إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور المنتدى (دروسٌ وعبرٌ كاظمية )434

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    دنيا الأضداد

    دجلة تتدافع أمواجه.. تتألق تحت أشعة شمس الغروب.. القباب والمنائر تغمرها غلالة ذهبية.. فبدت شفّافة موحية.. حتّى أشجار النخيل التي تنهض على ضفاف النهر بدت هي الأخرى كرموشِ حسناء ساحرة..
    القصور المرمرية الأنيقة.. تتناثر فوق الشطآن كلالئ منثورة، وما يزال قصر الذهب بقبته الخضراء يهيمن على بغداد أجمل مدن الشرق.. وما يزال الفارس يشير برمحه الطويل إلى المَدَيات البعيدة.. حيث تشتعل الثورات(1).
    انزلق القارب الصغير في المياه الباردة.. وراح ينساب مع تموجات النهر.. من بعيد بدا قصر ( الخلد ) متألقاً.. ما يزال فتيّاً رغم عقد من السنين.
    جلس الفتى في قاربه يراقب الامتداد الرشيق لجبهة النهر حيث تغتسل بعض الأغصان المتدلّية.
    غابت الشمس، توارت خلف ذُرى النخيل.. فبدت متّقدة بلون يشبه توهجات الجمر في المواقد الشتائية.
    هبّت نسمة عليلة بدّدت شيئاً من حرّ آب. في دجلة لا يشعر المرء بلهيب آب، فالضفاف الخضراء والمياه الباردة القادمة من أقاصي الشمال، تبعث في النفس شعوراً بالحيوية..
    غابت الشمس.. وانتشرت ظلمة خفيفة.. ومن بَعيد كان صوت الأذان ينساب كانسياب المياه..
    ضرب الفتى بمجدافه المياه، فاتّجه القارب صوب قصر ( الخُلد ).. وشيئاً فشيئاً تناهت له أصوات الموسيقى والغناء، وكان صوت الأذان يتلاشى في أُذنيه حتّى اختفى تماماً...
    توقف القارب في الرمال الناعمة وبدا الشاطئ صفحة ملساء.. قفز الفتى الذي لم يبلغ العشرين بعد.. قفز إلى الشاطئ الرملي، وربط القارب بجذور شجرة معمَّرة.. وراح يشقّ طريقه بين أشجار النخيل..
    تعالت أصوات الموسيقى، وارتفع غناء الجواري.. بدا القصر في تلك الليلة صَدَفة جميلة تتألق في الضوء.
    مئات القناديل تضيء في الشرفات، والجواري في ثيابهن المزركشة.. شعر الفتى أنّه قد يعيش في عالم آخر.. منذ مدّة وهو يترقّب هذه اللحظة.. لقد سمع منذ أسابيع عن عزم الحاكم ( المهدي )(2) على تزويج ابنه هارون من ابنة عمّه المدلّلة ( زُبَيدة ) أثرى فتيات بغداد.. وسيّدة بني العبّاس الأولى..
    اقترب الفتى أكثر.. كان يتلصّص حذراً.. منتظراً فرصة مناسبة ليزجّ بنفسه مع جموع المدعوّين.. سوف تشفع له ثيابه الفاخرة التي جلبها له أبوه التاجر من الهند..
    صدحت الموسيقى.. وظهرت عشرات الجواري.. الفتيات الجميلات يخطرن كالظباء.. يَرفَلْن بالحُلل الحريرية المزركشة بالذهب.. فتيات من بلدان عديدة.. فتيان من أرمينيا ومن الهند، والمغرب وإيران.
    أروقة القصر مزيّنة بالسجاد الأرمني.. والبُسط الفارسية..
