إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
مسابقة أفضل نص بحق الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)
تقليص
X
-
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وسَهِّلْ مَخْرَجَهُمْ والعَنْ أعْدَاءَهُم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرفع احر التعازي والمواساة بذكرى شهادة الكوكب الحادي عشر من كواكب الامامة والخلافة الالهية لمقام بقية الله في ارضه وحجة الله على خلقه بشهادة ابيه الامام الحسن بن علي العسكري سلام الله عليه
الواجب طاعته والمنتهك حرمته والمهدومة قبته والذي قاسى اشد انواع التضييق والحصار من قبل ائمة الجور والفسق والضلال، فسلام عليك سيدي ومولاي يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا...
مسابقة مباركة ونصوص تستحق الإشادة نمت وتفرعت اقلامكم خدمة للمذهب وإحياء لإمر آل البيت (عليهم السلام) ...
حفظ الله القائمين على المنتدى وفقتم لكلّ خير....
- اقتباس
- تعليق
- معحبون 2
تعليق
-
أبا الحجّة
إليك وأنت تقود الاُمّة وسط أعاصير الجور وعتوّ بني العبّاس
إليك وعيون الطغاة تحدّق كي تجهض من منقذنا الأنفاس
إليك وصرخة « هيهات » تعلو إذ أرسى الباري خير أساس :
( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّةً ونجعلهم الوارثين ).
إليك أنثر رياحين الولاء من أعماقٍ أنتم لها مقباس .
آياتٌ من الحزن والمصاب بمناسبة استشهاد الإمام الحادي عشر الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام.
نشكر جهودكم الثمينة لاقامة هكذا مسابقات ثقافية لنشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام...
- اقتباس
- تعليق
- معحبون 1
تعليق
-
وارغب في استثمار الفرصة، مناسبة استشهاد إمامنا العسكري عليه السلام لأقدم بين يدي مولانا صاحب الزمان هذا النص الذي تم نشره في مجلة نور الإسلام، بيروت، العام الماضي
"صومعة الأسرار"
بقلم رجاء محمد بيطار
مجلة نور الإسلام عدد 227 -228 لشهري ربيع الاول والثاني 1440هـ
مولاتي..
بأي الألقاب أصفك وأنا أعنوِن كتابي إليكِ، وبأي الأسماء أدعوك وأنا أطرح خطابي عليكِ؟!
يدي ترتجف، وقلبي يرتعش، وعيني تختلج بين دمعي وأهدابي، معانقةً تلك النظرة التي وقعت بالأمس تحت قدميكِ..فكل لقبٍ هو دون وصفك، وكل اسمٍ يسجد في محراب حرفك، ولذا سأكتفي بأن أسمّيك بحنانك وعطفك، وقد نالني منهما الكثير..
مولاتي،.. ها هو لساني اليوم، بعد أعجميّته، عربيٌّ مبين، فقد حرص جدي على تحصيلي العلم والأدب، حتى استقامت لي لغة العرب.. وإني به لمسرورة، إذ هو قد أعطاني الوسيلة للتحدّث إلى من أحب، ولكن اعذريني يا مولاتي إن خانني التعبير، فلعلني أحتاج إلى المزيد من علمكم اللدني، الذي لا يناله إلا من اقترب..
سيدة فؤادي أنت، ولا تزالين، منذ ذلك اليوم الذي أرّختُ به ميلادي، إذ كان هو بداية إيجادي، وإحساسي بالحياة الحقيقية؛.. إنه يوم الرؤيا..
يومها، شرّفني وشرّف آبائي وأجدادي بزيارته، أبوكِ النبي الخاتم أحمد ، وزوجك وصيه الأقدس إيليا*، وأبناؤك الأئمة الأطهار، وخطبني من سيدي يسوع المسيح، وجدي الأكبر لأمي وصيه شمعون الصفا..لقد خُطبتُ لولدك أبي محمد الحسن، روحي فداه، وعُقد قراننا على رؤوس الأشهاد، وما الأشهاد إلا بنوك الأطهرون، وحواريو المسيح الميامين..
كانت رؤيا مشهودة، شهدها أهل الآخرة قبل أهل الدنيا، بل إنه لم يشهدها من أهل الدنيا سواي، ولكنها كانت كافيةً لتقلب كياني وتزلزل وجداني، أنا الأميرة مليكة، بنت الثلاثة عشر ربيعاً، والتي كان يتمنى أمراء الروم رؤية بناني، ويخطبون ودي فأتعالى عليهم بتقواي وإيماني، ولا أرى فيهم من يداني فكري الملهوف وقلبي الحاني، ها أنا ذي أقع في حب هذا الكائن الرباني، وأغرق في عشقه وأعاني...رغم أني لم أره إلا في رؤياي، ولكن مفتاح قلبي كان بيده على ما يبدو، وقد سحرني نوره الملكوتي وكيانه الإنساني..
