البيان النبوى يوم حجه الوداع
ويتسلسل الفكر الشيعى فى الاحتجاج والاستدلال على ان الامامه عهدومسووليه نبويه، كان الرسول(ص) قد حدب على صياغتها وتعريفهاللامه، واعدادها فكريا ونفسيا لاستقبال هذا المبدا الخطير بعد حياتهالمباركه.
فكانت حجه الوداع، وكان الخطاب والبيان النبوى فى اليوم الثامن عشرمن ذى الحجه حين جمع الحجيج قبل ان يفترقوا فى موقع يدعى غديرخم، فوقف خطيبا مبلغا آخر عهوده. اخرج الامام احمد بن حنبل ذلك المشهد التاريخى الخالد قائلاحدثنا عبد اللّه حدثنى ابى حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمه حدثناعلى بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسولاللّه(ص) تحت شجرتين، فصلى الظهر، واخذ بيد على( رضىاللّه عنه )، فقال: الستم تعلمون انى اولى بالمومنين من انفسهم؟ قالوا: بلى، قال: الستم تعلمونانى اولى بكل مومن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فاخذ بيد على، فقال: منكنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر بعدذلك، فقال: هنيئا ياابن ابى طالب، اصبحت وامسيت مولى كل مومنومومنه. قال ابو عبدالرحمن: حدثنا هدبه بن خالد حدثنا حماد بنسلمه عن على بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب عنالنبى(ص) نحوه).
واخرج النسائى عن زيد بن ارقم قال: (لما رجع رسول اللّه عن حجهالوداع ونزل غدير خم، امر بدوحات فقممن، ثم قال: كانى دعيت فاجبتانى قد تركت فيكم الثقلين، احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى،فانظروا كيفتخلفونى فيهما، فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. ثم قال: ان اللّه مولاى،وانا ولى كل مومن، ثم اخذ بيد على فقال: من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم والمن والاه وعاد من عاداه).
وتاسيسا على ذلك كله آمن فريق من الصحابه ان عليا هوالاولىبالخلافهوالامامه، منطلقين منتلك الاستفادات، ومن فهمهملكلمه (الولايه) الوارده فى قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذينامنوا الذين يقيمون الصلاه ويوتون الزكاه وهم راكعون).
وفى قول النبى(ص): (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد منعاداه).
فقد فهموا من كلمه الولايه هذه: انها تفيد ولايه الامر والخلافه والامامه،لاسيما وانها اقترنت بايضاح الرسول: (الستم تعلمون انى اولى بالمومنين منانفسهم).
وبتعقيبه: (من كنت مولاه فعلى مولاه). فامنوا ان ذلك يعنى نقلصلاحيته(ص) -باعتباره ولى امر المسلمين لعلى من بعده. واستجابه لهذاالفهم والبيان تكتلوا حول على وكانوا شيعه له، فقد راوا فيه الاماموالمرجع الفكرى للامه.
كما استدل لامامه على(ع) برفضه لبيعه الخليفه ابى بكرفى السقيفه،والمطالبه بالخلافه والامامه كحق من حقوقه.
وبنى الاستدلال على ان عليا هو من عرف المسلمون ايمانه وزهده فىالدنيا وجهاده فى المواقع كلها. فلو لم يكن يرى حقا خاصا له بالامامهلما احتج على بيعه السقيفه، ولما اعلن مطالبته بالخلافه، ولرضى بنتائجالسقيفه عند سماعها.
وكما كان هذا موقف على(ع) وفريق من الصحابه، كانراى فريق آخر: ان ماجاء فى بيانات الرسول والقرآن الكريم، لايستفادمنه ثبوت الولايه والامامه لعلى. وانكلمه الولايه -التى وردت فى كتاب اللّه وبيان الرسول فى حجهالوداعانما تعنى الحب والنصره والموده، وليس ولايه الامر وخلافهالنبوه، ولذا راوا من حقهم ان يختارواشخصا آخر. ويقدم الشهيد الصدر تفسيرا لمواقف الصحابه الذيناختاروا غير على للخلافه، بنشوء اتجاهين مدرسيين وسط الصحابهعلى عهد رسول اللّه(ص) وهما:
1 - اتجاه يتقيد بالنص فى كل مجال من مجالات الحياه، ولا يرى منحق احد بعد البيان النبوى ان يجتهد مقابل النص، سواء فى مجالالعباده او السياسه او شوون الحرب...الخ.
