارأساه، ثم رجع إلى بيت ميمونة، فاشتد وجعه (1). وقالت عائشة: ما رأيت أحدا كان أشد عليه الوجع من رسول الله (2). وكانوا قد سألوا النبي (صلى الله عليه وآله): من أشد الناس بلاء؟ قال (صلى الله عليه وآله): النبيون ثم الأمثل فالأمثل (3).
          محاولة الرسول (صلى الله عليه وآله) الانتقام من المذنبين وتصوير فعلهم بالشيطاني

          وبعدما لدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نائم حاول النبي (صلى الله عليه وآله) الانتقام منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يبقى منكم أحد إلا لد (4). وقال السندي في شرح البخاري: معنى قوله (صلى الله عليه وآله): لا يبقى في البيت أحد إلا لد عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك (5). وصور رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعلهم بالشيطاني، وهذه قمة الإشارة إلى فعلهم العدواني قائلا (صلى الله عليه وآله): إنها من الشيطان (6).
          (هامش)
          (1) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 206. (2) الطبقات، ابن سعد 2 / 207. (3) الطبقات 2 / 209، 210. (4) ذخائر العقبى، أحمد الطبري ص 192، البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245، تاريخ الطبري 2 / 438. (5) كتاب البخاري، شرح السندي 3 / 95. (6) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245. (*)
          لماذا لم يخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن قاتله؟

          لقد سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسبطه الحسن بن علي (عليه السلام) على نهج واحد في عدم الكشف عن قاتلهما، كما لم يخبر (صلى الله عليه وآله) أحدا بأسماء المنافقين الذين حاولوا قتله في العقبة غير حذيفة بن اليمان. فيقال: إن الحسن سقي ثم أفلت ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة التي توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه. فقال الحسين: يا أبا محمد: أخبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك، وإلا أقدر عليه، أو يكمن بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، فأبى أن يسميه. قال: وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما (1).
          (هامش)
          (1) تهذيب الكمال، المزي 6 / 252. (*)
          وعدم الكشف عن قاتله في وقته حكمة من حكم الأنبياء والأوصياء، متعلقة بذلك الزمن. وبعد مرور 1400 سنة على ذلك، نرى من الواجب علينا الكشف عن قاتله والفحص عنه لنصل إلى حقيقة علاقة بعض الصحابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وللكشف عن حوادث أخرى لها علاقة متينة مع هذا الحادث الخطير. ومن غير المنطقي إيقاع الناس في الشبهة بتصوير قاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه حبيبه فتضيع على المسلمين الحقائق المسلمة.
          يتبع

          تعليق


          • #15
            لماذا ألقوا بتبعة موت الرسول (صلى الله عليه وآله) على سم خيبر؟

            لقد أجمعت النصوص على مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسموما، وذكر الصحابة الأجلاء مقتله بالسم، وشاهد المسلمون آثار السم على وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبدنه، وظهرت أعراض السم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته، والمتمثلة بحمى عالية وآلام مبرحة لا تطاق ثم موت سريع. ولأجل ذلك لم يتمكن رجال السلطة الذين سموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تفنيد ذلك، لأجل الشواهد الكثيرة المسلم بها، فأجمعوا على تصديق الناس في ذلك وتأييد تلك الظواهر، ولكن حرفوا القضية بشكل ماهر، وذلك بإلقاء تبعة الأمر على سم خيبر! وهذا التفسير القرشي لتلك العملية الخطيرة وراءه دهاة قريش، الذين شرحوا الأحداث التي افتعلوها بشكل تنبهر له العقول، وتدهش له الأذهان.
            لذلك جاء في الرواية المزيفة: اليهود سموه (صلى الله عليه وآله) في خيبر (1). بينما الحقيقة تنص على إخبار الله سبحانه وتعالى رسوله بذلك فامتنع عن الأكل. وهذا يشير إلى دلائل النبوة أولا وزيف روايات الحزب الأموي. إن أعراض السم لم تظهر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السنوات التالية لحادثة خيبر، فكيف يموت بذلك السم القديم. وثانيا: كيف يموت بسم قديم لم يأكله! إذن أكل الرسول (صلى الله عليه وآله) السم مرة واحدة في حياته بيد رجال الحزب القرشي ومات بسبب ذلك.
            اغتيالات في أسبوع واحد