مولاتي، لقد أدنفني حبه، فقد انقطع عني وجفاني، منذ ليلة الرؤيا!..
كنت أعلم يقيناً أن ما رأيته هي رؤيا حق وموعد صدق، ولكني لم أفهم سبب جفاء حبيبي بعدما اختارني دون كل أترابي من أهل زماني، رغم بعد مكاني؛ ولقد خشيت أن أخبر جدي بمارأيت، فهو رغم حبه العظيم إياي، إلا أن كرهه للمسلمين كان أعظم، ونقمته على ما جرى من خطبتي للأشراف سابقاً ونحوسة طالعهم وتنبّؤ القساوسة بالشؤم لما جرى، جعله يحوطني بعنايةٍ خاصة، فيها إكرامٌ وإعزاز، ولكن، فيها خوف وترقب للآتي... إن رؤية سقوط الصلبان وتحطّم الإيوان يومئذٍ لا تغادر خيالي، وأغلب الظن أنها تسكن خياله أيضا..
ولكن كل ذلك لا يعنيني، ما يعنيني هو هجر أبي محمدٍ إياي، حتى انقطعت عن الطعام والشراب، وهزل جسمي ونحل بنياني، ...
مولاتي، لقد أسقمني ذاك العشق وكواني..
هي لوعتي أبثّها إياك يا سيدة الفؤاد، وأشكو إليك ما أذواني من لوعةٍ وسهاد، فقد غابت شمس حياتي قبل بزوغ الفجر، حينما انقطع عني ماء الحياة، وكابدت ما كابدت من ألم الفراق حتى بلغ بي إلى شفير الموت أو كاد..
يومها أتاني جدي يسألني عن حاجتي، ويتوسّل إليّ أن أوصيه بما يهمّني، وقد أوجعه سقمي، فسألته أن يوسع على الأسارى من المسلمين في سجنه، وأن يخفّف عنهم العذاب، عسى أن يهب لي المسيح وأمه العافية.. وقد علمتُ أن لا عافية لي إلا بذلك الحب، ولعلني توسّلت بتلك الصدقة أن أنال من حبيبي بعض القرب..
مولاتي، أخجل إذ أبدي لك عمق مشاعري، أنت القاطنة في سويدائيَ الأعمق، ولكنكِ تعلمين؛ .. ليس عشقاً دنيوياً هذا الذي ألمّ بي، فأنا أحب من اختاره لي ربي، واخترق بنوره شغاف قلبي، .. من خطبني إليه نبيه ونبيي، في مشهد علوي لم تدنّسه الدنيا بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها، بل كان بمقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.. فحقّ لي أن يكون مثل هذا العشق دربي!..
.. ثم أتيتِني أنتِ..
يا كلّ الحب المتجسد في ملكوت السماء، ويا حورية النور التي ينبع من عمق عينيها الضياء..
ولكني ما دريتُ يومها من أنتِ.. فقد كنتُ بأصل النور جاهلة، فسامحيني، وإن كنت لا أسامح نفسي، إذ تعوّدت أن أكتشف بصفاء سريرتي عمق كل من ألقاه، فكيف لم تكشف لي تلك البصيرة عن مبدأ الحب ومنتهاه؟!
لقد جثوتُ أمامك متصاغرةً لعظمة كيانك، مبهورةً بأنوار جنانك، رغم أني لم أجثُ من قبل إلا في معبدي، ولكني علمتُ أن ها هنا ملكة النساء، معجزةٌ من معجزات رب السماء، قرأت ذلك في سطور محيّاك الوضّاء، وتحرّك قلبي بعشق ينتمي إلى ذلك العشق الذي ملك عليّ حياتي في الخفاء..
ورفعتِني أنتِ، .. احتضنتِني بتحنانك، ومسحتِ على قلبي بروحك وريحانك، ثم أقبلتِ عليّ تعرّفينني بحقيقة إيمانك..وأشرتِ إلى سيدة جليلة أخرى تقف بجوارك، وأبلغتِني بالحق من أخبارها وأخبارك؛ هي مريم بنت عمران، أم عيسى النبي، تبرأ إلى الله من الشرك والكفر، وتدعوني إلى دينكِ الذي هو دينها ودين ولدها، ودين كل معرفةٍ وشكر.
