نقاش شيق بين الشيخ المفيد (رحمه الله) وأحد شيوخ الإسماعيلية عن زواج المتعة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
لقد امتاز علمائنا الاعلام والفقهاء العظام بقوة استدلالاتهم العلمية وبراهينهم العقلية والنقلية بحيث تفحم المعاند والمخالف ويتحير الخصم في الجواب ويتخذ السكوت له جلباب .
ومن هؤلاء الفقهاء العظام وأعمدة المذهب الحق مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية الذي يشار له بقوة الاستدلال في العلوم المنقولة والمعقولة هو الشيخ المفيد (رحمه الله) .
واذكر هذه القصة التي حدثت بينه وبين احد شيوخ الإسماعيلية .
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) : حضرت دار بعض قواد الدولة و كان بالحضرة شيخ من الاِسماعيلية يعرف بابن لؤلؤ ، فسألني : ما الدليل على إباحة المتعة ؟
فقلت له : الدليل على ذلك قول الله جلّ جلاله : ( وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذلكم أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) - 1 - ، فأحل جلّ اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها وبذكر أوصافه من الاَجر عليها ، والتراضي بعد الفرض له من الازدياد في الاَجل وزيادة الاَجر فيها .
فقال : ما أنكرت أن تكون هذه الآية منسوخة بقوله : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) - 2 - ، فحظر الله تعالى النكاح إلاّ لزوجة أو ملك يمين ، وإذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين فقد سقط قول من أحلها.
فقلت له : قد أخطأت في هذه المعارضة من وجهين :
أحدهما : أنك ادّعيت أن المستمتع بها ليست بزوجة ، ومخالفك يدفعك عن ذلك ويعتبرها زوجة في الحقيقة
والثاني : أنّ سورة المؤمنين مكّية وسورة النساء مدنية ، والمكي متقدّم للمدني ، فكيف يكون ناسخاً له وهو متأخر عنه وهذه غفلة شديدة !
فقال : لو كانت المتعة زوجة لكانت ترث ويقع بها الطلاق ، وفي إجماع الشيعة على أنها غير وارثة ولا مطلقة دليل على فساد هذا القول.
فقلت له : وهذا أيضاً غلط منك في الديانة ، وذلك أن الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط وإنما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية ، والدليل على ذلك أن الاَمة إذا كانت زوجة لم ترث ، والقاتلة لا ترث ، والذمية لا ترث ، والاَمة المبيعة تبين بغير طلاق ، والملاعنة تبين أيضاً بغير طلاق ، وكذلك المختلعة ، والمرتد عنها زوجها ، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأُم ، والزوجة تبين بغير طلاق ، وكلّ ما عددناه زوجات في الحقيقة ، فبطل ما توهّمت فلم يأت بشيء .
فقال صاحب الدار وهو رجل أعجمي لا معرفة له بالفقه وإنما يعرف الظواهر : أنا أسألك في هذا الباب عن مسألة ، خبرني هل تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله متعة أو تزوج أمير المؤمنين عليه السلام ؟
فقلت له : لم يأت بذلك خبر ولا علمته .
فقال : لو كان في المتعة خير ما تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام .
فقلت له : أيّها القائل ليس كلّ ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله كان محرماً ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام كافة لم يتزوجوا بالاِماء ، ولا نكحوا الكتابيات ، ولا خالعوا ، ولا تزوجوا بالزنج ، ولا نكحوا السند ، ولا اتجروا إلى الاَمصار ، ولا جلسوا باعة للتجار ، وليس ذلك كلّه محرماً ولا منه شيء محظور ، إلا ما خصت به الشيعة دون مخالفيها من القول في نكاح الكتابيات ) - 3 -
******************************************
الهوامش :
1 - سورة النساء ، الاية 24 .
2 - سورة المؤمنون ، الايات 5 - 6 - 7 .
