أولاً: الدين لم يكن مجرد ظاهرة عابرة في التاريخ الإنساني، كما أنه لم يكن حالة وقتية رافقت الإنسان في لحظات العسر والشدة، بل هو أكثر الحقائق حضوراً في تاريخ الإنسان وحاضره، وعليه من الاجحاف وعدم الموضوعية تفسير الدين الذي بدأ ببداية الإنسان على الأرض ومازال يزداد حضوراً وتوسعاً وتجذراً بكونه مجرد وهم لتسكين الجراح، وعليه لا يمكن لأي باحث موضوعي يترفع عن تحيزاته الايدلوجية أن يتبنى هذا الرأي لتفسير نشوء الأديان.
ثانياً: الوهم النفسي وإن كان له وجود في الحياة الإنسانية إلا أنه سريعاً ما يتسرب ويضمحل أمام العقل واسئلته المحرجة، ولذا لا يربط العقلاء حياتهم ومصيرهم بمجرد وهم لا تدعمه أي حقائق علمية أو عقلية، والحالات النفسية كما هو مؤكد ليس لها ثبات يمكن الارتكاز عليه، فهي دائماً في حالة من الاضطراب والتبدل المستمر بحسب الظروف الخارجية، وعليه كيف لعاقل أن يفسر وجود الاديان واستمرارها على أساس حالة نفسية تفتقر لأبسط عوامل الثبات والاستقرار؟
ثالثاً: الأديان ترتكز على مبررات فطرية وعقلية لا يمكن اهمالها وتجاهلها، فاضطرار الإنسان إلى معرفة من أوجده من جهة، وحاجته إلى الكمال من جهة أخرى، وتطلعه إلى مصير الحياة ومستقبلها المجهول من جهة ثالثة، يحتم عليه التطلع إلى الغيب والبحث خارج حدود المادة، وهذا النوع من الوعي المتسامي عن المادة والمترفع عن الحس، يمثل جانب الإشراق في الإنسان، يقول بارتيلمي سانت هيلير: "هذا اللغز العظيم الذي يستحدث عقولنا: ما العالم؟ ما الإنسان؟ من أين جاء؟ من صنعهما؟ من يدبرهما؟ ما هدفهما؟ كيف بدءا؟ كيف ينتهيان؟ ما الحياة؟ ما الموت؟ ما القانون الذي يجب يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا؟ أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة؟ وما علاقتنا بهذا الخلود؟ هذه الأسئلة لا توجد أمة، ولا شعب، ولا مجتمع، إلا وضع لها حلولاً جيدة أو رديئة، مقبولة أو سخيفة، ثابتة أو متحولة". ويقول: شاشاوان: "مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر... علمياً، وصناعياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ومهما يكن اندفاعنا في هذه الحركة العظيمة للحياة العملية، وللجهاد والتنافس في سبيل معيشتنا ومعيشة ذوينا، فإن عقلنا في أوقات السكون والهدوء – عظاماً كنا أو متواضعين، خياراً كنا أو أشراراً _ يعود إلى التأمل في هذه المسائل الازلية: لما وكيف كان وجودنا ووجود هذا العالم؟ وإلى التفكير في العلل الأولى أو الثانية، وفي حقوقنا وواجباتنا؟) (عبد الله دراز ص 83)
وبذلك يتضح أن نشوء الأديان له علاقة بواقع تلك الاسئلة الوجودية المتأصل في كل إنسان، فلو لم يكن التدين حالة اصيلة وضرورة فطرية لما وجدنا هناك دين في المجتمعات الإنسانية، وهذا ما يؤكده معجم (لاروس) للقرن العشرين الذي جاء فيه: إن الغريزة الدينية: مشتركة بين كل الاجناس البشرية، حتى أشدها همجية، واقربها إلى الحياة الحيوانية.. وان الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية. ويقول: إن هذه الغريزة الدينية لا تختفي، بل لا تضعف ولا تذبل، إلا في فترات الإسراف في الحضارة وعند عدد قليل جداً من الأفراد.
وهذا خلاف الإلحاد الذي يعد مساراً معاكساً لتاريخ الإنسان وفطرته المتدينة، ومن هنا لم يجد الإلحاد طريقاً لتبرير موقفه إلا بتقديم تفسيرات مشوهة لنشوء الأديان.
رابعاً: كون الدين يضمد جراحات المكلومين ويسكن آلامهم يعد أمراً إيجابياً يحسب للأديان وليس عليها، وفي ذلك اعتراف من الإلحاد على أن الدين له قدرة على جعل الحياة أكثر هدواً واطمئناناً، ونحن هنا نؤكد معهم على هذه النتيجة ونختلف معهم في التفسير الذي قدموه؛ فالوهم النفسي لا يمكن أن يحقق هذه الحالة من الاطمئنان والاستقرار، وإنما التفسير المقنع الذي يقدمه الدين لفلسفة الحياة هو الذي يحقق هذه الحالة للإنسان.
المقال رداً على سؤال:
ريتشارد دوكنز يقول بأن الغاية الأساسية من الدين هي تضميد جراح المكلومين وتسكين آلامهم والقول بأن تعويض الخسارة اذا لم تعوض بالدنيا فسيكون بالآخرة.. ويسميه اطفاء الجراح بالوهم!
