بسم الله الرحمن الرحيم
عن الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي على علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) بمرو فقال له : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني قد قلت فيك قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك ، فقال ( عليه السلام ) : هاتها فأنشده :
مدارسُ آيات خلت من تلاوة * ومنزلُ وحي مُقْفِرُ العرصاتِ
فلمَّا بلغ إلى قوله :
أرى فَيْئَهُمْ في غيرِهم متقسِّماً * وأيديَهُمْ من فَيْئِهِمْ صَفِرَاتِ
بكى أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) وقال له : صدقت يا خزاعي ، فلمّا بلغ إلى قوله :
إذَا وُتِرُوا مَدُّوا إلى وَاتِرِيهِمُ * أكّفاً عن الأوتارِ مُنْقَبِضَاتِ
جعل أبو الحسن ( عليه السلام ) يقلِّب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات ، فلمّا بلغ إلى قوله :
لقد خِفْتُ في الدنيا وأيَّامِ سَعْيِها * وإني لأَرْجُوا الأَمْنَ بَعْدَ وَفَاتي
قال الرضا ( عليه السلام ) : آمنك الله يوم الفزع الأكبر ، فلمَّا انتهى إلى قوله :
وقبرٌ ببغداد لنفس زكيَّة * تضمَّنها الرحمنُ في الغُرُفَاتِ
قال له الرضا ( عليه السلام ) : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمامُ قصيدتك ؟ فقال : بلى يا بن رسول الله ، فقال ( عليه السلام ) :
وقبرٌ بطوس يا لها من مصيبة * تُوقِّدُ في الأحشاءِ بالحرِقاتِ
إلى الحشرِ حتى يبعثَ اللهُ قائماً * يفرِّجُ عنّا الهمَّ والكُرُباتِ
فقال دعبل : يا ابن رسول الله ، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : قبري ، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له .
ثمَّ نهض الرضا ( عليه السلام ) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة ، وأمره أن لا يبرح من موضعه ، فدخل الدار فلمَّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له : يقول لك مولاي : اجعلها في نفقتك
فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليَّ ، وردَّ الصرَّة وسأل ثوباً من ثياب الرضا ( عليه السلام ) ليتبرَّك ويتشرَّف به
فأنفذ إليه الرضا ( عليه السلام ) جبَّة خزّ مع الصرّة ، وقال للخادم : قل له : خذ هذه الصرّة فإنك ستحتاج إليها ، ولا تراجعني فيها
فأخذ دعبل الصرّة والجبّة وانصرف ، وسار من مرو في قافلة ، فلمَّا بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص ، فأخذوا القافلة بأسرها وكتّفوا أهلها ، وكان دعبل فيمن كتِّف ، وملك اللصوص القافلة ، وجعلوا يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم متمثِّلا
بقول دعبل في قصيدته :
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * وأيديهم من فيئهم صَفراتِ
فسمعه دعبل فقال له : لمن هذا البيت ؟ فقال : لرجل من خزاعة يقال له : دعبل بن علي ،
قال : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلّي على رأس تل ، وكان من الشيعة ، فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل ، وقال له : أنت دعبل ؟ فقال : نعم ، فقال له : أنشدني القصيدة ، فأنشدها ، فحلَّ كتافه وكتاف جميع أهل القافلة ، وردَّ إليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل ، وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة ، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع ، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخُلع بشيء كثير ، واتّصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها بألف دينار ، فامتنع من ذلك
فقالوا له : فبعنا شيئاً منها بألف دينار ، فأبى عليهم وسار عن قم ، فلمَّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبّة منه .
فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردَّ الجبّة ، فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها
فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبَّة فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم
فلمّا يئس من ردِّهم الجبَّة سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها ،فأجابوه إلى ذلك وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار .
وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله ، فباع المائة الدينار التي كان الرضا ( عليه السلام ) وصله بها ، فباع من الشيعة كل دينار بمائة درهم ، فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فذكر قول الرضا ( عليه السلام ) : إنك ستحتاج إلى الدنانير ، وكانت له جارية لها من قلبه محل ، فرمدت عينها رمداً عظيماً ، فأدخل أهل الطب عليها ، فنظروا إليها فقالوا : أمّا العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة
وقد ذهبت ، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم . فاغتمَّ لذلك دعبل غماً شديداً وجزع عليها جزعاً عظيماً ، ثمَّ إنه ذكر ما كان معه من وصلة الجبّة ، فمسحها على عيني الجارية وعصَّبها بعصابة منها أول الليل ، فأصبحت وعيناها أصحّ مما كانتا قبل ، ببركة أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) .
