إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثمالي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح فقرات من دعاء أبي حمزة الثمالي

    • (إلهي, لا تؤدّبني بعقوبتك, ولا تمكر بي في حيلتك. من أينَ لي الخيرُ يا ربّ ولا يوجدُ إلّا من عندك؟! ومنْ أينَ ليَ النجاة ولا تُستطاعُ إلاّ بك؟! لا الذي أَحسنَ استغنى عن عَونك ورحمتك, ولا الذي أَساءَ واجترأَ عليك ولمْ يُرضك خرجَ عن قدرتك).
    • بيان قوله : إلهي لا تؤدبني بعقوبتك
    • (إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك) أي: يا إلهي, لا تقُم بتأديبي من خلال العقوبة, ولا تجعل العقوبة أُسلوباً لتأديبي!
    • (ولا تمكر بي في حيلتك) أي: لا تمكر بي ولا تخدعني بما لديك من حذاقة رقابة وإشراف على أموري.
    • ويستفاد من ذلك أنّ من الممكن أنْ يؤدّب الله العليّ الأعلى الإنسانَ عن طريق العقوبة, كما يمكن أنْ يقوم بحيلة تجاه الإنسان, وأنْ يمكرَ به في حيلته.
    • وعلينا الآن أنْ نتوضّح ما هو المراد من المكر؟ وما هي هذه العقوبة الإلهيّة التي يؤدّب الإنسان بها؟
    • (إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك) لم يقلْ: لا تؤدّبني مطلقاً, بل قال: إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك! فيتبيّن أنّ لله أسلوبين في التأديب: أحدهما بالعقوبة والآخر بلا عقوبة, ولذلك يدعو الإمام الله أنْ يؤدّبه بلا عقوبة.
    • وهذه الجملة عجيبة, بل جملة عجيبة جدّاً؛ فهي جملة تفيض بالمعاني, وذلك من أيّ ناحية؟
    • من ناحية أنّه هل يمكن لله أنْ يؤدّب الإنسان من خلال العقوبة؟!
    • المراد من الأدب في الدعاء
    • العقوبة تعني: العقاب والتقريع والتنبيه, والأدب مفاده: الدخول في الصراط المستقيم, اعتدال عمل الإنسان, ومراعاة الفهم والنباهة, وذلك بخلاف الأفراد الذين لا يتمتّعون بالأدب . نعم كلّ مورد يقتضي أدباً خاصّاً به . والغرض: أنّ الأفراد الذين لا يراعون الأدب لا يكونون على الصراط المستقيم, أو أنّهم واقعون في طرف الإفراط, أو طرف التفريط, أو أنّهم لديهم تسرّع في حركتهم أو بطء, أو أنّهم لا يراعون شرائط المحلّ أو المجلس الذي يكونون فيه, أو أنّهم غافلون وجاهلون عن شأن المولى وغير متنبّهين ولا ملتفتين,وعليه فهم لا يراعون شروط العبوديّة, ويهملون حقّ المولويّة.
    • وأمّا الشخص الذي يراعي الأدب فهو المدرك لهذه الجهات, ويراعي هذه النكات, وسيكون ـ بالطبع ـ على الصراط المستقيم؛ إذ لا بدّ وأنْ يكون العبد متأدّباً, بل لا يُسمح بالدخول في حرم الله لمن لا أدب لديه.
    • وحينئذٍ فإنّ الله العليّ الأعلى ينظر إلى العباد بنظر الرحمة, فيمنّ على أولئك الذين يودّ أنْ يدخلهم في حرمه ويريد أنْ يفتح لهم الطريق للوصول إلى النشأة الأخرى بفضل صفته الرحيميّة, ويريد أنْ يطلق لسانهم في مناجاته.. فمن المسلّم أنّه سوف يمنّ على هؤلاء بالأدب, ويجعلهم مؤدّبين, حتّى تستحكم الروابط القائمة بين العبد والمولى ـ وذلك من خلال كونهم مؤدّبين ـ وتشيّد على أساس العبوديّة والربوبيّة, ويبلغ العبد مرحلة الاستعداد كي يثبت على صراط المناجاة مع الله, والتعامل والتبادل مع الله, وهذا لا يكون إلا من حظّ العبد الحائز على الأدب.
    • وعليه فالأفراد الذين لا أدب لديهم بعيدون عن رحمة الله.و على كلّ حال ليس هذا محلّ بحثنا, ولكن من الواضح أنّ الأدب أمرٌ مهمّ جدّا, وهو ما جعل الإمام السجّاد عليه السلام يقول: لا بدّ وأن تؤدّبني, ولكن لا تؤدّبني بعقوبتك, فالأدب ضروريّ, وعدم الأدب أمرٌ سيّئ للغاية, وأسوء شيء في طريق السير والسلوك هو سوء الأدب؛ لأنّ العبد الذي يتعدّى ويخرج عن جادّة الأدب, فإنّ غيرة المولى ولمعان شرارة الغيرة والحميّة الإلهيّة تستوجب إسقاط العبد وإزهاقه عن درجاته وادّعاءاته بشكل كلّي.
    • فالأدب يعني: الاستقامة في كلّ مقام ومنزلة, فلا يكثر الإنسان من الكلام ولا ينقص, ولا يصف مولاه وإلهه بأوصاف لم يصف هو نفسه بها ولا تليق به, وإنّما يصف الله بما هو معتقد ومتيقّن به دون أنْ يتعدّى, فحتّى لو كان الله أكثر من ذلك, إلاّ أنّه لا يصفه إلاّ بحدود ذلك. لا تقل: أنا فداء لله! حسناً أنتَ تدّعي ذلك, هيّا تعال نفّذ!! من هو الشخص المستعدّ للفداء؟ فقولك لمولاك: (أنا فداءٌ لك) قولٌ دون جدوى, نعم. لا مانع أنْ يجامل الإنسان رفيقه ويقول له: أنا فداؤك؛ فذلك ليس مهمّاً؛ لأنّه لا يأتي وقتٌ ويقول لك: هيّا افعل! فلو كانَ عالَم الدنيا كسائر العوالم الأخرى, أي: لكلّ كلمة حساب وكتاب وأثر خاصّ, لانكشف أنّ هؤلاء الذين يقولون للآخرين (أنا فداء لك) أنّ بينهم وبين مخاطبيهم ما بين المشرق والمغرب وأنّهم ينفصلون عنهم, هذا لو قدّر لهذه الكلمات أنْ تظهر في عالم العيان وأنْ تنبّئ عن حقيقتها بالعالم الخارجيّ.
    • ثمّ يشرع بالدّعاء: إلهي أنت كذا وكذا.. أنت كذا.. إلهنا عذّبنا!! ولكن أعطنا ما نريد.. ألقِ بنا في جهنّم, ولكن لا تبعدنا عن رحمة لقاء ذاتك وزيارتك! أنزل بنا أيّ نوع من العذاب والفقر ونحن راضون, ولكن أوصلنا إلى مقام الفناء, وابلغ بنا مقام الوصال, وأنلنا جمال ذاتك.
    • فيقول الله: ما الذي تدّعيه أنت؟! أُعذّبك: أيّ عذابٍ تريد!! وأحلل عليك أيّ نوع من البلاء!! حسناً استعد؛ إذ لا مجاملة في ذلك.
    من كتاب شرح دعاء ابو حمزة الثمالي
    تاليف -
    العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني


    يتبع ان شا الله بقية الفقرات تباعا ​

  • #2
    • ((فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك؟! وهبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك؟!)).
    • إلهي, افرض أنّي وقعت في عقابك, هذا العقاب الذي أنزلته بي, بأنْ ألقيتني في جهنّم, فإنّي أصبر, فأنا أصبر, ولكنْ كيف أصبر على فراقك والبعد عنك؟! افرض أنّك رميتني في النار وابتليتني بعقوباتك وحرّ نارك وصبرتُ, ولكن كيف أصبر عن النظر إلى رحمتك التي تلقيها عليّ, وإنْ لم تتغمّدني برحمتك فما بوسعي أن أفعل؟!)
    • هذا دعاء أمير المؤمنين الذي كان يدعو به, فنأتي نحن وندّعي ونقول: يا الله, الجنّة هي للأطفال, فينبغي أن لا نريد الجنّة ولا حور العين ولا الشجر. يجب أنْ نطلب الكمال., وكذلك الخوف من النار؛ فهو للأفراد العاديّين البعيدين عن الله والمنفصلين عنه, وأمّا نحن فإنّنا النخبة المختارة من العالم, والوردُ المنثور على السلّة!! وقد تجاوزنا هذه المراحل وعبرناها, ونحن إنّما نطلب اللقاء بالله والمقابلة معه!! وأمّا عذاب جهنّم فلا يعنينا, ولا معنى للخوف من جهنّم.
