اللهم صل على محمد وآل محمد
يروي الإمام الخميني خاطرة عن الشيخ عباس القمي مؤلف مفاتيح الجنان رحمهما الله عندما كان معه في سفر يقول :
كانت الشمس قد دنت من السيارة و أمطرتنا بوابل من الحرارة وكانت الصحراء المحترقة التي لا نهاية لها تتلاشى في أعيننا وتتحول إلى اللون الأزرق ، ومن مسافة بعيدة ، لا يمكن رؤية أي شيء.
فجأة توقفت سيارتنا التي كانت في طريقها من مشهد إلى طهران ، و ترجل السائق الذي كان طويل القامة أسودا ، وبعد فحص السيارة عاد إلى السيارة مسرعا و غاضبًا للغاية وقال:
الإطار مثقوب(بنجر)، ثم جاء إلى مقعدنا في منتصف السيارة ولم يقل لي شيئًا لأنني كنت سيد لكنه توجه إلى الحاج الشيخ عباس قمي وقال له: لو كنت أعلم بك لما أركبتك على الإطلاق ، بسبب نحوستك فإن السيارة تعطلت بنا في وسط الصحراء الجافة والقاحلة ، انزل من السيارة ولا يحق لك الركوب بعد !
بالطبع ، لم يكن السائق هو المخطئ إلى حد ما ، لأن الطاغوت والحكومة المعادية للدين آنذاك كانت تطلق شائعات معادية للإسلام ورجال الدين بحيث جعلت الكثير من الناس يتشائمون من رجل الدين، وإذا تعرقلت أمورهم وكان هنالك رجل دين ، فسيتم إلقاء اللوم عليه .
نهض المرحوم الشيخ عباس دون أدنى احتجاج أو كلام ، واخذ أغراضه وخرج من السيارة فخرجت معه ، لكنه منعني، فأصررت على أن لا أتركه وحيدا ، لكنه كان يرفض أن أكون معه ، ومهما أصررت ، فقد كان يرفض ، و في نهاية المطاف قال لي : لست راضيا ببقائك معي، رأيت أن بقائي معه سيزعجه أكثر ، فودعته على مضض و ركبت السيارة.
و بعد مدة رأيته ، وسألته عما جرى له ذلك اليوم ؟ قال: "عندما غادرتم ، تأخرت كثيراً حتى حصلت على سيارة. كانت تمر سيارات وارفع لها يدي ولكنها لم تكن تتوقف ، حتى وقفت لي شاحنة محملة بالقرميد.
عندما صعدت ، كان السائق شخصًا طيبًا وجذابا فاستقبلني بحفاوة كبيرة واندمجنا بسرعة وأخذنا بالتحدث مع بعض، أدركت من كلامه أنه أرمني وأن مقصده همدان ، وكنت أرغب في الذهاب إلى همدان أيضا ، فقد كنت أبحث عن سلسلة من المقالات منذ فترة طويلة ولم أجدها في أي مكان، وكنت أعرف أنني أستطيع الحصول عليها فقط في مكتبة الراحل الاخوند الهمداني ، لذلك قصدت الذهاب إلى همدان.
على الرغم من أن السائق كان أرمنيًا ، إلا أنه كان شخصًا طيبًا ولطيفًا ، واغتنمت الفرصة لأطلعه على الأحاديث التي كنت احفظها عن الأحكام النورانية للإسلام ، وأحقية دين الإسلام الحنيف، و مذهب الشيعة ، وما إلى ذلك.
وعندما رأيته متلهفًا ومهتمًا ، تكلمت له بالمزيد ، حاولت أن أحدثه بأحاديث و روايات من شأنها أن توقظ و تحيي ضميره ، و تجعله أكثر نشاطا و حيوية .
ولما اقتربنا من همدان ، نظرت إلى السائق فرأيت الدموع تنهمر على وجهه ، فأمسكت عن الحديث وساد الجو صمتا عميقا ، لم يمض كثيرا حتى كسر هذا الصمت الثقيل وقال لي بعيون مليئة بالدموع :
كما تفضلت ، وكما فهمت من أقوالك ، فإن الإسلام هو دين الحق والخلود ، وأنا كنت على الخطأ حتى الآن. اشهد بأنني سأسلم الأن بين يديك وعندما أعود إلى المنزل سأصيّر جميع عائلتي و أقربائي الذين يطيعون أوامري مسلمين .
ثم قال : أشهد أن لا اله الا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و أشهد أن عليا ولي الله .
نعم ، انظر إلى إرادة الله ، تثقب إطارات السيارة ، ينزله السائق ، تصل شاحنة طريقها إلى حيث يريد أن يذهب ، والأهم من ذلك كله أن الله يعطيه هذا الثواب ، منذ ذلك الحين و جيلا بعد جيل من يولد من نسل ذلك الشخص فإنه يولد مسلما و ثوابه للمرحوم الحاج شيخ عباس القمي (رحمه الله) .
إن الروح السامية والمطيعة لهؤلاء الرجال العظماء هي التي جعلتهم مطيعين جداً للقدر الإلهي لدرجة أنهم ضحوا بكامل كيانهم في طريق الله ، و لذلك لهم من الله عناية خاصة ، ربما أي واحد منا كبشر قصيري الرؤية . كان سيغضب بشدة في ذلك الحال وكنا سنتجادل مع سائق السيارة بأنه ما ذنبني أنا في تعطل السيارة !؟ ولم نكن سنرضخ لطلبه النزول من السيارة ، غير مدركين أن المشيئة الإلهية هي التي تريد أن تهدي شخصا إلى دين الحق من خلالنا ، هذا الثواب العظيم هو لأجل الصبر الذي تحملناه من أجل الله ودينه ، فمنّ بذلك علينا وفي تلك الظروف السيئة للمجتمع ، حيث الرأي العام ضد رجال الدين ، يواجه كل هذه الصعوبات والمشاكل في سبيل الله والحفاظ على الدين.
-----------------------
المصدر كتاب: نهاية الخير في العالم ج٢: للمؤلف علي محمد عبد الله. نقلاً عن آية الله الشيخ علي بناه اشتهاردي في درس الأخلاق في المدرسة الفيضية .
تعليق