غصنُ من أغصان الشجرة النبوية، وريحانة من ريحانات أبي الأحرارعليه السلام، لم تذكر لنا المصادر التاريخية الكثير عنها
كونها طفلة لم تتجاوز الأربع أو الخمس سنوات على بعض الروايات، ولكن طريقة موتها تُبيّن لنا علوّ مقامها وهذا ما تمتاز
به الأسرة النبوية، إذ إنهم منبع العلم والطهارة والقداسة؛ لارتباطهم بالذات الإلهية المقدّسة، فنساؤهم أفضل النساء، وأولادهم
أفضل الأولاد.
فتحت السيدة رقية عليها السلام عينيها على أبيها الإمام الحسين عليه السلام وأخيها الإمام السجّاد عليه السلام، فكان لا يسترق
سمعها إلّا القرآن، ولا يدخل قلبها إلّا الدعاء، دُرِجَتْ في بيت كأنه الجنة المنزلة على أرض (فلا خوف فيها ولا هم يحزنون)
لم تر إلا الدين الحق، ولم تعرف إلا الفضائل والمكرمات المقدسة.. وفجأة تتهيأ للرحيل مع الركب الحزين لمرافقة الأب
الكريم في أضخم ملحمة عرفها التاريخ وهزّت الإنسانية جمعاء، ملحمة تُميّز بين الحق والباطل، فكان لهذه الطفلة المكانة
والحضور المتميّز وهي تتفقد أوقات صلاة أبيها لتفرش له سجادة غُزلت خيوطها من طهارة النفوس قبل النسيج، وهذا ما
جعل لها مكانة متميّزة في نفس الإمام عليه السلام فكان يكثر تدليلها ويحنو عليها لصغر سنّها، ولم تكد تفارقه حتى مزّق قلبها
سيف الفراق، وأيّ فراق؟ إنه فراق ممزوج بتقطيع الأوصال وقطع الرؤوس، وأرض مغطّاة بالدماء، وأهل مذبّحين من الوريد
إلى الوريد، وأخٍ عليل حمل على عاتقه مآسي كربلاء التي أحنت ظهره.. والعمّة زينب عليها السلام حائرة تلملم شتات مَن
بقي من الأطفال وهي ممسكة بيد عليلها لتأخذ بيده فهو بقية الله في أرضه، وتبحث عن الحرائر النبوية في تلك الفاجعة
لحمايتهم من السلب والحرق وسحق الخيول وبغي الأعداء.. وبعد كلّ هذا ماذا بقي في قلب هذه الطفلة الرقيق الذي لا يحتمل
كلمة سوء واحدة، فكيف بهذه المآسي، بقيت تئنّ على أبيها طَوال رحلة السبيّ الطويلة إلى أن وصلت خربة الشام المشؤومة
ووصل صوتها إلى يزيد اللعين، فبعث لها برأس أبيها لتلفظ أنفاسها المقدّسة وهي تقبّله، فرحلت معه إلى جنان الجبّار التي
أعدّها للمتقين، وبقيت غصتها في قلب سبايا أهل البيت عليهم السلام وقلوب المؤمنين إلى يوم يُبعثون، فسلامٌ على رقية
المظلومة الطفلة الحزينة
تعليق