بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تصدير الموعظة:
من وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي ذر الغفاري: "... يا أبا ذر المتّقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة، إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباب مرّ على أنفه، يا أبا ذر إنّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه ممثلة، الإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبد شراً أنساه ذنوبه، يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت، يا أبا ذر إنّ نفس المؤمن أشدّ ارتكاضاً من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه ..."1.
إنّ طبيعة آثار الذنوب تختلف من عالَم إلى عالَم، فعندما نقول إنّ الذنب الفلاني له أثر فلا بد من تحديد طبيعة العالَم الذي نتحدّث عنه، فمن آثار الذنوب في الدنيا حرمان العلم أو الرزق وغيرها بما يتناسب مع طبيعة عالَم الدنيا، أما آثار الذنوب في البرزخ فإنّها تتناسب مع طبيعة ذاك العالَم كوحشة القبر وظلمته والمساءلة فيه ... وأيضاً آثار الذنوب في الآخرة تتناسب مع طبيعة عالَم الآخرة، من غضب الله، إلى الحسرة والندامة، إلى العمى يوم القيامة...
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تصدير الموعظة:
من وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي ذر الغفاري: "... يا أبا ذر المتّقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة، إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباب مرّ على أنفه، يا أبا ذر إنّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه ممثلة، الإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبد شراً أنساه ذنوبه، يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت، يا أبا ذر إنّ نفس المؤمن أشدّ ارتكاضاً من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه ..."1.
إنّ طبيعة آثار الذنوب تختلف من عالَم إلى عالَم، فعندما نقول إنّ الذنب الفلاني له أثر فلا بد من تحديد طبيعة العالَم الذي نتحدّث عنه، فمن آثار الذنوب في الدنيا حرمان العلم أو الرزق وغيرها بما يتناسب مع طبيعة عالَم الدنيا، أما آثار الذنوب في البرزخ فإنّها تتناسب مع طبيعة ذاك العالَم كوحشة القبر وظلمته والمساءلة فيه ... وأيضاً آثار الذنوب في الآخرة تتناسب مع طبيعة عالَم الآخرة، من غضب الله، إلى الحسرة والندامة، إلى العمى يوم القيامة...
آثار الذنوب في الدنيا:
فيما يلي سوف نذكر بعض الآثار الخطيرة لبعض الذنوب في الدنيا وهي:
1- قساوة القلب:
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...﴾2.
إنّ قسوة القلب وذهاب اللين والرحمة والخشوع مرض خطير جداً، قد ذم الله عليه بعض الأمم السابقة كبني إسرائيل، وإنّ صاحب القلب القاسي أبعد ما يكون عن الله تعالى، وصاحبه لا يميِّز بين الحق والباطل، ولا ينتفع بموعظة ولا يقبل نصيحة. فالقلب إذا صَلُح استقام حال العبد وصحَّت عبادته وصار يعيش في سعادة وهناء وذاق طعم الأنس ومحبة الله ومناجاته، ولكنه إذا قسى القلب وأظلم فسُد حال العبد وخلت عبادته من الخشوع وغلب عليه مظاهر وآثار متعددة، فتارة لا يخشع في صلاته وعبادته ولا يتأثّر بقراءة القرآن، ولا تنفعه المواعظ ولا يتأثَّر بها ويحس بضيق شديد وفقر نفس رهيب، حتى لو ملك الدنيا بأسرها.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا علي ثلاث يُقسين القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب السلطان"3.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله"4.
إن الذنوب لها ظلمات إن تراكمت صارت ريناً كما قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾5.
وإذا صارت هكذا صارت طبعاً فيطبع على قلب الإنسان وهذا ما قد يعبر عنه بالقلب الأسود أو المنكوس وغير ذلك. فيصبح هذا القلب قابلاً لكل أنواع الضلالة والانحرا ف لأنه لو فرضنا أن فيه نوراً ما فإنه من خلال ارتكابه الذنوب قد خلا من النور، فإنه ما عاد قابلاً لتلقِّي الحق أبداً بل خرج منه ما كان فيه من الحق فيصبح خالياً قابلاً لكل ضلالة وانحراف لأنها من سنخه المظلم.