2 - اتجاه يومن بامكانيه الاجتهاد مقابل النص فى بعض المجالات.
وهذان الاتجاهان قد تجسدا بشكل تيارين عندما واجها النص النبوىعلى اطروحه الامام على(ع). فاجتهد ذلك الفريق مقابل النص والتزمالفريق الاخر بالنص. وبذا ولد الكيان النصى من حول الامام على(ع).
ثم يوضح ذلك بنص قوله: (وهذان الاتجاهان اللذان بدا الصراع بينهمافى حياه النبى(ص) قد انعكسا على موقف المسلمين من اطروحه زعامهالامام على(ع) للدعوه بعد النبى(ص).
فالممثلون للاتجاه التعبدى وجدوافى النص النبوى على هذه الاطروحه سببا ملزما لقبولها دون توقف اوتعديل، واما الاتجاه الثانى فقد راى انه بامكانه ان يتحرر من الصيغهالمطروحه من قبل النبى(ص) اذا ادى اجتهاده الى صيغه اخرى اكثرانسجاما فى تصوره معالظروف. وهكذا نرى ان الشيعه ولدوا منذ وفاهالرسول(ص) مباشره، متمثلين فىالمسلمين الذين خضعوا عمليالاطروحه زعامه الامام على(ع) وقيادته التى فرض النبى(ص) الابتداءبتنفيذها من حين وفاته مباشره.
وقد تجسد الاتجاه الشيعى منذ اللحظه الاولى فى انكار ما اتجهت اليهالسقيفه من تجميد لاطروحه زعامه الامام على(ع) واسناد السلطه الىغيره).
مفهوم الامامه فى الفكر الشيعى
تعريف: عرف العلامه الحلى الامامه بقوله: (الامامه: رئاسه عامه فىامور الدنيا والدين لشخص من الاشخاص نيابه عن النبى).
فالامامه تشكل ركنا من اركان الفكر الاسلامى ومرتكزا اساسا منمرتكزات بنائه، لذا اولى الاسلام مساله الامامه عنايه خاصه، نظرا لمالهذا المبدا من اهميه كبرى فى بيان الفكر الاسلامى، وحفظالشريعهوتطبيقها ومواصلهمسووليه الدعوه والتغيير.
ولقد كانت مساله الامامه اولى المسائل التى تباينت فيها الاراءووجهات النظر بين المسلمين كما ذكر المورخون. فقد اختلفوا فى كيف يهتع يين الامام الذى يخلف الرسول يوم وفاته(ص)، وفى اختيار الشخصالذى يتولى هذه المهمه الكبرى، لذا كان لهم ثلاثه مرشحين لملء منصب الخلافه، فقد اختارمن اجتمع من الانصار فى سقيفه بنى ساعده سعد بن عباده، ثم اختاربعض المهاجرين ابابكر.
وان بعضالمهاجرين وبعضالانصار وبنى هاشم اختاروا الامام على بنابى طالب.
ومن الواضح تاريخيا وعقيديا ان مساله الامامه هى من ابرز المسائلالتى بلورت شخصيه الكيان الشيعى حول على واهل
بيته. فقد راىاتباع على واهل بيته ان عليا هو الاولى بالامامه الفكريه والسياسيه، فلهالولايه والحكومه، وهو المرجع الفكرى الذى يحسم رايه الخلاف بينالمسلمين. وقد سمى اتباع اهل البيت اولئك بالشيعه.
