اللهم صل على محمد وآل محمد
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بُعْدُ الْأَحْمَقِ خَيرٌ مِنْ قُرْبِه، وَسُكُوتُةُ خَيرٌ مِنْ نُطْقِه"
لا يستسيغ الحُمقَ إلا الأحمق، لأنه لا يدرك أنه أحمق، بل يظن أنه أعقل الناس وأكثرهم ذكاءً ونباهة، أما العاقل الحصيف فيعلم أن الحُمقَ داء لا بُرءَ منه، ووبال على صاحبه، وداعية لحرمانه من التطوِّر والتَّرَقي، الأحمق ينمو بدنه ولا تنمو معارفه، ويَسمن جسمه ولا يزيد عقله، فهو والعاقل نقيضان لا يجتمعان في شخص أبداً، لما في الحمق من سَفَهٍ وجَهلٍ، وما يصدر عنه من ذميم القول والفعل، فالأحمق ناقص العقل، سَيّء الرأي، لا يُحسِنُ تدبير أموره ولا أمور غيره، سفيه غير رشيد، وغَبي لا يَعي ما يقول ويفعل.
وللأحمق علامات يُعرَفُ بها وهي: الجهل، والخِفَّة، والعَجَلة، والغُرور، والفُجور، والخُيَلاء، والفَخر، والخِفَّةُ، وسُرعة الجواب، والتسَّرع في المواقف، وترك التثبُّت، يغضب من أي شيء، ويستفزُّه أي موقف، يسبق لسانُه عقلَه، ولا يندم على خطأ يكون منه، إن قال لم يُحسِنْ القَول، وإن قيل له قول لم يفهمه على وجهه، ولا يبالي بما يقول ولا ما يُقالُ فيه، يَثِقُ بكل أحد، ولا يفرق بين عدو وصديق، ويفشي سِرَّه للقريب والبعيد، يبتعد عن خيار الناس ويلتصق بشرارهم، إن أعرض الناس عنه اغتَمَ وحزِنَ، وإن أقبلوا عليه اغتَرَّ واستكبر، إن قابلوه بالحِلم قابلهم بالجهل، وإن احترموا خصوصياته اعتدى على خصوصياتهم، وإن أحسنوا إليه أساء إليهم من حيث يدري أو لا يدري.
الأحمَق يريد أن ينفعك فيضرك، ويريد أن ينصحك فيغشُّك، ويريد أن يدافع عنك فيؤذيك، لا يكون منه إلا التَّهَوُّرُ والطيش والسَّفَه، ومثل هذا لا ينفعك في شيء، ولا يمكنك الاعتماد عليه ولا الثقة به، ولا تفويضه بأمر من أمورك، لأنَّه يتصوَّر المستحيل من الأمور ممكناً، ولا يعرف التمييز بين الصواب والخطأ، وإن عُرِّفَ الصواب استهجنه وتعجَّب منه، وإن دُعِيَ إلى العمل به لم يعمل.
العاقل يتجنَّب صُحبَة الأحمق، فالصحبة لا تثمر إلا إذا كانت بين متكافئين متساويين كلهما منهما يعطي الآخر مما لديه، فكيف تستقيم العلاقة بين عاقل وأحمق؟ إلا إذا كان العاقل يرغب في تعليمه وتربيته فلا ضَير في ذلك، بل قد يجب، شَرط أن يصبر على ما يكون منه، ويعطيه الوقت الكافي، فبُعدُ الأحمق خير من قُربه، وسكوته خير من نُطقه.
كذلك على العاقل أن يحذر توظيف الأحمق والاعتماد عليه، وأن يعهد إليه بِمَهَمَّة، إذ لا يتأتَّى منه إلا الضَّرَر، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "احْذَرْ مِنَ الأَحْمَقِ فَإِنَّ مُداراتَهُ تُعْييكَ، ومُوافَقَتَهُ تُرْديكَ، ومُخالَفَتَهُ تُؤْذيكَ، ومُصَاحَبَتَهُ وَبالٌ عَلَيْكَ"
وعلى العاقل أن يتجنَّب مجادلة الأحمق فإنه سيغلبه على كل حال، إن فَهِمَ مراده لم يستجب له، وإن لم يفهم مراده استطال عليه واتهمه بالغَباء والحمق، فالأفضل له أن يترفَّع عن مجادلته ومحاورته، إذ لا فائدة تُرجى من الخوض معه فيما لا يفهم فيه.
تعليق