لقد حلّق فؤادي يومها في عليين، إذ أدركت ما كنت أطلبه طوال عمري من يقين، وتحرك لساني بنطق الشهادتين، فضممتِني إلى صدرك، واستشعرتُ خفقات صبرك، وهمستِ في أذني بأرقّ نبرةٍ سمعتْها روحي في كل آن، أن توقّعي وصال الحبيب منذ الآن، إذ ما كان يمنعه عنك إلا ما كنتِ عليه من بعدٍ عن حقيقة الإيمان..
مولاتي.. إن ما أنا عليه الآن هو عين اليقين، وإن ما عرفته منك ومن مولاي بعدك هو الحق المبين، فهو قد أقبل عليّ منذ ذلك الحين، يزورني في كل ليلةٍ فيحادثني ويفقّهني ويبث في قلبي حبّكم وأخباركم، ويروي لي ما خفي عني من أسراركم، فأزداد له ولكم عشقا، وقرباً وشوقا ، وإن كنت أزداد عليكم حزناً وكربا..
بلى، .. عرفت أنكم العترة الطاهرة، وأنكم أنوار الدنيا والآخرة، ..
وسمعت حديث ضلعك من قلبه المكسور فتهشّم قلبي، وبكيت حتى أشرفت على الفناء، وسمعت عن هضم حقكم وحقه المهدور، فصغرت في عيني كل الأشياء، ثم حدّثني بكبدٍ مفطور عن انفطار الأرض والسماء لضربة جده سيد الأولياء، ولسمّ عمه المجتبى وتقطّع أحشائه إلى أشلاء، ولذبح أبيه سيد الشهداء فوق رمضاء كربلاء، مع أصحابه وأهل بيته، بعدما حُرموا من شرب الماء، ... فتساقطتُ كالهباء على جلجلة الفداء..
مولاتي، أخشى إن أنا تابعت الحديث عن كل تلك الأرزاء أن أعجز عن مواصلة الكلام، وأن أنكأ جراحك النازفة مدى الدهور والأعوام، وإن كنت أعلم أن ضلعك لم يزل طرياً يخز أعماقك منذ تلك الأيام.. فقد تحسّست أنينه يوم ضمتني يداك المقدستان، فاعذريني إن توقفت عن الخوض في يمّ بلاءاتكم الآن.
مولاتي..
لا أخفي عنك سري كما لم أخفِ عليك جهري.. فقد أضناني ذاك اللقاء الروحاني بمولاي، وشاقني اللقاء به في عالم الإمكان، والحمد لله أنه قد بشرني بقرب الفرج، وأننا سنلتقي في العيان، وأن ما أريده كائن بإذن الرحمن، ولكن.. إن دون ذلك الفرج أسرٌ وذلٌّ وهوان..
روحي فداه، أنا لست أجد ضيراً في أسرٍ أواسي به فتاتكِ العقيلة، فينالني جزءٌ مما نالها من سبيٍ، يوم أرادوا أن يسوقوها إلى الطغاة ذليلة، فباؤوا بشرّ أعمالهم، ومكروا ومكر الله وهو خير الماكرين.
ولئن كان ما لحقني من ذلٍّ وهوانٍ في تلك الرحلة المهولة، عزاءً لها وارتقاءً بروحي العليلة، فلا بأس إن كان..
لقد خرجت في تلك الليلة من قصر جدي المنيف، غير آسفة على شيء من متاعه، سوى مفارقة أهلي ربما، ولكني كنت قد استبدلت عن أهلي أهلا، وعن دنياي بالآخرة، فما عدت أبالي بالفراق، لأن لقاء الأحبة سيحول دون كل اشتياق؛ .. كنت أنفّذ تعليمات مولاي، وقد تنكّرت بزي الجواري كما أشار عليّ، وخرجت معي بضعٌ من وصيفاتي، أصررن على مرافقتي لحمايتي، بعدما تذرّعت بالرغبة في تفقد أحوال الرعية، حتى إذا هجم جيش المسلمين علينا ووقعنا في الأسر، أيقنت أن الرحلة قد بدأت، وأنها هي رحلة العمر..
مولاتي، .. حينما ساقني الجنود إلى زوارق الأسرى، كان البحر هو رسول أحلامي، يحمل إلى الحبيب آهاتي وآلامي، ولكنني كنت موقنة أن عينك تحرسني وترعاني، فما عدت أبالي بأي صعب، طالما أنني في النهاية سألقاه ويلقاني.. وحينما وصلنا إلى شط تلك المدينة، وراح الأعراب يتزاحمون علينا، كان أشد ما قاسيته أن يمد أحدهم إلي يداً أو عيناً ليتفحّصني، وتوسلت بكِ مراراً، وبابنتك الحبيبة، أن تحوطني بكنفها وتكلأني برعايتها، فلا تصل إليّ إلا يد مولاي وعيناه، فما خيبتماني، بل أعلم أنكما حفظتماني، بحفظ الله وهداه..
