أولئك الذين دوّنوا فيما بعد تاريخ حياة الإمام، مرّوا غافلين أو متغافلين على الإجراء الإعلاميّ العظيم للإمام الباقر عليه السلام الذي أُدرج في حديثٍ مختصر. وظاهر القضيّة هو أنّ الإمام قد أمر ابنه الإمام جعفر بن محمّد أن ينفق قسمًا من مدخوله - 800 درهم - من أجل العزاء والنّياح عليه، لمدّة عشر سنوات.
أولئك الذين دوّنوا فيما بعد تاريخ حياة الإمام، مرّوا غافلين أو متغافلين على الإجراء الإعلاميّ العظيم للإمام الباقر عليه السلام الذي أُدرج في حديثٍ مختصر. وظاهر القضيّة هو أنّ الإمام قد أمر ابنه الإمام جعفر بن محمّد أن ينفق قسمًا من مدخوله - 800 درهم - من أجل العزاء والنّياح عليه، لمدّة عشر سنوات. مكان العزاء هو صحراء منى، وزمانه موسم الحجّ، هكذا، ولا شيء آخر. إنّ موسم الحجّ هو ميعاد الإخوة المتباعدين وغير المتعارفين. فآلاف الأشخاص يعيشون تجربة إمكانيّة الاجتماع وتحقّقه في ذلك الزّمان والمكان، وأصحاب القلوب المتقاربة والألسن المتباعدة يدعون ربّهم في هذا المكان بلسانٍ واحدٍ، ويشاهدون معجزة اجتماع الملل والشّعوب تحت رايةٍ واحدة. وإذا كان من رسالةٍ ينبغي أن تصل إلى جميع أرجاء عالم الإسلام، فلا يوجد من فرصةٍ أنسب من هذه الفرصة. هناك حيث تُنجز أعمال الحجّ، في عدّة أيّامٍ متوالية، وفي نقاطٍ محدّدة، فأيّة أيّامٍ ستكون أنسب من هذه الأيّام؟! وأيّة أماكن ستكون أنسب من تلك الأمكنة؟!
مكّة مدينةٌ، والنّاس منتشرون في مدينةٍ واحدة، ومشغولون. بالإضافة إلى ذلك، فالجميع فيها مشغولون بأعمال الحجّ، الطّواف، السّعي، الصّلاة و... والمشعر محلّ التوقّف الليليّ، فرصته قليلة، ولا يوجد فيه إمكانيّة، فلا يوجد أكثر من هذه المحطّة على طريق مِنى. عرفات موقفٌ، وإن كان في النّهار، ولكنّه قصير المدّة، فقط يومٌ واحد يبدأ بصباحٍ متعب من الحركة، وينتهي بعصرٍ يُستعدّ فيه للانطلاق. فمِنى هي الأنسب من بين الجميع، فالحجّاج يُخيّمون هناك لثلاث ليالٍ بعد رجوعهم من سفر عرفات، وتسنح الفرصة أكثر من أيّ مكانٍ آخر لأجل التعارف والتحاور وبثّ الشجون. فمن هو الذي يتحمّل متاعب الذّهاب والرجوع من مكّة؟! فالبقاء وزيارة كلّ تجمّعٍ ومحفلٍ ومجمع، يحقق الزمان والمكان المناسبين. فكلّ واحدٍ سوف يمرّ بشكلٍ طبيعيّ على مجلس العزاء الذي يُقام لثلاثة أيّامٍ من كلّ سنة في هذه البادية. وشيئًا فشيئًا سيتعرّف النّاس الوافدون من مختلف الآفاق عليه، وسوف يُقيم أهل المدينة لسنواتٍ عديدة، في هذا المكان، وفي هذه الأيّام، تجمّعًا، وأهل المدينة هم من مركز الإسلام، ومقرّ الصّحابة والفقهاء والمحدّثين الكبار.
ولمن هذا المجلس؟ إنّه لأحد وجوه عالم الإسلام، إنّه لمحمّد بن عليّ بن الحسين، رجلٌ عظيمٌ من سلالة النبيّ، زعيم الفقهاء والمحدّثين، أستاذ جميع المشهورين في الفقه والحديث، فلماذا يأتون إلى هذا المكان من بين جميع الأماكن ويقولون فيه ما يقولون؟! وفي الأساس لماذا يُقال هذا؟ ألم يكن موته طبيعيًّا؟ فمن الذي قتله أو دسّ له السّم؟ ولماذا؟ وما الذي فعله؟ وما الذي قاله؟ هل كان يدّعي شيئًا؟ أو كانت له دعوة؟ هل كان يُشكّل خطرًا على الخليفة؟ وهل؟ وهل؟.. أسئلةٌ كثيرة، وإبهاماتٌ أكثر، ووراؤها عشرات الأسئلة والتّساؤلات، وعندها سيأتي سيلٌ من الأجوبة من أصحاب العزاء، وأيضًا من أهل الاطّلاع المنتشرين هنا وهناك بين الجموع المحتشدة، أولئك الذين أسرعوا من المدينة أو الكوفة إلى هذا المكان، وفي الأساس إنّما جاؤوا لكي يُجيبوا عن هذه الأسئلة. لقد جاؤوا ليبيّنوا للنّاس، الوافدين من أرجاء عالم الإسلام إلى هذا المكان، القضايا في هذه الفرصة الفريدة، وفي هذا المكان. وبالطّبع، أيضًا، ليلتقوا بالإخوة والموالين من أجل أن يخبروهم ويأخذوا المطالب والأوامر منهم.
كانت أعظم شبكة إعلامية تبليغية بين آلاف القنوات الإعلامية في ذلك العصر. وهذه هي الخطّة النّاجحة للإمام الباقر عليه السلام - خطّة جهاده بعد الموت - وهذا هو الوجود الذي تتفجّر منه البركات، الذي جعل حياته ومماته لله، وفي سبيل الله، "وجعله مباركًا أينما كان، وسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّا"[1].
تاريخ النبي وأهل البيت عليهم السلام، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] هذا الدعاء مقتبس من الآيات القرآنية الواردة في حق نبي الله عيسى عليه السلام، سورة مريم، الآيات 31 - 33- .
أولئك الذين دوّنوا فيما بعد تاريخ حياة الإمام، مرّوا غافلين أو متغافلين على الإجراء الإعلاميّ العظيم للإمام الباقر عليه السلام الذي أُدرج في حديثٍ مختصر. وظاهر القضيّة هو أنّ الإمام قد أمر ابنه الإمام جعفر بن محمّد أن ينفق قسمًا من مدخوله - 800 درهم - من أجل العزاء والنّياح عليه، لمدّة عشر سنوات.
أولئك الذين دوّنوا فيما بعد تاريخ حياة الإمام، مرّوا غافلين أو متغافلين على الإجراء الإعلاميّ العظيم للإمام الباقر عليه السلام الذي أُدرج في حديثٍ مختصر. وظاهر القضيّة هو أنّ الإمام قد أمر ابنه الإمام جعفر بن محمّد أن ينفق قسمًا من مدخوله - 800 درهم - من أجل العزاء والنّياح عليه، لمدّة عشر سنوات. مكان العزاء هو صحراء منى، وزمانه موسم الحجّ، هكذا، ولا شيء آخر. إنّ موسم الحجّ هو ميعاد الإخوة المتباعدين وغير المتعارفين. فآلاف الأشخاص يعيشون تجربة إمكانيّة الاجتماع وتحقّقه في ذلك الزّمان والمكان، وأصحاب القلوب المتقاربة والألسن المتباعدة يدعون ربّهم في هذا المكان بلسانٍ واحدٍ، ويشاهدون معجزة اجتماع الملل والشّعوب تحت رايةٍ واحدة. وإذا كان من رسالةٍ ينبغي أن تصل إلى جميع أرجاء عالم الإسلام، فلا يوجد من فرصةٍ أنسب من هذه الفرصة. هناك حيث تُنجز أعمال الحجّ، في عدّة أيّامٍ متوالية، وفي نقاطٍ محدّدة، فأيّة أيّامٍ ستكون أنسب من هذه الأيّام؟! وأيّة أماكن ستكون أنسب من تلك الأمكنة؟!