متى ولد مصطلح التشيع:
من المفيد ان نعرف كيف ومتى ولد مصطلح الشيعه، وكيف نشا هذا الكيان الاسلامى كمدرسه فكريه وسياسيه، ووجودمذهبى بين المدارس والمذاهب والاتجاهاتالاسلاميه الاخرى؟
ذكر الباحثون والمحققون من علماء الاسلام ان اول من اطلق هذا الاسمهو الرسول الاكرم محمد(ص).
فقد نقل ابن حجر والشبلنجى وجلال الدين السيوطى جميعا فى تفسيرقوله تعالى: (ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك
هم خير البريه) انالنبى(ص) قال لعلى: (هو انت وشيعتك).
كما نقلابنالاثير انالنبى قاللعلى(ع): (ستقدم على اللّه انتوشيعتكراضين مرضيينويقدمعليه عدوكغضابا مقمحين).
والتشيع لال البيت وحبهم والصلاه عليهم فريضه اوجبها القرآن بقولهقل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى).
كما اوجبها عندما امربالصلاه على النبى، تلك الصلاه التى صارت واجبه فى فريضه الصلاه،فقد علمالنبى(ص) امته كيفيه الصلاه عليه بقوله(ص): (قولوا اللهم صل على محمد وآلمحمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد).
التكتل حول الامام على:
فجع المسلمون بوفاه النبى الهادى محمد(ص)، وكانت وفاته حدثا هزالامه هزه عنيفه، فكان اول اهتمامات عدد من الصحابه وهم من الانصاران اجتمعوا فى سقيفه بنى ساعده، لاختيار خليفه يلى امور المسلمينبعد رسول اللّه(ص). فاختاروا سعد بن عباده خليفه للمسلمين. فتناهىالخبر الى ابىبكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف وابى عبيده بن الجراح،فتوجهوا الى السقيفه، ودخلوا فى حوار عنيف مع ذلك التجمع منالانصار رافضين بيعه سعد التى تمت له من قبلهم، ورشحوا ابا بكرخليفه للمسلمين. فانتهى خبر السقيفه الى الامام على بن ابى طالبوجمع من الصحابه، فرفضوا بيعه ابى بكر معلنين ان عليا هو الاولىبالخلافه والامامه.
ومن هولاء: العباس عم النبى(ص)، وفاطمه بنتالرسول الاكرم، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد،والمقداد بن الاسود، وسلمان الفارسى، وابو ذر الغفارى، وعمار بنياسر، والبراء بن عازب، وابى ابن كعب.
وهكذا: نشات كتله التشيع والتجمع الصحابى حول على(ع)، ونشاتياران بين الصحابه ومدرستان فكريتان فى موضوع الامامه والخلافه.
اهل البيت المطهرون:
(انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).
من المبادىء الاساسيه التى بنى عليها معتقد الامامه فى الفكر الشيعى،هو اتصاف الامام بصفات الكمال البشرى وتنزهه عن معصيه اللّهسبحانه، وهو ما اسماه القرآن الكريم بالتطهير، وما اصطلح عليه فيمابعد بالعصمه.
وقد لخص الشيخ المفيد راى الشيعه الاماميه فى وجوب اتصاف الامامالذى يستحق الامامه والولايه بالعصمه (التطهير)، لخصه بقولهواتفقت الاماميه على ان امام الدين لا يكون الا معصوما من الخلاف للّهتعالى، عالما بجميع علوم الدين، كاملا فى الفضل، باينا من الكلبالفضل عليهم فىالاعمال التى يستحق بها النعيم المقيم).
وعرف الامام جعفر بن محمد الصادق المعصوم بقوله: (المعصوم هوالممتنع باللّه من جميع محارم اللّه).
وتاسيسا على هذا التعريف عرف المتكلمون العصمه بانها: (لطف خفىيفعلهاللّه تعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع الى
ترك الطاعهوارتكاب المعصيه، مع قدرته على ذلك).