    • ألا ينبغي التأمّل في مضمون ما يبيّنه أمير المؤمنين في دعاء كميل؟! فنستعرض اثنتين أو ثلاث من فقرات دعاء كميل وينتهي الأمر!! فنُعرض ونلتفّ على أنفسنا ونُهملُ سِجلّنا ونتوهّم أنّ الأمر قد انحلّ بمجرّد الكلام! حينئذٍ يقول الله: بسم الله, تفضّل, تعالَ وتلقّ نتيجة الكلام الذي تكلّمت به. تعال لأحدّد مستواك. هل تجاوزت هذه المراحل التي تدّعيها لنفسك؟! فخذ هذا الامتحان لنرى كم هي علاماتك!!
    • فنحن عبيدٌ, والعبد لا طاقة له على شيء أصلاً, لا طاقة له على تحمّل نغزة رأس الإبرة في بدنه. وما ترونه من ابن الفارض حينما يقول: أدّب بما شئت غير البعد. ۱
    • فهذا هو الذي يقول! أمّا نحن فليس لنا أنْ نتفوّه بذلك؛ لأنّه يعيش هذه الحالة واقعاً وعمليّاً, بحيث يمكنه قول ذلك, وهو لو ذاق مع ذاك الحال كلّ أنواع العذاب ـ غير البعد ـ فإنّه يقبل ويرضى. يرضى بمعنى: أنّ جهة العبوديّة قد بلغت مرحلة الفناء, وحينئذٍ لو يقطّعوه قطعة قطعة فإنّه لا يشعر ولا يدرك! ولو قال الإنسان ذلك حينئذٍ فهو صحيح.
    • وكذلك ما يقوله أمير المؤمنين عليه السلام, فهو كلام صحيح, وهو لا يدّعي شططاً, وإنّما هي حقيقة حال أمير المؤمنين عليه السلام واقعاً, وهي تقتضي أن تصدر منه تلك العبارة, وهو ما يسمّونه بالكلام المنطبق مع مقتضى الحال, وما لم يكن لدى الإنسان ذاك الحال فعليه أن لا يتفوّه بمثل ذلك, ولو قال: أنزل بي ما تريده من العذاب!! فسوف يأتيه الجواب: حسناً تفضّل!!

    تعليق


    • #3
      • بيان قوله: ولا تمكر بي في حيلتك
      • (ولا تمكر بي في حيلتك) الحيلة بمعنى: الحذاقة وحدّة النظر وقوّة الذهن, يقولون: إنّ الإنسان يحتال في عمله, والمعنى الأصلي: هو أنّه يتمركز ويركّز نظره, وأنّه يريد أنْ يفهم المسألة بشكل حادّ ودقيق.
      • إلهي! لا تمكر بي بواسطة ما تمتلكه من الحيلة والحذاقة والتسلّط على أموري, أي: تدبيرك المنصبّ على أموري وحذاقتك وحدّة تسلّطك وإشرافك على أموري, فـ (مَكَرَهُ) و (مَكَرَ به) بمعنى واحد, و (لا تمكر بي) أي: لا تمكرني, ولا تخدعني.
      • المراد من مكر اللّه ومخادعته
      • ما معنى الخدعة؟ أفهل يخدع الله؟! لا, فالخدعة التي يقوم بها الله هي بعكس الخدعة التي يقوم بها الإنسان مع إنسان آخر, خدعة الله هي: أنْ يقوم الإنسان بخدعة الله ويخادع الله, حينئذٍ لا يعود الله يوضّح للإنسان مخادعة الناس له ولا ينبّهه عليها, وإنّما يتركه, فخداع الإنسان لا يصل إلى الله ولا يناله, بل يرجع عليه هو ويمسك بخناقه! لأنّ الإنسان غير خارج عن حكومة الله, وليس له أن يمتلك علماً أو خطّة أو خدعة يغلب بواسطتها المخطّط الإلهي ويخادع بها الإرادة الإلهيّة, لا.. ليس الأمر كذلك! كلّما يخادع الإنسان فإنّ الله هو الحاكم والمهيمن على هذه الدائرة أيضاً, وهو الحاكم عليها, فالخدعة مع الله تعني: أنّي أريد أنْ أخدعك وأتجاوز عن أمرك, وهذا ما لا يمكن أن يتحقّق أصلاً. فإذن هذا ناشئ من عدم فهمه وجهله, وهذا الجهل في حدّ نفسه يسبّب له البلاء ويوجب له الوقوع في المصائب.
