تأثر الكائنات وتغيّرها في بعض الحوادث
ومما يدلنا دلالة واضحة على إدراك وشعور سائر الكائنات هو ما يحدث فيها من تأثر وتغيّر واضح بسبب وقوع بعض الحوادث المهمة وهي كثيرة ومنها.
الآثار الكونية عند ولادة النبي (صلى الله عليه و آله)
ما حدث من الآثار العجيبة عند ولادة النبي(صلى الله عليه و آله) في الآفاق وفي الجمادات ممّا تواتر واشتهر في التاريخ، وورد عن بعض أئمة الهدى(عليهم السلام) ونكتفي بذكر حديثين واحد عما جاء عن علي أمير المؤمنين(عليه السلام) انه قال: ان محمّداً(صلى الله عليه و آله) لمّا سقط من بطن أمه سقط واضعاً يده اليسرى على الأرض، رافعاً يده اليمنى إلى السماء، ويحرّك شفتيه يالتوحيد، وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بُصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اصطخر وما يليها(73).
ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي(صلى الله عليه و آله) حتى فزعت الجن والإنس والشياطين وقالوا: لقد حدث في الأرض حدث، ولقد رأت "الشياطين" الملائكة ليلة وُلِدَ تصعد وتنزل وتسبّح وتقدس وتضطرب النجوم وتتساقط علامات لميلاده(صلى الله عليه و آله) ، ولقد همّ إبليس بالضعن إلى السماء لمّا رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا الأعاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع فأذاهم قد حجبوا من السموات كلّها، ورموا بالشهب دلالة لنبوته(صلى الله عليه و آله) (74).
والحديث الثاني جاء مسنداً عن الإمام أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) انه قال: كان إبليس لعنه الله يخترق السموات السبع، فلما ولد عيسى(عليه السلام) حُجِب عن ثلاث سموات، وكان يخترق أربع سموات، فلما ولد رسول الله (صلى الله عليه و آله) حُجِب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كّنا نسمع أهل الكتب يذكرونه، وقال عمرو بن أمية – وكان من أزجر أهل الجاهلية – أي أكثرهم معرفةً بالكهانة والقيافة، قال: انظروا هذهِ النجوم التي يهتدى بها،ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر قد حدث، وأصبحت الأصنام كلها – صبيحة ولد النبي (صلى الله عليه و آله) – وليس منها صنمٌ إلاّ وهو منكبٌ على وجهه، وارتجس(75) – في تلك الليلة – إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، أي غار ماؤها وذهب، وفاض وادي السماوة، "وهي فلاة بالبادية تتصل بالشام، فاض الماء فيها" وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الُموَبذان - "وهو فقيه الفرس وحاكم المجوس" في تلك الليلة في المنام – إبلاً صعاباً تقود خيلاً عرباً "أي خيلاً كرائماً سالمة" قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم "أي دخلت في بلادهم" وأنقصم طاق كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، "أي ان كسرى كان قد بنى على دجلة بناء (سداً) وطمّ بعضها فانخرق ذلك البناء (أي السد) ودخلت دجلة عليه"، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، ولم يبق سريرٌ لِملك من ملوك الدنيا إلا وأصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها، وعُظّمت قريش وسمّوا آل الله عَزّ وجَلّ، قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): إنما سمّوا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام.
وقالت آمنة: إنّ ابني والله سقط فأتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منّي نورٌ أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلاً يقول: إنك قد ولدتِ سيد الناس فسميّه محمّداً، وأُتيَ به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه آمنة، فأخذه فوضعه في حجره ثم قال:
الحمد للهِ الذي أعطاني*** هذا الغلام الطيب الأردانِ(76)
قد ساد في الهدى على الغلمانِ
ثم عوّذه بأركان الكعبة، وقال فيه أشعاراً، قال الإمام(عليه السلام): وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ قال: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذُ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم(عليه السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئاً، فقال إبليس: أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظاً بالملائِكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع، ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل: وراءَك لعنك الله، فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذُ الليلة في الأرض؟ فقال له ولد محمّد(صلى الله عليه و آله) فقال إبليس: هل لي فيه نصيب؟ قال:لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم، قال: رضيت(77).
حادثة الطف المفجعة، وآثارها في الكون
ومن الحوادث المهمة التي ظهرت فيها التأثرات الكونية حادثة الطف المفجعة التي قتل فيها الحسين ومن معه من أهل بيته وأصحابه، وسبيت عياله وأطفاله.
حيث انقلب العالم بأسره انقلاباً هائلاً، وتأثراً ملحوظاً في العالمين العلَوي والسفلي، فبكته السماء والأرض بكاءً ما بكته على أحدٍ قبله ولا بعده من نبيٍ أو وصي(78).
بل أبكت مصيبته جميع أنواع المخلوقات من ملك وفلك، وجمادٍ ونبات وسائر الحيوان من أنسٍ وجان، وأثّرت فيها أثراً محسوساً مشاهداً لدى أهل ذلك الزمان، وخلّد لنا التاريخ ذكر الأثر العظيم، وتسالم عليه الفريقان من الخاصة والعامة كخسوف القمر وكسوف الشمس (أي غياب نورهما على غير مجاري العادة الطبيعية) بحيث رؤيت النجوم نهاراً، وكمطر السماء دماً وتراباً أحمر بحيث بقي أثره في الثياب حتّى تقطعت، وكتساقط الكواكب وظهور الحمرة في السماء واسودادها، وكتفجر الأرض دماً عبيطاً بحيث ما رفع حجر منها إلاّ وخرج تحته دم عبيطاً، وسيلان حيطانها دماً، ونبوع الدم من الشجر، وكنوح الجن وبكائها الذي سمعته أم سلمة وغيرها، إلى غير ذلك من انقلاب الورس – وهو نبات كالسمسم يصبغ به – رماداً واللحم علقماً، وهذا كلّه قد اتّفق الفريقان على وقوعه(79).
ونظمه الأدباء في تابينهم لسيد الشهداء فقال الشيخ صالح التميمي:
وقل بقتيل قد بكته السماء دماً*** عبيطاً فما قدر الدموع السواجمِ
وناحت عليه الجن حتى بدا لها*** حنين تحاكيه رعود الغمائمِ
وقال الشيخ صالح العرندسي:
إمام بكته الإنس والجن والسما*** ووحش الفلا والطير والبر والبحرُ
وهذا بعض ما شوهد – يومئذٍ للناس – وما خفي عليهم أعظم ممّا أوحاه الله العليم الخبير إلى رسوله الصادق الأمين وأخبر به(صلى الله عليه و آله) أهل بيته وغيرهم، ومن ذلك ما جاء في الحديث المعروف بحديث أمّ أيمن (رض) وهو حديث طويل أخبر الله به رسوله(صلى الله عليه و آله) على لسان جبرئيل بما يصاب به أهل بيته عامة، وما يصاب به أمير المؤمنين والحسين(عليهما السلام) خاصة، فجاء في هذا الحديث ان جبرئيل قال للنبي(صلى الله عليه و آله) فيما قال له:
يا محمّد إنّ أخاك "يعني علياً أمير المؤمنين(عليه السلام) " مضطهدٌ بعدك، مغلوب على اُمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقى البرية يكون نظير عاقر الناقة، ببلدٍ تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم ثم قال جبرئيل: وان سبطك هذا – وأومأ بيده إلى الحسين(عليه السلام) – مقتول في عصابهٍ من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بكربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة يقتل فيها سبطك وأهله، وإنها من بطحاء الجنة، ثم قال:
فإذا كان اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت بهم كتائب الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها، ومادت الجبال وكثر اضطرابها، واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السموات بأهلها غضباً لك يا محمّد ولذريتك، واستعظاماً لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافأ به ذريتك وعترتك، ولا يبقى شيء من ذلك إلاّ أستأذن الله عَزّ وجَلّ في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك.
