بسم الله الرحمن الر حيم
اللّهم صلّ على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعلى جوارح سعت الى أوطان تعبدك طائعة..
لقد حثّت أحاديث أهل البيت عليهم السلام في مواطن عديدة على زيارة الامام الحسين عليه السلام، فأوعدت لهم الأجر والثواب العظيم والمنزلة الرفيعة لمن سعى لزيارة قبر الامام الحسين عليه السلام..
انّ هذا الحث لم يات من فراغ، بل لأن أهل البيت عليهم السلام أرادوا من أتباع المذهب الحق أن يرتبطوا ارتباطاً وثيقاً بامامهم الثائر المصلح، وهم بزيارتهم لذلك القبر الشريف انّما هو لأخذ الدروس والعبر من تلك الثورة التي قام بها الامام عليه السلام..
ولأنّه موطن من مواطن العبادة والايمان، حيث ذكر الله تعالى في كتابه الكريم ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ))النور: 36.. فقبر الامام الحسين عليه هو من تلك البيوت التي يُذكر فيها اسم الله تعالى ويُتعبد لله فيها..
فمواطن الذكر أينما تكون يحبّها الله تعالى، فكيف بمواطن قد دُفن فيها أولياؤه الصالحون، فبالتأكيد سيكون لها خصوصية وعظمة من الشأن..
لذا فانّ الساعي لهذه المواطن المقدسة سيناله ما أعدّه تعالى له من الأجر العظيم، وتعالوا معي لنتأمّل هذه الرواية الرائعة..
عن بشير الدَّهّان، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: إنَّ ا لرَّجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام، فله إذا خرج مِن أهله بأوَّل خُطْوَةٍ مَغْفرةٌ لذنوبه، ثمَّ لم يزل يقدَّس بكلِّ خطوةٍ حتّى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال: عَبدي سَلْني اُعطِك؛ اُدْعُني اُجِبْك، اُطلب منّي اُعْطِك، سَلْني حاجةً أقضيها لك! قال: وقال أبو عبدالله عليه السلام: وحقٌّ على الله أن يعطي ما بذل)) (الخصال: ص143)..
لذلك جاء في دعاء كميل كأنّه استفهام للباري عزّ وجلّ بهل انّه تعالى سيسلّط النار على جوارح قد سعت الى تلك الأوطان لطاعتك وعبادتك، فهذا لا يمكن لعدله تعالى وانّه قد وعد بالمغفرة والرضوان لمن أطاعه وعبده..
ولكن لو تأمّلنا الفقرات السابقة لهذه الفقرة الشريفة من قوله عليه السلام ((يَا سَيِّدِي وَإِلهِي وَمَوْلايَ، أَتُسَلِّطُ النَّارَ عَلَى وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ سَاجِدَةً، وَعَلَى أَلْسُنٍ نَطَقَتْ بِتَوْحِيدِكَ صَادِقَةً، وَبِشُكْرِكَ مَادِحَةً، وَعَلَى قُلُوبٍ اعْتَرَفَتْ بِإِلهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً، وَعَلَى ضَمَائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتَّى صَارَتْ خَاشِعَةً))..
اذن السعي الى تلك الأوطان التي يحبّها الله تعالى ينبغي أن تُسبق بحقيقة السجود لله تعالى (أي يكون خالياً من السجود للأهواء والمشتهيات)، وأن يكون اللسان ذاكراً لهجاً بالله تعالى، والاقرار صادقاً بالتوحيد (أي ليس لقلقة لسان فقط)، وأن يكون العبد شاكراً لأنعمه تعالى بالعمل الصالح وبما يرضاه، وأن يكون ظاهره كباطنه من الورع والتقوى (أي أن لا يُظهر خلاف ما يُبطن فيكون من المنافقين)، حتى يكون بحق عبداً صالحاً مؤمناً ذاكراً لله تعالى حتى يُحسب في تلك المواطن من المخاطبين بالحديث السابق من المغفرة والتقديس، وأن يكون ممن يناجيه تعالى فيعطيه ويجيبه لكلّ مسألة يريدها..
لذا ينبغي أن نستحضر هذه المعاني عندما نمشي ونقصد الى قبر الامام الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين، وأن تكون جوارحنا ترجماناً حقيقياً لما في باطننا من الايمان والتصديق بالله تعالى وبأوليائه عليهم السلام.. وأن تكون عبارة (لبيك يا حسين) هي نداء نابع من القلب يعي هذه الكلمة وما تعنيه من السير على الأثر الصالح وترك ما يريب ويُشك فيه من الأفعال والتصرفات والأخلاق التي تُشين الى صاحبها قبل المذهب..
نسأل الله تعالى الإخلاص في العمل وأن تكون تلك المواطن المقصودة (وخاصة مرقد الامام الحسين عليه السلام) بداية عهد نأخذه على أنفسنا بأن نسير على نهج الامام عليه السلام ونخطوا ما خطى به أصحابه الأوفياء لنكون بحق مصداقاً لقول جابر الأنصاري رضوان الله تعالى عليه ((ان لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وعيني وبصري))..
تعليق