إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور المنتدى(وقفاتٌ مع دعاء عرفة )493

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11

    عطر الولايه
    عضو ماسي











    • تاريخ التسجيل: 20-09-2010
    • المشاركات: 7871



    #1
    يوم عرفة يوم الميعاد الاكبر

    28-07-2020, 05:13 PM



    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاتهي


    وم عرفة ليس كأي يوم من الأيام ، وإنما هو يوم الميعاد لتلبية الدعوة الربانية الكريمة التي استحوذت بأشعتها الإلهية على النفوس والعقول ، وهيمنت على قلوب عباده المؤمنين ، فامتلكت جوارحهم حتى اجتذبتهم من كل فج عميق ، وانتشلتهم من مأمنهم وانتزعتهم من مواطنهم ومن بين أهليهم وذويهم من أنحاء هذه المعمورة ، بل ومن أقصى نقاطها ومناحيها .
    ولا يعني هذا الميعاد أو الموقف مجرد اسم لوادٍ أو لصحراء أو لموعد يلتقي فيه المدعوّون فيتعرف بعضهم على بعض ، إذ إن ذلك أمرٌ يحصل تلقائياً ، بل هو في الواقع تحصيل حاصل من هذا التجمع العظيم ، لكنه في الحقيقة ميعاد للقاء العبد بربه الكريم ، حيث يتجلى الخالق لمخلوقه في يوم عرفة فيتعرف المخلوق على جلال خالقه وعظمته .
    هنا لابد للعبد أن يُسائل نفسه عمّا اُعده وهيأه لهذا اليوم الجليل الرهيب ؛ الجليل بعظمة الخالق وقدرته ، والرهيب بجبروت الجبار ورحمته ، إذ من المرسوم لدى الناس عندما يدعون لمأدبة أو للقاء بشخص ذي منزلة ومقام مرموق ، أن يعدّوا أنفسهم لذلك اللقاء حساباً منهم وتحسباً ، فما بال من شملته الرحمة الربانية ليكون ضمن المدعوّين ومن الفائزين بلقاء رب العزة والعظمة ؟
    لا ريب أن الرحمة الإلهية الواسعة سوف تعمّ الحاج وتشمل جميع الحاضرين في ذلك الموقف العظيم ، لأن الله سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة فلا شك أنه سبحانه وتعالى ينظر إلى أهل عرفة نظرة غفران وصفح عن الذنوب التي اقترفوها ، لأنه عز وجل يغفر الذنوب جميعاً ، ويفتح باب العفو فيعفوا عن عباده المدعوّين ليبدأ كل منهم ومن جديد حياتاً جديدة وكأنهم خلقوا لتوّهم .
    فماذا بعد هذه المنحة الإلهية ، وبعد هذا اللطف الرباني ؟ وكيف يمكن العبد أن يستفيد من هذه الفرصة التي منحها الله إيّاه في يوم عرفة ، سيما والحديث الشريف يقول : " الحج عرفة " .
    وماذا ينبغي لمن فاز بهذه النعمة الجليلة أن يفعل ؟ وكيف له أن يغتنم أيام الرحمة هذه ليستفيد منها بعد أن ولد من جديد ، وهو لم يزل في يوم الغفران الأكبر وفي وادي الرحمة ، بل وفي حضرة رب غفور ودود ، وقد تفتحت عليه أبواب الرحمة الإلهية ونوافذ الغفران الرباني فملك سمعه وبصره وكل جوارحه قبس من النور الرباني ، ليجتذب قلبه إلى خالقه وليطلب كل شيء ممن وسعت رحمته كل شيء . ها هنا ينبغي للعبد أن يطمئن لإجابة الرب فلا ينبغي له أن يبخل على نفسه بالتضرع والدعاء فيطلب منه المزيد والمزيد مما يجيش في خاطره ومما يطمح أن يناله في الدنيا والآخرة لأنه في ضيافة رحمان رحيم ، ولأنه العبد المدلّ على معبوده المحبوب لديه ، فليطلب إذن من الرب الذي يعطى من لا يسأله ، فكيف بمن يسأله ؛ الرب الذي يحب المتوسلين لديه ، الداعين بين يديه ، وهو سبحانه وتعالى الذي يقول : ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ... ﴾ 1 . فأي فرصة أفضل من هذه الفرصة يمكن للعبد أن يتوجه فيها إلى حبيبه بأنين وتضرع بل ونحيب ، سيما والمحبوب يحب أنين المستغفرين ، بل هو أحب إليه من ذكر الذاكرين . فليس على العبد إلا أن يطلب من ربه كل أمر كبير وصغير ، فيطلب العتق من النار مثلاً ، ويطلب أن يحشره مع الأبرار ، ويطهّر نفسه من العار والشنار ليكون لدى خالقه في عداد سلمان وأبي ذر والمقداد . . وفي منزلة الشهداء الأخيار الذين واسوا أبا الأحرار الإمام الحسين عليه السلام ، أولئك الطيبون الأولون الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل العقيدة وإعلاء كلمة الإسلام ، سيما وهو بمحضر رب كريم لا يفد الوافدون على أكرم منه .