لم نقف على هذه المقولة المنسوبة لريتشارد دوكنز حتى نتعرف على خلفياتها وسياقاتها التي ذكرت فيها، ولذا سيكون الرد على المقولة بعيداً عن قائلها بوصفها مقولة يمكن لأي ملحد أن يتبناها.
من موقع الائمة الاثنى عشر
ثانياً: الوهم النفسي وإن كان له وجود في الحياة الإنسانية إلا أنه سريعاً ما يتسرب ويضمحل أمام العقل واسئلته المحرجة، ولذا لا يربط العقلاء حياتهم ومصيرهم بمجرد وهم لا تدعمه أي حقائق علمية أو عقلية، والحالات النفسية كما هو مؤكد ليس لها ثبات يمكن الارتكاز عليه، فهي دائماً في حالة من الاضطراب والتبدل المستمر بحسب الظروف الخارجية، وعليه كيف لعاقل أن يفسر وجود الاديان واستمرارها على أساس حالة نفسية تفتقر لأبسط عوامل الثبات والاستقرار؟
ثالثاً: الأديان ترتكز على مبررات فطرية وعقلية لا يمكن اهمالها وتجاهلها، فاضطرار الإنسان إلى معرفة من أوجده من جهة، وحاجته إلى الكمال من جهة أخرى، وتطلعه إلى مصير الحياة ومستقبلها المجهول من جهة ثالثة، يحتم عليه التطلع إلى الغيب والبحث خارج حدود المادة، وهذا النوع من الوعي المتسامي عن المادة والمترفع عن الحس، يمثل جانب الإشراق في الإنسان، يقول بارتيلمي سانت هيلير: "هذا اللغز العظيم الذي يستحدث عقولنا: ما العالم؟ ما الإنسان؟ من أين جاء؟ من صنعهما؟ من يدبرهما؟ ما هدفهما؟ كيف بدءا؟ كيف ينتهيان؟ ما الحياة؟ ما الموت؟ ما القانون الذي يجب يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا؟ أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة؟ وما علاقتنا بهذا الخلود؟ هذه الأسئلة لا توجد أمة، ولا شعب، ولا مجتمع، إلا وضع لها حلولاً جيدة أو رديئة، مقبولة أو سخيفة، ثابتة أو متحولة". ويقول: شاشاوان: "مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر... علمياً، وصناعياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ومهما يكن اندفاعنا في هذه الحركة العظيمة للحياة العملية، وللجهاد والتنافس في سبيل معيشتنا ومعيشة ذوينا، فإن عقلنا في أوقات السكون والهدوء – عظاماً كنا أو متواضعين، خياراً كنا أو أشراراً _ يعود إلى التأمل في هذه المسائل الازلية: لما وكيف كان وجودنا ووجود هذا العالم؟ وإلى التفكير في العلل الأولى أو الثانية، وفي حقوقنا وواجباتنا؟) (عبد الله دراز ص 83)
وبذلك يتضح أن نشوء الأديان له علاقة بواقع تلك الاسئلة الوجودية المتأصل في كل إنسان، فلو لم يكن التدين حالة اصيلة وضرورة فطرية لما وجدنا هناك دين في المجتمعات الإنسانية، وهذا ما يؤكده معجم (لاروس) للقرن العشرين الذي جاء فيه: إن الغريزة الدينية: مشتركة بين كل الاجناس البشرية، حتى أشدها همجية، واقربها إلى الحياة الحيوانية.. وان الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية. ويقول: إن هذه الغريزة الدينية لا تختفي، بل لا تضعف ولا تذبل، إلا في فترات الإسراف في الحضارة وعند عدد قليل جداً من الأفراد.
وهذا خلاف الإلحاد الذي يعد مساراً معاكساً لتاريخ الإنسان وفطرته المتدينة، ومن هنا لم يجد الإلحاد طريقاً لتبرير موقفه إلا بتقديم تفسيرات مشوهة لنشوء الأديان.
رابعاً: كون الدين يضمد جراحات المكلومين ويسكن آلامهم يعد أمراً إيجابياً يحسب للأديان وليس عليها، وفي ذلك اعتراف من الإلحاد على أن الدين له قدرة على جعل الحياة أكثر هدواً واطمئناناً، ونحن هنا نؤكد معهم على هذه النتيجة ونختلف معهم في التفسير الذي قدموه؛ فالوهم النفسي لا يمكن أن يحقق هذه الحالة من الاطمئنان والاستقرار، وإنما التفسير المقنع الذي يقدمه الدين لفلسفة الحياة هو الذي يحقق هذه الحالة للإنسان.
المقال رداً على سؤال:
ريتشارد دوكنز يقول بأن الغاية الأساسية من الدين هي تضميد جراح المكلومين وتسكين آلامهم والقول بأن تعويض الخسارة اذا لم تعوض بالدنيا فسيكون بالآخرة.. ويسميه اطفاء الجراح بالوهم!
لم نقف على هذه المقولة المنسوبة لريتشارد دوكنز حتى نتعرف على خلفياتها وسياقاتها التي ذكرت فيها، ولذا سيكون الرد على المقولة بعيداً عن قائلها بوصفها مقولة يمكن لأي ملحد أن يتبناها.
من موقع الائمة الاثنى عشر
تعليق