عندما نجري مقارنة بين بعثات انبياء الديانات السماوية الثلاث الكبرى ( اليهودية والمسيحية والإسلام ) ، نجد ثمّة اختلافات مهمّة يمكن للباحث والمختص أن يستنتج منها الكثير من الحقائق والمعارف ، وسنشير هنا الى ثلاثة اختلافات واضحة ونترك ما تبقى كمادة دسمة للبحث والاستنتاج :
١. اقترن نزول القرآن الكريم مع البعثة النبوية المباركة - مع بدء اعلان النبوّة - في حين لم نجد بداية نزول الكتب السماوية ( التوراة والانجيل ) قد اقترن مع بداية اعلان نبوّة موسى وعيسى عليهما السلام .
ففي ٢٧ من رجب كان المبعث النبوي الشريف وبداية نزول أول آية من القرآن الكريم - اقرأ بإسم ربك الذي خلق .. - في حين نزلت التوراة على موسى ع في طور سيناء بعد ان اعلن قبل ذلك نبوته في مصر وجرت احداث كثيرة هناك وخرج منها مع قومه - بنو اسرائيل - ولحقهم فرعون وبعد هلاك الأخير وجيشه وذهاب موسى ومن اختارهم الى الميقات .. وهناك نزلت الالواح التي فيها شرائع التوراة وقوانينه كما يقول صاحب تفسير الأمثل في ( ج 5 - ص 214 ) .
وأما نبوّة عيسى ع فكانت قبل الانجيل بكثير ، حيث اعلن نبوّته وهو عليه السلام طفلاً في مهد أمّه : ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) ، مريم ٢٩ ، ٣٠ وآتاني الكتاب هنا إخبار بما سيقع كما في التفسير .
٢. اختلاف في المبعوث اليهم في اول الأمر ، فبُعث الرسول الاكرم في البدء الى عشيرته الاقربين ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء ٢١٤ ، وأما نبي الله موسى ع فأُرسل أول الأمر الى فرعون ( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ) طه ٢٤ ، واما عيسى عليه السلام فأُرسل الى بني اسرائيل خاصة ( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ال عمران ٤٩ ، وهم يومئذ مجتمع موحّد اولاً وينتسب اليهم نسبياً من جهة أمه ثانيا ..
٣. الطريقة التي نزل بها كل كتاب ، فالقرآن الكريم كان يقرأه جبرائيل عليه السلام على النبي محمد ص وآله ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) الشعراء ١٩٣ ، والتوراة نزلت على شكل الواح مكتوبة ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) الأعراف ١٤٥ ، واما الانجيل فهو - على رأي - : ما دوّنه أصحاب عيسى ع بعده من أقوال ووصايا وافعال .
من هذه المقارنات وغيرها يستطيع ان يخرج الباحث بعدد من الاستنتاجات ، سنحاول ذكر بعضها في مقال اخر ان شاء الله تعالى ..
تعليق