    وجاء سِرب من الجواري يَحملنَ أطباقاً من الذهب ملأى بالفضة وأطباقاً من فضة ملأى بالذهب.. وجاء سرب آخر من الجواري يحملن أنواع الحلل.. وسرب من الفتيات يحملن صناديق تزخر بالمجوهرات.. وتلاهُنّ فتيات يحملن آنية العطر.. وأخيراً جاءت حسناوات يحملن أطباق الطعام.. وآنية الخمر.
    شعر الفتى لوهلة أنّه في الجنّة.. تذكّر صديقه الفقير الذي مات في ( الوباء )(3) قبل أيّام.. وفي غمرة ذهوله ظهرت ( العروس ).. ظهرت ( زبيدة ) كأجمل ما تكون، تنوء بحلل الذهب، ورأى لأول مرّة تلك الحُلّة العجيبة التي طالما سمع عنها في الأحاديث والحكايات.. رأى شيئاً أُسطورياً..
    كيف يُصاغ الثوب كلّه من الذهب فلا يدخل فيه من الغَزْل سوى القليل القليل من الحرير.
    كان منظر اللآلئ وهي تُطرّز ثوب الذهب كنجوم في بركة تغمرها أضواء الشمس..
    كانت زبيدة تخطر في مشيتها تحفّها عشرات الصبايا.. وقد استقرّ فوق رأسها تاج ملكي مرصّع بالجواهر النادرة..
    وجاء ( هارون )(4) بشبابه المتفجّر وطوله الفارع.. ووجهه الممتلئ نعمةً ودلالاً.
    وبالرغم من أنّ الحاكم قد حرص على أن يظهر بمظهر الأُبهة، لكنّه ضاع إلى جانب زوجته ( الخَيزُران ) التي كانت تجلس كملكة، عيناها تتألقان بنفوذ قاهر..
    أمّا الحاكم العبّاسي فقد بدت عيناه منطفئتين.. أذهب بريقَهما السُّكْر..
    انتصف الليل.. واشتعلت حمّى الشهوات، وتعالت الضحكات الماجنة..
    وانسلّ الفتى.. عاد من حيث أتى.. عاد قبل أن يدركه الصباح.. وقبل أن تسكت ( شهرزاد ) عن الكلام المباح!
    ألفى قاربه في مكانه لَكأنه ينتظر.. شعر الفتى أنّه كان في عالم الأطياف.. وأنّه قد استيقظ ليجد نفسه في قاربه يجذف باتجاه الجانب الشرقي حيث تنهض أكواخ الفقراء. طفحت في أعماقه دهشة كفقاعات مليئة بالهواء سرعان ما تنفجر وتتبدد.. سمع نفسه يقول:
    ـ بغداد، يا مدينةً عجيبة.. كيف أمكنكِ أن تحتضني كل هذا الترف والبذخ إلى جانب البؤس ؟!
    كيف لدِجلتك أن تبقى هادئة وهي تمرّ بالقصور مقابل الأكواخ ؟! بغداد أنت حكاية عجيبة! الويل لك يا بغداد!!
    فجأة ظهر في قلب الظلمة قارب مليء بوجوه قاسية.. رجال يحملون الرماح. بدا أحدهم بطوله الفارع ووجهه القاسي وشواربه المفتولة كائناً مخيفاً كالذي يتحدّث عنه تجّار البحار..
    قفز بعض الرجال إلى قاربه.. واستسلم الفتى.. عرف أن هؤلاء من حرس القصر.. وأنّه قد ارتكب جرماً بالاقتراب من قصر ( الخلد ).
    تركهم يفعلون ما يشاؤون، لم يعترضْ ولم يستعطف..
    راح القاربان ينسابان وسط صمت مَريع.. سأل الرجلُ المفتول الساعدين والشارب:
    ـ ما اسمك ؟
    أجاب الفتى:
    ـ عليّ.
    وصل القاربان الى مرفأ صغيراً عند جسر الرُّصافة. نزل الرجال.. ونزل الفتى. اتّجهوا إلى باب الطاق.. وعبروا الخندق.. واجتازوا المَسناة.. فاستقبلهم حرس الطاقات في باب البصرة. وفي ضوء الشماعل تأمّل الفتى رجال الشرطة..
    أدرك أنهم سوف يذهبون به إلى سجن ( المِطْبَق )، فشعر بدوار يعصف برأسه المُثقَل بالهموم.