وترى النظريه الاماميه ان صفتى الطهاره او (العصمه) و(كمال العلم)باحكام الشريعه ومعارفها، هما الملاك الاساس فى استحقاق الامامه-كما مر فى تعريف الشيخ المفيد موسسين ذلك على اصول قرآنيهوبيانات نبويه. نذكر ابرز هذه الاصول والاستدلالات كما جاءت فىمحاورات الفكر الشيعى الامامى بايجاز:
فابرز ما استدل به على وجوب توفر العصمه فى الامام هو ما استفيد منالحوار الالهى مع ابراهيم(ع) حول استحقاق الامامه.
قال تعالى: (قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدىالظالمين).
فاستدل بهذا البيان القرآنى على ان الامامه عهد الهى يختص به من تنزهعن الظلم-اى المعصيه- ومن توفرت فيه طهاره النفس وعصمتها، كما مربيانه فى تعاريف العصمه والمعصوم.
علما بان هذه العصمه لاتتحقق الابتوفر العلم باحكام الشريعه ومعارفها.
ثم يوسس الفكر الشيعى على هذا الاساس ان اهل بيت النبى(ص) قدشهد القرآن لهم بالطهاره من الرجس بقولهانما يريد اللّه ليذهب عنكمالرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).
فقد تواتر نقل الرواه والمفسرين ان هذه الايه لما نزلت جمع رسولاللّه(ص) عليا وفاطمه والحسن والحسين وقال: (اللهم هولاء اهل بيتىفاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وكما استشهد بنص القرآن وبيان الرسول هذا، احتج ايضا لطهارهائمهاهلالبيتوعصمتهم بشهاده الرسول(ص) يوم حجه الوداع، التى جاءفيها:
(...انى قد تركت فيكم الثقلين، احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه، وعترتى اهلبيتى، فانظروا كيف تخلفونى فيهما، فانهما لن
يفترقا حتى يردا على الحوض).
فقد احتج بهذا النص النبوى الشاهد بملازمه اهل البيت(ع) لكتاب اللّهوعدم مفارقته علما وعملا.
وهذا الالتزام التام بكتاب اللّه، هو المعبر عنه بالعصمه، كما يشهدالرسول(ص) بقوله الشريف هذا.
ويتسلسل الفكر الشيعى فى الاحتجاج والاستدلال على ان الامامه عهدومسووليه نبويه، كان الرسول(ص) قد حدب على صياغتها وتعريفهاللامه، واعدادها فكريا ونفسيا لاستقبال هذا المبدا الخطير بعد حياتهالمباركه.
فكانت حجه الوداع، وكان الخطاب والبيان النبوى فى اليوم الثامن عشرمن ذى الحجه حين جمع الحجيج قبل ان يفترقوا فى موقع يدعى غديرخم، فوقف خطيبا مبلغا آخر عهوده. اخرج الامام احمد بن حنبل ذلك المشهد التاريخى الخالد قائلاحدثنا عبد اللّه حدثنى ابى حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمه حدثناعلى بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسولاللّه(ص) تحت شجرتين، فصلى الظهر، واخذ بيد على( رضىاللّه عنه )، فقال: الستم تعلمون انى اولى بالمومنين من انفسهم؟ قالوا: بلى، قال: الستم تعلمونانى اولى بكل مومن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فاخذ بيد على، فقال: منكنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر بعدذلك، فقال: هنيئا ياابن ابى طالب، اصبحت وامسيت مولى كل مومنومومنه. قال ابو عبدالرحمن: حدثنا هدبه بن خالد حدثنا حماد بنسلمه عن على بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب عنالنبى(ص) نحوه).
واخرج النسائى عن زيد بن ارقم قال: (لما رجع رسول اللّه عن حجهالوداع ونزل غدير خم، امر بدوحات فقممن، ثم قال: كانى دعيت فاجبتانى قد تركت فيكم الثقلين، احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى،فانظروا كيفتخلفونى فيهما، فانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. ثم قال: ان اللّه مولاى،وانا ولى كل مومن، ثم اخذ بيد على فقال: من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم والمن والاه وعاد من عاداه).
