قال تعالى في محكم كتابه الكريم : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
عظيمة تلك الآيات الإلهية التي غطت الآفاق وامتلأت بها النفوس : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم)، فلا تقع أعيننا على شيء من السماء أو الأرض إلا هو آية من آيات الله تعالى، تشير إلى ربوبيته وإلهيته وحده، ونفي الأنداد والأضداد عنه تعالى.
وعجبا لمن يجعل فيهما آلهة غير الله، وفي كل شيء آية تشير إلى أنه واحد أحد فرد صمد : وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فأي ضلال قاده إلى الاعتقاد بتعدد الآلهة؟!.. وأي عمى أرشده إلى إله غير الله؟!.. أليس الإله الذي منع مرج البحرين، من أن يبغي احدهما على الآخر، هو نفسه الذي منع السماء أن تسقط على الأرض، وهو نفسه الذي سير الأفلاك والنجوم والكواكب بنظام دقيق عجيب لم يختل، منذ أن خلق السموات والأرض.. ولو اختل للحظة، لأعدمت الاصطدامات الكونية كل شيء.. أليس هو نفسه الذي حفظ العلاقة بين الإنسان والمخلوقات الأخرى؟!.. وهو نفسه الذي وضع الأسس لحياة زوجية هانئة؟.. أليس هو نفسه الذي حفظ الجنين في رحم أمه، وحفظ له الحياة في كيس متكور في رحم الأم؟!.. أليسهو نفسه الذي جعل الآباء والأمهات تحنو على صغارهم حتى يبلغوا أشدهم؟!.. أليس هو الذي جعل الغريزة عند الأبوين تجاه أبناء هم، تحفظ نظام الوجود البشري؟!..
فنعم الإله، إله لم يغفل عن تنظيم الحياة الخاصة والعامة، ووضع الأسس الرصينة، لبناء أسرة سعيدةهادئة هانئة, حيث الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمع, وجعل أساس تكوين الأسرة، آية من آياته، وهدى من هداه، لمن له قلب سليم.
لا يخفى على أحد ماذا يعني الزواج للإنسان، وما هي أهميته وفائدته في تحقيق الاستقرار والسكينةلنفس الإنسان, بل وفائدته في دفع الإنسان ليكون عنصرا منتجا في المجتمع, يتفاعل مع الآخرينويتفاعل الآخرين معه، في علاقة متبادلة من المنفعة، سواء على الصعيد الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو غيره من الأصعدة الأخرى.
ولو لاحظت عزيزي القارئ انه لولا الزواج وما يفرضه على الإنسان، لما كان هناك أي تطور ولا أيتكامل.. بل على العكس، لكان هناك تسافل وانحدار في جميع الميادين العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، وبالتالي ضمور الحياة بكل صورها وأشكالها، وصولا إلى انعدام الوجود.
الزواج الذي يكون بمثل هذه الأهمية، لا يمكن أن يكون منتجا إلا إذا كان زواجا ناجحا.. ولا أقصد بكونه منتجا، مسالة الإنجاب فقط، بل الزواج المنتج، هو المنتج على جميع الأصعدة والمجالات.. وهل يكون زواجا منتجا سعيدا، مع انعدام أسباب السعادة؟!.. بالتأكيد لا يكون ذلك أبدا, فلابد من تهيئة أسباب ومقدمات النجاح للزواج, وهذه المقدمات على قسمين :
أحدهما مقدمات قبلية، لابد من توفرها قبل انعقاد الزواج.. وهي أيضا على فرعين : أحدهما من مختصات الله تعالى - وهو ما يخص موضوعنا هذا - والآخر يجب على الإنسان تهيئته وتوفيره، وهو أيضا لا يتحقق إلا بالاستعانة بالله تعالى، من قبيل الاستمكان المادي، ليقوم بالإنفاق الواجب على الزوجة..
وقسم آخر هو مقدمات بعد انعقاد الزواج، وهو تهيئة سبل السعادة للحياة الزوجية بين الزوجين، وهو أمر يجب على كلا الزوجين العمل على تحقيقه.
وفي القسم الأول الذي هو من مختصات الله تعالى، فقد من الله تعالى به علينا، إذ خلق لنا أزواجا من أنفسنا، من جنسنا, فما أعظمها من نعمة, فتصور لو جعل الله تعالى أزواجنا من غير أنفسنا ومن غير جنسنا، أي ليست من البشر, تصور كيف تكون الحياة مع زوجة ليست آدمية أو زوجا ليس ادميا.. ستكون الحياة عبارة عن جحيم لا يطاق لكلا الزواجين.. لكن الرحمة الإلهية والحكمة الإلهية، اقتضت أن يكون لنا من أنفسنا أزواجا, فما أعظمها من نعمة!..
ومن نعمته أيضا أن نبهنا تعالى أن كون الزوج من أنفسنا، لا يكفي لتحقيق السعادة والسكينة والهدوء.. بل إن هناك عملا لابد أن يقوم به الزوجان، لتحقيق السعادة, فبين الله تعالى أن العلة من جعل أزواجنا من أنفسنا، هو تحقيق السكينة والاستقرار : (لتسكنوا إليها).. وهنا لابد للإنسان المتزوج أن يسعى لتحقيق السكينة واستقرار النفس بعد اضطرابها وهيجانها، سواء الشهوي أو الغضبي، وبالتالي اتزان النفس وهدوئها واستقرارها.. فمفتاح السكينة دائما، يكون عند الزوج الآخر، ولكن تحصيله يحتاج إلى مقدمات لابد منها.. إذ لا يعقل أبدا أن يكون ضرب الزوجة، مقدمة لتحصيل مفتاح السكينة.. وأي سكينة هذه التي تحصل بالضرب والاهانة والتوبيخ الدائم؟!.. بل أي سكينة تحصل بوجود المنفرات للزوج، سواء المنفرات الكلامية أو الفعلية أو الطبعية؟!..
وهنا نلاحظ أن كلا الزوجين شريكين في تحصيل السكينة، وهو ما أرشدنا الله تعالى إليه : (الأشياء والمقدمات).
وفوق ذلك زادنا الله بيانا وتبيانا، وأرشدنا إلى أهم مقدمة لتحصيل السكينة، وهو مقدمة إلهية، من جعل الله تعالى : (وجعل بينكم مودة ورحمة)، فالمودة موجودة، والرحمة موجودة، من جعل الله تعالى، وهي أيضا تحتاج إلى ما يظهرها ويديمها.
أإله غير الله يفعل ذلك؟!.. السكينه والاستقرار ايااات الله .... عما يشركون!.
تعليق