    تعليق


    • #12
      العَودة إلى المدينة

      قصر الذهب تضيء أروقتَه القناديل.. انتصف الليل وخفّت حركة الحرّاس وخَبَت بعضُ المشاعل.. أوَت جواري القصر إلى مخادعهنّ الوثيرة. ( الخليفة ) يتقلب فوق سريره بين الوسائد.. تفوح من فمه رائحة الخمر.. من يراه في تلك اللحظات يحسبه نشواناً في خيالات الأحلام.. يقظته حلم لذيذ، ونومه أطياف ملوّنة.
      ولكن ما بال وجهه يبدو كدراً.. حاجباه ينعقدان.. ولونه مخطوف، ما تزال الكوابيس تطارده ؟! وفي كل مرّة كان يرى خزائن والده في القَبو ملأى بالجماجم.. جماجم أبناء العمومة. فجأة انتفض النائم مذعوراً.. استوى على فراشه وجبينُه يتصبب عرقاً.
      تلفّت حوالَيه قبل أن يتأكد من أنّه زعيم البلاد وخليفة العباد.. الذي تُجبى إليه الأموال من المشارق والمغارب..
      كانت حسناء الروم تغطّ في نوم عميق.. غادرَ ( الخليفة ) فراشه..
      وقف ( الخليفة ) في شرفة القصر يحدّق في الظلام.. وراح يردد بصوت شجيّ:
      ـ ( فهَل عسَيتُم إن تَولَّيتُم أن تُفسدوا في الأرضِ وتُقطِّعوا أرحامَكم... ).
      كان ( الربيع ين يونس )(5) ( وزير الخليفة ) غارقاً في الملاءات في تلك الليلة عندما هب على دويّ طرقات غليظة.. أدرك أنّهم رُسل ( الخليفة ). ارتدى ثيابه على عجل، وانطلق مع الحرّاس إلى قصر ( الذهب ).
      ألفى الخليفة يذرع البهو، ويردد بصوت جميل آية من كتاب الله، هتف ( الخليفة ).
      ـ علَيَّ بموسى بن جعفر..
      لم يكن هناك مجال للتأخير، فالأوامر واضحة وقويّة. انطلق الوزير يحفّه حرّاس غلاظ إلى سكّة المطبق. هناك وإلى يمين الطريق المؤدية إلى بوابة البصرة يقع السجن الرهيب.. زنازين صغيرة في أعماق الأرض تشبه القبور، حَفَرها ( المنصور ) لكل من يعارض ( سلطان الله في الأرض )(6)! لكل من يعارض ( الخليفة )!
      لم تُفلح المشاعل في تبديد الظلمات المتراكمة في ( المطبق )، وبدا الهواء المرطوب داخل السجن خانقاً...
      اتّجه الوزير بخطىً واسعة إلى زنزانة يعرفها تماماً.. هنا ينزل الرجل المَدنيّ موسى بن جعفر...
      كان الرجل المدنيّ ما يزال ساجداً كثوبٍ مطروح.. وقف الوزير مشدوهاً.. ومرّت لحظات صمت رهيب... فهذا الرجل الحجازيّ لا يعبأ بمَن حوله وبما حوله.. لم يسمعه أحدٌ يتضجّر من ظُلمة السجن.. من الزنازين الخانقة.. من القيود القاسية.
      همس الوزير باحترام جمّ:
      ـ يا أبا الحسن!
      رفع الرجل الذي أطلّ على الأربعين رأسَه، تألقت عيناه تحت وهج المشاعل.. وبدا وجهه الأسمر مضيئاً بنور شفّاف..
      العينان تُخفيان حزناً عميقاً... والشفتان تكمن وراءهما ابتسامة ملائكية.. والأنف الأشمّ يعكس كبرياء الإنسان الذي لا يسجد لغير الله..
      شعر الوزير برهبة تستوعب وجوده.. وتساءل في نفسه عن سرّ هذا الرجل الغريب!
      نهض أبو الحسن.. ابتسم الوزير وهو يزفّ له بشرى الحرّية:
      ـ لقد استدعاني الخليفة وسمعتُه يقرأ آيةً من كتاب الله..
      الوجه الأسمر يطفح بالطمأنينة.. تنعكس فوق ملامحه عوالم السلام..
      فكّ الحارس قيداً يربط قدم السجين بصخرة قاسية..
      في بوابة المطبق الصخرية.. رأى الفتى رجلاً يطلّ على الأربعين، وجهه الأسمر يطفح طمأنينة.. وجسمه النحيف يشبه نخلة مَيساء..
      فاحت رائحة طيّبة.. لكأنّ الربيع قد حلّ في ( المطبق ) يمنح المقهورين الأمل.
      توقّف الرجل المدني وقد مرّ بالفتى.. تأمل في وجهه قليلاً وهمس:
      ـ زكاة السلطان الإحسان إلى الإخوان.
      غادر الرجل المدني ( المطبق )، لاحت له السماء وقد تناثرت آلاف النجوم كلالئ منثورة فوق عباءة كُحْليّةِ اللون.
      تمتم الرجل المدني وهو يتطلع إلى السماء المرصّعة بالنجوم.
      ـ يا مَن لا يعتدي على أهل مملكتِه!
      رجف قلب الوزير، تذكّر دسائسه للإطاحة بالوزير السابق ( يعقوب بن داود )(7)، ها هو الآن في ظلمات المطبق سيبقى فيها حتّى ينتقل إلى ظلمات القبر.