وأقبل ذاك الرجل الجليل على النخاس يسأله عني، وعلمتُ أنه يحمل إليّ كتاباً بخطٍ رومي من مولاه، فأدركت أنه سؤلي وظني، فأخذت منه الكتاب وقد غلبتني لهفتي وبدت عليّ حرقتي، وقرأته بقلبي وروحي ومهجتي، .. لقد كان أول ما رسمته لي الدنيا من خطوطكم، بعدما رسمت لي الآخرة كل صوركم وشروطكم، وقد رأيت الحروف تتحوّل أنواراً تلج سمعي وبصري وكل حواسي، فتملأ عليّ وجودي وإحساسي، فقبّلتُه ووضعته على عينيّ ورأسي، ومزجت أنفاسكم المقدّسة بأنفاسي.
وسألت النخاس أن يبيعني لصاحب الكتاب، وأقسمت بالمغلظات من الأيمان أنه إن لم يفعل قتلت نفسي!. ..أستغفر ربي من تلك الكلمات، فإني ما أردت بها معصيةً لرب السماوات، وإن أنا إلا أمةٌ مطيعةٌ لأوليائه، من فتات موائدهم أقتات، ولكني قصدتُ أن الموت سيكون نصيبي لا محالةَ إن أنا رضيت بتلك الحالة، فروحي معلّقة بشعاع أنوار أحبتي، إن انقطعت عن مصدر أشعتهم انطفأت شمعتي..
.. ومضيت في رفقة ذاك الرسول بعدما ابتاعني، تسير بنا الراحلة، وتتردد زفرات الشوق في أعماقي صاعدةً نازلة، فها أنا ذي الآن متّجهةٌ إلى الحقيقة الكاملة، ..وتسبق روحي جثماني، حتى لكأنهما منفصلان، فالروح زهرةٌ متفتحةٌ تفوح إلى الأمام، والجسم موثقٌ بقيدٍ وزمام، تعوقه خطوات القافلة..
ونصل..
هي " سر من رأى"، بل هي كل ما يعتريني اللحظة من سرورٍ لرؤية، لا تكفي معه كلمةٌ زائلة للشكر على النعمة الماثلة.
أأسجد شكراً لله على باب دارته، وقد علمتُ أنه قد اصطفاني واجتباني وحملني من أقاصي البلاد إلى جنته، لأكون زوجته وحليلته، وأم بقيته؟!
إني لو ذبت بعد ذلك دمعاً على وجنته، أو انهمرت غيثاً فوق كفيه وتحت قدميه، لما أدّيت مثقال ذرةٍ من حق حبوته!
وأدخل صومعة الأسرار، كما دخلت بلقيس صرح سليمان، ولكني لا أكشف ساقيّ عن لجّته، بل أخوضها بملء كياني، فيمتلئ وجداني من نعمته!
وفي حيّز المكان المحدود، تتساقط كل الحدود، فأرى مولاي الهادي، ولدك ووالد حبيبي، من أضحى الآن والدي، فيحادثني بلسان أجدادي ليؤنسني، وإنما هووآباؤه سلوتي وأنسي، وولده مزاج نفسي، فيهدأ وجيب فؤادي..
وألتقيه..
مولاتي.. أعفِني من وصف اللقاء، فما بي طاقةٌ على كل هذا الهناء؛ .. لقد كنت أعلم أن سعادة الروح في اكتفائها، فماذا لو تجاوزتْ حدّ الاكتفاء؟!..
وأدخل في كنفه، وأصير نفحةً من نفحات شرفه، ويدعوني بـ " نرجس"، فتفوح روحي بعطر صلاته، ثم يدفعني إلى أمه التقية العابدة سليل،".. التي سُلّت من كل آفة وعاهة، ومن كل رجسٍ ونجاسة" كما وصفها مولاي الهادي ، ثم إلى عمته التقية العظيمة حكيمة، بنت ولدك الإمام الجواد(ع)، لتعلّمني أحكام ديني، وفرائضي وسنني، فتزقّني بالعلم والمعرفة، وترفعني من درك الدنيا إلى الجنان الوارفة..
وبعد..
أي حديثٍ أحلى إليّ من حديثه، فأخباره تصلني على لسانه ولسان كل من يحيط بنا، وإن كانت الإحاطة أشبه بقيدٍ محكم الوثاق، فقد كان الحصار على أبي محمد وأبيه عليهما السلام خانقاً لا يطاق، وقليلٌ من البشر من يصل إليهما عبر ذاك النطاق، فالخوف من أهل الحق قد ملأ قلوب أهل الباطل، حتى لجأوا إلى كل الوسائل؛..