وفي رواية عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : لما أنشدت مولاي الرضا ( عليه السلام ) قصيدتي التي أولها :
مدارسُ آيات خلت من تلاوة * ومنزلُ وحي مُقْفِرُ العَرَصَاتِ
فلمَّا انت
هيت إلى قولي :
خروجُ إمام لا محالةَ خارجٌ * يقومُ على اسمِ اللهِ والبركاتِ
يُميِّزُ فينا كلَّ حقٍّ وباطل * ويجزي على النعماء والنَّقِمَاتِ
بكى الرضا ( عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثم رفع رأسه إليَّ فقال لي : يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ؟ ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا سيدي ، إلاَّ إني سمعت بخروج إمام منكم يُطهِّر الأرض من الفساد ويملأها عدلا ، فقال : يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم ، المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً ، وأما متى فإخبار عن الوقت ، ولقد حدَّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قيل له : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، متى يخرج القائم من ذريّتك ؟ فقال : مثله مثل الساعة * ( لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) *
------------------------------
عيون اخبار الرضا ع ج1 ص294
عن الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي على علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) بمرو فقال له : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني قد قلت فيك قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك ، فقال ( عليه السلام ) : هاتها فأنشده :
مدارسُ آيات خلت من تلاوة * ومنزلُ وحي مُقْفِرُ العرصاتِ
فلمَّا بلغ إلى قوله :
أرى فَيْئَهُمْ في غيرِهم متقسِّماً * وأيديَهُمْ من فَيْئِهِمْ صَفِرَاتِ
بكى أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) وقال له : صدقت يا خزاعي ، فلمّا بلغ إلى قوله :
إذَا وُتِرُوا مَدُّوا إلى وَاتِرِيهِمُ * أكّفاً عن الأوتارِ مُنْقَبِضَاتِ
جعل أبو الحسن ( عليه السلام ) يقلِّب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات ، فلمّا بلغ إلى قوله :
لقد خِفْتُ في الدنيا وأيَّامِ سَعْيِها * وإني لأَرْجُوا الأَمْنَ بَعْدَ وَفَاتي
قال الرضا ( عليه السلام ) : آمنك الله يوم الفزع الأكبر ، فلمَّا انتهى إلى قوله :
وقبرٌ ببغداد لنفس زكيَّة * تضمَّنها الرحمنُ في الغُرُفَاتِ
قال له الرضا ( عليه السلام ) : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمامُ قصيدتك ؟ فقال : بلى يا بن رسول الله ، فقال ( عليه السلام ) :
وقبرٌ بطوس يا لها من مصيبة * تُوقِّدُ في الأحشاءِ بالحرِقاتِ
إلى الحشرِ حتى يبعثَ اللهُ قائماً * يفرِّجُ عنّا الهمَّ والكُرُباتِ
فقال دعبل : يا ابن رسول الله ، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : قبري ، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له .
ثمَّ نهض الرضا ( عليه السلام ) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة ، وأمره أن لا يبرح من موضعه ، فدخل الدار فلمَّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له : يقول لك مولاي : اجعلها في نفقتك
فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليَّ ، وردَّ الصرَّة وسأل ثوباً من ثياب الرضا ( عليه السلام ) ليتبرَّك ويتشرَّف به
فأنفذ إليه الرضا ( عليه السلام ) جبَّة خزّ مع الصرّة ، وقال للخادم : قل له : خذ هذه الصرّة فإنك ستحتاج إليها ، ولا تراجعني فيها
فأخذ دعبل الصرّة والجبّة وانصرف ، وسار من مرو في قافلة ، فلمَّا بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص ، فأخذوا القافلة بأسرها وكتّفوا أهلها ، وكان دعبل فيمن كتِّف ، وملك اللصوص القافلة ، وجعلوا يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم متمثِّلا
بقول دعبل في قصيدته :
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * وأيديهم من فيئهم صَفراتِ
فسمعه دعبل فقال له : لمن هذا البيت ؟ فقال : لرجل من خزاعة يقال له : دعبل بن علي ،
قال : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلّي على رأس تل ، وكان من الشيعة ، فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل ، وقال له : أنت دعبل ؟ فقال : نعم ، فقال له : أنشدني القصيدة ، فأنشدها ، فحلَّ كتافه وكتاف جميع أهل القافلة ، وردَّ إليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل ، وسار دعبل حتى وصل إلى قم فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة ، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع ، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخُلع بشيء كثير ، واتّصل بهم خبر الجبّة فسألوه أن يبيعها بألف دينار ، فامتنع من ذلك
فقالوا له : فبعنا شيئاً منها بألف دينار ، فأبى عليهم وسار عن قم ، فلمَّا خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبّة منه .
فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردَّ الجبّة ، فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها
فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبَّة فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم
فلمّا يئس من ردِّهم الجبَّة سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها ،فأجابوه إلى ذلك وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار .
وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله ، فباع المائة الدينار التي كان الرضا ( عليه السلام ) وصله بها ، فباع من الشيعة كل دينار بمائة درهم ، فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فذكر قول الرضا ( عليه السلام ) : إنك ستحتاج إلى الدنانير ، وكانت له جارية لها من قلبه محل ، فرمدت عينها رمداً عظيماً ، فأدخل أهل الطب عليها ، فنظروا إليها فقالوا : أمّا العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة
وقد ذهبت ، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم . فاغتمَّ لذلك دعبل غماً شديداً وجزع عليها جزعاً عظيماً ، ثمَّ إنه ذكر ما كان معه من وصلة الجبّة ، فمسحها على عيني الجارية وعصَّبها بعصابة منها أول الليل ، فأصبحت وعيناها أصحّ مما كانتا قبل ، ببركة أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) .
وفي رواية عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : لما أنشدت مولاي الرضا ( عليه السلام ) قصيدتي التي أولها :
مدارسُ آيات خلت من تلاوة * ومنزلُ وحي مُقْفِرُ العَرَصَاتِ
فلمَّا انت
هيت إلى قولي :
خروجُ إمام لا محالةَ خارجٌ * يقومُ على اسمِ اللهِ والبركاتِ
يُميِّزُ فينا كلَّ حقٍّ وباطل * ويجزي على النعماء والنَّقِمَاتِ
بكى الرضا ( عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثم رفع رأسه إليَّ فقال لي : يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ؟ ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا سيدي ، إلاَّ إني سمعت بخروج إمام منكم يُطهِّر الأرض من الفساد ويملأها عدلا ، فقال : يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم ، المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً ، وأما متى فإخبار عن الوقت ، ولقد حدَّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قيل له : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، متى يخرج القائم من ذريّتك ؟ فقال : مثله مثل الساعة * ( لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) *
------------------------------
عيون اخبار الرضا ع ج1 ص294
تعليق