      * * *

      نهض ( الخليفة ) احتفاءً بالرجل المدني.. عانقه وقبّله وأخذ بعَضُده ليجلسه إلى جانبه..
      مرّت لحظات صمت قطعها ( الخليفة ) قائلاً:
      ـ يا أبا الحسن.. رأيتُ جدَّك أمير المؤمنين عليّاً.. كان حزيناً، قال لي: يا محمد! (فهَل عسَيتُم إن تولّيتُم إنْ تُفسِدوا في الأرضِ وتُقطِّعُوا أرحامَكم)..
      ـ وها أنا أريد أن أصل رحمي.. أريد أن أردّك إلى أهلك.. ولكني أخشاك يا موسى.. أخشى أن تخرج علَيّ أو على أحد من ولدي!
      أجاب الرجل المدني:
      ـ واللهِ ما فعلتُ ذلك، ولا هو من شأني.
      أجاب ( الخليفة ) وقد خامره شعور بالارتياح:
      ـ صدقت.
      والتفت إلى وزيره وقال:
      ـ يا ربيع، أعطِه ثلاثة آلاف دينار، وردّه إلى أهله.
      انتهى اللقاء.. ونهض الرجل المدني يودّع القصر والسجن، ويودّع بغداد..
      في قلبه شوق للقاء الأحبّة.. هناك في مدينة جدّه أولاد وبنات ينتظرون.. يترقّبون عودة أبيهم...
      كانت النجوم تشتدّ سطوعاً في الهزيع الأخير من الليل، لم تَغفُ بغداد بعد.. فبعض الكُوى والنوافذ ما تزال تتدفق نوراً.. وتتناهى لمن يمرّ على بعض بيوتها أصوات موسيقى وغناء..
      كان الربيع يدرك تقلّبات ( الخليفة ).. يعرف نزواته ويسبر مدى حقده على أبناء عليّ.. لهذا هيأ لوازم السفر للرجل المدني الذي غادر أسوار بغداد في طريق العودة إلى أرض الوطن..
      إنّ من يريد العودة إلى المدينة عليه أن يطوي المسافات ويجتاز محطّات عديدة.. عليه أن يتجه أولاً إلى الفرات قريباً من قرى ( نينوى ) ثم يعبر النهر متّجهاً إلى ( العُذَيب ) ومنها إلى القادسية ثمّ إلى ( الرُّهَيمية ) ومنها إلى ( البيضة ) ومنها إلى عيون (شُراف) وإلى ( بطن العَقَبة ) فإلى ( زُبالة ). وفي زُبالة كان رجل من أهلها ينتظر.. يترقب يوماً يعود فيه الغريب إلى أهله..
      منذ الصباح و ( أبو خالد ) يترقّب المسافرين القادمين. لقد انصرمت الشهور والأيّام وما يزال أبو خالد يترقب يوماً يعود فيه ( أبو الحسن ).
      الشمس تسافر في بحر السماء.. وما يزال طريق القوافل مقفراً.. لا ناقة ولا جمل..
      أبو خالد ما يزال يترقب.. ينتظر.. الشمس تجنح نحو الغروب تبهت أشعتها.. وأصعب شيء أن ينتظر المرء، لَكأنّ الزمن يتوقف.. فتصبح الساعة عاماً واللحظات شهوراً.
      أصبح فؤاده خالياً.. بدأت الوساوس تطفو في قلبه كشياطين أيقظها الظلام.. وتساءل في نفسه: أيعود حقاً ؟! الشمس على وشك أن تغيب ولا شيء في الأفق..
      غاصت الشمس في الأُفق لم يبق منها سوى ثلمة ضئيلة.. اهتزّ إيمانه كشُجيرة تحرّكها ريحٌ باردة.. فجأة ظهرت في الأفق نقطة.. وشيئاً فشيئاً كانت تكبر وتكبر.. قفز قلبه.. استيقظ في قلبه فرح طفولي، لعلّ في القادمين موسى.. أجل إنه موسى.. يتقدم ( القطار ) يمتطي حيواناً ينحطّ عن خُيَلاء الخيل ويرتفع عن ذلة الحمير..
      هتف العائد:
      ـ يا أبا خالد!
      ـ لبّيك يا ابن رسول الله..
      قال ابن النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو يحاور رجلاً اهتزَّ إيمانه قبل الغروب:
      ـ لا تشكّنّ.. وَدّ الشيطانُ أنّك شككت.
      تمتم أبو خالد.
      ـ الحمد لله الذي خلّصك منهم..
      همس ابن النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو ينظر إلى الأفق البعيد.. إلى الجهة التي تهب منها ريح الشمال:
      ـ إنّ لي عودة لا أتخلّص منها.
      وأمضى العائد إلى ربوع وطنه ليلته قبل أن يستأنف رحلته إلى المدينة التي أضاءت الدنيا.

