الزهراء والمحدّثة
السؤال
في معنى اسم المحَدَّثة[1]
الجواب
يُعتبر اسم المحدَّثة من أهمّ الأسماء التي أطلقت على السيدة فاطمة عليها السلام وأعظمها وأجلّها، ذلك لأنّه يعبّر عن كرامةٍ مخصوصة بها سجّلها لها التاريخ ولا يمكن نكرانها. وهو يبيّن بشكل واضح وجليّ درجتها السامية ومقامها الرفيع ورتبتها، حيث إنّ اسم المحدّثة يعني أنّ صاحب هذا الاسم يكون ملهمًا ومؤيدًا بالإفاضات الغيبيّة والعنايات الربانيّة بحيث تحدّثه الملائكة فيسمعها.
وليس تحديث الملائكة وإفاضة العلوم والمعارف الربانيّة عبرهم مختصّاً بالأنبياء عليهم السلام، بل إنّه يمكن لغيرهم من الأتقياء المخلصين الاطّلاع على الوحي، كما تبين لنا الآيات الشريفة في الوحي الذي ألقي على السيدة مريم عليها السلام: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّ﴾[2] مثلًا، وكذا حال أمّ النبيّ موسى عليه السلام التي أوحي إليها: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[3]، ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الوحي المختصّ بالأنبياء والرسل عليهم السلام له سماته وخصائصه التي يتفرّد بها عن غيره من أنواع الوحي كأن يحمل تشريعات للناس وأحكاماً تخصّ دينهم.
ومع ذلك، وبرغم أنّ الزهراء عليها السلام ليست المحدّثة الوحيدة، إلّا أنّ لها خصوصية في المقام، حيث تبيّن لنا الأخبار أنّ الملائكة كانوا كثيرًا ما يتردّدون على منزلها الشريف، وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّما سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويُحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأوّلين والآخِرين"[4].
وقد سجّل التاريخ حادثة في غاية الأهمّية فيما يخصّ تحديث الملائكة للسيدة فاطمة عليها السلام، حيث تطالعنا الأخبار أنّه بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الدنيا وانقطاع الوحي، أصاب سيدة نساء العالمين عليها السلام غمّ، وحزنٌ شديد، فكان يأتي أشرف الملائكة وأجلّها ليسلّيها ويزيل همّها وغمّها، وكانت نتيجة تلك اللقاءات الملوكتية في آخر أيّام حياتها مصحف فاطمة الذي يحوي علم ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، فتقول الرواية عن أَبَي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قال: "إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَكَانَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام"[5].
وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى أنّ الاتّصال بالعالم الغيبيّ الذي يُعدّ تحديث الملائكة من أقوى مصاديقه وأبرزها، هو ليس بالأمر المحصور المختصّ بالمعصومين عليهم السلام وإن كانت لهم خصائصهم وشؤونهم في هذا المجال الذي لا يبلغها أحد. إلّا أنّه كما كان لأمّ النبيّ موسى عليه السلام نصيبٌ في التسديد الغيبيّ الذي كان وحيًا كذلك يمكن لأيّ مؤمنة أن تستجلب التسديد والمدد الغيبيّ إلى حياتها وربّما تكاملت وارتقت بحيث تحدّثها الملائكة، فكلّ ما مرّ مرهونٌ بالأفعال والسلوك الذي يصدر عن الإنسان. وبعبارة أخرى، إنّ السير على خطى سيدة نساء العالمين عليها السلام والتأسّي بها لهو الطريق الصحيح والسليم لاستجلاب المدد الغيبيّ والانفتاح على ذلك العالم، ويؤكّد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة فيقول: "لولا تزييد فى حديثكم وتمزيج فى قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع"[6]
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] السيد محمد كاظم القزويني، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، مصدر سابق، اسم المحدثة. الشيخ محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، اسم المحدثة.
[2] سورة مريم، الآية 17.
[3] سورة القصص، الآية 7.
[4] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1 ص 182.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 241.
[6] صدر الدين الشيرازي، محمد بن إبراهيم، شرح أصول الكافي، تحقيق وتصحيح محمد الخواجوي، .