      • إذن, من يريد أنْ يخادع الله, فإنّه يقوم بخداع نفسه, فلا تصل الخدعة إلى الله! حينئذٍ, لو ينبّه الله الإنسان على حقيقة هذه الخدعة, ويستغفر الإنسان ويتراجع, ويغيّر أسلوبه ويصلح ممشاه, ويغيّر نفسه ولا يعود يخادع, فهو وإلاّ فلو لم يتنبّه فسوف يتركه الله ويهمله, وهذا هو ما نسمّيه بخداع الله للإنسان, يعني: يلقي العنان على عهدة الإنسان نفسه, يكل الأمر إالى الإنسان ذاته.
      • فهل تعرفون ماذا يعني: الاستدراج؟ يعني: أنْ يلقوا العنان على رقبة الإنسان, ليصبح الإنسان حرّاً متشبّثاً برأيه!! وذلك درجة درجة, قليلاً قليلاً, رويداً رويداً, فينحدر إلى الأسفل, إلى درجة لا يعود يشعر من نفسه أنّه قد تدنّى إلى الأسفل!! فيقول: الحمد لله, حالي جيّد, و معنويّاتي جيّدة, ودنيايَ جيّدة, وآخرتي كذلك جيّدة, ومن أحسنُ منّي؟! لكنّه لا يفهم أيّ بلاء ينزل عليّه ويحلّ به! فلو كانَ إنزاله بشكلٍ دفعيّ دفعة واحدة, فسوف يهتزّ لذلك ويتنبّه, ولكن لا ينزلونه عليه بشكل دفعيّ, وإنّما رويداً رويداً, حتّى يصبح في الأسفل دون أن يلتفت إلى نفسه, والاستدراج هو أكبر عذاب! يعني: ينزلق الإنسان درجة بعد درجة دون أنْ يحسّ أو يلتفت. ولكنْ حيث إنّ الله العليّ الأعلى ما زال ينظر بعين الرحمة إلى ذاك الإنسان الذي يخادع الله ويحتال عليه, والذي يخادع الله ويمرق عن أمره, فإنّ الله ينبّهه بشكل جيّد. وأمّا لو لم ينبّهه الله العليّ الأعلى, فسوف ترجع هذه الخدعة التي يخادع الإنسان بها الله على الإنسان نفسه, وهو حقيقة المكر الإلهيّ:
        1. سورة التغابن (٦٤) صدر الآية۱۸
      • {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }۱
      • أي: هؤلاء الناس, هؤلاء الأعداء يمكرون, والله كذلك يمكر, إلاّ أنّ المكر الإلهيّ محلاّ للرحمة والحسن) فمكر الله ليس كمكرنا.. يعني: إنّه يُرجع مكرنا علينا.
      • {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}٢ فهؤلاء يريدون أن يخادعوا الله, ولا يعلمون أنّ الله هو الذي يخدعهم), أي نفس هذه الخدعة التي يريدون أن يخدعوا الله بها يقوم الله بخداعهم بواسطتها, فهم يريدون أن يعمدوا إلى القيام بفعل لا يفهمه الله, ولكنّهم غير ملتفتين إلى أنّ نفس هذا الذي يصدر عنهم من دون فهم والتفات هو خدعة لأنفسهم؛ لأنّ هذا العمل الذي يقوم به الإنسان دون توجّه وفهم, ليس بعيداً عن مرأى ومسمع الله, فهم صمٌّ وعميٌ يصدر منهم العمل من جهة عماهم وجهالتهم.
      • فطائر الحجل الذي يُخفي نفسه من أن يصل الصيّاد إليه في فصل الشتاء ويدخل رأسه في الثلج, فإنّه إنّما يغرس رأسه في الثلج كي لا يراه الصياد, مع أنّ المسكين لا يعلم أنّه بإدخال رأسه في الثلج بغية التخفّي من الصيّاد يكون قد أعطى علامة وإشارة للصيّاد لكي يراه, بل نفس هذه الطريقة من التخفّي علامة وإشارة للصيّاد كي يرمي عليه ويصطاده! فيأتي الصيّاد ويأخذه بكلّ سهولة. فلو أردت أن تتخفّى من الصيّاد عليك أن تخفي بدنك في الثلج, وترفع حافّة عينيك خارجاً لتراقب الصيّاد, لا أنْ تدخل رأسك في الثلج؛ إذ إدخال رأسك في الثلج يؤدّي إلى إعماء نفسك لا الصيّاد! إذنْ هو لا يعلم أنّه قد أوقع نفسه في قبضة الصيّاد بواسطة نفس هذا الفعل الذي يريد من خلاله أنْ ينجو من الصيّاد.
      • وهذه حقيقة الخدعة التي لا يزال الناس يواجهون الله بها, وهم لا يعلمون أنّهم بنفس هذه الخدعة يخدعون أنفسهم ويمكرون بها, أي: الخدعة التي يخدعهم الله بها إنّما هي ردّة فعل لخدعتهم, والأثر المعاكس لخداعهم.
      التعديل الأخير تم بواسطة صدى المهدي; الساعة 14-04-2023, 11:00 AM.

      تعليق


      • #4
        • بيان قوله: من أين لي الخير يا ربّ ... خرج عن قدرتك
        • (من أين لي الخير يا ربّ ولا يوجد إلّا من عندك؟) حسناً, إلهي! أينَ هو الخير كي أذهب وأحصل عليه؟! فالخير لا يوجد إلّا من عندك.
        • (ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلاّ بك؟) من أين النجاح والفلاح؟ فلا يمكنني أنْ أحصل عليه أبداً, وهو خارج عن قدرتي ولا يُنال إلاّ بك.
        • هذا كلام رفيع جدّاً؛ إذ لو كان الخير من عندك, و كان موجوداً عند غيرك أيضاً, لأمكننا أنْ نخدعك ونذهب إلى هناك, ونكتسب من تلك الخيرات. ولو كانت السعادة والفلاح عندك وعند غيرك أيضاً, فسوف لا نكون محتاجين إلى تأديبك بغير العقوبة, ولا نكون محتاجين أنْ ندعوك ونلتمس منك عدم المكر بنا وعدم الحيلة وعدم إرجاعهما علينا, بل كنّا نخادعك, ولذهبنا إلى تلك النجاة والسعادة, وإلى ذاك الخير والفلاح الموجود عند الطرف الآخر, ولكنّ الحقيقة هي أنّ كلّ خيرٍ في أيّ مكان كان من عندك ولك, وكلّ نجاة وفلاح مفترضة ومتصوّرة هي لك.
        • وحينما يكون الأمر كذلك, فمن أين لي أنْ أحصل على الخير يا إلهي! فأنت ربّي, ولا يمكنني أن أطلب الخير, فلا يوجد الخير في أيّ مكان إلّا من عندك, ولا نجاة ولا فلاح إلّا أنْ تمكّنني أنت منه, يعني: إنّما يأتي من ناحية قدرتك.
        • (لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك) من عمل عملاً صالحاً وأصبح يمتلك القدرة, ومن يعمل العمل الحسن, فلا يستغني عن رحمتك وعونك, بحيث يكون هو العامل للفعل الحسن بحوله وقوّته, ودون مساعدتك ورحمتك وبشكل مستقلّ.
        • (ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يُرضك خرج عن قدرتك) أي ذاك الذي يقوم بفعل السيّئات والعمل القبيح, ويعمل السوء ويتباسل ويتظاهر بالشجاعة أمامك ويتجرّأ عليك, ويتعدّى دائرة العبوديّة ويخطو بقدمه خارجاً عنها ولا يرضيك, فهذا غير خارج عن قدرتك وسلطانك, يعني: هو في كلّ أعماله هذه واقع تحت قدرتك. فهل يمكن للإنسان أنْ يخرج من تحت حكومة الله وسيطرته ليقوم بعمل سيّئ! هنيئاً لمن يقدر على ذلك, فلا يمكن العثور على مكان يتمكّن فيه من أنْ يقوم بفعل أو عمل في ظلّ حكومة الله وسلطانه, ولا تكون قدرة الله نافذة بحيث يشتغل هو بالمعصية وفعل السوء فيها!! بل كلّ عمل سيّئ أو تجرٍّ يقوم به الإنسان ويصدر منه, فهو تحت سلطان الله ومُلكه وعين قدرة الله.