وتاسيسا على ذلك كله آمن فريق من الصحابه ان عليا هوالاولىبالخلافهوالامامه، منطلقين منتلك الاستفادات، ومن فهمهملكلمه (الولايه) الوارده فى قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله والذينامنوا الذين يقيمون الصلاه ويوتون الزكاه وهم راكعون).
وفى قول النبى(ص): (من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد منعاداه).
فقد فهموا من كلمه الولايه هذه: انها تفيد ولايه الامر والخلافه والامامه،لاسيما وانها اقترنت بايضاح الرسول: (الستم تعلمون انى اولى بالمومنين منانفسهم).
وبتعقيبه: (من كنت مولاه فعلى مولاه). فامنوا ان ذلك يعنى نقلصلاحيته(ص) -باعتباره ولى امر المسلمين لعلى من بعده. واستجابه لهذاالفهم والبيان تكتلوا حول على وكانوا شيعه له، فقد راوا فيه الاماموالمرجع الفكرى للامه.
كما استدل لامامه على(ع) برفضه لبيعه الخليفه ابى بكرفى السقيفه،والمطالبه بالخلافه والامامه كحق من حقوقه.
وبنى الاستدلال على ان عليا هو من عرف المسلمون ايمانه وزهده فىالدنيا وجهاده فى المواقع كلها. فلو لم يكن يرى حقا خاصا له بالامامهلما احتج على بيعه السقيفه، ولما اعلن مطالبته بالخلافه، ولرضى بنتائجالسقيفه عند سماعها.
وكما كان هذا موقف على(ع) وفريق من الصحابه، كانراى فريق آخر: ان ماجاء فى بيانات الرسول والقرآن الكريم، لايستفادمنه ثبوت الولايه والامامه لعلى. وانكلمه الولايه -التى وردت فى كتاب اللّه وبيان الرسول فى حجهالوداعانما تعنى الحب والنصره والموده، وليس ولايه الامر وخلافهالنبوه، ولذا راوا من حقهم ان يختارواشخصا آخر. ويقدم الشهيد الصدر تفسيرا لمواقف الصحابه الذيناختاروا غير على للخلافه، بنشوء اتجاهين مدرسيين وسط الصحابهعلى عهد رسول اللّه(ص) وهما:
1 - اتجاه يتقيد بالنص فى كل مجال من مجالات الحياه، ولا يرى منحق احد بعد البيان النبوى ان يجتهد مقابل النص، سواء فى مجالالعباده او السياسه او شوون الحرب...الخ.
2 - اتجاه يومن بامكانيه الاجتهاد مقابل النص فى بعض المجالات.
وهذان الاتجاهان قد تجسدا بشكل تيارين عندما واجها النص النبوىعلى اطروحه الامام على(ع). فاجتهد ذلك الفريق مقابل النص والتزمالفريق الاخر بالنص. وبذا ولد الكيان النصى من حول الامام على(ع).
ثم يوضح ذلك بنص قوله: (وهذان الاتجاهان اللذان بدا الصراع بينهمافى حياه النبى(ص) قد انعكسا على موقف المسلمين من اطروحه زعامهالامام على(ع) للدعوه بعد النبى(ص).
فالممثلون للاتجاه التعبدى وجدوافى النص النبوى على هذه الاطروحه سببا ملزما لقبولها دون توقف اوتعديل، واما الاتجاه الثانى فقد راى انه بامكانه ان يتحرر من الصيغهالمطروحه من قبل النبى(ص) اذا ادى اجتهاده الى صيغه اخرى اكثرانسجاما فى تصوره معالظروف. وهكذا نرى ان الشيعه ولدوا منذ وفاهالرسول(ص) مباشره، متمثلين فىالمسلمين الذين خضعوا عمليالاطروحه زعامه الامام على(ع) وقيادته التى فرض النبى(ص) الابتداءبتنفيذها من حين وفاته مباشره.
وقد تجسد الاتجاه الشيعى منذ اللحظه الاولى فى انكار ما اتجهت اليهالسقيفه من تجميد لاطروحه زعامه الامام على(ع) واسناد السلطه الىغيره).