      تعليق


      • #13
        لقد أنقذ اللـه سبحانه عبده الصالح موسى بن جعفر (ع) من طغاة عصره بفضل توكله عليه وتبتله إليه ، وكذلك ينجي اللـه المؤمنين .
        جاء في الحديث عن عبيد اللـه بن صالح قال : حدثني حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن ربيع قال : كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواريّ فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني ذلك فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ، فلم يمض إلاّ يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح ، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ فقال لي : أجب الأمير ، ولم يسلّم عليّ .
        فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ، دخل إليّ بلا إذن ولم يسلم ، ما هو إلاّ القتل ، وكنت جنباً فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل ، فقالت لي الجارية : لما رأت تحيّري وتبلّدي : ثق باللـه عزّ وجلّ وانهض ، فنهضت ، ولبست ثيابي ، وخرجت معه حتى أتيت الدار ، فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد عليَّ السلام فسقطت فقال : تداخلك رعب .؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فتركني ساعة حتى سكنت ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر بن محمد وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أيّ بلد أراد وأحب .
        فقلت : يا أمير المؤمنين تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ؟ قال : نعم فكرّرت ذلك عليه ثلاث مرات ، فقال لي : نعم ويلك أتريد ان أنكث العهد ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين وما العهد ؟ قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه فقعد على صدري وقبض
        على حلقي وقال لي : حبست موسى بن جعفر ظالماً له ؟ فقلت : فأنا أطلقه وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ عليّ عهد اللـه عزّ وجلّ وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج .
        فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر (ع) وهو في حبسه ، فرأيته قائماّ يصلي فجلست حتى سلم ، ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين ، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وأني قد أحضرت ما وصله به ، قال : إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله ؟ فقلت : لا وحق جدّك رسول اللـه ما أمرت إلاّ بهذا ، فقال : لا حاجة لي في الخلع والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الأمة فقلت : ناشدتك باللـه أن لا ترده فيغتاظ ، فقال : إعمل به ما أحببت ، وأخذت بيده (ع) وأخرجته من السجن .
        ثم قلت له : يابن رسول اللـه أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه اللـه عزّ وجلّ علي يدي من هذا الأمر ، فقال (ع) : رأيت النبي (ص) ليلة الأربعاء في النوم فقال لي : يا موسى أنت محبوس مظلوم ؟ فقلت : نعم يا رسول اللـه محبوس مظلوم ، فكرر عليً ذلك ثلاثاً ثم قال :
        { وإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } (الانبياءِ/111) أصبح غداً صائماً وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنتي عشر ركعة تقرأ في كلّ ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو اللـه أحد ، فإذا صلّيت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل : يا سابق الفوت يا سامع كلّ صوت يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت ، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه “ ففعلت فكان الذي رأيت (2).

        تعليق


        • #14


          نرفع اسمى آيات الحزن والمواساة لبقية الله في أرضه وحجته على عباده صاحب العصروالزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وعجل الله تعالى فرجه الشريف.

          بذكرى استشهاد جده الامام موسى الكاظم (ع) وعظم الله اجورنا واجوركم بهذا المصاب الجلل.....

          السلام على راهب أل بيت محمد(صل الله عليه واله ) ....
          السلام على المعذب في قعر السجون وظلم المطامير....
          السلام على ذي الساق المرضوض بحلق القيود....
          السلام على الجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف....
          السلام على غريب بغــداد....
          السلام على كاظم الغيظ موسى ...

          السلام على باب الحوائج(موسى بن جعفر)...
          السلام على الوارد على جده المصطفى (ص) وابيه المرتضى (ع) وامه سيدة النساء الزهراء (ع) بأرث مغصوب وولاء مسلوب وامر مغلوب ودم مطلوب .....

          ماجورين وتقبل الله عزائكم

          ⚫🔴⚫🔴⚫🔴⚫







          تعليق


          • #15
            سطور من النور بمناسبة شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام....
            قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام:

            أوشَك دَعوَةً‌ وَ أسرَعُ إجابَةُ دُعاءُ المَرءِ لاِخیهِ‌ بِظَهرِ الغَیبِ.

            اُصول الکافي 1: ص52.


            قال عليه السلام:
            أفضَلُ العِبادَةِ بَعدِ المَعرِفَةِ‌ انتِظارُ‌ الفَرَجِ.

            تحف العقول: ص403.


            قال عليه السلام:
            تَفَقَّهوا في دینِ الله فإنَّ الفقه مفتاحُ البَصیرة،وتَمامُ العِبادة و السّببُ إلی المنازل الرفیعة و الرُّتبِ الجَلیلة في الدین و الدنیا،و فَضلُ الفَقیه علی العابد كَفَضلِ الشمسِ علی الكواكب و مَن لَم یَتَفَقَّه في دینهِ لَم یَرضَ اللهُ لهُ عملاً.

            تحف العقول: ص410.


            وقال عليه السلام:
            لَیسَ مِنّا مَن لَم یُحاسِبْ نَفسَهُ في كُلِّ یَومٍ فَإنْ عَمِلَ حَسَناً استَزادَ اللهَ و إنْ عَمِلَ سیّئاً اسْتَغفَرَ اللهَ مِنهُ و تابَ اِلَیهِ.

            اُصول الكافي 4: ص191.


