بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة وبركاته
قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين «عليه السلام»: «إنّ أحبّكم إلى الله عزّ وجل أحسنكم عملاً»1.
يرتبط الإنسان في الحياة الدّنيا بالعديد من الرّوابط والعلائق، كالجاه والمنصب والمال والأولاد والزّوجة وغير ذلك، وما أن يموت حتّى يترك كلّ تلك العلائق والرّوابط، ولا يصحبه إلى عوالم ما بعد الموت إلاّ عمله، فإن كان عمله حسناً صالحاً فإنّه يكون له مؤنساً، وإن كان سيئاً فاسداً فإنه يكون له مزعجاً ومؤذياً، ففي الرّواية أنّ النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» قال لشخص يدعى قيس بن عاصم: «يا قيس، إنّ مع العزّ ذلاً، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، وإنّ لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ولكل أجل كتاباً، وإنّه لا بد لك - يا قيس - من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلاّ معك، ولا تبعث إلاّ معه، ولا تسأل إلاّ عنه، فلا تجعله إلاّ صالحاً، فإنه إنْ صلح أنست به، وإنّ فسد لا تستوحش إلاّ منه، وهو فعلك»2.
ويظهر من العديد من النّصوص الشرعيّة أنّ الأعمال الحسنة والسيّئة في تلك العوالم تتجسم في صور وهيئات مختلفة، فالأعمال الحسنة تتجسم في صور حسنة، والأعمال السيئة تتجسم في صور مخيفة مرعبة.
فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبر يطل عليه، ويتنحى الصبر ناحية، وإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مسائلته قال الصبر للصلاة والزكاة: دونكما صاحبكم فإنْ عجزتم عنه فأنا دونه»3.
وعن أحدهما «عليهما السلام»4 قال: «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة، قال: فتقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله، وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه، فإن أتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست، قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيراً؟ فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك، ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً، وأطيبنا ريحاً، وأبهانا هيئة، فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين»5.
وعن سالم عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «ما من موضع قبر إلاّ وهو ينطق كل يوم ثلاث مرات: أنا بيت التراب، أنا بيت البلاء، أنا بيت الدود، قال: فإذا دخله عبد مؤمن قال: مرحباً وأهلاً، أما والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على ظهري فكيف إذا دخلت بطني فسترى ذلك. قال: فيفسح له مد البصر، ويفتح له باب يرى مقعده من الجنة. قال: ويخرج من ذلك رجل لم تر عيناه شيئاً قط أحسن منه فيقول: يا عبد الله ما رأيت شيئاً قط أحسن منك، فيقول: أنا رأيك الحسن الذي كنت عليه، وعملك الصالح الذي كنت تعمله. قال: ثم تؤخذ روحه فتوضع في الجنة حيث رأى منزله ثم يقال له: نم قرير العين فلا يزال نفحة من الجنة تصيب جسده يجد لذتها وطيبها حتى يبعث.
قال: وإذا دخل الكافر، قال: لا مرحباً بك ولا أهلاً، أما والله لقد كنت أبغضك وأنت تمشي على ظهري فكيف إذا دخلت بطني سترى ذلك. قال: فتضم عليه فتجعله رميماً ويعاد كما كان، ويفتح له باب إلى النار فيرى مقعده من النار. ثم قال: ثم إنّه يخرج منه رجل أقبح من رأى قط قال: فيقول: يا عبد الله من أنت؟ ما رأيت شيئاً أقبح منك، قال: فيقول: أنا عملك السيئ، الذي كنت تعمله، ورأيك الخبيث. قال: ثم تؤخذ روحه فتوضع حيث رأى مقعده من النار، ثم لم تزل نفخة من النار تصيب جسده فيجد ألمها وحرها في جسده إلى يوم يبعث، ويسلط الله على روحه تسعة وتسعين تنيناً تنهشه ليس فيها تنين ينفخ على ظهر الأرض فتنبت شيئاً»6.
المصادر
1. ميزان الحكمة 6/218، برقم: 14393.
2. أمالي الشيخ الصدوق، صفحة 51.
3. الكافي 3/240.
4. الباقر أو الصادق «عليهما السلام».
5. بحار الأنوار 6/235.
6. الكافي 3/242.
تعليق