بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
إنّما الأخلاق وُضعَت لإصلاح الروح، كما أن الطب إنما وضع لإصلاح الجسم، فعلينا إذاً أن نزوّد أنفسنا بالوقود الخلقي، كما نزوّد أجسامنا بالوقود البدني، وعلينا أن نعالج أرواحنا المريضة، كما علينا أن نعالج أجسامنا المريضة. الإمام الشيرازي الراحل(قده).
لكل شيء كمية محدودة من الصلاحية، إن تجاوزها كان وبالاً عليه، مثلاً: من يكون أكله رغيفاً من الخبز، إن تجاوزه إلى رغيفين، كان الرغيف الثاني موجباً لفساد معدته؛ وربما أودى بحياته، وإن تناول نصف أو أقل من نصف رغيف، عادة ما يسبب ضعفاً في بدنه، وربما آل به الأمر إلى المرض... وهكذا.
والروح ليس بدعاً من الأمور، فلها ميزان خاص وقسطاس مستقيم، إن تعدّاه الشخص أوجب ذلك اختلالاً في توازنه، وخذ مثلاً: يحتاج الشخص إلى قدر من الشجاعة لمواجهة مصاعب الدهر ومتاعبه وتأمين حياته قبال الكوارث، فإن زادت الشجاعة إلى القدر المعين كان ذلك (تهوّراً) يوجب اقتحام المهالك -بلا جدوى- وإن نقصت عن القدر المعين كان (جبناً) يوجب الفرار عن المشاكل، وفيه من المهانة والذلّة والهلاك أحيانًا. بالتالي، فإن الفضيلة هي القدر المعين من الشجاعة. والأمر نفسه مع الجود، والغيرة، والحب.. وأمثالها. ومن هذا، فإنّ الفضيلة هي الحد الوسط بين الزيادة والنقصان وهذان هما الرذيلة. وربما يكون قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (خير الأمور أوسطها)(الكافي: ج6، ص541) إشارة إلى هذا.
بموازاة ذلك، فإن المترف الذي لا يزال يدور في ترفه، هو محروم عن لذة السيطرة على النفس. والجبان الذي يجبن حتى عن خياله، هو محروم عما للشجاعة من فضيلة وثناء. والبخيل الذي لا يعطي لفقير درهماً، هو محروم من آثار الجود وفوائد السخاء. وهكذا مع كل رذيلة؛ فإن الرذيلة تحجب عن الفضائل فتكون النفس بها كالغرفة المظلمة التي حرمت من أشعة الضياء، أو كالأرض القاحلة المحرومة من بهجة الرياض، ونظرة الأزهار. يقول النبي (صلى الله عليه وآله): (لولا إنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض)(جامع السعادات: 1/44). وفي السياق نفسه، فإن الجاهل يحسب العطاء سفهاً، والعاقل يراه جوداً وفضلاً، فشياطين المنع والبخل تمنع عن إدراك حقائق الأشياء، بالتالي فإن النفوس تحتاج إلى قطع دابر الشياطين حتى ترى حقائق العالمين.
يقول الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)(العنكبوت: آية 69). وإن العلم سبيل من سبل الله ولا يحصل بمجرده، إنه يحتاج إلى جهاد ضد الجهل، كما لا يحصل إلا بعد مجاهدة مع النفس الأمارة بالبخل ومثله من سائر الصفات. وبهذا يمكن تفسير قول الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله): (من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم)(جامع السعادات: 1/44). وهذا ناموس جار في جميع الكون، فإن الأمور كالحلقات يتبع بعضها بعضاً، فمن عمل بما عرف، بأن جعله في موضع اعتنائه، ازداد شوقاً إلى مجهول آخر وحيث عرفه وعمل به ازداد شوقاً إلى مجهول ثالث وهكذا دواليك. كما أن من تمرن على رفع عشرين كيلواً، ازداد قوة حتى يتمكن من رفع ثلاثين وهكذا، وليست الفضيلة مما تلقي على الإنسان بمجرد التمني وإلا لأصبح كل فرد فاضلاً يقول الله: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به...)(النساء: آية 123).
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (ليس العلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء)(بحار الأنوار: ج1، ص225)، لكن لا يقذفه اعتباطًا؛ كما لا ينمي الشجرة والأرض مالحة، والماء أجاجًا، وإنما يقذفه في قلب من أخلص وجدّ واجتهد.
ويفسر ذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (إن من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف. فزهر مصباح الهدى في قلبه)، الى أن قال (عليه السلام): (... قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلّى عن الهموم إلاّ همّاً واحداً، انفرد به فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه، وسلك سبيله وعرف مناره، وقطع غماره واستمسك من العرى بأوثقها ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس)(جامع السعادات: 1/45).
وقال (عليه السلام): (قد أحيا قلبه وأمات نفسه حتى دقّ جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق وسلك به السبيل وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة، وثبتت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربّه)(جامع السعادات: 1/46). انه كذلك، فالفاضل في قرار وراحة، يرى طريق العمل، ولا تزلّ قدمه من المزالق.
ويقول (عليه السلام) في كلام آخر: (هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى)(جامع السعادات: 1/46).