            وقال عليه السلام:
            وَاللّه‏ِ ما اُعطِيَ مُومِنُ قَطَّ خَیرَ الدُّنیا وَالآخِرَةِ، اِلاّ بِحُسنِ ظَنِّهِ بِاللّه‏ِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَجائِهِ لَهُ وَحُسنِ خُلقِهِ وَالکفِّ عَنِ اغتیاب المُؤمِنینَ.

            بحار الأنوار 6: ص 28، ح29.



            وقال عليه السلام:
            لِكُلِّ شَيءٍ دَلِیلٌ وَ دَلیلُ العَاقِل التَّفَكُّر، وَ دَلیلُ التَّفكُّرِ الصُمت.

            تحف العقول: ص 406.


            وقال عليه السلام:
            اَفضَلُ ما یَتَقَرَّبُ به العَبدُ اِلی اللهِ بَعدِ المَعرِفَةِ به، الصَلاةُ.

            تحف العقول: ص455.





            تعليق


            • #16

              نعزي صاحب العصر والزمان والأمة الإسلامية بشهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، تقبل الله أعمالكم…





              تعليق


              • #17
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
                الله عزوجل جعل لنا الحياة عبارة عن مدرسة نستقي منها العبر واوجد لنا اشخاص ناخذ منهم النصيحة والموعظة وهم عبرة لنا لما مروا به من محن واختبارات وعاشوا مع اناس قد اثروا واستاثروا بهم ومنهم ،ومن هؤلاء ائمتنا سلام الله عليهم ومنهم الامام الكاظم عليه السلام ،فقد عاش مع اناس قد انتهكوا حرمة الاسلام بالتضيق على عترة محمد وآل محمد فعان الامرين من حكام عصره فحبس وسجن وضيق عليه واخيرا دس له السم.
                ​​​​​​​اقترنت إمامة الإمام الكاظم (ع) مع اقتدار وبطش الدولة العباسية، فكان الإمام يعمل بالتقية تجاههم، ويوصي أصحابه بالالتزام بها، ومن هذا المنطلق لم يذكر للإمام موقف معارض للدولة علانية، ولا موقف مساند للثورات العلويّة آنذاك كثورة فخّ، إلّا أنّه كان يسعى من خلال مناظراته مع العباسيين وغيرهم إزالة الشرعيّة عن حكومتهم، وله مناظرات علميّة مع علماء اليهود والنصارى أتت إجابةً لأسئلتهم. وتمّ جمع ما يزيد عن 3000 من أحاديث الإمام الكاظم (ع) في كتاب مُسند الامام الكاظم، وقد رَوى قسماً منها أصحاب الإجماع.

                بادر الإمام (ع) في توسيع مؤسسة الوكالة، فعيّن أشخاصاً في مختلف المناطق كَوُكَلاء عنه وذلك من أجل تسهيل تواصل الشيعة بإمامهم، واقترنت فترة إمامته بتشعّب الفرق الشيعية، حيث نشأت في بداية إمامته الفرقة الإسماعيلية والفطحية، كما ظهرت الفرقة الواقفية بعد شهادته.

                أشادت مصادر الشيعة وأهل السنة بعلمه وعبادته وبجوده وحلمه، ولُقّب بالكاظم لشدة كظمه الغيض، كما عُرف بالعبد الصالح، واشتهر بباب الحوائج أيضاً، ويحظى الإمام باحترام علماء السنّة باعتبار أنّه عالم وفقيه، ويقصد ضريحه السنّة والشيعة في الكاظمية ببغداد والذي يعرف بالعتبة الكاظمية.

                ورد أن لأبي الحسن الكاظم سبعة وثلاثون ولداً بين ذكر وأنثى أشهرهم: الإمام الرضا، وأحمد بن موسى، ومن أشهر بناته فاطمة المعصومة.