فيوحي الله إلى السموات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن "وما فيهن": إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام، وعزتي وجلالي لاعذبنّ مَن وتر رسولي وصفيّي وانتهك حرمته، وقتل عترته، ونبذ عهده، وظلم أهل بيته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فعند ذلك يضجّ كل شيءٍ في السموات والأرض بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك…الخ(80).
من الشهود على بعض الناس الحجر الأسود
ومن الشهود عند الحساب يوم القيامة على بعض الناس الحجر الأسود الذي جاء به آدم من الجنة، فوضعه على أحد أركان البيت الحرام ليستلمه الناس، وهو أول حجرٍ وضع على وجه الأرض، وكان أشدَّ بياضاً من الثلج فأسود من خطايا بني آدم(81).
وهذا الحجر المقدس يشهد يوم القيامة لكلّ مَن وافاه مخلصاً بتوحيد الله عَزّ وجَلّ، أوغير مخلص، وقد جاءت بذلك عدة أحاديث عن النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) نذكر بعضها.
منها ما رواه الصدوق في (علل الشرائع) بسنده عن ابن عباس انّ النبي(صلى الله عليه و آله) قال لعائشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلما الركن وبلغا إلى الحجر قال: يا عائشة لولا ما طبع الله على هذا الحجر من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذاً لاستُشْفيَ به من كلّ عاهة، "إلى أن قال": وان الركن يمين الله تعالى في الأرض وليبعثنه الله يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان، ولينطقنّه الله يوم القيامة بلسان طلق ذلق يشهد لمن استلمه بحق…الخ.
وفي حديث آخر مسندٍ عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): طوفوا بالبيت واستلموا الركن، فإنه يمين الله في أرضه يصافح بها خلقه مصافحة العبيد أو الدخيل، ويشهد لمن استلمه بالموافاة(82).
وفي حديث روته السنن والمسانيد وكتب التاريخ من الفريقين مسنداً عن أبي سعيد الخدري (رض) انه قال: حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قبّلك ما قبّلتك.
فقال له علي بن أبي طالب: بلى انه يضر وينفع، قال: بمَ؟ قال بكتاب الله تبارك وتعالى، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قال الله عَزّ وجَلّ: )وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى( (الأعراف/173).
ثم قال(عليه السلام): خلق الله آدم ومسح على ظهره، "أي قررا رواح ذريته"، بأنه الرب وانهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رقٍ، وكان لهذا الحجر عينان ولسان فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، وقال: إشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة.
واني أشهد لسمعت رسول الله(صلى الله عليه و آله) يقول: يُوتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد، فهو يضر وينفع، فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قومٍ لست فيهم يا أبا الحسن(83).
الطريق الثالث من ينابيع علم الأئمة
حديث الملائِكة معهم(عليهم السلام)
قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض خطبه: نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائِكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدّونا ينتظر السطوة(84).
قول أمير المؤمنين(عليه السلام): نحن شجرة النبوة، يشير إلى حديث الشجرة الشهير والمتواتر عن النبي(صلى الله عليه و آله) (85).
أمّا قوله(عليه السلام): ومحط الرسالة، ومختلف الملائِكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، فيشير بهذهِ النصوص إلى ما تزوِدّهم به الملائِكة عن الله عَزّ وجَلّ، وعن رسوله(صلى الله عليه و آله) من أنواع العلوم والحكم في مخلف الأوقات ومنها عرض الملائِكة عليهم(عليهم السلام) صحائف أعمال العباد صباحاً ومساءً وفي الأسبوع مرتين، وعند حضور أجل كل إنسان كما مّر.
