عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «كُونوا بِقَبولِ العَمَلِ أشَدَّ اهتِماماً مِنكُم بِالعَمَلِ؛ فإنّهُ لَن يَقِلَّ عَمَلٌ مَع التَّقوى، وكَيفَ يَقِلُّ عَمَلٌ تُقُبِّلَ!»[1].
حثَّ الإسلامُ على العملِ الصالح، فهو ذخيرةُ العبدِ في آخرتِه، وفرصةُ التزوّدِ منه في رحلةِ عُمُرِهِ في هذه الدنيا؛ ولذا كانتِ الدنيا، كما وصَفَها أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «دارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غَنَاءٍ لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا... فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ، وَحَمِدَهَا آخَرُونَ، ذَكَّرَتْهُمْ فَذَكَرُوا، وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا، وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا...» [2].
ولكلِّ عملٍ شروطُهُ وأركانُه، ولا بدّ للعامِلِ مِنْ أنْ يُتِمَّها حتّى يكونَ العملُ مؤثِّراً في الغايةِ التي يريدُها، وهيَ القُربُ إلى اللهِ عزَّ وجلّ، وبابُ القُربِ يتحقَّقُ متى كانَ العملُ مقبولاً عندَ الله؛ ولذا وردَ في الرواياتِ التأكيدُ على مراعاةِ الأسبابِ التي تؤدِّي إلى قَبولِ العمل، فالقليلُ المقبولُ ليسَ قليلاً؛ وذلكَ لعظيمِ الأثرِ المترتِّبِ على قَبولِ العملِ عندَ الله. وأمّا أسبابُ القَبول فهي:
1ـ التقوى: فعندَما حدَّثَنا القرآنُ الكريمُ عن قصَّتَي ابنَي آدم (عليه السلام)، أرشَدَنا بوضوحٍ إلى أنَّ سببَ قَبولِ عملِ أحدِهما دونَ الآخرِ هوَ التقوى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[3].
وقدْ وردَ عَنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «كُن بالعَمَلِ بالتَّقوى أشَدَّ اهتِماماً مِنكَ بالعَمَلِ بغَيرِهِ؛ فإنّهُ لا يَقِلُّ عَملٌ بالتَّقوى، وكَيفَ يَقِلُّ عَملٌ يُتَقَبَّلُ! لِقَولِ اللّهِ عزَّ وجلّ: ﴿إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[4]»[5].
2ـ الإخلاص: وهوَ أنْ يكونَ في نيَّتِهِ العملُ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ فقط، فلا يشوبُه رياءٌ ولا عُجبٌ ولا غيرُهما، فعنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إذا عَمِلْتَ عَمَلًا فاعْمَلْ للَّهِ خالِصاً؛ لأنَّهُ لا يَقْبَلُ مِن عِبادِهِ الأعْمالَ إلّا ما كانَ خالِصاً»[6].
بلْ إنَّ القليلَ مِنَ العملِ إذا كانَ عنْ إخلاصٍ، فيهِ كفايةٌ للإنسان، فعنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أخلِصْ قلبَكَ، يكفِكَ القليلُ مِنَ العمل»[7]. وفيما ناجى الله تبارك وتعالى موسى (عليه السلام): «يا موسى، ما أُريدَ به وجهي فكثيرٌ قليلُه، وما أُريدَ به غيري فقليلٌ كثيرُه»[8].
وفي روايةٍ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنَّ ربَّكُم لرحيمٌ يشكُرُ القليل؛ إنَّ العبدَ لَيُصلِّي رَكعتَينِ يريدُ بهِما وجهَ اللهِ، فيُدخِلُه اللهُ بهِما الجنّة»[9].
3ـ العلمُ والمعرفة: وردَ الحَثُّ الشديدُ في الرواياتِ على طلبِ العلمِ والمعرفة، وقيمةُ العملِ ترتبطُ بمدى علمِ العامِل، فعَنِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «قليلُ العملِ مِنَ العاقلِ مقبولٌ مُضاعَف، وكثيرُ العملِ مِنْ أهلِ الهوى والجهلِ مردود»[10].
نسألُ اللهَ أنْ يتقبَّلَ أعمالَنا وأعمالَكم في هذا الشهرِ الكريم، وأنْ يعيدَهُ علينا وعليكم باليُمنِ والخيرِ والبركة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] المتقيّ الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج3، ص697.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص493، الحكمة 131.
[3] سورة المائدة، الآية 27.
[4] سورة المائدة، الآية 27.
[5] ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص303.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج74، ص103.
[7] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج70، ص175.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص46.
[9] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج1، ص61.
[10] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص387.
تعليق