الحياة البرزخية
الحياة البرزخية حياة متوسطة بين الحياة الدنيوية والحياة الأخروية الأبدية، وهي ليست من الدوام والاستمرار
بحيث يبقى فيها الإنسان، بل منتهية إلى حيث يشاء الله من الأجل، ويتعرض فيها الإنسان ما يتعرّض من ألم
ولذة، وعلى هذا جرت حواريتنا لهذا العدد مع والدتي، فقالت: إن الأدلة على وجود الحياة البرزخية أدلة نقلية
كثيرة، صرحت بها آيات القرآن الكريم والأحاديث الواردة من طرق الشيعة وأهل السنة. قال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)/ (المؤمنون:100).
فالبرزخ هو الحاجز بين الشيئين والمقصود به هنا هو الحاجز بين الدنيا وبين يوم البعث فيمنعهم من الرجوع إلى
الحياة الدنيا لكي يتداركوا سوء أعمالهم ويصلحوا أنفسهم، وهو وراءهم يسيرون إليه بعناية، إنه يطلبهم لا محال
ولا مخلّص منه، كما أنّ مستقبل الزمان أمام الإنسان، وعالم البرزخ هذا متوسط بين الإماتة الأولى الحاصلة عن
الحياة الدنيوية وبين الإماتة الثانية، حيث المساءلة التي يتعرّض لها الإنسان، فإمّا العذاب بعدها، وإمّا النعيم إلى
قيام الساعة، وفي هذه الحياة يصل إلى الميت ما يُهدى إليه من الأعمال الصالحة التي تسبب في زيادة حسناته،
فترفع أو تخفف عنه العذاب، وكذا ما يصيبه من زيادة السيئات نتيجة ما ترك وراء ظهره من قبائح الأعمال،
فيتضاعف له العقاب إلى يوم يُنفخ في الصور، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْض)/ (الزمر:68). ثمة أحاديث تبيّن لنا واقع البرزخ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: "إن للقبر
كلاماً في كلّ يوم يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، أنا روضة من رياض الجنة
أو حفرة من حفر النار"(1) إلى يوم يُنفخ في الصور. وعندئذ تحصل الإماتة الثانية عند نفخة الصور الأولى
قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)/ (يس:51).
وقال الإمام الصادق(عليه السلام): "والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ وأما إذا صار الأمر علينا فنحن أولى بكم"(2)
وفي الكافي بإسناده عن أبي ولّاد الحنَّاط، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: "قلت له: جعلت فداك، يروون أن
أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر، حول العرش، فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير خضر، لكن في أبدان كأبدانهم".(3)
فالأحاديث المتواترة بهذا الخصوص توضح لنا أن أرواح البشر بعد ترك الحياة الدنيوية تدخل أجساماً لطيفة
سامية عن آثار المادة القذرة، ولكنها على شكل أجسامنا، ويُقال لكلّ منها الجسم المثالي، فلا هو جسم مادي
محض ولا هو مجرد تمام التجريد. فهو يمتاز بتجرد برزخي معيّن، صرّح العلامة المجلسي في تناوله لهذا
الموضوع في بحار الأنوار: أن تشبيه البرزخ بالحلم وما يتراءى للإنسان وارد في كثير من الروايات.
ويمكن أن تكون للنفوس القوية السامية عدة أجسام مثالية، وبهذا تفسّر الأحاديث القائلة بحضور الأئمة
الميامين(عليهم السلام) لدى المحتضَرين حين نزعهم الأخير.(4)
..............................
(1)الكافي الكليني: ج3، ص291.
(2)بحار الأنوار: ج6، ص214.
(3)الكافي الكليني: ج3، ص292.
(4)بحار الأنوار: ج6، ص216.
إيمان حسون كاظم
تم نشره في المجلة في العدد (81)
الحياة البرزخية حياة متوسطة بين الحياة الدنيوية والحياة الأخروية الأبدية، وهي ليست من الدوام والاستمرار
بحيث يبقى فيها الإنسان، بل منتهية إلى حيث يشاء الله من الأجل، ويتعرض فيها الإنسان ما يتعرّض من ألم
ولذة، وعلى هذا جرت حواريتنا لهذا العدد مع والدتي، فقالت: إن الأدلة على وجود الحياة البرزخية أدلة نقلية
كثيرة، صرحت بها آيات القرآن الكريم والأحاديث الواردة من طرق الشيعة وأهل السنة. قال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)/ (المؤمنون:100).
فالبرزخ هو الحاجز بين الشيئين والمقصود به هنا هو الحاجز بين الدنيا وبين يوم البعث فيمنعهم من الرجوع إلى
الحياة الدنيا لكي يتداركوا سوء أعمالهم ويصلحوا أنفسهم، وهو وراءهم يسيرون إليه بعناية، إنه يطلبهم لا محال
ولا مخلّص منه، كما أنّ مستقبل الزمان أمام الإنسان، وعالم البرزخ هذا متوسط بين الإماتة الأولى الحاصلة عن
الحياة الدنيوية وبين الإماتة الثانية، حيث المساءلة التي يتعرّض لها الإنسان، فإمّا العذاب بعدها، وإمّا النعيم إلى
قيام الساعة، وفي هذه الحياة يصل إلى الميت ما يُهدى إليه من الأعمال الصالحة التي تسبب في زيادة حسناته،
فترفع أو تخفف عنه العذاب، وكذا ما يصيبه من زيادة السيئات نتيجة ما ترك وراء ظهره من قبائح الأعمال،
فيتضاعف له العقاب إلى يوم يُنفخ في الصور، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْض)/ (الزمر:68). ثمة أحاديث تبيّن لنا واقع البرزخ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال: "إن للقبر
كلاماً في كلّ يوم يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، أنا روضة من رياض الجنة
أو حفرة من حفر النار"(1) إلى يوم يُنفخ في الصور. وعندئذ تحصل الإماتة الثانية عند نفخة الصور الأولى
قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)/ (يس:51).
وقال الإمام الصادق(عليه السلام): "والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ وأما إذا صار الأمر علينا فنحن أولى بكم"(2)
وفي الكافي بإسناده عن أبي ولّاد الحنَّاط، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: "قلت له: جعلت فداك، يروون أن
أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر، حول العرش، فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير خضر، لكن في أبدان كأبدانهم".(3)
فالأحاديث المتواترة بهذا الخصوص توضح لنا أن أرواح البشر بعد ترك الحياة الدنيوية تدخل أجساماً لطيفة
سامية عن آثار المادة القذرة، ولكنها على شكل أجسامنا، ويُقال لكلّ منها الجسم المثالي، فلا هو جسم مادي
محض ولا هو مجرد تمام التجريد. فهو يمتاز بتجرد برزخي معيّن، صرّح العلامة المجلسي في تناوله لهذا
الموضوع في بحار الأنوار: أن تشبيه البرزخ بالحلم وما يتراءى للإنسان وارد في كثير من الروايات.
ويمكن أن تكون للنفوس القوية السامية عدة أجسام مثالية، وبهذا تفسّر الأحاديث القائلة بحضور الأئمة
الميامين(عليهم السلام) لدى المحتضَرين حين نزعهم الأخير.(4)
..............................
(1)الكافي الكليني: ج3، ص291.
(2)بحار الأنوار: ج6، ص214.
(3)الكافي الكليني: ج3، ص292.
(4)بحار الأنوار: ج6، ص216.
إيمان حسون كاظم
تم نشره في المجلة في العدد (81)
تعليق