ومما يدلنا دلالة واضحة على إدراك وشعور سائر الكائنات هو ما يحدث فيها من تأثر وتغيّر واضح بسبب وقوع بعض الحوادث المهمة وهي كثيرة ومنها.
الآثار الكونية عند ولادة النبي (صلى الله عليه و آله)
ما حدث من الآثار العجيبة عند ولادة النبي(صلى الله عليه و آله) في الآفاق وفي الجمادات ممّا تواتر واشتهر في التاريخ، وورد عن بعض أئمة الهدى(عليهم السلام) ونكتفي بذكر حديثين واحد عما جاء عن علي أمير المؤمنين(عليه السلام) انه قال: ان محمّداً(صلى الله عليه و آله) لمّا سقط من بطن أمه سقط واضعاً يده اليسرى على الأرض، رافعاً يده اليمنى إلى السماء، ويحرّك شفتيه يالتوحيد، وبدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بُصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اصطخر وما يليها(73).
ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي(صلى الله عليه و آله) حتى فزعت الجن والإنس والشياطين وقالوا: لقد حدث في الأرض حدث، ولقد رأت "الشياطين" الملائكة ليلة وُلِدَ تصعد وتنزل وتسبّح وتقدس وتضطرب النجوم وتتساقط علامات لميلاده(صلى الله عليه و آله) ، ولقد همّ إبليس بالضعن إلى السماء لمّا رأى من الأعاجيب في تلك الليلة، وكان له مقعد في السماء الثالثة، والشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا الأعاجيب أرادوا أن يسترقوا السمع فأذاهم قد حجبوا من السموات كلّها، ورموا بالشهب دلالة لنبوته(صلى الله عليه و آله) (74).
والحديث الثاني جاء مسنداً عن الإمام أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) انه قال: كان إبليس لعنه الله يخترق السموات السبع، فلما ولد عيسى(عليه السلام) حُجِب عن ثلاث سموات، وكان يخترق أربع سموات، فلما ولد رسول الله (صلى الله عليه و آله) حُجِب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كّنا نسمع أهل الكتب يذكرونه، وقال عمرو بن أمية – وكان من أزجر أهل الجاهلية – أي أكثرهم معرفةً بالكهانة والقيافة، قال: انظروا هذهِ النجوم التي يهتدى بها،ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر قد حدث، وأصبحت الأصنام كلها – صبيحة ولد النبي (صلى الله عليه و آله) – وليس منها صنمٌ إلاّ وهو منكبٌ على وجهه، وارتجس(75) – في تلك الليلة – إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، أي غار ماؤها وذهب، وفاض وادي السماوة، "وهي فلاة بالبادية تتصل بالشام، فاض الماء فيها" وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الُموَبذان - "وهو فقيه الفرس وحاكم المجوس" في تلك الليلة في المنام – إبلاً صعاباً تقود خيلاً عرباً "أي خيلاً كرائماً سالمة" قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم "أي دخلت في بلادهم" وأنقصم طاق كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، "أي ان كسرى كان قد بنى على دجلة بناء (سداً) وطمّ بعضها فانخرق ذلك البناء (أي السد) ودخلت دجلة عليه"، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، ولم يبق سريرٌ لِملك من ملوك الدنيا إلا وأصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها، وعُظّمت قريش وسمّوا آل الله عَزّ وجَلّ، قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): إنما سمّوا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام.
وقالت آمنة: إنّ ابني والله سقط فأتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منّي نورٌ أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلاً يقول: إنك قد ولدتِ سيد الناس فسميّه محمّداً، وأُتيَ به عبد المطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه آمنة، فأخذه فوضعه في حجره ثم قال:
الحمد للهِ الذي أعطاني*** هذا الغلام الطيب الأردانِ(76)
قد ساد في الهدى على الغلمانِ
ثم عوّذه بأركان الكعبة، وقال فيه أشعاراً، قال الإمام(عليه السلام): وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ قال: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذُ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم(عليه السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئاً، فقال إبليس: أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظاً بالملائِكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع، ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل: وراءَك لعنك الله، فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذُ الليلة في الأرض؟ فقال له ولد محمّد(صلى الله عليه و آله) فقال إبليس: هل لي فيه نصيب؟ قال:لا، قال: ففي أمته؟ قال: نعم، قال: رضيت(77).