    ثم ماذا بعد الفوز بهذا الغفران الإلهي ؟ لعل أدل ما يتبادر للإنسان بعد أن يحضى بالمغفرة وينال العفو والصفح من لدن عفوّ غفور ، أن يعمل على إلغاء الحجب ورفع الحواجز التي أقامها فيما سبق بينه وبين الله تبارك وتعالى . تلك الحواجز والعقبات التي أوجدها هو نفسه بما كسبت يداه من المعاصي وما اقترف من الذنوب ، وليس عليه الآن إلا أن يعقد عزائم قلبه على أن لا يعود إليها مرة أخرى .
    لكنّ الذي ينبغي التوجه إليه والتأكيد عليه هو أن تلك المعاصي والذنوب على اختلافها كبراً وصغراً تشكل معصية بحد ذاتها ، سواء استصغرها العبد أم لا ، استهان بها وبآثارها أم لا .
    وفي المقام يجدر بنا أن نؤكد على تلك التي قد يستهين بها فاعلها فلا يتبادر إلى ذهنه أنها من المعاصي أصلاً ، لأننا نلحظ أن الإنسان عادة إنما يتوجه باستغفاره إلى الذنوب التي يعتقدها كبيرة . ولعل هناك من الذنوب مما يبدو صغيراً تافهاً لدى فاعله ، لكنه يكون بائساً لوقوفه منتظراً عشرة آلاف سنة يوم الحساب ، حتى لو كانت المعصية كلمة حق يراد بها باطل .
    هناك من الأمور ما يتصورها العبد سهلة يسيرة ومن التصرفات التي يستهين بها ، وهي في الحقيقة تشكل حجاباً بينه وبين ربه . فليس التعصب القبلي مثلاً أو الأثرة والأنانية إلا أمثلة لتلك التصرفات التي تشكل بذاتها انحرافاً عن الحق وابتعاداً عنه ، غير أنها لا تبدوا لمقترفها إلا أموراً يسيرة وليست بذات أهمية تذكر .
    والأفعال والأقوال التي تشكل الحواجز بين العبد وربه كثيرة ، خصوصاً تلك التي يستصغرها فاعلها وقائلها ، لكنها تشكل في الوقت نفسه حجاباً وربما تبدوا لفاعلها عين الحق والعدل ، وهي في الواقع إجحاف وظلم .
    الحديث الشريف يقول : " إن الذنوب ثلاثة ذنب يغفره الله تعالى وذنب لا يترك وذنب لا يغفر . أما الذنب الذي يغفره الله جلّ وعلا فهو الذي بين العبد وربه ، وأما الذنب الذي لا يغفر فهو الشرك بالله الواحد الأحد ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك به ، وأما الذنب الذي لا يترك فهو كل مظلمة من مظالم العباد التي تقع بينهم ، وهذه لا يترك مقترفها دونما حساب أو عقاب حتى يأذن المظلوم للظالم " 2 وهي التي تشكل الذنوب التي تحجب النعم وتحجب الدعاء ، والمعاصي والذنوب التي تظلّم الأجواء على مرتكبيها وتمنع قطر السماء وتعجل الفناء لأن الله سبحانه وتعالى لا يصفح عن مثل هذه الذنوب أخذاً منه لحق عباده المظلومين ، ولا ريب أن آهات المظلوم لابد وأن تلاحق الظالم حتى يصفح المظلوم وصاحب المظلمة نفسه عن الظالم فيدخل حينئذٍ في رأفة الرؤوف الرحيم ؛ وحتى قيل :
    تنام عيناك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
    ثم إن مظالم العباد فيما بينهم عديدة كثيرة ، تتكاثر بتكاثر الروابط الاجتماعية في مختلف المجتمعات البشرية وعلى مختلف أصعدتها ، وليس يهمنا في المقام إلا التعرض لبعض هذه المظالم باعتبار أهميتها وأثرها في حياة الإنسان المؤمن .
    ولما كانت الأسرة الإسلامية هي قاعدة المجتمع الإسلامي ونموذجاً مصغراً له بما يربطها من روابط اجتماعية إنسانية قائمة على أسس وقوانين ربانية سليمة ، فإننا نجد لزاماً أن نبدأ أول ما نبدأ بتلك المظالم التي تقع بين أفراد الأسرة الواحدة ، وعلى الرغم من كون الروابط العائلية هي من أحكم أنواع الروابط الاجتماعية وأوثقها سيما في المجتمع الإسلامي ، إلا أننا لا يمكننا إنكار وقوع الكثير من المظالم بين أفراد العائلة المسلمة .
    فمنها ؛ ظلم الولد لوالده ، إذ من المعلوم أن للابوّة بالذات معانٍ سامية في العائلة المسلمة ، وتلك المعاني قلّما نلحظها أو نقف عليها في كثير من العوائل غير المسلمة ، وهي في العائلة المسلمة أيضاً لا يدركها إلا من كان هو أباً فعلاً . ومعرفة مقام الأب ومنزلته وأهمية الأبوّة بالنسبة لأفراد العائلة لا تتجلى بكامل أبعادها إلا لمن هو أب فعلاً ، والولد لا يدرك مصاديق الأبوّة ولا ماهية روابط الأب بأفراد العائلة وحقائقها الكامنة في وجدانه وتصرفاته تجاه أبنائه ، ما لم يكن هو أباً ، فإذا صار أباً في المستقبل أدرك حينها معنى الأبوة وحقيقتها ، وخاصة عندما يمارس ما مارسه أبوه قبل ذلك معه وعندما يقوم بما تمليه عليه الأبوّة من الوظائف والواجبات . وهنا يكون الخروج عن طاعة الأب عقوقاً ، وما نلحظه اليوم من أنواع العقوق ليس إلا دليل على عدم التزام الأبناء بالضوابط والقوانين السرية الإسلامية . ولعل هذه الظاهرة تكاد تبدو جلية وبشكل واسع لدى بعض أبناء هذا الجيل الجديد ، الجيل الذي يريد له أعداء الإسلام أن يعيش خارجاً عن نطاق الإسلام متحدياً آدابه ورسومه ليكون مغايراً كل التغاير لحياة العائلة الإسلامية . وهذه ولا ريب مؤامرة واسعة النطاق على الأبناء اتخذت أشكالاً وأساليب مختلفة ، جاء البعض منها على شكل ترغيب وتشويق ، بل وإغراء بانفصالهم عن آبائهم وذويهم . والأعتى والأمر من ذلك الترغيب بعدم البرّ بالأمهات ، وهذا هو العقوق الحقيقي ، بل وهو الظلم بعينه .
    ومنها ظلم الزوجين أحدهما الآخر ، فإن من مصاديق الظلم أن نمنع الآخرين حقوقهم ، وهذا النوع من الظلم شائع في أوساطنا وبين أفراد الكثير من العوائل عندما يتخذ التعامل بين الزوجين طابع الظلم ، لعلل كثيرة وربما من أهم علله عدم معرفة ماهية الحقوق التي يتمتع بها كل من الزوجين قبالة صاحبه ، والواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق كل منهما تجاه الآخر . وقد يكون من العوامل أيضاً عدم إدراك فحوى الرابطة الزوجية المقدسة ، ومتانة الآصرة التي تربط كل منهما بالآخر .
    ولسنا هنا يصدد استقراء تلك العوامل والعلل والوقوف على أفرادها بالتفصيل ، لكنها وبالإجمال ترجع في الغالب إلى الخلفيات السابقة في حياة كل من الزوجين ، وإلى المستوى الإيماني والثقافي الذي يتمتع به كل منهما ، ومدى تمسكهما أو أحدهما بالضوابط والأسس الأخلاقية التي تنظم الحياة الأسرية ، وكذلك العلاقات الروحية والعاطفية التي تجمع بين الزوجين وأنهما سكن لبعضهما البعض . فمن المعلوم أن افتقار كلا الزوجين أو أحدهما لتلك الأسس أو لبعضها ، وإلى القواعد التي جاء بها الدين الحنيف ، والأسس التي اعتمدها في تنظيم حياة الأسرة ، ربما يكون منشأ للظلم الذي يقع بين الزوجين .
    وحين لا يدرك كل طرف مسؤولياته وواجباته تجاه الطرف الآخر ، ولا ينظر إلى عمق الرابطة التي تربطه بالطرف الآخر إلا بمنظاره الخاص ومن زاوية محدودة ، تنشأ له مبررات لإغماز حق الطرف الآخر . ومنع حقوق الآخرين في هذا الحقل كثيرة متعددة ، تتكاثر بتكاثر متطلبات الحياة المادية والمعنوية ، وتزداد وتنقص بازدياد ونقصان مستوى الإدراك لكل من الزوجين ، كل منهما لموقف الآخر ولحدود وواجباته وحقوقه ، وذلك مما يؤدي إلى أن ترقى بعض الأمور التافهة اليسيرة إلى مصاف المشكلات والمعضلات العسيرة التي يصعب حلّها .
    ولا ريب أن في قبالة هذه السلبيات هناك عوامل إيجابية لابد من توافرها بين أفراد الأسرة الواحدة ، وخاصة الزوجين نفسهما كي يستقيم الكيان العائلي على أسس رصينة وروابط متينة ؛ فالثقة المتبادلة بين الزوجين من أهم تلك العوامل ، وحيث تكون هناك ثقة بينهما تسقط من كل منهما كثير من الأسباب والمبررات الملجئة إلى الظلم والحرمان من الحقوق . فعندما تثق المرأة بزوجها فتدرك وتقدر مدى المعاناة والجهد الذي يبذله الزوج خلال حياته اليومية لطلب المعاش وللقيام بما تتطلبه الحياة الأسرية ، وسيكون ذلك رادعاً لها من ممارسة الظلم فلا تقدم على إيقاعه على زوجها ، بل تمتنع عن استغلال حبه ومودته لها ولأفراد الأسرة فتتحاشى الملامة والمطالب الملحة المثقلة لأعبائه والخارجة عن قدرته حال قدومه إلى البيت متعباً منهك القوى ، لأنها تدرك أن مثل هذه الأعمال ستكون سبباً للكدورة وزوال الصفاء الباعث لتحقق الظلم بين أفراد الأسرة الواحدة ؛ بل لعلها تستقبله بالتهليل والترحيب لتخفف عن كاهله وتزيل من دواخله كثيراً من المتاعب والمشاكل التي ربما كان قد واجهها أثناء القيام بعمله .
    وكذا الحال بالنسبة للزوج حين يثق بزوجته ويعتمد عليها ويطمئن لتصرفاتها ، فيدرك مدى معاناتها في إدارة شؤون البيت . عندها تتلاشى كافة عوامل الظلم والاجحاف ، وتحل محلها مسببات العدل والأنصاف ، وبالتالي تقل توقعاته وتحسن تصرفاته ، فلا ينال من شخصيتها وكرامتها بل ينظر إليها بمنظار الشريك المتفاني والإنسان المخلص . وهذا المنظار السليم لابد وأن يصاحبه نوع من التسامح في التعامل بين الزوجين ، ذلك التعامل المقرون بالقناعة والرضى بالتقدير الإلهي ، فلا تتأثر الزوجة بعد ذلك بالمظاهر المادية المغرية التي يتمتع بها الآخرون ، سيما الأقربون منهم ، والباعث على الغيرة والحسد ؛ بل لابد للزوجين والحال هذه أن يترفعا عن تلك الفوارق الطبقية والاجتماعية على الصعيدين المادي والمعنوي ، كي تزول الأسباب وتتلاشى العوامل المغرية التي تقودهما إلى إيقاع الظلم على بعضهما البعض ؛ ومن أمثلة ذلك هو الظلم الواقع نتيجة المشاكل السائدة اليوم في المجتمعات ، سيما مشكلة العدلاء ، حين يكون زوج أحد الأختين غنياً مرفهاً ذا إمكانيات مادية وزوج الأخرى ذو دخل محدود لكنه ذو عفاف وأخلاق ، لكن زوجته تتوق إلى الحياة التي تحياها أختها المرفهة . وهذا الطموح يكون سبباً لإيقاع الظلم على زوجها نتيجة الإلحاح وكثرة الطلبات وتعددها ، فتكيل إلى زوجها بالكلمات الجارحة . وكذلك هو الحال في الزوج عندما ينساق فيقع تحت طائلة الكثير من العادات والتقاليد البائدة الممقوتة التي لا ترتبط بالإسلام بحال ؛ ومن أمثلته اتخاذه الزوجة بضاعة وأنها أجيرةً له لتقوم بأعمال البيت قسراً وإجباراً ، فيكون ذلك منفذاً لإيقاع الظلم على زوجته .
    ومنها ظلم الأبوين للأبناء ، ولعلنا نستخدم لفظ الظلم ها هنا مجازاً لأننا نعلم أن للأبوّة في المجتمع الإسلامي منزلتها الخاصة ومقامها المرموق اللائق بلفظها ، بما تتضمنه من معاني الرأفة والعطف ، بل التفاني الذي يبديه الآباء تجاه أبنائهم . وما أطلقنا عليه لفظ الظلم في المقام نريد به الإهمال والقصور اللإرادي الذي ربما يبدو من بعض الآباء تجاه أبنائهم ، كالتقصير في تربيتهم الدينية ، وفي توجيههم الوجهة السليمة ، وفي تهيئة الظروف المناسبة لهم ليشقوا طريقهم في معترك هذه الحياة التي تزداد صعوبة وتكثر مشاكلها يوماً بعد يوم ؛ وهذا التقصير أو القصور قد يتخذ طابع الظلم ، سيما إذا أهمل الآباء هذا الجانب من حياة أبنائهم فيتوجهون إلى حياتهم الشخصية الخاصة بهم ، فيتركون تربية الأبناء والاهتمام بهم وتوفير متطلبات أمورهم ، بل ينشغلون بأنفسهم خاصة ، فيكون ذلك شكلاً من أشكال الظلم الذي يمارسه الآباء تجاه أبنائهم .
    أمثال تلك الأمور والمواقف تشكل أنواعاً من المظالم التي قد تبدوا لمرتكبيها أنّها أمور تافهة يسيرة ، لكنها في الحقيقة توجب الوقوف لآلاف السنين يوم الحساب ، والإنسان المؤمن القاصد إلى عرفة ، المجيب لدعوة الرب الكريم ، جدير به أن يتلافى الموقف يوم الحشر بموقف عرفة ليغفر الله له ، فلا يطول وقوفه هناك ، بأن يطلب العفو والمغفرة بعزم أكيد على أن لا يعود ثانية لاقتراف الآثام والذنوب . أما إذا لم تكن لدى الإنسان المدعوّ إلى عرفة نية وعزيمة على إعادة النظر في حياته المقبلة بعد عرفة وبعد العود من الحج ، فلا ريب أن الحجب السابقة سوف تعود ثانية دونما أي تأخير ، لأنه لم يعقد العزم على إنهاء الحواجز ورفع المظالم التي تفصله عن الرب سبحانه وتعالى .
    وعندما يرجع الإنسان من عرفة وقد عقد العزم على الترفع عن ارتكاب الذنوب والآثام ، يرجع طاهراً مطهراً من العيوب والذنوب . وبذاك يكون الحاج حاجاً حقيقة ، لأنه فاز بالرحمة الإلهية والمغفرة والصفح الرباني ، فيكون ذلك الحج هو الحج المقصود الذي يأخذ بيد الحاج يوم القيامة ، بل هو العمل الذي ينفع الإنسان إبّان سكرات الموت ، ويكون كالرفيق المصاحب للإنسان في البرزخ يعالج به أسئلة منكر ونكير ، فيكون كغيره من العبادات الأخرى نوراً يرافق الإنسان حين يبعث من في القبور ، وعندما يخرج الإنسان من مثواه مؤتزراً بكفنه ينظر يمنة ويسرة فلا يجد ناصراً ولا معيناً إلا أعمال الخير والحج والصلاة والزكاة وكل العبادات التي تأتيه آنذاك على صورة إنسان جميل مزين معطر يبشرونه بالجنة .
    من هنا كان لزاماً على الحاج أن يستعد ليكون لقاؤه بربه يوم عرفة ، لقاء محبة وود ووفاء ، لقاء عبد فقير برب غني حميد ، لقاء عبد بائس برب كريم . . كي يرجع إلى بلده بحج مقبول وسعي مشكور وقد شملته الرحمة الربانية ، ناجحاً مفلحاً 3 .



    1. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 77 ، الصفحة : 366 .
    2. بحار الأنوار : 6 / 29.
    3. كتاب : " في رحاب بيت الل








    تعليق


    • #12

      عطر الولايه
      عضو ماسي











      • تاريخ التسجيل: 20-09-2010
      • المشاركات: 7871



      #1
      أسرار دعاء يوم عرفة لمولانا الحسين عليه السلام

      03-10-2014, 01:07 AM


      بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
      وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
      وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
      السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

      أسرار دعاء يوم عرفة لمولانا الحسين عليه السلام



      * يبتدئ هذا الدعاء الجليل بالحمد الإلهي وهذا أول سر في هذا الدعاء لان حمد الحسين عليه السلام لله هو الحمد الحقيقي وجميع الناس تدخل بشفاعة الحسين عليه السلام في الحمد الإلهي.

      فعندما يحمد الإنسان الإلهي الكامل الأزلي الحسين عليه السلام الله فهذا هو تمام الحمد .

      * يفتح مولانا الإمام الحسين عليه السلام بهذا الدعاء لشيعته أفاق رحبة في العبودية الإلهية وفي معرفة الإله المبدع الأول بقوله كلمة إلهي فكلمة إلهي من الحسين عليه السلام ليست وهي على لسان الإنسان العادي.

      * جاء دعاء يوم عرفة في يوم الحج الأكبر بلسان الإنسان الكامل الإلهي الأزلي الحسين عليه السلام وبهذا ربط الحاج لبيت الله الحرام بالميثاق الإلهي الأول.

      * بدعاء عرفة عرَّفَ الإنسان الأزلي الحسين عليه السلام الله لخاصة عباده وهم جماعة العرفاء.

      * الوقوف في جبل عرفة والدعاء بدعاء عرفة للحسين عليه السلام هو تمام وكمال مناسك الحج كلها.

      * كيف يمكن أن نعرف الله حق المعرفة ونحن لا نعرف دعاء يوم عرفة للحسين عليه السلام فدعاء عرفة هو المعرف لله بلسان العارف الحقيقي بالله .

      * كيف نوحد الذي ليس كمثله شيء والدال على ذاته بذاته والمنزه عن مجانسة مخلوقاته ؟ إذا لم ندعو بدعاء يوم عرفة للحسين عليه السلام ؟؟؟؟

      * يستحيل مطلقا توحيد الله ومعرفته تمام المعرفة إلا بدعاء عرفة لمولانا الحسين عليه السلام حيث التوحيد والعبودية والمعرفة قائمة ومتحدة ومنسجمة بلسان الإنسان العارف الكامل الإلهي.

      * لم يترك دعاء يوم عرفة شيئا يتقرب به إلى الله إلا ذكره مولانا الإمام الحسين عليه السلام.

      * دعاء يوم عرفة يقطع على الحاج الواقف الباكي كل علاقته بالدنيا ويدخله في عالم الربوبية بمعية مولاه الحسين عليه فيصير حاجا بكل كليته وجواره.

      * يقول مولانا الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة : (( اِلهى تَرَدُّدى فِى الاْ ثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ فَاجْمَعْنى عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنى اِلَيْكَ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليلٍ يَدُلُّ عَليْكَ وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْ ثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْه رَقيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً)) . بهذه العبارة أخرج مولانا الإمام الحسين عليه السلام عباد الله من عبادة الفاني إلى عبادة الله الباقي وبها صار الحب والقرب والوصال والخدمة والفناء والبقاء.







      تعليق


      • #13
        kerbalaa kerbalaa
        عضو ماسي











        • تاريخ التسجيل: 15-05-2009
        • المشاركات: 9037


        #1
        لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم ؟

        16-11-2010, 06:05 AM



        السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، و بعد ك
        يوم عرفة : هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ، و هو يوم الوقوف بأرض عرفات و هو أحد أهم مناسك الحج .
        و قيل : عرفة هي الجبل ، و عرفات جمع عرفة تقديراً لأنه يقال وقفت بعرفة كما يقال بعرفات .
        قال الله عزَّ و جلَّ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ } ( سورة البقرة : 198 ) .
        تسمية عرفة :
        وَ سُمِّيَتْ عَرَفَةُ عَرَفَةَ لِأَنَّ جَبْرَئِيلَ ( عليه السلام ) قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ ( عليه السلام ) هُنَاكَ اعْتَرِفْ بِذَنْبِكَ ، وَ اعْرِفْ مَنَاسِكَكَ ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفَةَ ... ( من ‏لا يحضره ‏الفقيه : 2 / 196 ) .
        يوم عرفة هو اليوم المشهود :
        قال الله عزَّ ذكره : { وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } ( سورة هود / 103 ) .
        وَ رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أنهُ قَالَ : " الْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ ... " ( تهذيب‏الأحكام : 5 / 479 ) .
        وَ رَوى الشَّيْخُ الْجَلِيلُ ابْنُ مِيثَمٍ فِي شَرْحِ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ ، عَنِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه و آله ) أَنَّهُ قَالَ : " مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ فِي يَوْمٍ هُوَ أَصْغَرَ وَ لَا أَدْحَرَ وَ لَا أَحْقَرَ وَ لَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ " ، ( مستدرك وسائل الشيعة : 10 / 43 ) .
        هذا ما حصلت عليه من خلال البحث اذا كانت هناك اضافه من الاخوه اعضاء المنتدى المبارك لايقصرون بالمبادرة نسال الله التوفيق للوقوف بهذا المكان


        التعديل الأخير تم بواسطة الراصد; الساعة 16-11-2010, 07:01 AM.