السؤال
في معنى اسم المحَدَّثة[1]
الجواب
يُعتبر اسم المحدَّثة من أهمّ الأسماء التي أطلقت على السيدة فاطمة عليها السلام وأعظمها وأجلّها، ذلك لأنّه يعبّر عن كرامةٍ مخصوصة بها سجّلها لها التاريخ ولا يمكن نكرانها. وهو يبيّن بشكل واضح وجليّ درجتها السامية ومقامها الرفيع ورتبتها، حيث إنّ اسم المحدّثة يعني أنّ صاحب هذا الاسم يكون ملهمًا ومؤيدًا بالإفاضات الغيبيّة والعنايات الربانيّة بحيث تحدّثه الملائكة فيسمعها.
وليس تحديث الملائكة وإفاضة العلوم والمعارف الربانيّة عبرهم مختصّاً بالأنبياء عليهم السلام، بل إنّه يمكن لغيرهم من الأتقياء المخلصين الاطّلاع على الوحي، كما تبين لنا الآيات الشريفة في الوحي الذي ألقي على السيدة مريم عليها السلام: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّ﴾[2] مثلًا، وكذا حال أمّ النبيّ موسى عليه السلام التي أوحي إليها: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[3]، ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الوحي المختصّ بالأنبياء والرسل عليهم السلام له سماته وخصائصه التي يتفرّد بها عن غيره من أنواع الوحي كأن يحمل تشريعات للناس وأحكاماً تخصّ دينهم.
ومع ذلك، وبرغم أنّ الزهراء عليها السلام ليست المحدّثة الوحيدة، إلّا أنّ لها خصوصية في المقام، حيث تبيّن لنا الأخبار أنّ الملائكة كانوا كثيرًا ما يتردّدون على منزلها الشريف، وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّما سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويُحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأوّلين والآخِرين"[4].
وقد سجّل التاريخ حادثة في غاية الأهمّية فيما يخصّ تحديث الملائكة للسيدة فاطمة عليها السلام، حيث تطالعنا الأخبار أنّه بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الدنيا وانقطاع الوحي، أصاب سيدة نساء العالمين عليها السلام غمّ، وحزنٌ شديد، فكان يأتي أشرف الملائكة وأجلّها ليسلّيها ويزيل همّها وغمّها، وكانت نتيجة تلك اللقاءات الملوكتية في آخر أيّام حياتها مصحف فاطمة الذي يحوي علم ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، فتقول الرواية عن أَبَي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قال: "إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَكَانَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام"[5].
وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى أنّ الاتّصال بالعالم الغيبيّ الذي يُعدّ تحديث الملائكة من أقوى مصاديقه وأبرزها، هو ليس بالأمر المحصور المختصّ بالمعصومين عليهم السلام وإن كانت لهم خصائصهم وشؤونهم في هذا المجال الذي لا يبلغها أحد. إلّا أنّه كما كان لأمّ النبيّ موسى عليه السلام نصيبٌ في التسديد الغيبيّ الذي كان وحيًا كذلك يمكن لأيّ مؤمنة أن تستجلب التسديد والمدد الغيبيّ إلى حياتها وربّما تكاملت وارتقت بحيث تحدّثها الملائكة، فكلّ ما مرّ مرهونٌ بالأفعال والسلوك الذي يصدر عن الإنسان. وبعبارة أخرى، إنّ السير على خطى سيدة نساء العالمين عليها السلام والتأسّي بها لهو الطريق الصحيح والسليم لاستجلاب المدد الغيبيّ والانفتاح على ذلك العالم، ويؤكّد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة فيقول: "لولا تزييد فى حديثكم وتمزيج فى قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع"[6]
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] السيد محمد كاظم القزويني، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، مصدر سابق، اسم المحدثة. الشيخ محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، اسم المحدثة.
[2] سورة مريم، الآية 17.
[3] سورة القصص، الآية 7.
[4] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1 ص 182.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 241.
[6] صدر الدين الشيرازي، محمد بن إبراهيم، شرح أصول الكافي، تحقيق وتصحيح محمد الخواجوي، .
اترك تعليق: