هل الدنيا تشبه المزبلة ؟؟؟!!!
روي أن ملكا من الملوك كان عاقلا قريبا من الناس، مصلحا لامورهم، حسن النظر والنصاف لهم، وكان له وزير صدق صالح يعينه على الاصلاح ويكفيه مؤونته ويشاوره في اموره، وكان الوزير أديبا عاقلا، له دين وورع ونزاهة على الدنيا ، وكان قد لقي أهل الدين، وسمع كلامهم، وعرف فضلهم، فأجابهم وانقطع إليهم بإخائه ووده، وكانت له من الملك منزلة حسنة وخاصة، وكان الملك لا يكتمه شيئا من أمره، وكان الوزير له أيضا بتلك المنزلة، إلا أنه لم يكن ليطلعه على أمر الدين، ولا يفاوضه أسرار الحكمة، فعاشا بذلك زمانا طويلا، وكان الوزير كلما دخل على الملك سجد الاصنام وعظمها وأخذ شيئا في طريق الجهالة والضلالة تقية له فأشفق الوزير على الملك من ذلك واهتم به واستشار في ذلك أصحابه وإخوانه، فقالوا له: انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته موضعا للكلام فكلمه وفاوضه وإلا فإنك إنما تعينه على نفسك، وتهيجه على أهل دينك، فإن السلطان لا يغتر به، ولا تؤمن سطوته، فلم يزل الوزير على اهتمامه به مصافيا له،رفيقا به رجاء أن يجد فرصة فينصحه أو يجد للكلام موضعا فيفاوضه، وكان الملك مع ضلالته متواضعا سهلا قريبا، حسن السيرة في رعيته، حريصا على إصلاحهم، متفقدا لامورهم، فاصطحب الوزير الملك على هذا برهة من زمانه. ثم إن الملك قال للوزير ذات ليلة من الليالي بعدما هدأت العيون: هل لك أن تركب فنسير في المدينة فننظر إلى حال الناس وآثار الامطار التي أصابتهم في هذه الايام ؟ فقال الوزير: نعم فركبا جميعايجولان في نواحي المدينة فمرا في بعض الطريق على مزبلة تشبه الجبل، فنظر الملك إلى ضوء النار تبدو في ناحية المزبلة، فقال للوزير: إن لهذه النار لقصة فأنزل بنا نمشي حتى ندنو منها فنعلم خبرها، ففعلا ذلك فلما انتهيا إلى مخرج الضوء وجدا نقبا شبيها بالغار، وفيه مسكين من المساكين ثم نظرا في الغار من حيث لا يراهما الرجل فإذا الرجل مشوه الخلق، عليه ثياب خلقان من خلقان المزبلة، متكئ على متكاء قد هيأه من الزبل، وبين يديه إبريق فخار، فيه شراب وفي يده طنبور، يضرب بيده وامرأته في مثل خلقه ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها، وترقص له إذا ضرب، وتحييه بتحية الملوك ، كلما شرب وهو يسميها سيدة النساء، وهما يصفان أنفسهما بالحسن والجمال وبينهما من السرور والضحك والطرب مالا يوصف، فقام الملك على رجليه مليا والوزير ينظر كذلك ويتعجبان من لذتهما وإعجابهما بما هما فيه، ثم انصرف الملك والوزير فقال الملك: ما أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما أصاب هذين الليلة مع أني أظنهما يصنعان كل ليلة مثل هذا، فاغتنم الوزير ذلك منه، ووجد فرصة
فقال له: أخاف أيها الملك أن تكون دنيانا هذه من الغرور، ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسرور في أعين من يعرف الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة، ومثل هذين الشخصين اللذين رأيناهما، وتكون مساكننا وما شيدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب الاخرة مثل هذا الغار في أعيننا، وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة والنضارة والحسن والصحة مثل جسد هذه المشوه الخلق في أعيننا، ويكون تعجبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من إعجاب هذين الشخصين بما هما فيه.
قال الملك وهل تعرف لهذه الصفة أهلا ؟
قال الوزير: نعم، قال الملك: من هم ؟
قال الوزير: أهل الدين الذين عرفوا ملك الاخرة ونعيمها فطلبوه،
قال الملك: وما ملك الاخرة ؟
قال الملك وهل تعرف لهذه الصفة أهلا ؟
قال الوزير: نعم، قال الملك: من هم ؟
قال الوزير: أهل الدين الذين عرفوا ملك الاخرة ونعيمها فطلبوه،
قال الملك: وما ملك الاخرة ؟
قال الوزير هو النعيم الذي لا بؤس بعده، والغنى الذي لا فقر بعده،
والفرح الذي لا ترح بعده، والصحة التي لا سقم بعدها،
والرضى الذي لا سخط بعده، والامن الذي لا خوف بعده،
والحياة التي لا موت بعدها، والملك الذي لا زوال له، التي هي دار البقاء ودار الحيوان، التي لا انقطاع لها، ولا تغير فيها،
رفع الله عزوجل عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء والنصب والمرض والجوع والظمأ والموت، فهذه صفة ملك الاخرة وخبرها أيها الملك.
والفرح الذي لا ترح بعده، والصحة التي لا سقم بعدها،
والرضى الذي لا سخط بعده، والامن الذي لا خوف بعده،
والحياة التي لا موت بعدها، والملك الذي لا زوال له، التي هي دار البقاء ودار الحيوان، التي لا انقطاع لها، ولا تغير فيها،
رفع الله عزوجل عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء والنصب والمرض والجوع والظمأ والموت، فهذه صفة ملك الاخرة وخبرها أيها الملك.
قال الملك: وهل تدركون إلى هذه الدار مطلبا وإلى دخولها سبيلا ؟ قال الوزير: نعم هي مهيأة لمن طلبها من وجه مطلبها، ومن أتاها من بابها ظفر بها، قال الملك: ما منعك أن تخبرني بهذا قبل اليوم ؟ قال الوزير: منعني من ذلك إجلالك والهيبة لسلطانك، قال الملك: لئن كان هذا الامر الذي وصفت يقينا فلا ينبغي لنا أن نضيعه ولا نترك العمل به في إصابته، ولكنا نجتهد حتى يصح لنا خبره، قال الوزير: أفتأمرني أيها الملك أن اواظب عليك في ذكره والتكرير له ؟ قال الملك: بل آمرك أن لا تقطع عني ليلا ولا نهارا، ولا تريحني ولا تمسك عني ذكره فإن هذا أمر عجيب لا يتهاون به، ولا يغفل عن مثله، وكان سبيل ذلك الملك والوزير إلى النجاة.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 75 / ص 410)
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 75 / ص 410)
تعليق