بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((اللهم إني أسألك من عطائك بأهنئه))..
من رحمة الله سبحانه وتعالى انّه يعطي عباده أياً كانت مذاهبهم أو معتقداتهم، فعطاؤه غير ممنوع على أحدٍ أبداً، فهو يشمل المؤمن والكافر، فقد قال تعالى: ((كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا))الإسراء: 20، ولكن يبقى مدى الاستفادة من هذا العطاء وتسخيره من قبل العبد نفسه، فالمطر مثلاً ينزل على الأرض الخصبة والسبخة على حد سواء، ولكن الخصبة منها نراها تخضر بينما السبخة لا نرى لها زرعاً أصلاً، مع انّ المطر واحد وقد نزل على كليهما من دون استثناء..
هكذا هو عطاء ربّك فيكون نزوله على المؤمن وغيره، فالمؤمن تكون نفسه مخضرة بالحب والايمان وتزينها التقوى، بينما غير المؤمن فتكون نفسه حالكة السواد لا خير فيها..
وبعبارة أخرى انّ العلوم الإلهية والنفحات الربانية غير محظورة عن أحد، فهي تنزل على كلّ النفوس، ولكن تبقى الاستفادة منها حسب صفاء تلك النفس واستعدادها لتلقي تلك العلوم والنفحات، أي ما يحجب تلك النفوس هي كدورة القلب والاشتغال بالخبائث دون الطيبات..
لذا جاء في مناجاة الراجين لامامنا زين العابدين عليه السلام قوله: ((يا مَنْ اِذا سَأَلَهُ عَبْدٌ اَعْطاهُ، وَاِذا اَمَّلَ ما عِنْدَهُ بَلَّغَهُ مُناهُ، وَاِذا اَقْبَلَ عَلَيْهِ قَرَّبَهُ وَاَدْناهُ))، أي انّ العبد ما عليه إلا أن يسأل فيجد الإجابة، ولكن المهم أن يأمل بما عند الله من الخير الباقي غير الفاني والحياة الأبدية، وأن يكون بالقرب الذي يرتجيه العبد المؤمن من خالقه..
لذلك في موضع آخر من نفس المناجاة نقول: ((وَلِنَيْلِ عَطاياكَ بَسَطْتُ اَمَلي، فَاَخْلِصْني بِخالِصَةِ تَوْحيدِكَ، وَاجْعَلْني مِنْ صَفْوَةِ عَبيدِكَ))، إذن المطلوب هي تلك العطايا التي تجعلني عندك من أحسن عبيدك وصفوتهم..
ولهذا تنتهي المناجاة بهذه الفقرة الشريفة: ((اَسْاَلُكَ بِكَرَمِكَ اَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ مِنْ عَطائِكَ بِما تَقِرُّ بِهِ عَيْني، وَمِنْ رَجائِكَ بِما تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسي، وَمِنَ الْيَقينِ بِما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيَّ مُصيباتِ الدُّنْيا، وَتَجْلُو بِهِ عَنْ بَصيرَتي غَشَواتِ الْعَمى، بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ))..
لذا نسأل الله تعالى أن يعطينا من أهنئ عطاياه، وهذا ما نلمسه في دعاء البهاء ((اللّهم إني أسألك من عطائك بأهنئه))..
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ((اللّهم إن هذا من عطائك، فبارك لنا فيه وسوغناه))..
نسأل الله تعالى أن يعطينا من عطاياه الهانئة التي تسمو فيها أنفسنا وترفعها لمقام القرب والتزلّف له تعالى...
تعليق