        تعليق


        • #14
          عطر الولايه عطر الولايه
          عضو ماسي











          • تاريخ التسجيل: 20-09-2010
          • المشاركات: 8219


          #1
          تأمّلات في دعاء الامام الحسين (ع) في يوم عرفة

          04-07-2022, 04:38 PM


          بسم الله الرحمن الرحيم
          اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
          وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
          وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

          السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
          دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة من الأدعية المهمة التي يواظب عليها و يُقرأ في صحراء عرفات اقتداءً بالإمام الحسين عليه السلام. هذا الدعاء عبارة عن موسوعة معارف دينية قيّمة، وتعاليم عرفانية وعقائدية عالية، لم يتردد أحد من أعلام العلماء في نسبته إلى الإمام الحسين عليه السلام.
          تأمّلات في دعاء الامام الحسين (ع) في يوم عرفة
          روى بشر وبشير الأسديان قالا: كنّا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشيّة عرفة، فخرج (عليه السلام) من فُسطاطه متذلّلاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتّى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبلَ البيت، ثمّ رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، فقرأ دعاء العرفة .....


          إنّ معارف الدعاء الشريف للامام الحسين (عليه السّلام) في يوم عرفة تكاد لا تنحصر في موضوع واحد ، لكنّه يبدأ بالحمد والتمجيد لله تعالى ، ثمّ ينتقل إلى العلوم الدقيقة للإنسان من عالم الأصلاب إلى الأرحام وظلماتها ، ثمّ إلى الدنيا وتطوّراتها وأطوارها المختلفة .

          وهكذا ينتقل الإمام من آيات النفس البشريّة ، إلى آيات الكون الآفاقيّة برحابتها وعظمتها ، والدَّارس للدعاء الشريف يشعر وكأنّه في بحر خضم من المعارف النورانيّة الرفيعة، والعميقة والبليغة، بحيث وردت بهذا الترتيب البديع أو السهل السريع ؛ وهذه فقرات فقط من الدعاء مع الالتفات إلى اللطائف الأخلاقيّة فيها ، وممّا يرتبط عن أخلاقيّات الإمام الحسين (عليه السّلام) ،



          فالأخلاق مع العبادة والطاعة قمّة الأخلاق الفاضلة .
          1 ـ التمجيد :
          وهو التقديس والتنزيه ، والتعظيم للمولى تعالى ، وهذا مطلوب في بداية كلّ دعاء كما في الرواية الشريفة أنّ : (( مَنْ أرادَ الدعاء فليبدأ بالتَّمجيدِ لله تعالى )) .
          والإمام الحسين (عليه السّلام) يبدأ حامداً وممجّداً بقوله : (( الحمدُ لله الذي ليس لقضائهِ دافعٌ ، ولا لعطائه مانعٌ ، ولا كصنعه صُنع صانعٍ ، وهو الجواد الواسع ، فطر أجناس البدائع ، وأتقن بحكمته الصّنائع ، لا تخفى عليه الطلايعُ ، ولا تضيعُ عنده الودائعُ ، جاري كلِّ صانعٍ ، ورائشُ كلّ قانع ، وراحم كلِّ ضارعٍ ، ومنزّلُ المنافع .
          الجامع بالنّور الساطع ، وهو للدّعوات سامعٌ ، وللدّرجات رافعٌ ، وللكربات دافعٌ ، وللجبابرة قامعٌ ، فلا إله غيره ، ولا شيء يعدله ، وليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، البصيرُ اللطيف الخبيرُ ، وهو على كلّ شيءٍ قدير ... )) .
          هذه الكلمات نتذوق ما فيها من حلاوة ، ونرى ما عليها من طلاوة ، ألا تجد أنّ في كلّ جملة قصّة أو حكمة ، أو نظريّة علميّة ؟
          ألا ترى أنّ جملة (( ليسَ لقضائهِ دافعٌ ، ولا لعطائه مانعٌ )) تلخّص مسألة كلاميّة في غاية الدقّة ( القضاء والقدر ) ، وبحوثه الكلاميّة التي طال الحديث فيها بين أقطاب الأُمّة ، وافترقت على أساسها إلى ثلاث فرق أساسية ؟
          أمّا الجملة الثانية : (( ليسَ كصُنعهِ صُنعُ صانع )) فإنّها تحكي قصّة الخلق كلّه من الذّرة إلى المجرّة ؛ فإنّها كلّها مخلوقة له سبحانه ، وإذا أضفنا إليها الجملة التي بعدها فإنّها تزداد ألقاً ونوراً ، أعني قوله (عليه السّلام) : (( فَطَرَ أجناس البدائِع ، وأتقنَ بحكمتهِ الصنائعُ )) .
          نعم ، إنّه إبداع أوّل الخلق ؛ لأنّه جاء لا عن مثال سبقه . والفطر : الخلق الإبداعي الأوّل . فطرة الله : خلقته الأولى وإيجاده الأوّل الذي لا يمكن أن يكون إلاّ بحكمة بالغة ودقّة متناهية ، وإلاّ كان الخلق عبثاً والخالق لاعباً ـ والعياذ بالله ـ وهو الحكيم العليم القادر .

