إلى كربلاء... إلى بلد الإمام الحسين عليه السلام... بلد البطولة والشهادة، إلى موطئ الأنبياء... وموئل الكرامة والفداء، ورمز انتصار الدم على السيف... يتوافد الزائرون وقد جاؤوا من كل حدب وصوب،فهم فيها ما بين ذاكر يدعو... ومصل يبكي على ما حل بواديها...
إنه النصف من شعبان ذكرى ولادة الإمام الحجة صاحب الزمان عليه السلام، الزيارة السنوية لمرقد جده أبي عبد الله الحسين عليه السلام... حيث قدمت الجموع الغفيرة من المسلمين... إنها الزيارة المليونية.
بعد أداء هذه الزيارة المباركة تتجه جموع كبيرة _وممن تشرفوا بزيارة أبي الأحرار عليه السلام_ قاصدة ضفتي نهر صغير يقع عند المدخل الشمالي لهذه الحاضرة المقدسة، وهم يحملون الشموع مضيئة... زرافات ووحدانا رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً، مرددين هتافات وأهازيج الولاء والفرج، يخترقون شوارع المدينة قبل أن يجتمعوا عند مقام الإمام المهدي عليه السلام هناك عند النهر... ليرسلوا الشموع في مجراه الذي يحاذي المقام المقدس بعد تثبيتها على قطع من خشب ضماناً لطفوها واستمرار ضوئها في تقليد متوارث جميل... وقد ارتسمت على الوجوه علامات المسرة والابتهاج... فيما يبدو النهر الصغير وكأنه يزدان بحلل من الأنوار التي تدوم حتى الصباح بمنظر رائع تتلألأ فيه أنوار الشموع وكأنها تتأرجح بين أمواج النهر.
فما هي علاقة الشموع بولادة الإمام المهدي عليه السلام؟
وما هي علاقة ولادة المنتظر عليه السلام بزيارة الإمام الحسين عليه السلام؟
ربما لأن إيقاد الشموع اقترن عند أغلب الناس بالمناسبات السعيدة ولكون ولادة الإمام الحجة عليه السلام هي حقاً مناسبة سعيدة عزيزة على قلوب المحبين، تراهم يخرجون فرحين مبتهجين بذكرى ولادته عليه السلام وهم يحملون هذه الشموع.
أو لأن الشمعة هي رمز للتضحية والإيثار... فهي تحترق لتشع نوراً وضياءً تنير دروب الآخرين... وما دامت هي هكذا... ولأجل وجود هذه الخصلة فيها اندفع المحبون إلى إيقادها في ميلاد إمامهم المنتظر عليه السلام...فهو عليه السلام وكما ورد في الروايات يتألم لألمهم... ويستبشر عندما يصيبهم الخير أو يصدر عنهم فعله... وهكذا فإنه عليه السلام كالشمعة يتألم لهم ومن ذنوبهم... ويرسل عليهم من شآبيب أنواره الإلهية ليهديهم إلى الصراط المستقيم، بل ليهدي البشرية قاطبة لما يحمله عليه السلام من بهي الصفات وجمال السيرة.
أو لأن الإمام المنتظر عليه السلام هو الذي يأخذ بثارات الحسين عليه السلام... ويسير على نهجه القويم في إحقاق الحق ومحاربة الباطل وأهله ومقارعة الظالمين والأفاكين الذين يسعون لطمر الدين... لذا فإن العلاقة وطيدة بين الإمام المهدي عليه السلام وجده الإمام الحسين عليه السلام... وهي تتمثل بالأهداف السامية التي كلّفا الاضطلاع بها إحياءً للدين وتكريساً للقيم النبيلة... فلعل العلاقة الحسينية المهدوية هي التي تجيش في النفوس مشاعر ولاء ومحبة إزاء احدهما للآخر حيث إنهما من نور واحد... وفي مضمار واحد... ألا وهو تحقيق الرسالة الإلهية المحمدية الحقة وإظهارها في أرجاء المعمورة... وإرساء دعائم العدالة بين أبناء المجتمع الإنساني الذي هو بأمس الحاجة إليها في عصر قد ضاعت فيها القيم... وانتهكت فيها المثل... وتبعثرت فيها الفضيلة.
وهل الأمر هو مجرد شموع توقد وطقوس تؤدى؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك كثيراً؟ والقضية هي قضية ارتباط روحي بالإمام المنتظر عليه السلام... فعقيدتنا فيه عليه السلام انه حي يرزق... وهو موجود بيننا، يفرح لفرحنا ويحزن لحزننا، لكنه غائب عن الأبصار بمشيئة الله تعالى... وإن هذه الحشود المليونية تجتمع هنا عند مقامه متجشمة كل هذا العناء... فهي مستعدة لمناصرته عند ظهوره المقدس... متضرعة إلى الله سبحانه وتعالى لأن يعجل بفرجه ويسهل مخرجه... حيث ان فرجه فرجنا, ومخرجه مخرجنا من الظلم والفقر والذل والهوان.
وهل الشمعة رمز للنور؟ والنور عند الأمم والشعوب هو مظهر للنقاء والطهارة و الصفاء.
أم إنها العلاقة الروحية التي تربط بين المؤمن وقادته الروحيين, تؤجج فيه روح الأمل والمواصلة عندما يمر بظروف صعبة فهو يدرك قيمة ظهور الإمام عليه السلام، وكيف ستكون حكومته... وكيف سيكون حال الدنيا أثناء حكمه عليه السلام الشريف.
إن الروايات المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار عليهم السلام بهذا الخصوص تشير إلى سيادة العدل والحق... حيث يكثر الخير والرزق عندما تأتي الأرض أُكلها... فلا يبقى على الأرض فقير أو مظلوم بسيادة عدالة السماء بين الناس.
وانطلاقاً من هذه المعطيات واستناداً إلى هذه المعتقدات كانت طقوس الانتظار والاستبشار بمولد قائم آل بيت محمد عليهم السلام الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
من صحيفة صدى المهدي - بتصرف
تعليق