بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
المسألة:
الحديثِ المُتداول بين النَّاس وهو أنَّ: "الدُّنيا سجن المؤمن وجَنَّة الكافر" هل هذا الحديثُ ثابت أو لا؟ فقد سمِعنا من البعضِ التَّشكيكَ في صدورِه.
الجواب:
الحديثُ المذكور ورد مُستفيضًا عن الرّسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) في سياقاتٍ مختلفة وأسانيدَ متعدِّدة، فليس ينبغي لأحدٍ التَّشكيكُ في صدورِه، فقد رواه الشَّيخ الكُليني في كتابه الكافي بطريقينِ وسياقينِ مختلفين عن أبي عبد الله الصَّادق (ع)(1).
ورواه الشَّيخُ الصَّدوق مُسندًا في الخصال، ورواهُ في معاني الأخبار مُسندًا، ورواه في كتابِه مَن لا يحضره الفقيه في وصيَّة النَّبيِّ (ص) لعليٍّ (ع) ورد فيها: "يا علي الدُّنيا سجنُ المُؤمنِ وجنَّة الكافر"(2).
ورواه الحسن الطُّوسي في الأمالي عن أبيه الشَّيخ أبي جعفر الطُّوسي بسندٍ إلى سلمان الفارسي عن رسول الله (ص) قال: "إنَّ أكثرَ النَّاس شبعاً في الدُّنيا أكثرُهم جُوعاً في الآخرة، يا سلمان إنَّما الدُّنيا سجنُ المُؤمن وجنَّةُ الكافر"(3).
ورواه الشَّيخُ الطُّوسي في الأمالي بسندٍ مُتَّصل إلى أبي ذر الغفاري أنَّ رسول الله (ص) أوصاهُ بوصايا ورد فيها: "يا أبا ذر، الدُّنيا سجنُ المؤمن وجنَّةُ الكافر، وما أصبح فيها مؤمنٌ إلا وهو حزين..."(4).
ورواه في كشف الغمَّة وغيره عن الإمام الحسين (ع) أنَّه قال مخاطباً أصحابه يوم عاشوراء: "... صبراً بني الكِرام فما الموتُ إلاّ قنطرة تعبرُ بكم البؤسَ والضَّرَّاء، إلى الجنان الواسعة والنِّعم الدَّائمة فإيُّكم يكرُه أنْ يُنتقل من سجنٍ إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلاّ كمَن يُنتقلُ من قصرٍ إلى سجن وعذاب، إنَّ أبي حدَّثني عن رسول الله (ص) إنَّ الدُّنيا سجنُ المؤمن وجنَّة الكافر، والموتُ جسرُ هؤلاءِ إلى جِنانِهم وجسرُ هؤلاءِ إلى جَحيمِهم، ما كذبتُ ولا كُذِّبت"(5).
ورواه ابنُ إدريس في مُستطرفات السَّرائر(6) ورواه غيرُ هؤلاء في مُصَنَّفاتهم عن الرَّسول (ص) والإمام عليٍّ (ع) والإمام الحسنِ (ع) والإمام الحسينِ (ع) والإمامِ السَّجَّاد (ع) والإمام الصَّادقِ (ع) والإمام الكاظمِ (ع)، كما رَوى علماءُ السُّنَّة ومُحدِّثوهم هذا الحديث عن الرَّسول (ص) في مُصَنَّفاتهم وصِحَاحهم ومجاميعِهم الحديثِيَّة(7).
ورغم أنَّ استفاضة هذا الحديث تُغني عن النَّظر في أسانيده إلا أنَّه مع ذلك راجعنا بعض أسانيده فوجدنا أنَّ بعضَها معتبرٌ سندًا كالذي ورد في الخصال للشَّيخ الصَّدوق حيثُ رواه بسندٍ معتبر عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (ع) عن أبي عبد الله (ع) قال: "الدُّنيا سجن المؤمن والقبرُ حُصنُه والجنَّة مأواه والدُّنيا جنَّة الكافر والقبرُ سجنُه والنَّارُ مأواه"(8).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- الكافي -الكليني- ج2 / ص251.
2- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج4 / ص363، الخصال -الصدوق- ص108، معاني الأخبار- الصدوق- ص289.
3- الأمالي -الشيخ الطوسي- ص346.
4- الأمالي -الشيخ الطوسي- ص529.
5- مستطرفات السرائر- ابن إدريس- ص647.
6- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج44 / ص297.
7- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج2 / ص323، صحيح مسلم- مسلم النيسابوري- ج8 / ص210، ،سنن ابن ماجه- القزويني- ج2 / ص1378، وغيرهم.
8- الخصال -الشيخ الصدوق- ص108.