            من الأحداث الخطيرة التي وقعت في تاريخ السيرة النبوية هي مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته في أسبوع واحد: لقد قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم الاثنين 28 / صفر / 11 هجرية (2).
            (هامش)
            (1) تاريخ الطبري 2 / 303، المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب ص 148. (2) لقد اختلفوا في تاريخ موت النبي (صلى الله عليه وآله): قال ابن شهر آشوب في المناقب إنه توفي في تاريخ 2 / صفر / 11 ه‍. وقال ابن حزم وابن الجوزي في: 21 / صفر / 11 ه‍. وقال المجلسي 28 / صفر / 11 ه‍. وقال الثعلبي في تفسيره 2 / ربيع الأول / 11 ه‍. وقال ابن شهاب الزهري والواقدي والكليني (أصول الكافي 1 / 439) والمسعودي: 12 / ربيع الأول / 11 ه‍. وقال الطبري: 13 / ربيع الأول / 11 ه‍، تاريخ الطبري 2 / 455. (*)

            ثم حصل الهجوم على بيت فاطمة الزهراء بنت محمد (صلى الله عليه وآله) في يوم الأربعاء بعد بيعة أبي بكر العامة، وقد جاء في رواية الهجوم: إنهم كانوا يحملون نارا وحطبا (1). ثم أعلن أبو بكر عن ندمه على الهجوم على مسكن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) (2). وشدة الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) وسعته وحدته يفصح عن شدة حقد الحزب القرشي على رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن جملة آثار حقد عصبة قريش على النبي (صلى الله عليه وآله) اتهامهم له في نسبه وهم في المسجد النبوي، فأخبر الله سبحانه وتعالى نبيه بذلك بواسطة جبرائيل، فغضب عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووبخهم، فاعتذر عمر لذلك وكرر قول الشهادة رغم مرور سنين عديدة على دخوله الإسلام (3).
            (هامش)
            (1) تاريخ أبي الفداء 1 / 164، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 259، تاريخ الطبري 3 / 198، أنساب الأشراف، البلاذري 1 / 586. (2) لسان الميزان 8 / 189 في ترجمة علوان، طبع دار المعرفة، بيروت، تاريخ اليعقوبي 2 / 137، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 51، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 18، الشيخان، البلاذري ص 233. (3) صحيح البخاري 8 / 94 - 95، 8 / 142 - 143، صحيح مسلم 7 / 92 - 93، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7 / 188، الدر المنثور 4 / 310، وأخرجه ابن جرير وابن حاتم عن السدي في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء... } تفسير ابن كثير 2 / 175، تذكرة الفقهاء، 2 / 470. (*)
            اتهام النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجر بعد سمه بالطعام

            قال عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثناء مرضه (صلى الله عليه وآله) ذاك بفعل السم: إنه يهجر، وأيد أصحاب عمر ذلك القول! (1) بقولهم: يهجر يهجر. إن تيقن عصبة قريش من موت النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم هو الذي جعلها تنادي يهجر يهجر. وبعد أربعين سنة تكرر الحادث إذ سقت جعدة بنت الأشعث (زعيم كندة) زوجها سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) الحسن بن علي (عليه السلام) سما، ولما سألوا الحسن (عليه السلام) عن الفاعل امتنع من ذلك (2). ولولا اطمئنان عصبة قريش إلى موت النبي (صلى الله عليه وآله) من ذلك السم، لما تمكنت من النطق بكلمة يهجر، ولما تمكنت من منع الناس من المجيئ بصحيفة ودواة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكتب وصيته. وقال صاحب كتاب الطبقات الكبرى: إن النبي (صلى الله عليه وآله) مات بعد قولهم له
            (هامش)
            (1) صحيح البخاري باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118، مسند أحمد 1 / 325، شرح نهج البلاغة 3 / 114، الكامل في التاريخ 2 / 320. (2) أنساب الأشراف، البلاذري 1 / 404، مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43، مستدرك الحاكم 3 / 476، تذكرة الخواص، ابن الجوزي ص 211 (ط. دار الغري). (*)
            يهجر وإخراجه (صلى الله عليه وآله) إياهم من بيته (1). إذ لم يجرؤ عمر بن الخطاب وأعوانه من إهانة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك، بل إن عمر بن الخطاب قد اعتذر من النبي (صلى الله عليه وآله) بعد حادثة المسجد النبوي اعتذارا مدهشا. ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أخبر عمر بن الخطاب والمرافقين له بإهانتهم للنسب النبوي الشريف، وإخبار جبريل له بذلك، وعندها اعتذر عمر وقال: اعف عنا، عفا الله عنك، إغفر لنا، غفر الله لك، احلم عنا حلم الله عنك (2). وبرك عمر على ركبتيه وقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) رسولا (3). وقبل عمر رجل النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: إنا حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم من آباؤنا (4). والمقايسة بين الموقفين يثبت بأن عمر بن الخطاب قد عمل بخلاف ما يؤمن به في المسجد النبوي فاعتذر اعتذارا شديدا. وفي يوم الخميس ظهر عمر بمظهره الحقيقي والواقعي فأهان رسول
            (هامش)
            (1) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 245. (2) تذكرة الفقهاء 2 / 470. (3) صحيح البخاري 8 / 142 - 143، صحيح مسلم 7 / 92 - 93، تفسير الفخر الرازي 4 / 444، تفسير ابن كثير 2 / 175. (4) أخرجه ابن جرير وابن حاتم عن السدي في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء... } * تفسير ابن كثير 2 / 175. (*)
            الله (صلى الله عليه وآله) وأصر على ذلك ولم يعتذر من ذلك أبدا. والذي سهل على عمر ذلك هو وصول حالة الصراع بين الجانبين إلى مرحلة خطيرة. والثاني: معرفة عمر بموت النبي (صلى الله عليه وآله) سريعا بعد اغتيالهم له بالسم.
            لماذا أنكروا موت النبي (صلى الله عليه وآله)