حادثة الطف المفجعة، وآثارها في الكون
ومن الحوادث المهمة التي ظهرت فيها التأثرات الكونية حادثة الطف المفجعة التي قتل فيها الحسين ومن معه من أهل بيته وأصحابه، وسبيت عياله وأطفاله.
حيث انقلب العالم بأسره انقلاباً هائلاً، وتأثراً ملحوظاً في العالمين العلَوي والسفلي، فبكته السماء والأرض بكاءً ما بكته على أحدٍ قبله ولا بعده من نبيٍ أو وصي(78).
بل أبكت مصيبته جميع أنواع المخلوقات من ملك وفلك، وجمادٍ ونبات وسائر الحيوان من أنسٍ وجان، وأثّرت فيها أثراً محسوساً مشاهداً لدى أهل ذلك الزمان، وخلّد لنا التاريخ ذكر الأثر العظيم، وتسالم عليه الفريقان من الخاصة والعامة كخسوف القمر وكسوف الشمس (أي غياب نورهما على غير مجاري العادة الطبيعية) بحيث رؤيت النجوم نهاراً، وكمطر السماء دماً وتراباً أحمر بحيث بقي أثره في الثياب حتّى تقطعت، وكتساقط الكواكب وظهور الحمرة في السماء واسودادها، وكتفجر الأرض دماً عبيطاً بحيث ما رفع حجر منها إلاّ وخرج تحته دم عبيطاً، وسيلان حيطانها دماً، ونبوع الدم من الشجر، وكنوح الجن وبكائها الذي سمعته أم سلمة وغيرها، إلى غير ذلك من انقلاب الورس – وهو نبات كالسمسم يصبغ به – رماداً واللحم علقماً، وهذا كلّه قد اتّفق الفريقان على وقوعه(79).
ونظمه الأدباء في تابينهم لسيد الشهداء فقال الشيخ صالح التميمي:
وقل بقتيل قد بكته السماء دماً*** عبيطاً فما قدر الدموع السواجمِ
وناحت عليه الجن حتى بدا لها*** حنين تحاكيه رعود الغمائمِ
وقال الشيخ صالح العرندسي:
إمام بكته الإنس والجن والسما*** ووحش الفلا والطير والبر والبحرُ
وهذا بعض ما شوهد – يومئذٍ للناس – وما خفي عليهم أعظم ممّا أوحاه الله العليم الخبير إلى رسوله الصادق الأمين وأخبر به(صلى الله عليه و آله) أهل بيته وغيرهم، ومن ذلك ما جاء في الحديث المعروف بحديث أمّ أيمن (رض) وهو حديث طويل أخبر الله به رسوله(صلى الله عليه و آله) على لسان جبرئيل بما يصاب به أهل بيته عامة، وما يصاب به أمير المؤمنين والحسين(عليهما السلام) خاصة، فجاء في هذا الحديث ان جبرئيل قال للنبي(صلى الله عليه و آله) فيما قال له:
يا محمّد إنّ أخاك "يعني علياً أمير المؤمنين(عليه السلام) " مضطهدٌ بعدك، مغلوب على اُمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقى البرية يكون نظير عاقر الناقة، ببلدٍ تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم ثم قال جبرئيل: وان سبطك هذا – وأومأ بيده إلى الحسين(عليه السلام) – مقتول في عصابهٍ من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بكربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة يقتل فيها سبطك وأهله، وإنها من بطحاء الجنة، ثم قال:
فإذا كان اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت بهم كتائب الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها، ومادت الجبال وكثر اضطرابها، واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السموات بأهلها غضباً لك يا محمّد ولذريتك، واستعظاماً لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافأ به ذريتك وعترتك، ولا يبقى شيء من ذلك إلاّ أستأذن الله عَزّ وجَلّ في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك.
