عَنْ عَمْرِو بْنِ نُعْمَانَ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ: (كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) صَدِيقٌ لاَ يَكَادُ يُفَارِقُهُ إِذَا ذَهَبَ مَكَاناً فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي مَعَهُ فِي اَلْحَذَّاءِينَ[1] وَمَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ سِنْدِيٌّ يَمْشِي خَلْفَهُمَا إِذَا اِلْتَفَتَ اَلرَّجُلُ يُرِيدُ غُلاَمَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرَهُ فَلَمَّا نَظَرَ فِي اَلرَّابِعَةِ قَالَ: يَا اِبْنَ اَلْفَاعِلَةِ أَيْنَ كُنْتَ؟
قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يَدَهُ فَصَكَّ بِهَا جَبْهَةَ نَفْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اَللَّهِ تَقْذِفُ أُمَّهُ! قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ وَرَعاً فَإِذَا لَيْسَ لَكَ وَرَعٌ.
فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ أُمَّهُ سِنْدِيَّةٌ مُشْرِكَةٌ.
فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحاً تَنَحَّ عَنِّي.
قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ يَمْشِي مَعَهُ حَتَّى فَرَّقَ اَلْمَوْتُ بَيْنَهُمَا)[2].
السباب واللّعن صفتان لم يرغب الشرع الأقدس في اتّصاف المؤمن بهما، ولينظر المرء لنفسه حين يبتلى بهذه الصفة، وليعلم أنّ الرقيب الحسيب يحسب عليه كلّ كلمة يقولها، وسيسأل عنها يوم القيامة.
وليعلم أيضاً أنّ من يوجّه كلامه البذيء لأعراض الناس، سيوجّه له الكلام يوماً ما، فهل سيقبل بهذا؟
بالطبع لا، فلماذا إذن قبل أن يشتم الآخرين، وينال من أعراضهم التي أوصى الله تعالى بسترها، ولم يقبل ذلك على نفسه؟!
فعن الإمام عليّ عليه السلام: (مَنْ عَابَ عِيبَ وَمَنْ شَتَمَ أُجِيبَ) [3].
فإذا كان الفاحش يرى لنفسه ميزةً عن الناس، ورفعةً، فهو يحمل فوق فسقِه لفحشه تكبّراً يودي به إلى جهنّم، حيث ينادي المنادي يومئذٍ، لقوله تعالى: ﴿فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين﴾[4].
فليقف الإنسان مع نفسه قبل أن تخرج أيّة كلمة منه، ليتذكّر ما هي العاقبة، وأنّه في غنى عن عذاب الله تعالى، بسبب كلمة تخرج، حالة غضب، وليعلم أنّ أهل البيت عليهم السلام رفضوا أن يصاحبوا الفحّاشين في الدنيا، فكيف يطمع في لقائهم والقرب منهم في جنّات النعيم.
-----------------------------------------------------------------
[1] المراد: أنَّه كان يمشي في سوق صانعي النِعال.
[2] الكافي، ج 2، ص 324.
[3] بحار الأنوار، ج78، ص91.
[4] سورة النحل، الآية: 29.
تعليق