          وربّنا سبحانه وتعالى قال وهو أصدق القائلين : ( إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )، فكيف يشكر ما لا يُحصى .
          إذا كانت النعم لا تُحصى ، والشكر عليها لا يؤدّى ، ووصفها متعذّر لجهل معظمها ، فكيف لك أن تصف خالقها ، أو تعرف حقيقة بارئها ؟! هيهات هيهات ! لا يمكن لك ذلك مهما كنت من أصحاب العقول العملاقة ؛ لأنّك مهما بلغت ستبقى محدوداً وربّك مطلقاً ، فهل يمكن للمحدود أن يحيط علماً بالمطلق ؟
          [كلاّ ؛ ولذا قال الإمام الحسين (عليه السّلام) : ] (( يا مَنْ لا يعلم كيف هو إلاّ هو ، يا مَنْ لا يعلمُ ما هو إلاّ هو ، يا مَنْ لا يعلمُ ما يعلمهُ إلاّ هو ، يا مَنْ كبس الأرض على الماء ، وسدَّ الهواء بالسّماء ، يا مَنْ له أكرمُ الأسماء ، يا ذا المعروف الذي لا ينقطعُ أبداً )) .
          فالله سبحانه لا يُعرَف بالكيف ، ولا بالماهية الحقيقيّة ، ولا يعلم سرّه إلاّ هو ، فعلم ذلك لم يخرج منه إلى أحد من خلقه ؛ لأنّه لا يُحتمل ، ويتعذَّر على الإنسان الإحاطة أو المعرفة بالله تعالى ؛ ولذا جاء في الحديث الشريف : (( تفكّروا في خلقِ الله ، ولا تتفكّروا في ذات الله فتضلّوا )) .
          فالعلم بالله ، ومن الله ، ولكن لا أحد يعلم عن الله وصفاته ، أو أسمائه أو حتّى علمه إلاّ هو .
          2 ـ معرفة الخالق :
          قلنا : إنّ معرفة الخالق سبحانه متعذّرة ، إلاّ أنّه وصف نفسه القدّوسية ، ووضع لها أسماء مباركة ؛ لنتعامل معها في هذه الحياة ، وسمح لنا بمعرفة الأوصاف بما يقابلها في صفحات الوجود من انعكاسات وظلال نورانيّة .
          فعرفنا الاسم ِأو الصفة الجلالية أو الجمالية بالتجلّي على أرض الواقع فيما بيننا ، وإلاّ فإنّه سرّ مكنون مصون .
          فالله سبحانه معروف بالصفات ، ولا نصفه إلاّ بما وصف لنا نفسه ، وعلى الإنسان أن يعرف ربّه ، كما يقول المولى أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) : (( يا مولاي ، أنتَ الذي أنعمتَ ، أنتَ الذي أحسنتَ ، أنتَ الذي أجملتَ ، أنتَ الذي أفضلتَ ، أنت الذي مننتَ ، أنتَ الذي أكملتَ ، أنتَ الذي رزقتَ ، أنتَ الذي أعطيتَ ، أنتَ الذي أغنيتَ ، أنتَ الذي أقنيتَ ، أنتَ الذي آويتَ ، أنتَ الذي كفيتَ ، أنتَ الذي هديتَ ، أنتَ الذي عصمتَ ، أنتَ الذي سترتَ ، أنتَ الذي غفرتَ ، أنتَ الذي أقلتَ ، أنتَ الذي مكّنتَ ، أنتَ الذي أعززتَ ، أنتَ الذي أعنتَ ، أنتَ...

          الذي عضدتَ ، أنتَ الذي أيّدتَ ، أنتَ الذي نصرتَ ، أنتَ الذي شفيتَ ، أنتَ الذي عافيتَ ، أنتَ الذي أكرمتَ ، تبارَكتَ ربِّي وتَعَاَليتَ فلك الحمدُ دائماً ، ولك الشُّكر واصباً أبداً )) .
          تلك هي المعرفة الحقّة للخالق تعالى ، فهل تحتاج منّا إلى شرح أو تعليق أو توضيح ؟

          3 ـ معرفة النفس والاعتراف بالذنب :

          إنّ المعرفة الإنسانيّة عامّة وشاملة مهما كانت واسعة أو عميقة ، إلاّ الأولياء الكمّل من عباد الله المخلصين ، كمحمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ، فإنَّ علمهم لَدُنّيٌّ بتعليم المولى لهم كلّ العلوم التي تحتاجها البشرية ، ولم يَخْفَ عنهم إلاّ علم السّاعة كما في الروايات .
          أمّا الإنسان العادي فإنّ معرفته بنفسه يجب أن تكون أفضل المعارف لديه ، وربّنا سبحانه وتعالى يقول : ( بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) .

          إنّ أخبر الناس وأعلمهم بأنفسهم هم المؤمنون الذين أنار الله بصائرهم فكانوا على يقين من أمورهم كلّها ، وتراهم ينظرون بنور الله ، ويهتدون بآياته وكتابه الكريم ، ولكنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) يعلّمنا كيف ندعو ونعترف بالتقصير ؛ لأنّه لا أحد يعبد الله حقّ عبادته مهما جاهد فيه ؛ لذلك...

          يقول (عليه السّلام) في دعاء عرفة أيضاً : (( أنا يا إلهي المعترِفُ بِذُنوبي فاغفرها لي ، أنا الذي أخطأتُ ، أنا الذي هممتُ ، أنا الذي جَهِلتُ ، أنا الذي غفلتُ ، أنا الذي سَهوتُ ، أنا الذي اعْتمدتُ ، أنا الذي تعمَّدتُ ، أنا الذي وَعَدتُ ، أنا الذي أخلفتُ ، أنا الذي نَكثتُ ، أنا الذي أقررتُ ، أنا الذي أعترفُ بنعمتك عندي وأبوء بذنوبي فاغفْر لي ، يا مَنْ لا تضرُّهُ ذُنوبُ عباده وهوَ الغنيُّ عَنْ طاعَتِهمْ ، والموفِّقُ مَنْ عمَل منهم صالحاً بمعونَتهِ ورحمتهِ ، فلك الحمد إلهي وسيدي )) .

          والاعتراف بالذنب فضيلة ، والاعتراف بالتقصير يجبره ، والاعتراف بالخطأ اعتذار ، وعليك أن تعترف بذنبك أمام سيدك وتطلب منه الغفران ، وتقف بين يديه لتقرّ على نفسك بكلّ ما عملت ، وتطلب منه العفو عنك وإخلاءك من التبعات .
          ويقول : (( اللَّهُمَّ اجعلنا في هذا الوقت ممَّنْ سألكَ فأعطيته ، وشكركَ فزدتهُ ، وتابَ إليك فقبلتهُ ، وتنصَّلَ إليك مِنْ ذنوبه كُلِّها فغفرتها له ، يا ذا الجلال والإكرام )) .
          وذلك كلّه نابع من معرفتك بنفسك ، ويقينك من ذنبك ، ورحمة ربّك وواسع مغفرته ، من العبد الاعتراف بالذنب ، ومن الربّ الرحمة والغفران ، وكلّ يعمل على شاكلته .
          (( إلهي ، أنا الفقيرُ في غناي ، فكيف لا أكونُ فقيراً في فقري . إلهي ،أنا الجاهلُ في علمي فكيف لا أكونُ جهولاً في جهلي . إلهي ، إنَّ اختلافَ تدبيركَ وسُرعةَ طواء مقاديرك منعا عبادكَ العارفين بك عن السُّكون إلى عطاء واليأس منك في بلاءٍ . إلهي ، منّي ما يليقُ بلؤمي ، ومنكَ ما يليقُ بكرمكَ . إلهي ، وصفتَ نفسكَ باللُّطفِ والرّأفةِ لي قبلَ وجود ضعفي ، أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي ؟! إلهي ، إنْ ظهرتِ المحاسنُ منّي فبفضلكَ ولك المنَّةُ عليَّ ، وإنْ ظهرتِ المساوي منَّي فبعدلك ، ولكَ الحُجّةُ عليَّ )) .
          4 ـ لطائف ومعارف :
          إنّ العرفان هو لطائف نورانيّة تُقذف في القلوب المؤمنة ، فتلوح إشارات غامضة ، وتنطلق كلمات مبهمة لا يمكن شرحها أو تفسيرها ، أو ربما يصعب فهمها على غير أصحاب القلوب الرقيقة ، والعقول العميقة ، والأفكار الدقيقة .
          ومن هذه اللفتات الرفيقة في دعاء الإمام الحسين (عليه السّلام) الذي نحن في رحابه قوله (عليه السّلام) : (( إلهي ، هذا ذُلّي ظاهرٌ بينَ يديكَ ، وهذا حالي لا يخفى عليكَ ، منكَ أطلُبُ الوصولَ إليك ، وبكَ أستدلُّ عليك ، فاهْدني بنوركَ إليكَ ، وأقمني بصدق العبوديَّة بين يديك . إلهي ، عَلَّمني من علمك المخزون ، وصُنّي بستركَ المصون . إلهي ، حقّقني بحقائق أهل القُربِ واسلُك بي مسلك أهلِ الجّذب . إلهي ، أغنني بتدبيرك عنْ تدبيري ، وباختياركَ عن اختياري ، وأوقفني على مراكز اضطراري . إلهي ، أخرجني من ذُلِّ نفسي ، وطهِّرني من شكّي وشركي قبلَ حلول رمسي . إلهي ، تقدّس رضاكَ أن يكون له علةٌ منكَ فكيف يكونُ له علّةُ منِّي ؟! إلهي أنتَ الغنيُّ بذاتِكَ أنْ يَصِلَ إليكَ النَّفعُ منكَ فكيفَ لا تكونُ غنيّاً عنّي ؟!
          أنت الذي أشْرقتَ الأنوارَ في قلوب أوليائكَ حتّى عرفوكَ ووحَّدوك ، وأنتَ الذي أزلتَ الأغبارَ عنْ قلوبِ أحبائكَ حتّى لم يُحبّوا سواكَ ولمْ يلجأوا إلى غيركَ ، أنتَ المؤنسُ لهم حيثُ أوْحَشَتهمُ العوالمُ ، وأنتَ الذي هديتهُمْ حيثُ استبانتْ لهمُ المعالمُ ، ماذا وجد مَنْ فقدك وما الذي فقد مَنْ وجدك ؟ لقد خابَ منْ رضيَ دونكَ بدلاً ، ولقدْ خسِرَ مَنْ بغى عنكَ مُتحوَّلاً )) .
          هذه العبارات النوارنيّة ، وهذه الكلمات المضيئة ، واشرحها في نفسك ونوّر بها قلبك . وفي نهاية الدعاء الشريف يقول الإمام (عليه السّلام) : (( يا مَنْ استوى برحمانيَّته فصارَ العرشُ غيباً في ذاته ، محقْتَ الآثار بالآثارِ ، ومحوتَ الأغبار بمُحيطات أفلاكِ الأنوار ، يا مَنْ احتجبَ في سُرادقاتِ عرشهِ عن أنْ تُدركهُ الأبصارُ ، يا مَنْ تجلّى بكمال بهائهِ فتحقّقتْ عظمتُهُ ( من ) الاستواء ، كيفَ تخفى وأنتَ الظاهرُ ، أم كيف تغيبُ وأنتَ الرَّقيب الحاضرُ ؟ إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، والحمدُ لله وحده )) .
          هذه أنوار الوحي التعليق ، بل التعلُّق بهذه المعاني واللطائف التي احتوتها كلمات المولى أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) .







          الملفات المرفقة

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X