اللهم صل على محمد وآل محمد
قال : ولما أنزل الله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) قام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) على الصفا ونادى في أيام الموسم : يا أيها الناس إني رسول الله ربّ العالمين ، فرمقه الناس بأبصارهم ، قالها ثلاثًا ، ثم انطلق حتى أتى المروة ثم وضع يده في أذنه ثم نادى ثلاثًا بأعلى صوته: يا أيها الناس إنّي رسول الله ، ثلاثًا فرمقه الناس بأبصارهم ، ورماه أبو جهل (قبّحه الله) بحجر فشجّ بين عينيه ، وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتى أتى الجبل فاستند إلى موضع يقال له: المتكأ، وجاء المشركون في طلبه، وجاء رجل إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: يا علي قد قتل محمد.
فانطلق إلى منزل خديجة - رضي الله عنها - فدق الباب فقالت خديجة : من هذا؟
قال: أنا علي.
قالت: يا علي ما فعل محمد؟
قال: لا أدري، إلا أنّ المشركين قد رموه بالحجارة، وما أدري أحيّ هو أم ميت، فأعطيني شيئًا فيه ماء، وخذي معك شيئا من هيس [الحيس : الخلط وتمر يخلط بسمن واقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق ] وانطلقي بنا نلتمس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فإنّا نجده جائعًا عطشانًا، فمضى حتى جاز الجبل، وخديجة معه، فقال علي: يا خديجة استبطني الوادي حتى أستظهره [يعني فتشي بطن الوادي وهي الجهة السفلية منه، وأنا أفتش الجهة العلوية] ، فجعل ينادي : يا محمداه، يا رسول الله، نفسي لك الفداء في أي وادٍ أنت ملقى؟
وجعلت خديجة تنادي: من أحسّ لي النبي المصطفى؟ من أحسّ لي الربيع المرتضى؟ من أحسّ لي المطرود في الله؟ من أحسّ لي أبا القاسم؟
وهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فلما نظر إليه النبي (صلّى الله عليه وآله) بكى وقال: ما ترى ما صنع بي قومي؟ كذبوني وطردوني وخرجوا عليّ.
فقال: يا محمد، ناولني يدك فأخذ يده فأقعده على الجبل، ثم أخرج من تحت جناحه درنوكا من درانيك الجنة [ نوع من البسط له خمل] منسوجًا بالدر والياقوت، وبسطه حتى جلل به جبال تهامة، ثم أخذ بيد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى أقعده عليه، ثم قال له جبرئيل: يا محمد أتريد أن تعلم كرامتك على الله؟
قال: نعم.
قال: فادع إليك تلك الشجرة تجبك، فدعاها فأقبلت حتى خرت بين يديه ساجدة، فقال: يا محمد، مرها ترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها ، وهبط عليه إسماعيل حارس السماء الدنيا فقال: السلام عليك يا رسول الله ، قد أمرني ربي أن أطيعك ، أفتأمرني أن أنثر عليهم النجوم فأحرقهم.
وأقبل ملك الشمس فقال: السلام عليك يا رسول الله، أتأمرني أن آخذ عليهم الشمس فأجمعها على رؤوسهم فتحرقهم.
وأقبل ملك الأرض فقال: السلام عليك يا رسول الله، إنّ الله عزّ وجلّ قد أمرني أن أطيعك ، أفتأمرني أن آمر الأرض فتجعلهم في بطنها كما هم على ظهرها؟
وأقبل ملك الجبال فقال: السلام عليك يا رسول الله، إنّ الله قد أمرني أن أطيعك ، أفتأمرني أن آمر الجبال فتنقلب عليهم فتحطمهم؟
وأقبل ملك البحار فقال: السلام عليك يا رسول الله، قد أمرني ربى أن أطيعك، أفتأمرني أن آمر البحار فتغرقهم؟
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : قد أمرتم بطاعتي؟
قالوا: نعم ، فرفع رأسه إلى السماء ونادى: إني لم أبعث عذابًا ، إنما بعثت رحمة للعالمين ، دعوني وقومي فإنهم لا يعلمون.
ونظر جبرئيل (عليه السلام) إلى خديجة تجول في الوادي، فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى خديجة قد أبكت لبكائها ملائكة السماء؟ ادعها إليك فاقرئها مني السلام، وقل لها: انّ الله يقرئك السلام، وبشرّها أنّ لها في الجنة بيتًا من قصب [القصب في هذا الحديث : لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف . والقصب من الجوهر : ما استطال منه في تجويف] ، لا نصب فيه ولا صخب [الصخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام]. لؤلؤا مكللا بالذهب ، فدعاها النبي (صلّى الله عليه وآله) والدماء تسيل من وجهه على الأرض، وهو يمسحها ويردّها.
قالت: فداك أبي وأمي دع الدمع يقع على الأرض.
قال: أخشى أن يغضب ربّ الأرض على من عليها.
فلما جنّ عليهم الليل انصرفت خديجة (رضي الله عنها) ورسول الله (صلّى الله عليه وآله ) وعلي (عليه السلام) ودخلت به منزلها، فأقعدته على الموضع الذي فيه الصخرة، وأظلته بصخرة من فوق رأسه، وقامت في وجهه تستره ببُردها ، وأقبل المشركون يرمونه بالحجارة ، فإذا جاءت من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة ، وإذا رموه من تحته وقته الجدران الحيط ، وإذا رمي من بين يديه وقته خديجة (رضي الله عنها) بنفسها ، وجعلت تنادي يا معشر قريش ترمى الحرة في منزلها؟
فلما سمعوا ذلك انصرفوا عنه، وأصبح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وغدا إلى المسجد يصلي.
----------------------
المصدر: بحار الأنوار 18 : 241.
.
تعليق