فيوحي الله إلى السموات والأرض والجبال والبحار ومن فيهن "وما فيهن": إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام، وعزتي وجلالي لاعذبنّ مَن وتر رسولي وصفيّي وانتهك حرمته، وقتل عترته، ونبذ عهده، وظلم أهل بيته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فعند ذلك يضجّ كل شيءٍ في السموات والأرض بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك…الخ(80).
من الشهود على بعض الناس الحجر الأسود
ومن الشهود عند الحساب يوم القيامة على بعض الناس الحجر الأسود الذي جاء به آدم من الجنة، فوضعه على أحد أركان البيت الحرام ليستلمه الناس، وهو أول حجرٍ وضع على وجه الأرض، وكان أشدَّ بياضاً من الثلج فأسود من خطايا بني آدم(81).
وهذا الحجر المقدس يشهد يوم القيامة لكلّ مَن وافاه مخلصاً بتوحيد الله عَزّ وجَلّ، أوغير مخلص، وقد جاءت بذلك عدة أحاديث عن النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) نذكر بعضها.
منها ما رواه الصدوق في (علل الشرائع) بسنده عن ابن عباس انّ النبي(صلى الله عليه و آله) قال لعائشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلما الركن وبلغا إلى الحجر قال: يا عائشة لولا ما طبع الله على هذا الحجر من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذاً لاستُشْفيَ به من كلّ عاهة، "إلى أن قال": وان الركن يمين الله تعالى في الأرض وليبعثنه الله يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان، ولينطقنّه الله يوم القيامة بلسان طلق ذلق يشهد لمن استلمه بحق…الخ.
وفي حديث آخر مسندٍ عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه و آله): طوفوا بالبيت واستلموا الركن، فإنه يمين الله في أرضه يصافح بها خلقه مصافحة العبيد أو الدخيل، ويشهد لمن استلمه بالموافاة(82).
وفي حديث روته السنن والمسانيد وكتب التاريخ من الفريقين مسنداً عن أبي سعيد الخدري (رض) انه قال: حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قبّلك ما قبّلتك.
فقال له علي بن أبي طالب: بلى انه يضر وينفع، قال: بمَ؟ قال بكتاب الله تبارك وتعالى، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قال الله عَزّ وجَلّ: )وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى( (الأعراف/173).
ثم قال(عليه السلام): خلق الله آدم ومسح على ظهره، "أي قررا رواح ذريته"، بأنه الرب وانهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رقٍ، وكان لهذا الحجر عينان ولسان فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، وقال: إشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة.
واني أشهد لسمعت رسول الله(صلى الله عليه و آله) يقول: يُوتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد، فهو يضر وينفع، فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قومٍ لست فيهم يا أبا الحسن(83).
الطريق الثالث من ينابيع علم الأئمة
حديث الملائِكة معهم(عليهم السلام)
قال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض خطبه: نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائِكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدّونا ينتظر السطوة(84).
قول أمير المؤمنين(عليه السلام): نحن شجرة النبوة، يشير إلى حديث الشجرة الشهير والمتواتر عن النبي(صلى الله عليه و آله) (85).
أمّا قوله(عليه السلام): ومحط الرسالة، ومختلف الملائِكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، فيشير بهذهِ النصوص إلى ما تزوِدّهم به الملائِكة عن الله عَزّ وجَلّ، وعن رسوله(صلى الله عليه و آله) من أنواع العلوم والحكم في مخلف الأوقات ومنها عرض الملائِكة عليهم(عليهم السلام) صحائف أعمال العباد صباحاً ومساءً وفي الأسبوع مرتين، وعند حضور أجل كل إنسان كما مّر.
تعليق