إن هذه الكلمة على وجازتها وقصرها، ذات معنى عميق، حيث أراد الإمام (عليه السلام) أن يبين من خلالها: إن قيمة الإنسان هي بقدر ما يحسنه من العلم والعمل، وكما أن الإنسان في الآخرة سوف ينال إما الجنة أو النار، بقدر ما لديه من أعمال صالحة أو طالحة، كذلك الحال في الدنيا، فإن المرء يُقيّم بعمله وعلمه حتى عند الناس لا بنسبه وهيكله، والتقييم مرتبط بجهة المتعلّق ـ أي الفعل ـ فتارة يكون الفعل خيراً وصالحاً، فتكون آثاره خيّرة وسليمة، فيأتي الناس ليعطوا ذلك الإنسان ما يقابل عمله هذا، سواء كان عطاءً مادياً أو معنوياً، فعاقبة عمله الصالح هي قيمة رائعة لشخصه وعمله، وحينئذ يقولون: إن فلاناً رجل صالح، وهذه الصفة الأخيرة هي قيمة نتجت عن عمله.
وبالعكس تماماً عندما يكون عمل الإنسان غير ملائم للطبع الإنساني السليم، بل لعله يخالف الذوق والحس البشري الذي غرسه الله عزوجل في وجود الإنسان، فتكون النتيجة أيضاً تقييماً من نوع آخر؛ إذ يقال عند تقييم صاحب العمل السيئ بأنه غير خلوق، أو أنه إنسان سيئ وطالح.
وهكذا فإن قيمة المرء تكون من سنخية عمله وأدائه، ولا تأتي اعتباطاً أو صدفة.
مراقبة المرء لنفسه
فعلى هذا يجب أن يراقب المرء عمله وسلوكه، وأن يحسن عمله ويتقنه بشكل جيد؛ لأن عمله سوف يكون مرآة له تنعكس فيها صورته الحقيقية، فأما أن تكون صورة ناصعة، أو تكون صورة مشوشة ومشوهة، ونستطيع أن نمثل لذلك بمثال متواضع: فالذي يحمل شهادة المرحلة الابتدائية تكون قيمته غير الذي يحمل الشهادة الجامعية، وهكذا اطراداً.
دروس وعبر
وإن هذه الكلمات القصار للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقيت وستظل حية على طول التأريخ الإنساني، وتشكل دروساً تربوية قيّمة لا يستغني عنها الإنسان.
فالإمام (عليه السلام) بين أن قيمة الإنسان هي بقدر علمه، وبقدر ما يحسنه من عمل، فالتاجر الذي يحسن فن الشراء والبيع هو ذو علم بالتجارة، ويقاس بين التجار وفقاً لهذه الموازين.
والإنسان دائماً يعيش حالة الطموح والأمل، ولكل فرد أهداف يرسمها لنفسه، ويسعى دوماً نحو تحقيقها. فالإنسان المتعلم والعالم الذين يحسنان استخدام الوسائل من خلال ما يحملانه من علم وخبرة سيصلان إلى أهدافهما وطموحاتهما، وغالباً ما يكون الناجحون في حياتهم من أهل الخبرة والعلم؛ لأنهم يستخدمون المقدمات والوسائل الصحيحة للوصول إلى تحقيق آمالهم، بينما الذين لا يحسنون في عملهم ولا يعرفون وسائل النجاح وهم كثيرون تراهم يتخبّطون يميناً وشمالاً، فهم وإن كانوا أحياناً يعلمون شيئاً، إلا أنهم يمتازون بعدم المعرفة في كيفية استخدام هذا العلم عادة، فيفقدون نتيجة لذلك مكانتهم الاجتماعية، فانه «علم لاينفع كدواء لا ينجع»(3).
فإن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد على من يحمل علماً أو خبرة أن يعرف كيف يتصرّف به، وأن يتحمل الشدائد والعراقيل التي تلاقيه في سبيل الوصول إلى هدفه. فقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «بالتعب الشديد تدرك الدرجات الرفيعة والراحة الدائمة»(4).
تعليق