2- زوال النعمة:
"النعمة: هي الحال الحسن والعيش الرغيد. وزوال النعمة عقوبة إلهية في الذين لا يشكرون الله على النعمة والعطاء، وارتكاب الذنوب بشكل عام يؤدي إلى زوال هذه النعمة، وإن كان هناك ذنوب خاصة توجب تغيير النعمة مثل البغي على الناس، والزوال على العادة في الخير، واصطناع المعروف وكفران النعم وترك الشكر"6.
فالله تعالى بمقتضى عدله المطلق وقصده في حكمه لا يغيِّر نعمة أنعمها على أحد ولا يسلبها أحداً إلا بسبب ذنب ارتكبه كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾7.
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾8.
روي عن الإمام علي عليه السلام: "ما زالت نعمة ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترحوا، إن الله ليس بظلام للعبيد، ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والإنابة لم تزل"9.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما أنعم الله على عبد نعمة فسلبها إياه حتى
يذنب ذنباً يستحق السلب"10.
وقد ورد في بعض الروايات أن بعض الذنوب قد توجب حبس المطر ومن هنا تحدّث الفقهاء عن استحباب صلاة الاستسقاء ومن ضمن آدابها ومستحباتها خروج الناس كافّة إلى الصلاة.
3- نقصان العمر وموت الفجأة:
إن من آثار الذنوب أيضاً موت الفجأة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة..."11، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن موت الفجأة تخفيف عن المؤمن وأخذة أسف عن الكافر"12. إنّ الذنوب بشكل عام ممحقة لبركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العمل. وقد تحدّثت بعض الروايات عما يوجب زيادة العمر والرزق ونقصانها وعدم البركة فيها كالبرّ بالوالدين وعقوقهما، وصلة الرحم وقطيعتها. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار"13.
آثار الذنوب في عالم البرزخ:
البرزخ في اللغة: "الحاجز بين الشيئين والمانع من اختلاطهما وامتزاجهما"14، وقد جاء ذكر البرزخ في القرآن في ثلاثة مواضع كلها بالمعنى اللغوي المتقدم، قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾15، ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا﴾16، ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾17، فالقرآن
الكريم أراد من هذا الاستخدام للفظ البرزخ أن يوصل لنا أن هناك عالماً آخر يفصل بين الدنيا والآخرة ولا بد للإنسان أن يمرّ به كمقدمة ليوم القيامة. وفي الروايات ورد أن البرزخ هو القبر وأنه عالم الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "البرزخ القبر وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة"18.
ومن أهم آثار الذنوب وتأثيرها على الحياة البرزخية:
1- سكرات الموت وشدة النزع:
قال تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾. إن هذه العقبة صعبة جداً فشدائدها تحيط بالمحتضر من جميع الجهات، أهمها هول حضور ملك الموت وبأي صورة وهيئة سوف يجيء به وبأي نحو سوف يقبض روحه19.
فملك الموت عزرائيل عليه السلام لا يأتي بصورة واحدة لكل الناس، فهو يأتي إما بصورة قبيحة، وإما بصورة جميلة، وشدة قبح صورته، أو شدة جمالها مرتبط بأعمال الإنسان، فإذا كانت أعماله صالحة أتاه الملك بصورة جميلة، وإذا كان مبتلى بالرذائل والمعاصي أتاه الملك بصورة قبيحة. روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: "ما من الشّيعة عبد يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتّى يُبتلى ببليّة تُمحَّصُ بها ذنوبه إمّا في مالٍ وإمّا في ولدٍ وإمّا في نفسه حتّى يلقى الله عزّ وجلّ وما له ذنبٌ وإنّه ليبقى عليه الشّيء من ذنوبه فيُشدَّدُ به عليه عند موته"20.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشبّه فيه الموت بالمصفاة فيقول: "...الموت هو المصفاة تصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزرٍ بقي عليهم وتصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم هو
آخر ثواب حسنة تكون لهم..."21.