مفهوم الامامه فى الفكر الشيعى
تعريف: عرف العلامه الحلى الامامه بقوله: (الامامه: رئاسه عامه فىامور الدنيا والدين لشخص من الاشخاص نيابه عن النبى).
فالامامه تشكل ركنا من اركان الفكر الاسلامى ومرتكزا اساسا منمرتكزات بنائه، لذا اولى الاسلام مساله الامامه عنايه خاصه، نظرا لمالهذا المبدا من اهميه كبرى فى بيان الفكر الاسلامى، وحفظالشريعهوتطبيقها ومواصلهمسووليه الدعوه والتغيير.
ولقد كانت مساله الامامه اولى المسائل التى تباينت فيها الاراءووجهات النظر بين المسلمين كما ذكر المورخون. فقد اختلفوا فى كيف يهتع يين الامام الذى يخلف الرسول يوم وفاته(ص)، وفى اختيار الشخصالذى يتولى هذه المهمه الكبرى، لذا كان لهم ثلاثه مرشحين لملء منصب الخلافه، فقد اختارمن اجتمع من الانصار فى سقيفه بنى ساعده سعد بن عباده، ثم اختاربعض المهاجرين ابابكر.
وان بعضالمهاجرين وبعضالانصار وبنى هاشم اختاروا الامام على بنابى طالب.
ومن الواضح تاريخيا وعقيديا ان مساله الامامه هى من ابرز المسائلالتى بلورت شخصيه الكيان الشيعى حول على واهل
بيته. فقد راىاتباع على واهل بيته ان عليا هو الاولى بالامامه الفكريه والسياسيه، فلهالولايه والحكومه، وهو المرجع الفكرى الذى يحسم رايه الخلاف بينالمسلمين. وقد سمى اتباع اهل البيت اولئك بالشيعه.
متى ولد مصطلح التشيع:
من المفيد ان نعرف كيف ومتى ولد مصطلح الشيعه، وكيف نشا هذا الكيان الاسلامى كمدرسه فكريه وسياسيه، ووجودمذهبى بين المدارس والمذاهب والاتجاهاتالاسلاميه الاخرى؟
ذكر الباحثون والمحققون من علماء الاسلام ان اول من اطلق هذا الاسمهو الرسول الاكرم محمد(ص).
فقد نقل ابن حجر والشبلنجى وجلال الدين السيوطى جميعا فى تفسيرقوله تعالى: (ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك
هم خير البريه) انالنبى(ص) قال لعلى: (هو انت وشيعتك).
كما نقلابنالاثير انالنبى قاللعلى(ع): (ستقدم على اللّه انتوشيعتكراضين مرضيينويقدمعليه عدوكغضابا مقمحين).
والتشيع لال البيت وحبهم والصلاه عليهم فريضه اوجبها القرآن بقولهقل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى).
كما اوجبها عندما امربالصلاه على النبى، تلك الصلاه التى صارت واجبه فى فريضه الصلاه،فقد علمالنبى(ص) امته كيفيه الصلاه عليه بقوله(ص): (قولوا اللهم صل على محمد وآلمحمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد).
التكتل حول الامام على:
فجع المسلمون بوفاه النبى الهادى محمد(ص)، وكانت وفاته حدثا هزالامه هزه عنيفه، فكان اول اهتمامات عدد من الصحابه وهم من الانصاران اجتمعوا فى سقيفه بنى ساعده، لاختيار خليفه يلى امور المسلمينبعد رسول اللّه(ص). فاختاروا سعد بن عباده خليفه للمسلمين. فتناهىالخبر الى ابىبكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف وابى عبيده بن الجراح،فتوجهوا الى السقيفه، ودخلوا فى حوار عنيف مع ذلك التجمع منالانصار رافضين بيعه سعد التى تمت له من قبلهم، ورشحوا ابا بكرخليفه للمسلمين. فانتهى خبر السقيفه الى الامام على بن ابى طالبوجمع من الصحابه، فرفضوا بيعه ابى بكر معلنين ان عليا هو الاولىبالخلافه والامامه.