                تعليق


                • #18
                  ومكان، تحاول أن تجمل سيرتها، وتسعى بكل ما تملك من قدرات أن تجعل كتابة التاريخ حسب هواها، وقضية الإمام الكاظم تمثل قضية فاضحة للسلطة فهي عبارة عن ممارسة الجور بوجه رمز الأمة، ففي أيام الخليفة العباسي هارون كان هم الخليفة العباسي تثبيت حكمه، فوجدت السلطة أن تغييب رمز الأمة وبكل ما تملك من قوة، أمر هام جدا لديمومة حكمها، فكان السجن الطويل هو السبيل، لكن بقيت الأمة مرتبطة برمزها، ولم يمنعها جبروت الخليفة العباسي من دوام الولاء، الى أن قررت السلطة الغاشمة أن تقوم بسم الأمام الكاظم، لأنها كانت تحس برعب وقلق دائم.

                  هذا الظلم حاولت السلطة العباسية إخفاءه، أو جعله من ممارسات السلطة المباحة للحفاظ على استقرارها، وهكذا ردد عبر التاريخ بعدها أبناء السلطة عبر القرون المديدة، حتى كانت المناهج المدرسية تضج بالمديح لهارون العباسي ولا تذكر الإمام الكاظم بسطر، مما جعل الأمة تتربى على منهج السلطة ووفق رؤيتها.

                  تأتي زيارة الإمام للكشف عن تلك القضية عبر فضح القاتل ونصرت العدل، فالناس تريد حقائق ولا تريد أن تستمر بنومها، فبعد أن تربى المجتمع على أن الخليفة هارون الرشيد هو الطيب الصالح الودود العالم الزاهد، تكشف الزيارة لنا انه مجرد طاغية مستبد ظالم المهم عنده عرشه، عبر سرد للقصة بواسطة مراسيم العزاء، لترسخ في وعي الأمة التي الحقيقة التي اجتهد الحكام في إخفائها.
                  ● ما بين الماضي والحاضر


                  البعض يقول لماذا النفخ بالماضي؟ ما لنا وما فعل السابقون؟ فنقول أن مصيبة الأمة الحالية بفرق التكفير وجماعات الذبح ما هي الا نتاج نصوص الماضي التي عمد البعض على تقديسها رغم مخالفتها للقران والسنة النبوية، ومع ضعفها لكنها لأنها تسهم في ضرب الآخر فتضخم وتصبح عند البعض كل الدين وليس بعضه، فانظر الى التصاق الماضي بالحاضر،

                  الماضي ليس منفصل بل هو الزمن هو عملية تراكم للأيام، ومن المعيب أن يطلب من احد أن يلغي الماضي، يمكن أن يكون الماضي عبارة عن أحداث تمثل تجارب غنية للأمم في حاضرها، فيتم استلهام القيم العليا من رموز الأمة، حيث يصبح الرمز مشعل نور ومثال راقي لأجيال الحاضر.
                  ● فرصة لرد الشبهات


                  يمكن اعتبار أيام الاحتفال بالإمام الكاظم مناسبة جيدة لرد الشبهات، حيث يسلط الضوء عبر الفضائيات والمنابر مع قبل كل الأطراف، ونحن نعيش زمن يرتفع فيه صوت الطائفية، فهنالك فريق من المخادعين لا هم لهم الا نشر الأكاذيب، ومحاولة الطعن بالاحتفالات التي تجري برموز الأمة.

                  فتاتي هكذا مناسبة لرد الشبهات في شرح مكانة الإمام، وعدم شرعية تصرف الخليفة العباسي، ورد الكثير من الأكاذيب التي تلصق بالشيعة، مثل أكذوبة التحريف واللعن ومصحف فاطمة والتي أوجدها البعض فقط ليقسم الأمة، ويمنع أي تواصل بين مذاهب المسلمين.

                  هكذا تعمل منابر الحق وكتاب الوعي في كشف الزيف، والإفصاح عن حقائق غابت لقرون عن جزء كبير من الأمة.

                  تعليق

                  المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                  حفظ-تلقائي
                  Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                  x
                  يعمل...
                  X