وعليه إنّ قبض روح الإنسان شدة أو ضعفاً، وصورة الملك قبحاً وحسناً مرتبط بطبيعة الأعمال في نشأة الدنيا والتي تظهر آثارها البرزخية من لحظة النزع وتستمر في كل عقبات البرزخ، فالإنسان لحظة سكرات الموت والاحتضار يشاهد صور أعماله وآثارها.
2- وحشة القبر وغربته:
عن أمير المؤمنين عليه السلام "ما بعد الموت لمن لا يُغفر له أشدّ من الموت القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته"22.
وحشة القبر هي أوّل المنازل التي يمر بها الإنسان وقد عبّر عنها في الروايات بتعابير متعدّدة من قبيل: غم القبر وضيق القبر وظلمة القبر ووحشة القبر23.
ولهذا ورد في الروايات الكثير من الأعمال التي تخفّف من أهوال القبر ووحشته، منها:
أ - استحباب التمهّل في إنزال الميت إلى قبره، حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "وإذا حُمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر لأن للقبر أهوالاً عظيمة ويتعوّذ حامله بالله من هول المطلع ويضعه قرب شفير القبر ويصبر عليه هنيهة ثم يقدمه قليلاً ويصبر عليه هنيهة ليأخذ أهبته ثم يقدمه إلى شفير القبر"24.
ب - ومنها ما روي أن السيدة الزهراء عليها السلام لما احتضرت أوصت أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: "إذا أنا مت فتولى أنت غسلي وجهزني وصلّي علي وأنزلني قبري وألحدني وسوّي التراب علي واجلس عند قبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن
والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء"25.
والوحشة ليست هي لزاماً حال جميع الناس، بل هناك فئة من الناس يأمنها الله منها كما في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام:"اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني وجميع إخواني بك مؤمنين وعلى الإسلام ثابتين ولفرائضك مؤدّين...وعند معاينة الموت مستبشرين وفي وحشة القبر فرحين وبلقاء منكر ونكير مسرورين وعند مساءلتهم بالصّواب مجيبين..." 26.
3- ضغطة القبر:
إن ضغطة القبر تعني التضييق على الميت وإن طبيعة الأعمال هي التي تحدّد شدّة هذا الشعور بالضيق والأذى في عالم البرزخ، وهي تحدد أيضاً أمد استمرار هذه الضغطة التي قد تكون شعوراً وأذى روحياً مؤقتاً تزول بعد حين وقد تستمر أمداً طويلاً وقد تبقى إلى البعث والنشور. فليس من الصحيح ما يتصوره بعض الناس من أن ضغطة القبر تحصل في بداية دخول الإنسان في عالم البرزخ، إذ المستفاد من النصوص الشريفة أنها قد تستمر وقد تنقطع ثم تعود نتيجة لأعمال الناس في الدنيا أو نتيجة لعوامل خارجية تطرأ لاحقاً كاستغفار ابن لأبيه يرفع عنه ضغطة القبر أو وقوع أحد الذين أضلهم بغير علم في متاهات عقائدية أو سلوكية فتنعكس على الإنسان وهو في عالم البرزخ.
وقد ورد في الروايات أن الميت يتعرض إلى ضغطة القبر أو ضمّة الأرض إلى الحد الذي تفري لحمه وتطحن دماغه وتذيب دهونه وتخلط أضلاعه، غير أن هذه الضغطة حسب الروايات درجات في الشدة والألم وهي متناسبة تماماً مع عمل المؤمن ودينه في عالم الدنيا، وقلّما يسلم منها أحد إلا من استوفى شروط الإيمان وبلغ درجات الكمال. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "سأله أبو بصير: أيفلت منضغطة القبر أحد؟ فقال عليه السلام: نعوذ بالله منها ما أقل من يفلت من ضغظة القبر"27.