مكّة مدينةٌ، والنّاس منتشرون في مدينةٍ واحدة، ومشغولون. بالإضافة إلى ذلك، فالجميع فيها مشغولون بأعمال الحجّ، الطّواف، السّعي، الصّلاة و... والمشعر محلّ التوقّف الليليّ، فرصته قليلة، ولا يوجد فيه إمكانيّة، فلا يوجد أكثر من هذه المحطّة على طريق مِنى. عرفات موقفٌ، وإن كان في النّهار، ولكنّه قصير المدّة، فقط يومٌ واحد يبدأ بصباحٍ متعب من الحركة، وينتهي بعصرٍ يُستعدّ فيه للانطلاق. فمِنى هي الأنسب من بين الجميع، فالحجّاج يُخيّمون هناك لثلاث ليالٍ بعد رجوعهم من سفر عرفات، وتسنح الفرصة أكثر من أيّ مكانٍ آخر لأجل التعارف والتحاور وبثّ الشجون. فمن هو الذي يتحمّل متاعب الذّهاب والرجوع من مكّة؟! فالبقاء وزيارة كلّ تجمّعٍ ومحفلٍ ومجمع، يحقق الزمان والمكان المناسبين. فكلّ واحدٍ سوف يمرّ بشكلٍ طبيعيّ على مجلس العزاء الذي يُقام لثلاثة أيّامٍ من كلّ سنة في هذه البادية. وشيئًا فشيئًا سيتعرّف النّاس الوافدون من مختلف الآفاق عليه، وسوف يُقيم أهل المدينة لسنواتٍ عديدة، في هذا المكان، وفي هذه الأيّام، تجمّعًا، وأهل المدينة هم من مركز الإسلام، ومقرّ الصّحابة والفقهاء والمحدّثين الكبار.
ولمن هذا المجلس؟ إنّه لأحد وجوه عالم الإسلام، إنّه لمحمّد بن عليّ بن الحسين، رجلٌ عظيمٌ من سلالة النبيّ، زعيم الفقهاء والمحدّثين، أستاذ جميع المشهورين في الفقه والحديث، فلماذا يأتون إلى هذا المكان من بين جميع الأماكن ويقولون فيه ما يقولون؟! وفي الأساس لماذا يُقال هذا؟ ألم يكن موته طبيعيًّا؟ فمن الذي قتله أو دسّ له السّم؟ ولماذا؟ وما الذي فعله؟ وما الذي قاله؟ هل كان يدّعي شيئًا؟ أو كانت له دعوة؟ هل كان يُشكّل خطرًا على الخليفة؟ وهل؟ وهل؟.. أسئلةٌ كثيرة، وإبهاماتٌ أكثر، ووراؤها عشرات الأسئلة والتّساؤلات، وعندها سيأتي سيلٌ من الأجوبة من أصحاب العزاء، وأيضًا من أهل الاطّلاع المنتشرين هنا وهناك بين الجموع المحتشدة، أولئك الذين أسرعوا من المدينة أو الكوفة إلى هذا المكان، وفي الأساس إنّما جاؤوا لكي يُجيبوا عن هذه الأسئلة. لقد جاؤوا ليبيّنوا للنّاس، الوافدين من أرجاء عالم الإسلام إلى هذا المكان، القضايا في هذه الفرصة الفريدة، وفي هذا المكان. وبالطّبع، أيضًا، ليلتقوا بالإخوة والموالين من أجل أن يخبروهم ويأخذوا المطالب والأوامر منهم.
كانت أعظم شبكة إعلامية تبليغية بين آلاف القنوات الإعلامية في ذلك العصر. وهذه هي الخطّة النّاجحة للإمام الباقر عليه السلام - خطّة جهاده بعد الموت - وهذا هو الوجود الذي تتفجّر منه البركات، الذي جعل حياته ومماته لله، وفي سبيل الله، "وجعله مباركًا أينما كان، وسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّا"[1].
تاريخ النبي وأهل البيت عليهم السلام، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] هذا الدعاء مقتبس من الآيات القرآنية الواردة في حق نبي الله عيسى عليه السلام، سورة مريم، الآيات 31 - 33- .