3 - مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، ج 3 ، ص 64 *** مناظرات في العقائد والأحكام ، الشيخ عبد الله الحسن ، ج 2 ، ص 234 *** المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة ، مقاتل بن عطية ، ص 95 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
لقد امتاز علمائنا الاعلام والفقهاء العظام بقوة استدلالاتهم العلمية وبراهينهم العقلية والنقلية بحيث تفحم المعاند والمخالف ويتحير الخصم في الجواب ويتخذ السكوت له جلباب .
ومن هؤلاء الفقهاء العظام وأعمدة المذهب الحق مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية الذي يشار له بقوة الاستدلال في العلوم المنقولة والمعقولة هو الشيخ المفيد (رحمه الله) .
واذكر هذه القصة التي حدثت بينه وبين احد شيوخ الإسماعيلية .
قال الشيخ المفيد (رحمه الله) : حضرت دار بعض قواد الدولة و كان بالحضرة شيخ من الاِسماعيلية يعرف بابن لؤلؤ ، فسألني : ما الدليل على إباحة المتعة ؟
فقلت له : الدليل على ذلك قول الله جلّ جلاله : ( وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذلكم أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) - 1 - ، فأحل جلّ اسمه نكاح المتعة بصريح لفظها وبذكر أوصافه من الاَجر عليها ، والتراضي بعد الفرض له من الازدياد في الاَجل وزيادة الاَجر فيها .
فقال : ما أنكرت أن تكون هذه الآية منسوخة بقوله : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلك فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) - 2 - ، فحظر الله تعالى النكاح إلاّ لزوجة أو ملك يمين ، وإذا لم تكن المتعة زوجة ولا ملك يمين فقد سقط قول من أحلها.
فقلت له : قد أخطأت في هذه المعارضة من وجهين :
أحدهما : أنك ادّعيت أن المستمتع بها ليست بزوجة ، ومخالفك يدفعك عن ذلك ويعتبرها زوجة في الحقيقة
والثاني : أنّ سورة المؤمنين مكّية وسورة النساء مدنية ، والمكي متقدّم للمدني ، فكيف يكون ناسخاً له وهو متأخر عنه وهذه غفلة شديدة !
فقال : لو كانت المتعة زوجة لكانت ترث ويقع بها الطلاق ، وفي إجماع الشيعة على أنها غير وارثة ولا مطلقة دليل على فساد هذا القول.
فقلت له : وهذا أيضاً غلط منك في الديانة ، وذلك أن الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط وإنما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية ، والدليل على ذلك أن الاَمة إذا كانت زوجة لم ترث ، والقاتلة لا ترث ، والذمية لا ترث ، والاَمة المبيعة تبين بغير طلاق ، والملاعنة تبين أيضاً بغير طلاق ، وكذلك المختلعة ، والمرتد عنها زوجها ، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأُم ، والزوجة تبين بغير طلاق ، وكلّ ما عددناه زوجات في الحقيقة ، فبطل ما توهّمت فلم يأت بشيء .
فقال صاحب الدار وهو رجل أعجمي لا معرفة له بالفقه وإنما يعرف الظواهر : أنا أسألك في هذا الباب عن مسألة ، خبرني هل تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله متعة أو تزوج أمير المؤمنين عليه السلام ؟
فقلت له : لم يأت بذلك خبر ولا علمته .
فقال : لو كان في المتعة خير ما تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام .
فقلت له : أيّها القائل ليس كلّ ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله كان محرماً ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام كافة لم يتزوجوا بالاِماء ، ولا نكحوا الكتابيات ، ولا خالعوا ، ولا تزوجوا بالزنج ، ولا نكحوا السند ، ولا اتجروا إلى الاَمصار ، ولا جلسوا باعة للتجار ، وليس ذلك كلّه محرماً ولا منه شيء محظور ، إلا ما خصت به الشيعة دون مخالفيها من القول في نكاح الكتابيات ) - 3 -
******************************************
الهوامش :
1 - سورة النساء ، الاية 24 .
2 - سورة المؤمنون ، الايات 5 - 6 - 7 .
3 - مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، ج 3 ، ص 64 *** مناظرات في العقائد والأحكام ، الشيخ عبد الله الحسن ، ج 2 ، ص 234 *** المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة ، مقاتل بن عطية ، ص 95 .
تعليق