وقد تعرَّض لضغطة القبر الصحابي الجليل سعد بن معاذ قدس سره، حيث جاء في الروايات أنه لما حمل على سريره شيَّعته الملائكة وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد تبعه بلا حذاء ولا رداء حتى لحده وسوَّى اللُبن عليه، فقالت أم سعد: "يا سعد هنيئاً لك الجنة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم سعد مه، لا تجزمي على ربك فإن سعد قد أصابته ضمة، وحينما سُئل عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: إنه كان في خلقه مع أهله سوء"28.
وروي عن الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة أنه قال: " وبادروا الموت في غمراته، وامهدوا له قبل حلوله، وأعدوا له قبل نزوله، فإن الغاية القيامة، وكفى بذلك واعظاً لمن عقل، ومعتبراً لمن جهل، وقبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الأرماس29 وشدة الإبلاس وهول المطلع، وروعات الفزع، واختلاف الأضلاع30، واستكاك الأسماع وظلمة اللحد31 وخيفة الوعد، وغمّ الضريح32، وردم الصفيح33..."34.
وينبغي الإشارة إلى أن ضغطة القبر على المؤمن لو حصلت فهي من باب تطهيره من الذنوب المتبقية في عالم الدنيا فيخرج نقياً إلى عالم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم"35.
ومن الأعمال المؤدية إلى ضغطة القبر بحسب ما ورد في الروايات: النميمة والغيبة، سوء الخلق مع الأهل، التهاون في أمر الطهارة والصلاة، ترك خدمة المؤمنين، تضييع النعم الإلهية. عقوق الوالدين، البغي على الناس.
وقفة تأملية
آثار الذنوب في الآخرة
1- استحقاق دخول النار: قال الله تعالى: ﴿بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾36. فمن الآثار المعروفة للذنوب والمعاصي أن مرتكبها إذا لم يتب فهو مستحق لدخول النار. وقوله تعالى في آية أخرى يؤكد هذه الحقيقة: ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾37. إن من الآثار العامة للمعصية يوم القيامة هو استحقاق مرتكبها دخول النار.
ورغم أن المؤمن لا يُخلَّد في النار ولكن هذا لا يعني عدم فعلية دخوله إلى النار، فقد ورد في الروايات أن بعض الذنوب توجب تطويل أمد العذاب وأن يعاقب بألوان متعددة وأنّ الشفاعة قد لا تصل إليه إلا بعد مئات السنين، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "واعلموا أن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام وأنه لينظر إلى أزواجه في الجنة ليتنعمن"38. والحديث فيه دلالة أن الذنب يمنع من دخول الجنة مدة من الزمن ولا دلالة فيه على أنه في تلك المدة في النار أو في شدائد القيامة.
وعن الإمام علي عليه السلام قال: "لا تتكلوا بشفاعتنا فإن شفاعتنا لا تلحق بأحدكم إلا بعد ثلاثمائة سنة"39، والحديث يوضح أن الشفاعة قد تأتي إذا مات المؤمن على التوحيد والنبوة والإمامة ولكن بعد ثلاثمائة سنة ومقدار السنة عند الله يختلف عن مقدارها عندنا.
2- الافتضاح يوم القيامة: قال الله تعالى ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾40. الأشهاد، جمع شاهد وهم الذين يشهدون بالحق للمؤمنين على المبطلين والكافرين يوم القيامة وفي ذلك سرور للمحق وفضيحة للمبطل في ذلك اليوم العظيم.
إن الآية تشير إلى معنى دقيق وهو أن يوم الأشهاد هو اليوم الذي يُبسَط فيه الأمر في محضر الله تعالى وتنكشف السرائر والأسرار لكافة الخلائق وهو يوم تكون الفضيحة فيه أفظع ما تكون، ويكون الانتصار فيه أروع ما يكون، إنه اليوم الذي ينصر الله فيه الأنبياء ويزيد في كرامتهم وإنه يوم افتضاح الكافرين وسوء عاقبة الظالمين، ويوم لا يحول شيء دون افتضاح الظالمين أمام الأشهاد41. قيل الأشهاد أربعة: الملائكة، الأنبياء، أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الجوارح42.