        • لذلك, لو يقوم العبد المسكين بفعل الخير, فليس له أنْ ينسبه إلى نفسه. لأنّه محتاج إلى عون الله ورحمته أيضاً؛ لأنّه ليس له استقلال وجوديّ من نفسه ليفيض الرحمة على نفسه, وإنّما هو من ناحية الله, فهو الذي يفيض الرحمة, وهو الذي يسطع في عالم الوجود ويطّلع حتّى يتمكّن الإنسان من فعل الخير وكذلك لو عمد الإنسان إلى فعل السوء, فإنّه في نفس فعله للسوء لا يقوم به بحوله وقوّته المستقلّة, وإنّما هو خاضع تحت حكومة الله أيضاً.

        تعليق


        • #5
          • (يا ربّ يا ربّ يا ربّ يا ربّ يا رب!) يقول الإمام: يا ربّي ويكرّر ذلك حتّى انقطع نفسه, ففي النفس الواحد كم مرّة يستطيع أن يقول: يا ربّ! فيقول إلى الحدّ الذي يستمرّ نفسه: يا ربّ يا ربّ يا ربّ يا ربّ! يا ربّ! ماذا تعني: تعني: أنت الموجود لا غير, أنت ربّي, وأنت ربّي في إحسانك إليّ, وأنت ربّي في عونك لي, في رحمتك لي أنت ربّي, وأنت ربّي حينما أتجرّأ عليك وأسيئ إليك, وأنت ربّي حينما أقوم بالمكر عليك وأتخيّل أنّي قادر على أنْ أسبقك وأتقدّم عليك. لا, ليس الأمر كذلك أبداً, فأنت ربّي {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }۱ فما يريد الله أن يفعله, يفعله جزماً ودون أيّ مانع, فأنت ربّي وأنا أقرّ بذلك وأعترف. أنت إلهي ربّي ربّي ربّي ربّي. أنت متكفّل لكلّ أموري دون غيرك.
            1. سورة يوسف (۱٢) ذيل الآية ٢۱.
          • (بكَ عرفتُك, وأنتَ دللتني عليك ودعوتَني إليك, ولولا أنتَ لمْ أدرِ ما أنت). إلهي! أنا عرفتك بك, فأنا أعرف من أنت, وأنت الذي دللتني عليك, وأنا لم أعرفك بغيرك بحيث يكون هذا الغير حجاباً وفاصلاً بيني وبينك, بل أنا عرفتك بك أنت, وأنت من أخذت بيدي وعرّفتني عليك, وأنت الذي دعوتني إليك وإلى السير نحوك, ولو لم تكن أنتَ أنتَ لما عرفتك, فأنا علمت أنّه ليس هناك شيءٌ غيرك.
          • ولندع ترك هذه الفقرة إلى مساء غد, لنبيّن كيف أنّ الله عرّف الإنسان على نفسه؟ وأنّ معرفة الإنسان بالله ما لم تصبح بدون واسطة فإنّها لا تتحقّق؛ لأنّه سوف يكون هناك حجاب وواسطة بين الإنسان وبين الله, والمراد هنا الواسطة المستقلّة!
          • وأمّا لو كانت معرفة الإنسان لله بالله نفسه كمعرفة الشمس بنفس الشمس, لا بواسطة النور والعتمة, فحينئذٍ يمكن أن يعترف بأنّه غير خارج عن حكم الله وحكومته, ويمكنه أنْ يدّعي بأنّ جميع أعماله ومنهاجه تحت نظر الله, وأنّه عليه أنْ يتوسّل بالله في جميع أعماله, كما ورد: ولكلّ طاعة ومعصية لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم۱.
            1. إشارة إلى الدعاء المأثور عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أعددتُ لكلّ هول لا إله إلاّ الله, ولكلّ همّ وغمّ ما شاء الله, ولكلّ نعمة الحمد لله, ولكلّ رخاء وشدّة الشكر لله, ولكلّ أعجوبة سبحان الله, ولكلّ ذنب أستغفر الله, ولكلّ مصيبة إنّا لله وإنّا إليه راجعون, ولكلّ ضيق حسبي الله, ولكلّ قضاء وقدر توكّلت على الله, ولكلّ عدوّ اعتصمت بالله, ولكلّ طاعة ومعصية لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم).


          من كتاب شرح فقرات دعاء ابو حمزة الثمالي - بتصرف
          ​العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X