ومن هولاء: العباس عم النبى(ص)، وفاطمه بنتالرسول الاكرم، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد،والمقداد بن الاسود، وسلمان الفارسى، وابو ذر الغفارى، وعمار بنياسر، والبراء بن عازب، وابى ابن كعب.
وهكذا: نشات كتله التشيع والتجمع الصحابى حول على(ع)، ونشاتياران بين الصحابه ومدرستان فكريتان فى موضوع الامامه والخلافه.
اهل البيت المطهرون:
(انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).
من المبادىء الاساسيه التى بنى عليها معتقد الامامه فى الفكر الشيعى،هو اتصاف الامام بصفات الكمال البشرى وتنزهه عن معصيه اللّهسبحانه، وهو ما اسماه القرآن الكريم بالتطهير، وما اصطلح عليه فيمابعد بالعصمه.
وقد لخص الشيخ المفيد راى الشيعه الاماميه فى وجوب اتصاف الامامالذى يستحق الامامه والولايه بالعصمه (التطهير)، لخصه بقولهواتفقت الاماميه على ان امام الدين لا يكون الا معصوما من الخلاف للّهتعالى، عالما بجميع علوم الدين، كاملا فى الفضل، باينا من الكلبالفضل عليهم فىالاعمال التى يستحق بها النعيم المقيم).
وعرف الامام جعفر بن محمد الصادق المعصوم بقوله: (المعصوم هوالممتنع باللّه من جميع محارم اللّه).
وتاسيسا على هذا التعريف عرف المتكلمون العصمه بانها: (لطف خفىيفعلهاللّه تعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع الى
ترك الطاعهوارتكاب المعصيه، مع قدرته على ذلك).
وترى النظريه الاماميه ان صفتى الطهاره او (العصمه) و(كمال العلم)باحكام الشريعه ومعارفها، هما الملاك الاساس فى استحقاق الامامه-كما مر فى تعريف الشيخ المفيد موسسين ذلك على اصول قرآنيهوبيانات نبويه. نذكر ابرز هذه الاصول والاستدلالات كما جاءت فىمحاورات الفكر الشيعى الامامى بايجاز:
فابرز ما استدل به على وجوب توفر العصمه فى الامام هو ما استفيد منالحوار الالهى مع ابراهيم(ع) حول استحقاق الامامه.
قال تعالى: (قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدىالظالمين).
فاستدل بهذا البيان القرآنى على ان الامامه عهد الهى يختص به من تنزهعن الظلم-اى المعصيه- ومن توفرت فيه طهاره النفس وعصمتها، كما مربيانه فى تعاريف العصمه والمعصوم.
علما بان هذه العصمه لاتتحقق الابتوفر العلم باحكام الشريعه ومعارفها.
ثم يوسس الفكر الشيعى على هذا الاساس ان اهل بيت النبى(ص) قدشهد القرآن لهم بالطهاره من الرجس بقولهانما يريد اللّه ليذهب عنكمالرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا).
فقد تواتر نقل الرواه والمفسرين ان هذه الايه لما نزلت جمع رسولاللّه(ص) عليا وفاطمه والحسن والحسين وقال: (اللهم هولاء اهل بيتىفاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وكما استشهد بنص القرآن وبيان الرسول هذا، احتج ايضا لطهارهائمهاهلالبيتوعصمتهم بشهاده الرسول(ص) يوم حجه الوداع، التى جاءفيها:
(...انى قد تركت فيكم الثقلين، احدهما اكبر من الاخر، كتاب اللّه، وعترتى اهلبيتى، فانظروا كيف تخلفونى فيهما، فانهما لن
يفترقا حتى يردا على الحوض).
فقد احتج بهذا النص النبوى الشاهد بملازمه اهل البيت(ع) لكتاب اللّهوعدم مفارقته علما وعملا.
وهذا الالتزام التام بكتاب اللّه، هو المعبر عنه بالعصمه، كما يشهدالرسول(ص) بقوله الشريف هذا.