بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المراء و المماراة : المجادلة و الخصومة مع شخص أو جماعة بهدف إظهار القوة و الغلبة على الطرف الآخر و التنقيص منه ، و التمرد عن قبول الحق حال ظهوره ، لا بهدف معرفة الحق أو بيان الحقيقة بنية صادقة و خالصة ، و لذلك فلا تنتهي المماراة الا بالخصومة و النزاع ، أو تأجيج نار الحقد في النفوس .
قال الله عَزَّ و جَلَّ في قصة اصحاب الكهف :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ 1. لأن الغرض من هذه القصة هو الاتعاظ و الاعتبار و ليس اثبات الأمور التي لا فائدة مؤثرة فيها .
المراء رذيلة اخلاقية :
و المراء رذيلة أخلاقية نهى القرآن الكريم عنها و دعا إلى إختيار البديل الذي لا ينطوي على آثار سيئة ، و البديل هو المجادلة بالحسنى ، أما المماراة فهي ممنوعة .
قال الله عَزَّ و جَلَّ :﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ 2.
ثم أن المراء حرام حسب رأي جمع من الفقهاء فلابد من الاجتناب عنه .
المراء في الاحاديث الشريفة :
رُويَ عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله أنه قال : ... وَ أَوْرَعُ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَ إِنْ كَانَ مُحِقّا " 3.
و روي عنه صلى الله عليه و آله أنه قال : " ثَلَاثٌ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ ، مَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ ، وَ خَشِيَ اللَّهَ فِي الْمَغِيبِ وَ الْمَحْضَرِ ، وَ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَ إِنْ كَانَ مُحِقّاً " 4.
و رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قَالَ : قَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله : " إِيَّاكَ وَ مُلَاحَاةَ الرِّجَالِ 5" 6.
و قال أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : " إِيَّاكُمْ وَ الْمِرَاءَ وَ الْخُصُومَةَ فَإِنَّهُمَا يُمْرِضَانِ الْقُلُوبَ عَلَى الْإِخْوَانِ وَ يَنْبُتُ عَلَيْهِمَا النِّفَاقُ " 7.
و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "الْمِرَاءُ بَذْرُ الشَّرِّ" 8.
و رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال في و صيته لأبي جعفر محمد بن النعمان : " يَا ابْنَ النُّعْمَانِ إِيَّاكَ وَ الْمِرَاءَ فَإِنَّهُ يُحْبِطُ عَمَلَكَ وَ إِيَّاكَ وَ الْجِدَالَ فَإِنَّهُ يُوبِقُكَ 9، وَ إِيَّاكَ وَ كَثْرَةَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُبْعِدُكَ مِنَ اللَّهِ" 10.
و قال الصادق عليه السلام : " لَا تُمَارِيَنَّ حَلِيماً وَ لَا سَفِيهاً فَإِنَّ الْحَلِيمَ يَقْلِيكَ 11 وَ السَّفِيهَ يُؤْذِيكَ " 12.
و قال الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام: "الْمِرَاءُ يُفْسِدُ الصَّدَاقَةَ الْقَدِيمَةَ، وَ يَحُلُ الْعُقْدَةَ الْوَثِيقَةَ، وَ أَقَلُّ مَا فِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمُغَالَبَةُ أَمْتَنُ أَسْبَابِ الْقَطِيعَةِ" 13.
قال الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام : " لَا تُمَارِ فَيَذْهَبَ بَهَاؤُكَ وَ لَا تُمَازِحْ فَيُجْتَرَأَ عَلَيْكَ " 14.
موقف الامام الحسين من المناظرة و المراء
رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام اجْلِسْ حَتَّى نَتَنَاظَرَ فِي الدِّينِ !
فَقَالَ: "يَا هَذَا أَنَا بَصِيرٌ بِدِينِي مَكْشُوفٌ عَلَيَّ هُدَايَ، فَإِنْ كُنْتَ جَاهِلًا بِدِينِكَ فَاذْهَبْ وَ اطْلُبْهُ، مَا لِي وَ لِلْمُمَارَاةِ، وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيُوَسْوِسُ لِلرَّجُلِ وَ يُنَاجِيهِ وَ يَقُولُ نَاظِرِ النَّاسَ فِي الدِّينِ كَيْلَا يَظُنُّوا بِكَ الْعَجْزَ وَ الْجَهْلَ .
ثُمَّ الْمِرَاءُ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
إِمَّا أَنْ تَتَمَارَى أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ فِيمَا تَعْلَمَانِ فَقَدْ تَرَكْتُمَا بِذَلِكَ النَّصِيحَةَ وَ طَلَبْتُمَا الْفَضِيحَةَ وَ أَضَعْتُمَا ذَلِكَ الْعِلْمَ.
أَوْ تَجْهَلَانِهِ فَأَظْهَرْتُمَا جَهْلًا وَ خَاصَمْتُمَا جَهْلًا.
أَوْ تَعْلَمُهُ أَنْتَ فَظَلَمْتَ صَاحِبَكَ بِطَلَبِكَ عَثْرَتَهُ.
أَوْ يَعْلَمُهُ صَاحِبُكَ فَتَرَكْتَ حُرْمَتَهُ وَ لَمْ تُنْزِلْهُ مَنْزِلَتَهُ.
وَ هَذَا كُلُّهُ مُحَالٌ، فَمَنْ أَنْصَفَ وَ قَبِلَ الْحَقَّ وَ تَرَكَ الْمُمَارَاةَ فَقَدْ أَوْثَقَ إِيمَانَهُ وَ أَحْسَنَ صُحْبَةَ دِينِهِ وَ صَانَ عَقْل" 15.
المصادر
1. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 22، الصفحة: 296.
2. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 125، الصفحة: 281.
3. من لا يحضره الفقيه : 4 / 395 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
4. الكافي : 2 / 300 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
5. ملاحاة الرجال : منازعتهم و مخاصمتهم .
6. الكافي : 2 / 301 .
7. الكافي : 2 / 300 .
8. عيون الحكم و المواعظ: 33، لعلي بن محمد الليثي الواسطي، المتوفى في القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى، سنة 1418 هجرية، قم/إيران.
9. يوبقك : أي يهلكك .
10. تحف العقول : 309 ، لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من فقهاء القرن الرابع الهجري .
11. أي يبغضك و يكرهك .
12. الكافي : /2 / 301 .
13. نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 139، لحسين بن محمد بن حسن بن نصر الحلواني، المتوفى في القرن الخامس الهجري، الطبعة الأولى سنة: 1408 هجرية، مدرسة الامام المهدي قم/إيران.
14. تحف العقول : لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من فقهاء القرن الرابع الهجري / باب ما روي عن الامام الحسن بن علي العسكري ( عليه السَّلام ) .
15. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 2 / 135، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت/لبنان، سنة: 1414 هجرية.
تعليق