            كانت مصلحة الحزب القرشي تتمثل في إنكار وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتظارا لمجئ أبي بكر من خارج المدينة. وتهيئة الأوضاع لمشروع السقيفة. فجاء في الرواية كان عثمان وعمر يرددان قول: لم يمت، من قال إنه (صلى الله عليه وآله) مات، وتوعدا أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) (1). وجاء أيضا: وكان أول من رآه مسجى فأنكر موته عثمان (2). وقال عمر: إن رسول الله والله ما مات ولا يموت (3). وقال عمر: ذهب (صلى الله عليه وآله) إلى الله تعالى في الأرض بجسده (4). وقال عمر: ذهب (صلى الله عليه وآله) إلى السماء بروحه وجسده مثل عيسى (عليه السلام) (5).
            (هامش)
            (1) العثمانية، الجاحظ ص 79. (2) المصدر السابق. (3) تاريخ الطبري 2 / 442، تاريخ اليعقوبي 2 / 114، سيرة ابن هشام 4 / 305. (4) تاريخ الطبري 2 / 442، سيرة ابن هشام 4 / 305. (5) الملل والنحل، الشهرستاني ص 1 / 15. (*)
            وقال عمر أيضا: عرج إلى السماء بروحه مثل موسى (عليه السلام) (1). وقال عمر أيضا: إنه (صلى الله عليه وآله) مغشي عليه (2). وبينما صرح عمر كرارا بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمت ولا يموت، أمام الناس أرسل سرا سالم بن عبيد إلى أبي بكر الموجود في منطقة السنح خارج المدينة يخبره بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)!! (3) واستمر عمر في تصريحاته قائلا: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، وأن رسول الله والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعن رسول الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات (4). لقد اضطر عمر إلى استخدام التهديد والوعيد والكذب لإقناع الناس بعدم موت النبي (صلى الله عليه وآله) قائلا: إني لأرجو أن يعيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون أو يقولون إن رسول الله قد مات (5).
            (هامش)
            (1) سنن الدارمي 1 / 39. (2) طبقات ابن سعد 2 / 267. (3) كنز العمال 7 / 232 ط. مؤسسة الرسالة. (4) تاريخ الطبري 2 / 44، تفسير روح المعاني، الآلوسي 4 / 74. (5) مسند أحمد بن حنبل 3 / 196. (*)
            لماذا أشاعوا عدم موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يقرأ السيرة جيدا يجد عملية خطيرة أعقبت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) دعواها عدم وفاته. وأنه (صلى الله عليه وآله) سوف يعود إلى هذه الدنيا. ويلاحظ أن المجموعة التي عصت أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالذهاب في حملة أسامة، هي نفس المجموعة التي عصت ورفضت المجيئ بصحيفة ودواة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكتب وصيته. وهي نفس المجموعة التي قالت للنبي (صلى الله عليه وآله): إنه يهجر. وهي نفس المجموعة التي سقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرابا قسرا وهو نائم. وهي ذات العصبة التي ادعت عدم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهي ذات الفئة التي لم تشترك في مراسم جهاز الرسول (صلى الله عليه وآله) فذهبت وأسست مراسم السقيفة وسيطرت على السلطة. وهي ذات الجماعة التي هاجمت بيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) بالنار والحطب والسيوف. إذن هناك ترابط بين تلك الأعمال وأنها لم تأت اعتباطا ولا صدفة، بل كانت ضمن خطة مدروسة ومنظمة لإقصاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الساحة. وكان عمر وعثمان قد قالا بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه: إنه لم يمت.: والله ما مات ولا يموت (1).
            (هامش)
            (1) تاريخ الطبري 2 / 442، تاريخ اليعقوبي 2 / 114، سيرة ابن هشام 4 / 305. (*)
            : عرج إلى السماء بروحه مثل موسى (عليه السلام) (1). والظاهر من هذه الادعاءات أن الجماعة كانت تسعى إلى: 1 - ذر الرماد في العيون وإبعاد أية شبهة عن ضلوعها في أمر منكر حدث ضد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبيان حبها للنبي (صلى الله عليه وآله) وعدم رغبتها في موته (صلى الله عليه وآله)، بل هدفها استمرار حياته. 2 - تهيئة الأوضاع لمشروع السقيفة بإثارة مسألة عدم موت النبي (صلى الله عليه وآله). 3 - الانتظار ريثما يعود أبو بكر من خارج المدينة من السنح وهذا الأمر يتطلب منع مراسم الدفن إلى حين مجيء أبي بكر. علما بأن خطة الجماعة كانت تتمثل في تأسيس مراسم السقيفة والاستحواذ على السلطة أثناء اشتغال الناس بمراسم جهاز الرسول (صلى الله عليه وآله) (كما يتبين من بعد). ومن البعيد تصور ذلك - حب الحزب القرشي استمرار حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) - من تلك المجموعة التي قالت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه يهجر، بحيث اضطر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى إخراج أفراد تلك المجموعة من بيته قائلا: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (2). وجاء في رواية: فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلى الله عليه وآله) قال
            (هامش)
            (1) سنن الدارمي 1 / 39. (2) سنن البخاري 4 / 490، باب جوائز الوفد ح 1229، سنن مسلم 11 / 89، طبقات ابن سعد 2 / 36، المصباح المنير ص 634. (*)
            لهم (صلى الله عليه وآله): قوموا (1). وفي كل تلك الأثناء كان بنو هاشم يعارضون أفعال الحزب القرشي ويؤيدون مطالب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهدافه. إذ طالب الرسول (صلى الله عليه وآله) بصحيفة ودواة، فنادى أهل بيته بتلبية طلبه، وعارضت تلك الجماعة ذلك، وقالت: إنه يهجر. وطالب بنو هاشم بالإسراع في دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعارضت تلك المجموعة ذلك وذهبت إلى السقيفة. اتفق رجال الحزب القرشي على خطة عاجلة لمنع مشروع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نقل الخلافة إلى علي (عليه السلام) وإخراجهم إلى الشام، واعتمدت خطتهم على أهداف محددة أهمها: قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهذه الخطة الخطيرة هي عملية استنساخ لخطة قبائل قريش في قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة لمنع هجرته إلى المدينة. والأطروحتان من قبل جهة واحدة وكانت الأولى تتمثل في منع الهجرة إلى المدينة، والثانية تهدف لمنع ذهاب رجال الحزب القرشي في حملة الشام. والاختلاف في العمليتين يتمثل في أن الهجمة الأولى جرت في مكة، والهجمة الثانية جرت في المدينة، والعملية الأولى كانت علنية، والعملية الثانية كانت سرية.
            (هامش)
            (1) رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس 1 / 325، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا، أوائل الجزء الثاني، السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري، سنن البخاري، باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118، تاريخ الطبري 2 / 426، الكامل في التاريخ 2 / 320. (*)
            والاختلاف الثالث أن عملية الاغتيال الأولى فشلت والثانية نجحت. ومواقف عصبة قريش في معارك المسلمين يؤيد هذا المشروع - عدم رغبتها في المشاركة في حملة أسامة -، إذ فروا في معارك أحد وخيبر وحنين، وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) طعمة سهلة للكفار واليهود، ولولا العناية الإلهية لتغيرت معادلة الإسلام والمسلمين (1).: ومن أهداف قريش في إبقاء جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون دفن هو إشغال بني هاشم والمسلمين بذلك ليتفرغوا هم لاستلام السلطة. فما دام جثمان الرسول (صلى الله عليه وآله) في يد بني هاشم يستحيل عليهم تركه والمجيئ إلى السقيفة للمطالبة بالخلافة. وقد نجحت تلك الخطة الشيطانية في وصول الحزب القرشي إلى الحكم وحرمان علي بن أبي طالب (عليه السلام) منها. ويتوضح ذلك بهذا النص: إن عليا (عليه السلام) حمل فاطمة (عليها السلام) على حمار وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار لها فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.
            (هامش)
            (1) السيرة الحلبية 2 / 156، تفسير ابن كثير 1 / 657، تفسير روح المعاني، الآلوسي 4 / 99، أنساب الأشراف عن هامش كتاب المغازي 1 / 18، مفاتيح الغيب 9 / 52، أواخر كتاب العثمانية للجاحظ ص 339، تلخيص المستدرك، الحاكم 3 / 37، صحيح البخاري 4 / 465، تاريخ اليعقوبي 2 / 63، سنن النسائي 3 / 871. (*)
            فقال علي: أفكنت أترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميتا في بيته لم أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه. فقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله سبحانه حسيبهم عليه (1).
            يتبع

            تعليق


            • #16
              الامتناع عن المشاركة في مراسم جثمان النبي (صلى الله عليه وآله)

              لقد ابتعد الحزب القرشي عن المشاركة في تشييع خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) وذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة لانتخاب فرد من أفرادهم خليفة للمسلمين. وقد أثبتت أمهات الكتب الإسلامية ابتعاد هؤلاء عن حضور مراسم دفن رسول البشرية. ويكاد الإنسان المسلم أن ينفطر فؤاده وتخمد نبضات قلبه لسماع هذا الخبر، إذ كيف يمتنع بعض الصحابة عن حضور مراسم دفن النبي (صلى الله عليه وآله) وهم يعلنون إسلامهم ويظهرون إيمانهم. والمدهش في الأمر أن الجماعة التي قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر في يوم الخميس هي نفسها التي ادعت عدم وفاته! وتسببت في تأخير دفن جثمان النبي (صلى الله عليه وآله) وإهانة مقامه الشريف. وقد افتعلت ذلك لتهيئة الأرضية لمشروع السقيفة وإشغال بني هاشم
              (هامش)
              (1) السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري، شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 28، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 12. (*)
              بجهاز الرسول (صلى الله عليه وآله). وأعجب من ذلك امتناع حفار قبور المهاجرين من حفر قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ ذهب أبو عبيدة بن الجراح إلى السقيفة لوضع حجر الأساس لخلافة قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يكون هو ثالث الخلفاء (1). ولما امتنع ابن الجراح من ذلك اضطر بنو هاشم لدعوة حفار قبور الأنصار أبي طلحة زيد بن سهل ليحفر قبرا للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)!! (2) وقد كان ابن الجراح من دهاة قريش المتربصين للوصول إلى سدة رئاسة المسلمين وقد ذكره المغيرة بن شعبة قائلا: داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح (3). وبعد اطلاعنا على ترك الحزب القرشي لمراسم جهاز النبي (صلى الله عليه وآله) نقول: إن العداء بين الحزب القرشي ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يتوقف بل استمر واستفحل وأفضل مصداق لذلك حادثة العقبة، وحادثة الامتناع عن الالتحاق بحملة أسامة، وحادثة يوم الخميس، وحادثة منع دفن جثمان النبي (صلى الله عليه وآله)، وحادثة الامتناع عن المشاركة في مراسم دفنه. والذين حضروا مراسم غسل ودفن النبي (صلى الله عليه وآله) مجموعة صغيرة من المسلمين على رأسهم بنو هاشم، إذ جاء عن زيد بن أرقم:
              (هامش)
              (1) تاريخ الطبري 2 / 452 طبعة مؤسسة الأعلمي - بيروت. (2) المصدر السابق. (3) تهذيب الكمال، المزي 9 / 364. (*)
              لولا أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وغيره من بني هاشم اشتغلوا بدفن النبي (صلى الله عليه وآله) وبحزنهم فجلسوا في منازلهم ما طمع فيها من طمع (1). * * *
              (هامش)
              (1) الفتوح، ابن أعثم 1 / 12 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (*) ث ..................تم

              تعليق


              • #17
                بدائع وروائع شيخنا الكبير عباس في ميزان حسناتك مع تقديري .

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                x
                يعمل...
                X