في قرية تترامى أطرافها على نهر الفرات.. يخترقها طريق يسلكه الزائرون الزاحفون مشياً نحو كربلاء في الزيارة الأربعينية..
نقل لي صديق يسكن تلك المنطقة قصة.. قال فيها:
"في موسم من مواسم الزيارة الأربعينية (زادها الله شرفاً)، اكتظ الطريق بسيل المؤمنين المتجهين إلى زيارة أبي عبد الله عليه السلام.. فوجئتُ
بأطفالي مع جمع آخر من أقرانهم من أطفال المنطقة وقد أقاموا موكباً مصغراً لخدمة الزائرين! يقدمون الماء والعصير والمعجنات بحماس وتلهف
لا نظير لهما.. لقد وقفتُ مذهولاً أمام هذا المنظر الذي يبعث على الفخر والإعجاب، اقتربت منهم.. رآني ولدي الأكبر فقال لي وهو يبتسم:
(بابا.. بابا! إحنا هم نخدم الحسين مثل مواكب الكبار).. وفي وسط دهشتي لم أتردد في أن أسألهم عن مصدر الأموال التي أقاموا بها موكبهم،
وكيف اشتروا ما يقدمونه من مأكولات للزائرين؟؟ وإذا بجواب لم يخطر على ذهني، إذ قال ولدي: لقد اتفقت مع أصدقائي على الذهاب إلى
المدرسة مشياً على الأقدام (المدرسة تبعد نحو ستة كيلو مترات) ووفرنا أجور النقل التي نأخذها منكم وجمعنا مبلغاً جيداً مكّننا في أن نقوم بما
تراه.. لم تحملني قدماي من الفرحة العارمة التي ملأت كلّ كياني وهزت كلّ مشاعري.. احتضنت هؤلاء الأطفال الكبار، لم استطع حبس
دموعي، وأنا أهتف من أعماق قلبي: لبيك يا حسين!".
صادق مهدي حسن
تم نشره في المجلة العدد53
تعليق