اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الإمام الصادق عليه السلام في رواية عنوان البصري:
"يا أبا عبد الله، ليس العلم بالتعلّم، إنما هو نورٌ يقع في قلب مَن يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أولاً في نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك.
قلت: يا شريف، فقال: قل يا أبا عبد الله، قلت : يا أبا عبد الله، ما حقيقة العبودية؟ قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله مِلكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم مِلكٌ، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه.
فإذا لم يرَ العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى مُلكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره، هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه، لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هانت عليه الدنيا، وإبليس والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً، ولا يدع أيامه باطلاً، فهذا أول درجة التقى، قال الله تبارك وتعالى: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين".
• الفصل الأول: حقيقة العلم
قوله عليه السلام "ليس العلم بالتعلّم، إنما هو نورٌ يقع في قلب مَن يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه".
النور هو الظهور، فعندما يزكي الإنسان نفسه يشع النور من قلبه ليشاهد كل شيء بعين إلهية كما ورد عنهم عليهم السلام "اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله".
المؤمن لا يرى في الموجودات إلا آثاراً لجمال الله عز وجل وبهذا النور "نور عشق الله" يطلع على الكثير من العلوم، فمن رأى شيئاً ووصفه، وصفه أدق ممن سمع عن شيء.
قال الصادق عليه السلام: "فإن أردت العلم فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك". القراءة والتعلم بلا عمل مجرد صور وخيالات وذكريات منتقشة في النفس، يقوم العقل بترتيبها لينتج معلومات جديدة.
يقول الإمام علي عليه السلام: الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ ِبالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ عَنْهُ. عن الإمام الصادق عليه السلام: "الإيمان لا يكون إلا بعمل والعمل منه ولا يثبت الإيمان إلا بعمل" العلم هو شهود الحقائق، أن تعاين الأمور بنفسك.
يقول العلامة الطباطبائي قدس سره في تفسير "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ" أن الإنسان بإقباله على الدنيا يعلم منها بقدر إقباله عليها، عندما نعكس الآية نفهم بأن الذي يقبل على الله عز وجل ينفتح له علم ليس من الدنيا بل من الله عز وجل.