ولذا ينبغي على الإنسان المؤمن العاقل أن يخاف أهوال ذلك اليوم العظيم وأن يخاف الفضيحة أمام الله ورسله والأمم والناس أجمعين.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "وأما علامة الموقن فستة: أيقن بالله حقاً فآمن به، وأيقن أن البعث حق فخاف الفضيحة،43 وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها،44 وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه للنجاة منها،45 وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه"46.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في المناجاة الشعبانية "إلهي قد سترت علي ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الآخرة، إلهي قد أحسنت إذ لم تظهرها لأحد من عبادك الصالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد...".
هوامش
1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 77.
2- سورة البقرة، الآية 74.
3- الشاهرودي، علي النمازي، مستدرك سفينة البحار، ج8، ص527.
4- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج2، ص 268. باب الذنوب، ح1.
5- سورة المطففين، الآية 14.
6- الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 269.
7- سورة الأنفال، الآية 53.
8- سورة الأعراف، الآية 96.
9- النوري، الميرزا حسن، مستدرك وسائل الشيعة، ج5، ص178، ح1، باب استحباب الدعاء عند الخوف.
10- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج2، ص274، ح 24، باب الذنوب.
11- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج1، ص 374، ح2، باب مجالسة أهل المعاصي.
12- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج2، ص 112، ح5، باب علل الموت.
13- م.ن، ج5، ص140، ح6، باب الآجال.
14- راجع، الطريحي، مجمع البحرين، ج1، ص 186، ب رزخ.
15- سورة الرحمن، الآيتان 19-20.
16- سورة الفرقان، الآية 53.
17- سورة المؤمنون، الآية 100.
18- الحويزي، نور الثقلين، ج3، ص 553، ح122.
19- راجع، الشيخ عباس القمي، منازل الآخرة، ص 107(بتصرف).
20- العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج6،ص157.
21- العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج6،ص153.
22- العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج6،ص218.
23- الشيخ الطوسي محمد بن الحسن، مصباح المتهجد، ص 562.
24- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ح498، ص 170.
25- الشيخ عباس القمي، الأنوار البهية، فصل في وفاة فاطمة عليه السلام ، ص 60.
26- الإمام زين العابدين عليه السلام الصحيفة السجادية، ص 492، دعاؤه عليه السلام في المناجاة.
27- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج3، ص 236.
28- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ص 309، ح4.
29- الأرماس: جمع الرمس وهو القبر والإبلاس: اليأس والانكسار والحزن.
30- اختلاف الأضلاع: كناية عن ضغطة القبر إذ يحصل بسببها تداخل الأضلاع واختلافها.
31- اللحد: في الجانب.
32- الضريح الشق في وسط القبر.
33- الصفيح: الحجر. والمراد بردمه هنا سد القبر به.
34- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج60، ص، 244.
35- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص 221، ح16، باب أحوال البرزخ والقبر...
36- سورة البقرة، الآية81.
37- سورة النمل، الآية90.
38- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج2، ص 272، ح27، باب الذنوب.
39- العلامة المجلسي، بحار الأنوار ، ج70، ص 3320، ح16، باب إذا أذنب خرج في قلبه كتلة سوداء.
40- سورة غافر، الآية 51.
41- راجع، الشيخ ناصر، مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 15، ص 283 (بتصرف).
42- (م.ن)، ج22، ص، 442.
43- في دار الآخرة، وفي يوم تبلى السرائر فلم يعمل ما يوجب الفضيحة.
44- بفعل الخيرات والمبرات، وباكتساب ما يوجب دخول الجنان والبعد عن النيران.
45- بالابتعاد عن الذنوب.
46- الحراني، ابن شعبة، تحف العقول، ص، 20، حكمة صلى الله عليه وآله وسلم وكلامه وموعظته