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
إنّما الأخلاق وُضعَت لإصلاح الروح، كما أن الطب إنما وضع لإصلاح الجسم، فعلينا إذاً أن نزوّد أنفسنا بالوقود الخلقي، كما نزوّد أجسامنا بالوقود البدني، وعلينا أن نعالج أرواحنا المريضة، كما علينا أن نعالج أجسامنا المريضة. الإمام الشيرازي الراحل(قده).
لكل شيء كمية محدودة من الصلاحية، إن تجاوزها كان وبالاً عليه، مثلاً: من يكون أكله رغيفاً من الخبز، إن تجاوزه إلى رغيفين، كان الرغيف الثاني موجباً لفساد معدته؛ وربما أودى بحياته، وإن تناول نصف أو أقل من نصف رغيف، عادة ما يسبب ضعفاً في بدنه، وربما آل به الأمر إلى المرض... وهكذا.
والروح ليس بدعاً من الأمور، فلها ميزان خاص وقسطاس مستقيم، إن تعدّاه الشخص أوجب ذلك اختلالاً في توازنه، وخذ مثلاً: يحتاج الشخص إلى قدر من الشجاعة لمواجهة مصاعب الدهر ومتاعبه وتأمين حياته قبال الكوارث، فإن زادت الشجاعة إلى القدر المعين كان ذلك (تهوّراً) يوجب اقتحام المهالك -بلا جدوى- وإن نقصت عن القدر المعين كان (جبناً) يوجب الفرار عن المشاكل، وفيه من المهانة والذلّة والهلاك أحيانًا. بالتالي، فإن الفضيلة هي القدر المعين من الشجاعة. والأمر نفسه مع الجود، والغيرة، والحب.. وأمثالها. ومن هذا، فإنّ الفضيلة هي الحد الوسط بين الزيادة والنقصان وهذان هما الرذيلة. وربما يكون قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (خير الأمور أوسطها)(الكافي: ج6، ص541) إشارة إلى هذا.
بموازاة ذلك، فإن المترف الذي لا يزال يدور في ترفه، هو محروم عن لذة السيطرة على النفس. والجبان الذي يجبن حتى عن خياله، هو محروم عما للشجاعة من فضيلة وثناء. والبخيل الذي لا يعطي لفقير درهماً، هو محروم من آثار الجود وفوائد السخاء. وهكذا مع كل رذيلة؛ فإن الرذيلة تحجب عن الفضائل فتكون النفس بها كالغرفة المظلمة التي حرمت من أشعة الضياء، أو كالأرض القاحلة المحرومة من بهجة الرياض، ونظرة الأزهار. يقول النبي (صلى الله عليه وآله): (لولا إنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض)(جامع السعادات: 1/44). وفي السياق نفسه، فإن الجاهل يحسب العطاء سفهاً، والعاقل يراه جوداً وفضلاً، فشياطين المنع والبخل تمنع عن إدراك حقائق الأشياء، بالتالي فإن النفوس تحتاج إلى قطع دابر الشياطين حتى ترى حقائق العالمين.
يقول الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)(العنكبوت: آية 69). وإن العلم سبيل من سبل الله ولا يحصل بمجرده، إنه يحتاج إلى جهاد ضد الجهل، كما لا يحصل إلا بعد مجاهدة مع النفس الأمارة بالبخل ومثله من سائر الصفات. وبهذا يمكن تفسير قول الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله): (من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم)(جامع السعادات: 1/44). وهذا ناموس جار في جميع الكون، فإن الأمور كالحلقات يتبع بعضها بعضاً، فمن عمل بما عرف، بأن جعله في موضع اعتنائه، ازداد شوقاً إلى مجهول آخر وحيث عرفه وعمل به ازداد شوقاً إلى مجهول ثالث وهكذا دواليك. كما أن من تمرن على رفع عشرين كيلواً، ازداد قوة حتى يتمكن من رفع ثلاثين وهكذا، وليست الفضيلة مما تلقي على الإنسان بمجرد التمني وإلا لأصبح كل فرد فاضلاً يقول الله: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به...)(النساء: آية 123).
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (ليس العلم بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء)(بحار الأنوار: ج1، ص225)، لكن لا يقذفه اعتباطًا؛ كما لا ينمي الشجرة والأرض مالحة، والماء أجاجًا، وإنما يقذفه في قلب من أخلص وجدّ واجتهد.
ويفسر ذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (إن من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف. فزهر مصباح الهدى في قلبه)، الى أن قال (عليه السلام): (... قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلّى عن الهموم إلاّ همّاً واحداً، انفرد به فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه، وسلك سبيله وعرف مناره، وقطع غماره واستمسك من العرى بأوثقها ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس)(جامع السعادات: 1/45).
وقال (عليه السلام): (قد أحيا قلبه وأمات نفسه حتى دقّ جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق وسلك به السبيل وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة، وثبتت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربّه)(جامع السعادات: 1/46). انه كذلك، فالفاضل في قرار وراحة، يرى طريق العمل، ولا تزلّ قدمه من المزالق.
ويقول (عليه السلام) في كلام آخر: (هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى)(جامع السعادات: 1/46).
تعليق