أولم ينفوا مولاي الهادي من مدينة جده، وهو ابن عشرين ربيعا، فحمل معه مولاي أبا. محمدٍ إلى هذا القفر، وهو لما يجاوز الرابعة من العمر؟!
أولم يزجّوا بمولاي الهادي في سجنٍ ويكبّلوه بالأغلال، كما يُفعل بالمجرمين، وهو ابن سيد المرسلين وسيد الوصيين وسيدة نساء العالمين، فلم يراعوا حق القربى ولا فضل العلم والتقوى، وهو من كليهما في القرار المكين؟!
إن لهم لسابقةٌ في هذا المجال، فقد نفَوا قبله جده الكاظم(ع)، ثم حبسوه وعذّبوه وقتلوه صابراً محتسبا،
ونفَوا جده الرضا(ع) حتى قتلوه مسموماً مغتربا ، وأتبعوه بولده الجواد(ع) الذي لم يمهلوه حتى سمّوه وهو في الخامسة والعشرين!
ويلاه، ما أقسى ما سمعته وأسمعه وما ألقاه!
إن ما تفعله أمة محمدٍ بأبناء بنت نبيها لا يمكن أن يتصوّره عقل أو يرضاه..
وإني رغم هناءتي بقربهم وتعلقي بهدبهم، غير أني لا زلت أكابد آلام العشق وبلواه.. لا لأن أبا محمد يجفوني، بل لأنه أحنى عليّ من جفوني، ولكنني أخشى عليه وعلى والده ووالدي، أن ينالهما كيد البغاة كما نال آباءهما، بل إني واثقة من هذا، ولذا فإن حياتي في كنفهما هي حياة ناسكٍ يتزوّد من عطايا الآخرةِ قبل انتقاله للآخرة..
مولاتي، ..لقد تبتّل فؤادي في صومعة هواكم، فصرتُ بكم مشغولة عن كل دنيا إلّاكم، وما أنتم سوى سر أسرار الآخرة..
مولاتي، قد أزيد همك هماً إن أضفت المزيد، ولكنني أعلم أن همك باقٍ منذ الأزل وإلى الأبد، طالما أن هناك في كل عصرٍ يزيد، فها هو مولاي وأبو مولاي، يقع فريسة سمّ الأشقياء، ليلتحق بآبائه النجباء، فيتخطّفه الموت منا كما تخطّفكِ في ليلةٍ ظلماء، ولولا بدرنا الوضّاء، لعمّ الدنيا ظلام تلك القلوب السوداء.
.. لقد مضى أطيب الأطيبين إلى جوار أجداده، وقد حزّ في النفس والروح ابتعاده،.. مضى ليترك حبيبي ومولاي أبا محمدٍ وحيداً فريداً، إلا من حزنه وسهاده، ورحمة ربه بالصالحين من عباده..
وأتلوّى،..
رحماك يا رب، لقد كتبتَ على هذه العترة الطاهرة كتاب الشهادة، فأي حرفٍ سيصيب سيدي بعد حين، سيفٌ قاطعٌ أم سمٌّ ناقع، وكلا الحرفين شاهدٌ على هذه المواجع؟!
مولاتي يا أطهر وأصبر النساء، أي سيدة الأمهات والآباء .. أخشى أن أكون قد أقرحت فؤادك بأكثر من قرحه، فاعذريني، وإن كنت أعلم أن قرحك بعين الله، وأن صرحك شامخ لا يناله شرخٌ مهما تصدّعت الأضلاع..
ونتابع مسيرة حياتنا الدنيا، في ظل أنوار مولاي العليا، .. نعيش بـ " سر من رأى" لا مسرورين بما نرى، بل قارّين بطاعة رب الورى، وقد غدا إمامنا على الإقامة مجبرا، ممنوعأً عن رؤية سائر الورى، إذ بلغ الخوف والحرص على متاع الفناء، من أهل هذه الدنيا النكراء، أن ضيّقوا الخناق على أبي محمد، بأكثر مما كانوا يضيّقونه على أبيه، حتى صار تواصله مع شيعته عبر كتب يرسلونها سراً إليه، فتخرج بتوقيعه على يد خادمه، وصار له نواب وسفراء يؤدون إليه وعنه أمانته..
