لماذا سميت معركة بدر، يوم الفرقان؟
الجواب
هذه الليلة القادمة هي ذكرى وقعة بدر، أوَّلِ معركة فاصلة بين الإسلام والكفر، ويومها يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان كما في كتاب الله عز وجل، وكل انتصارات الإسلام بعدها تتفرع عليها، وتستمد منها العزيمة الصادقة وتستضيء بنورها.
كانت وقعة بدر في السنة الثانية للهجرة، وقد سميت باسم المنطقة التي حصلت المواجهة فيها بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله، وبين قريش بكل خيلائها وجبروتها، وهي منطقة تقع على بعد حوالي مائة وسبعين كيلو متراً عن المدينة باتجاه مكة، وتبعد عن مكة حوالي مائتين وثلاثين كيلو متراً.
وكانت هذه المنطقة في طريق قوافل قريش التي كانت تسيَّر بانتظام بين مكة والشام، وهو مايعني أنها كانت ممراً حيوياً بل واستراتيجياً لتجارة قريش التي تشكل عصب حياتها الإقتصادية وبالتالي السياسية.
طيلة ثلاثة عشر عاماً من بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله، بذل عتاة مكة كل ما أمكنهم لإطفاء نور الله تعالى، فلم يزدد الإسلام إلا توهجاً.
صبر المسلمون على الأذى، وصمدوا أمام التحديات التي تُوِّجت بحصار الشعب والذي استمر أكثر من ثلاث سنوات.
ومن الواضح أن قريشاً كانت ماضية قُدماً في تصعيد خطواتها ضد الإسلام لمنع انتشاره، بل وأوغلت في تنفيذ ذلك إلى حد المحاولات المتكررة لقتل رسول الله صلى الله عليه وآله، الأمر الذي أدى إلى هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة في ظروف حتّمت هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله.
وقد واصلت قريش عدوانها على الرسول والرسالة حتى بعد الهجرة، محاولة استغلال نفوذها وهيمنتها على العرب وعلاقاتها باليهود في المدينة، بالإضافة إلى محاولات الإغتيال المتكررة التي خُطط لها في مكة، واستهدفت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو في المدينة المنورة.
لقد احتضنت المدينة الإسلام في ظروف سياسية بالغة التعقيد تتشابك في رسمه عناصر أربعة: الصراع القبلي الحاد بين الأوس والخزرج، والحضور اليهودي الفاعل، وضغوط قريش على أهل المدينة بهدف منعهم من التحالف مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وسرعان مابرزت محاولات النصارى لاختراق الجبهة الداخلية للمدينة عبر أبي عامر الراهب ومسجد الضرار.
وقد حرصت قريش على زرع العقبات في طريق بناء نواة الكيان السياسي الإسلامي، من خلال توظيف ثقلها السياسي في المدينة لتأليب الأطراف على رسول الله صلى الله عليه وآله.
كان ذلك يعني أن المعركة مستمرة بين الإسلام وقريش، ولو بصيغة" الحرب الباردة" وكان استمرار قريش قي الإفادة من ممرها الحيوي على مقربة من المدينة المنوِّرة، يتيج لها مواصلة تآمرها من موقع المتمكن من زمام الأمور في شبه الجزيرة، كما كان حرمانها من هذا الممر الحيوي الآمن يشكل أول رد جذري على مسيرتها العدوانية الحافلة والتي أخذت منحىً تصاعدياًمنذ إعلان الدعوة، ولم تكن المدينة بمنطق موازين القوى عقبة أمام جبروت قريش، الأمر الذي يعني بجلاء أن غزو المدينة كان الخيار المتعين في حال فشل الأساليب الأخرى السياسية والأمنية.
في هذا السياق جاء تصدي المسلمين بقيادة المصطفى لجبروت قريش عبر استهداف قافلتها التي كانت قادمة من الشام بقيادة أبي سفيان، رداً على هذا العدوان المستمر بما يسهم في إضعافه ويفرض معادلة جديدة تمكن الدعوة من شق طريقها بالكلمة والموعظة الحسنة والتأسيس لحماية ذلك بالقوة حين تدعو الحاجة.
وقد تطور الموقف بسرعة متوقعة لأن "أم القرى" مركز الثقل السياسي والعسكري في الجزيرة العربية آنذاك لم تكن تتحمل قيام كيانٍ سياسي بقيادة " محمد والصُّباة معه".
قرأت قريش الموقف بأبعاده، واستنفرت كل طاقتها الهجومية – دون حلفائها- وخرج كل عتاتها ماعدا أبا لهب الذي مات بالطاعون بعد بدر بفترة وجيزة، لشن هجوم أرادته حاسماً ونهائياً.
وفي المقابل لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وآله بكل ثقله العسكري. كأن الله تعالى أراد استدراج كل قريش ليقتلها بصفوة مختارة هي من شهد المعركة وكشفت مواقفه يقينه، وشارك فيها.
وكأن الله تعالى أراد أن تكون المعركة الأولى بين الإسلام والكفر غير متكافئة مادياً.
مناهل الرجاء / الشيخ حسين كوراني.
اترك تعليق: