التواضع : صفة كرمها الله عز وجل ! . وكرم من يتحلى بها .. ويفسرها البعض على انها : خفض الجناح ولين الجانب . وقيل : الشرف كل الشرف في التواضع , والعز في التقوى , والحرية في القناعة . والتواضع يندرج في مجال معرفة الله عز وجل ! . لان الجاهل المتكبر لا يعرف الله ! ويرى نفسه كبيرا عظيما . قال تعالى " وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا " اي في سكينة ووقار متواضعين .. لا يسفهون وان سفه عليهم . والهون صفة المؤمن الذي يتصف بالرفق واللين .
قال رسول الله ص [ ان الله اوحى الي ان تواضعوا حتى لا يبغي احد على احد ولا يفخر احد على احد ] . والمتواضع يأسر قلوب الاخرين . فالمتكبر لا يحبه احد ولا يوقره احد في غيبته وكثيرا ما يكون مثالا للسخرية , وان قوبل بالاطراء في وجوده .
يروى ان امامنا الحسن بن علي (ع) مر. على صبية ومعهم كسر خبز فاستضافوه على الخبز فقط , فنزل واكل معهم ثم حملهم معه الى منزله فاطعمهم وكساهم وقال : اليد لهم , الفضل لهم , لانهم لا يجدون شيئا غير ما اطعموني فلهم الفضل في هذه السابقة . واكثر علمائنا الافاضل في النجف الاشرف .. يسكنون في بيوت قديمة اكل عليها الدهر وشرب . ويفترشون الارض على حصيرة قديمة , مع ما بايديهم من اموال المسلمين التي بامكانهم استغلالها , لكن نفوسهم الزكية ارفع من هذا , وتواضعهم الى الله عز وجل ! . يجعلهم في غنى عن متاع الدنيا الفانية , الا من الاعمال الخيرة التي تقربهم الى رحمة الله ! . واليوم نجد بعض النفوس التي تتوشح في زيف كبريائها , وتعنف الضعفاء وتمنعهم من ابسط استحقاقاتهم .. غير مبالية بقذف التهم يمينا وشمالا من اجل ان لا يطالبوا باي استحقاق . لان الاستحقاق في نظرهم لا يستحقه سوى هم وعوائلهم .. اما بقية عباد الله .. فعليهم ان يلوذوا بالصمت وعدم المطالبة . والا فان التهم جاهزة ولا تحتاج حتى الى دليل . وكما يعلم الجميع .. ان الضمير عندما يموت ويدفن , فان صاحبه يعيش في هوس الاضرار بالناس الذي حرمه الله وهدد كل من يقترفه . يقول الشاعر :
الا اثنتين لا تقربهما ابدا ... الشرك بالله والاضرار بالناس .
وبذلك قارب الشاعر بين الاضرار بالناس , والشرك بالله عز وجل ! . وجعل الاضرار بعباد الله ! . بمثابة الكفر والالحاد والشرك برب العزة جل جلاله .
ومن الغريب ان نجد بعض المتكبرين الذين تتوقع منهم اسوأ الاحتمالات واسوأ الكلمات النابية .. يتغيرون عندما يقفون امام المسؤول .. وتتبدل اخلاقهم وتنفرج اساريرهم , وكأن الطيبة والتواضع والرحمة تنزل عليهم من السماء تتلبسهم فيمثلون دور المتواضع المنصف .. فقط ليعطوا المسؤول فكرة عما هم عليه من اخلاق عالية . وما ان يخرج المسؤول حتى يتغير كل شيء [ وتعود حليمة الى عادتها القديمة ] وتبدا الوجوه المتجهمة ترتد الى حيث خلقها الله عز وجل ! الى الغلظة والتجهم , وتتغير سحنتهم بقدرة قادر لينكشف الزيف الذي يغطي قلوبهم المريضة , وعقولهم البعيدة عن رحمة الله عز وجل ! . ان الله عز وجل ! يسمع دعوة الداعي .. وان الله لبمرصاد لكل متكبر عنود . الذي يعتقد بان المنصب الذي هو عليه باق الى ابد الابدين , وان الدنيا تفنى وهو باق لا يتغير . والمتكبر : هو من يشعر في نقص في شخصيته , ويعتقد ان هذا النقص لا يكتمل , الا بالغلظة والعجرفة وسوء الخلق . تلك الصفات التي تجعل الانسان مكروها منبوذا , ينظر له باستعطاف واستهزاء . والمتكبر لا يحبه الله ولا رسوله ولا عباد الله .
والمتكبر كالواقف على جبل يرى الناس صغاراً ويرونه صغيراً والمتكبر هو اعجاب الشخص بنفسه والتعالي على الغير قولاً وفعلاً وهو من أوصاف ابليس الذي حسد أبانا ادم واستكبر وامتنع عن الانقياد لأمر الله (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلاّ ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) وان من حمل في قلبه ولو شيئاً يسيراً من الكبر حرم عليه دخول الجنة. يقول النبي صلى الله عليه واله وسلم [لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة كبر] رواه البخاري. والنار دار له [أليس في جهنم مثوى للمتكبرين] ويقول عليه الصلاة والسلام وعلى ال بيته الكرام (احتجت الجنة والنار. فقالت النار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة فيَّ الضعفاء الناس ومساكينهم) رواه مسلم . ولابد للمرء ان ينزع عنه رداء الكبر والتعاظم فإنهما ليسا له، بل هما للخالق والبس رداء الانكسار والتواضع فما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط الا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو أكثر. ومنشأ هذا من جهل العبد بربه وجهله بنفسه فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال وعرف نفسه بالنقائض والآفات لم يستعل ولم يأنف، والعذاب يقع على من تغلغل ذلك في قلبه وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها، ويعدّ التكبر من أشد الأمراض الأخلاقية الشائعة في المجتمع ومتى تمكن التكبر من الإنسان أوهم نفسه بهالة من الغرور فلا يسعده الا الكلام المزيف ويتغافل حينها عن نقائصه وعيوبه. ولا يبالي بتهذيب نفسه وتلافي نقائصه. وقال تعالى: [ولا تصعر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور] فهو سبحانه الجبار المتكبر. ولكي يسلم الإنسان ويضمن الشفاء من داء الكبر فالدواء يكمن في عدة أشياء؟ اهمها تذكر نعمة الله . والاقتداء بسيرة النبي ص وال بيته الكرام ع . وتذكر الآخرة. ومعرفة حقيقة النفس. واعلم بان الحياة قصيرة جدا , ومن يفعل الخير ينله هناك , ومن يفعل الشر يجده امامه . وان خصومه تنتظره .. لتشكوه امام العادل الجبار خالق السماوات والارض العزيز الحكيم , بطاش الجبابرة ومهلك كل متكبر يتعمد اذية الناس من اجل ان تبقى عباد الله ! ينخر فيها منشار العوز والفاقه , بينما هو يتمتع في قصور شاهقة , واموال التي لا تاكلها النيران .