وينفد صبري وأنا أرى كل هذا الضيق، حتى لم يعد هناك مجالٌ للنفَس، وأسأل نفسي ومولاي، أن إلى متى السكوت، وفي وسعه بكلمة أو نظرةٍ أن يكسر كل القيود ويحررنا من هذا الجمود، وهو من هو عند رب الوجود؟!
ويخاطبني فؤاده بالجواب، أن رويدك يا أم البقية، فلو أردنا القيام لقمنا، ولكن وعد الله لم يحن بعد، وهو أدرى بزمان تحقّق الوعد، فإذا جاء ذاك الموعد لا يستأخر المجرمون ساعةً ولا يستقدمون، " وإنا من المجرمين منتقمون"!
بلى، لقد بلغني القصد.. فهو تمهيد لتلك الغيبة، أن يواجه المؤمنون صنوف الشك والريبة، حتى يميزوا بين الحق والباطل، وبين الكذب والصدق، .. حتى إذا أتاهم ذاك الوعد، كانوا له على أهبة الجدّ..
وأتى يومي الموعود، فها هو حجة الله يبشرني بحجته، فأتوارى خفراً خلف قلبي من هيبته؛ .. إنه منى عمري، وترنيمة قدري، وسر النور في بصري، .. هو علة وجودي، ووسيلة قربي من معبودي، .. وأن يكون كياني وعاءً لذلك السر الأعظم، هي كرامةٌ لن أطيق شكرها ولو أفنيت في الشكر وجودي.
وتأتينا العمة حكيمة، يسألها مولاي أن تبيت الليلة عندنا، فالليلة ميلاد وحيدنا، بل وحيد الكون أجمع..
ويذهلها أن لا أثر للحمل عليّ، فيجيبها مولاي:
" لا تعجبي يا عمة، فإن مثلها مثل أم موسى، وهذا نظير موسى(ع)"
ومع بزوغ الفجر، بعد ليلة دعاء وابتهال وصلاة وتجديد عهد، يلفّني ذاك الشعور الأروع، وأنتقل فجأةً إلى مكانٍ ليس في الأمكنة ما يشبهه، فأعلم أن الوعد قد حان، وأن ولدي ومولاي مقبلٌ يشق أمواج الزمان، ليحطّ على هذه الأرض..
ويحضرني ما يحضر القديسات من النساء حال الولادة، ربما بعض ما حضر مريم بنت عمران، وآمنة بنت وهب، وفاطمة بنت محمد، وسائر القديسات من أمهات الأئمة، وإن كنت عن الوصف عاجزة، فهي حالٌ ليست من الأحوال التي يمكن تلخيصها بالكلمات الموجزة، ولعل الأجدر أن أحاول وصفها بالآيات، مع أنك يا مولاتي حضرتِ وشرّفتِ تلك اللحظات، ونظرتُ إلى وجهك القدسي رغم كل ما أحاط بي من ذهول وشتات، فقد كان ولدك الذي تلقفته الأرض ساجداً متشهداً بين يدي سيدات أهل الجنة، هو لطلّتك الباهرة مرآة..
وتمرّ الهنيهات كالساعات، لا أريد لها أن تنتهي، إذ أن مولاي أخبرني أن وليدي سيُغيَّب عني أمداً ليحميه الله من شر الطغاة، الذين كانوا يترصدون ولادته وقد بلغهم أن زوال دولة الظلم سيكون على يديه، فأرادوا أن يحولوا دون تحقق الأقدار، ولكنهم خسئوا وما استطاعوا أن يغيروا حرفاً مما كتبه الرب الجبار.
وبعدما يتلقّى مولاي وليده ليقيم عليه مراسم الولادة، أرى السعادة المتألقة في وجهه وعينيه، فتغمرني بضياء أشدّ من كل ما ألِفته لديه، وإذا بأطيارٍ بيضٍ ترفرف فوق مهد الطفل المقدس، وأتذكر ما أُخبرت به عن قصة مولاي الحسين(ع) وفطرس، إذ تمسّح به حتى تداوى من كسر جناحه، ولكن الطيور ما لبثت أن حملت طفلي، بعدما استودعها إياه إمامي وبعلي، وسألها أن ترده عليّ بعد حين لتقرّ عيني بإرضاعه واحتضانه، أنا الوالدة الملهوفة التي انتُزع صغيرها منها غصباً قبل أوانه، ليقيه الله شر الباطل وأعوانه.
مولاتي، .. إن حديثي عن صغيري الكبير حديثٌ ذو شجون، فقد كان يأتيني بين الفينة والفينة لأجده قد نما وترعرع كأنما قد مرت عليه سنون، وتستلمه يداي الحانيتان وقلبي اللهفان، ويدا جدته العظيمة وعمته الكريمة، كما تستلمه يدا مولاي، إذ ينفرد به يفقّهه ويعلّمه، وينقل إليه ميراث النبوة والإمامة.. وأتساءل، أن لماذا العجلة على هذا الاستلام؟!.. بل علام يزيده الباري بسطة في العلم والجسم وهو بعد صغير السن؟! أليس في قابل الأيام والأعوام ما يكفيه؟!..
وأستغفر ربي وأتوب إليه؛.. إنه علم الله يعلم متى وكيف يؤتيه، وهو الغيب الذي لا يعلمه إلا هو، ومن أطلعه من عباده المصطفين عليه، وإن الأيام المقبلة ستدلني على الحكمة فيه، وإني لأتوجس أمراً أخشى أن يكون..
ويأتيني الجواب على نحو ما كنت أهاب، وإذا بشبح المنون يطلّ علينا من خلف ذاك الضباب، ...
رباه، .. ما أعجل ما ينطوي عمر أهل الحق، وما أغدر الدنيا إذ تغتال بأزلامها الورد اليانع ، .. لقد أيقنتُ كما لم أوقن من قبل، أن الدنيا ليست إلا سراب، وأن ماء الحياة هناك، خلف ذلك السحاب، مقرونٌ بطلّة البقية البهية، يوم يخرج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت بالخراب.
ها هو مولاي وحبيبي وقرة عيني يتجرع السمّ غصصاً كما تجرّع أيام العذاب، ويتقلّب على غضى الآلام، فتذوب نفسي عليه حسرات، فلقد آذنت شمسه بالغياب وهو لم يزل في ريعان الشباب، لا يجاوز عمره الثمانية والعشرين، ولكن، كان لا بد له من اللحاق بآبائه، غريباً كإياهم، مظلوماً مسموماً كإياهم..
وها هو طفلي الحبيب، سيدي وابن سيدي، يقف بيننا وقد زاده الهم قوةً وعزما، فيلزم جانب والده، يسانده كما ساند جدُّه الحسين عمَّه وسميَّ والده الحسن، ويتلقى عنه آلامه المبرحة دون أن يصيبه على حداثة سنه ضعفٌ ولا وهن؛ ها هو ذا يوضّئه وقد ضعف عن الوضوء لما به من أثر السم، ويواكبه في صلاته الأخيرة وقد بلغت روحه التراقي، ثم يتلقى منه الميراث الأخير، ليمسح به وجهه وعينيه، .. وأنا في كل ذلك عاجزة عن النظر إليه، متخاذلة عن مواجهة ذاك القدر الذي حطّ بثقله عليه، فأنى لي وأنا الثاكلة الغريبة، أن أستطيع تحمّل كل تلك المصيبة؟!.. وأتذكرك يا مولاتي، وأتذكر مولاتي العقيلة، فما أحوجني الآن إلى ذرّة من صبرها تنثرها على قلبي الواله، عساي أتمكن من اجتياز هذه اللحظات العصيبة؟! ..
ها هي روح مولاي وحبيبي وكل أملي في الحياة تفيض إلى بارئها، وأنا..
أجدني فجأة قد التففت على جرحي الأعمق، وربطت نزفَه برباطٍ زينبي موثّق، ووقفت شامخة الرأس رغم قلبي الممزّق، وتسحّ من عيوني دموعٌ لا ترقأ، لا حزناً ولوعةً على فراق الحبيب الأحب فحسب، بل أسفاً على ما وصل به الحال بآل الحق، أن لا يحضر وفاة سيد بني محمدٍ وعلي، إلا قلةٌ قليلة، ولكنها بعون الله تغني عن الكثرة، ففي أهل السماء غنىً عن أهل الأرض..
ونظرت إلى مولاي الصغير أتأمله وأتحسّر؛ كلا بل هوالكبير بل الأكبر ، فقد حمل هم الإمامة وهو في الخامسة لا أكثر؛ إن معالم الإمامة على وجهه ونظراته لا تنكر، وها هو يتعالى على هم الفقد وهم اليتم، ويمسح على رأسي ويواسيني، وكأنما هو الأب والأم، ثم يقوم من مقامه فيجهّز أباه ويغسّله ويكفّنه، ويستدعي بني هاشم عبر الخادم، ليبلغهم بما هو كائن، ثم يقوم فيصلي عليه، وقد استغرب معظمهم وجوده، فقد كان لا يعلم بولادته إلا الخواص..
ولدي ومولاي وحبيبي، فداك نفسي، لقد غيّبتك يد الله عن عيون الطغاة مجدداً، وهم راحوا يجوسون الديار بحثاً عن وريث الإمامة، وانتهكوا حرمة الدار وأرسلوا القابلات ليفحصن الجاريات، عساهم يجدون فيهن حاملاً يبقرون بطنها أو يقتلون وليدها كيما يقضوا عليك، وقد فاتهم أنك فِتَّهم وانقضى الأمر الذي فيه يختصمون..
لهفي عليك، إنك حقاً كما قال والدك المفدى، نظير موسى عليه السلام، وهم نظراء فرعون، وأرجو من الله أن تطبق عليهم غياهب اليم كما أطبقت عليه، فيرون عاقبة عملهم في الدنيا قبل الآخرة، " وإنا من المجرمين منتقمون".
مولاتي، يا شمس حياتي ومليكة مماتي، .. ها أنا ذي أنتظر الفرج، وها هو بقية الله قد عرج، فلا أدري متى يتحقق الوعد المرتقب، ..
.. لم أعد أحب الحياة، ولم أعد أجد لبقائي من سبب..
ولكن، لا..
فإن من أتى بي من بلاد الروم لأحمل بقيته في أرضه، ومن حفظني وأدّاني إلى وليّه ليدخلني في عرضه، ليس بتاركي حتى ولو فارقني حبيبي، فإن لي دوراً أتابعه لتأدية فرضه، أن أحمل هم الإمامة مع " الجدة"*(2)، فأكون لها سنداً وعدة، في تأدية الرسالة عن الإمام طيلة تلك المدة.
مولاتي، .. ها أنا ذي بين يديك الآن، أتهيأ لموافاة ربي، وملاقاة ينبوع حبي، أنا، "مليكة"، بل "نرجس" التي وهبها الله من فضله عطر القداسة، فجعلها أماً لقائم آل محمد، آخر الأوصياء، وبقية الله في الأرض والسماء، فالحمد لله الذي جعلني منكم وإليكم، وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا..
ضوء النهار في الساعات الأخيرة بدأ يؤلم عينيّ ويثقلهما، فأنا لا أرتقب إلا نهاره، وقد لوّعني انتظاره، وولكنني أرصد نوراً يحيّيني من خلف السحاب تحية البر المعهودة..
قبل لحظاتٍ كنت في محرابي أؤدي سجدتي الأخيرة، ثم استقبلني متهافتةً فراشٌ مهّدته لرقدتي الأخيرة، فروحي تتململ في كياني متأهبةً للصعود نحو المرحلة الأخيرة..
..ها أنا ذي أكتب لك يا بنت خير المرسلين وصيتي، وأخاطبك بكل ما دار في مهجتي، .. وهو ذا ولدي وحبيبي يصل إليّ وقد علم بحالي، فهنيئاً لي مآلي..
ولكن.. لي إليك يا سيدتي رجاء، فأنا التي واسيتكم ما استطعت بحياتي، ولكني لم أستطع أن أواسيك في مماتي، فجسمي سقيم وهمي مقيم، ولكن ضلعي سليم،.. أفلا تمنّين عليّ بضمّةٍ إلى ضلعك تتآخى فيها ضلوعي مع آلامك، لأحسّ بنفحةٍ من إلهامك، وينالني قبسٌ من نور أيامك، بعدما حملتُ تحت هذه الضلوع غلامك؟!
ها هو ذا مقبل، دليلي إلى الآخرة، وها هي أنواره تشرق كالشمس الباهرة، .. فمعذرةً إليكِ..
ها إن يدي تضعف وتتهاوى، فأضع ريشتي جانباً لأستبدلها بكفّه الرؤوم، يزيل بها ألمي ويحمل بها قلمي، وأزيح دواتي لأجعل من دموعي الساجمة ودموعه النازفة مدادا لآخر كَلِمي، ..
ها أنا ذي ألفظ آخر أنفاسي بين يديه، وقد تحقق رجائي؛ أن تكون آخر نظراتي نظرةً في سماء عينيه، أبلغ بها السماء في لحظة واحدة، لأؤدي الأمانة خالصة إليه، وتكون روحكِ عليّ شاهدة، وقلبه لي قائدا، فأصل إلى جنان أبي محمد، بخطوةٍ واحدة، وشفيعي لديكم جميعاً أيها الأحبة، أنني كنت لبقيتكم نعم الوالدة...
*(1) " إيليا" هو اسم الإمام علي(ع) في الإنجيل والتوراة. و" أحمد" هو اسم النبي محمد(ص) فيهما أيضا.
*(2) " الجدة" هو اللقب الذي عُرفت به السيدة "سليل" أم الإمام الحسن العسكري(ع) وجدة القائم المهدي(عج)
- اقتباس
- تعليق
- معحبون 1
تعليق
تعليق