تمهيد
التزاور بين المؤمنين من أهم المظاهر الاجتماعية التي دعا الإسلام إليها، وقد طفحت كتب الأحاديث الشريفة بالأحاديث التي تتحدث عن فضل التزاور وآثاره المهمة، وسنستعرض فيما يلي بعضا من هذه الروايات.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "تزاوروا فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم"- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1192.
.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "تزاوروا في بيوتكم فإنَّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله تعالى عبدا أحيا أمرنا" ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1193.
وعن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله : "أكرم أخلاق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، التزاور في الله تعالى، وحق على المزور أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، ولو لم يكن إلا جرعة من ماء، فمن احتشم أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، لم يزل في مقت الله تعالى يومه وليلته" مستدرك الوسائل، الميرزا، النوري، ج61، ص239.
وفي رواية عن الإمام علي عليه السلام: "أنتم في تزاوركم مثل أجر الحاجين" مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص363.
وعن الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام قال: "من زار أخاه في الله تعالى طلبا لإنجاز موعود الله تعالى شيعه سبعون ألف ملك، وهتف به هاتف من خلف: ألا طبت وطابت لك الجنة، فإذا صافحه غمرته الرحمة" مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص363..
الضيافة
تعتبر الضيافة من أجلى مظاهر الكرم، وهي من الصفات التي تغنت بها الشعراء وخلدت أناسا في كتب التاريخ، وفوق هذا كله فالضيافة مما ندبت إليها الشريعة الإسلامية وحثت عليها الديانات الإلهية، وهي وسيلة من والوسائل إلى رضا الله تعالى، وفي الرواية أن الإمام علي عليه السلام سأل العلاء بن زياد لما رأى سعة داره: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري بها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الاخرة. - ميزان الحكمة، الحديث 11101
فضل إكرام الضيف
كثرت الروايات التي تتحدث عن لزوم إكرام الضيف الداخل إلى دار الإنسان، منها ما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه".- ميزان الحكمة، الحديث 11098.
بل إن من أفضل موارد الإنفاق لمن اتاه الله المال والسعة هي إكرام الضيوف بما يدخل فيه السرور إلى قلوبهم فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من اتاه الله مالاً فليصل به القرابة وليحسن منه الضيافة"- ميزان الحكمة، الحديث 11102
ومن فضل الله تعالى على المؤمنين أنه جعل الرزق في دخول الضيف إلى المنزل فمن كان يخاف العسر من كثرة الضيوف فعليه أن يثق بما وعد به الله تعالى على لسان رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حيث روي عنه أنه قال: "الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام"- ميزان الحكمة، الحديث 11103..
بل إن من فضل الله تعالى على المؤمنين المضيفين أن يغفر الله لهم ذنوبهم ببركة الضيف وبركة الضيافة ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الضيف ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت".. ميزان الحكمة، الحديث 11100
**********************
الوليمة
الوليمة هي أن يدعو الإنسان طائفة من الناس لتناول الطعام لمناسبة تسره، أو لنذر نذره أو عن روح ميت عزيز عليه وغيرها من الدواعي كما أن الوليمة هي فرصة لإطعام المساكين من الناس الذين لا يملكون قوت يومهم.
وقد ندب الشارع إلى الوليمة بشكل عام، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: قوت الأجساد الطعام، وقوت الأرواح الإطعام، وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: الإمام علي عليه السلام: "لذة الكرام في الإطعام، ولذة اللئام في الطعام".ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1721
إلا أن الشارع لم يدعو لإقامة الولائم بشكل عشوائي بل حدد لها مناسبات خاصة.
الأماكن التي لو جلس فيها الضيف، لكان بإمكانه النظر إلى غرف البيت الأخرى وبالتالي يكون عرضة للنظر إلى ما لا يحل النظر إليه ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله، فليجلس حيث يأمر صاحب الرحل فإن صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه".
2- ومن الاداب أيضاً أن يدعو لصاحب البيت بعد الانتهاء من تناول الطعام وقد وردت في الروايات العديد من الأدعية التي يمكن للضيف أن يدعو بها ففي الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا طعم عند أهل بيت قال صلى الله عليه وآله: "طعم عندكم الأخيار".
وفي رواية أخرى أن أحدهم حمل لأبي عبد الله عليه السلام لطفاً فأكل معه فلما فرغ قال: الحمد لله وقال له: "أكل طعامك الأبرار، وصلت عليك الملائكة الأخيار".
أدب الضيافة (صاحب البيت)
1- الأكل مع الضيف
أول الآداب الخاصة بصاحب البيت أن يأكل مع ضيفه فلا يتركه يأكل لوحده ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحب أن يحبه الله ورسوله فليأكل مع ضيفه"- تنبيه الخواطر، ج2، ص116..
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله : "من أكل طعامه مع ضيفه فليس له حجاب دون الرب"- المصدر السابق..
وإن من الأعراف واللياقات أن لا يدع الإنسان ضيفه يأكل لوحده، ثم يدخل إلى غرفة أخرى ليأكل بمفرده فإن مثل هذا العمل يعد في العرف إهانة كبيرة للضيف، أو يتركه ليأكل وهو ينظر إليه وهذا مما يخجل الضيف.
2- أن لا يستخدم الضيف
من اداب صاحب البيت أن لا يستخدم ضيفه كأن يسأله أن يناوله الإبريق مثلاً أو أي أمر اخر، بل عليه هو أن يخدم الضيف فقد روى أبو يعفور أنه رأى عند الإمام الصادق عليه السلام ضيفا فقام يوماً في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستخدم الضيف"- الكافي، ج6، ص283.
3- أن لا يتكلف للضيف
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر"- كنز العمال، الحديث 25876..
وفي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: دعا رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عليه السلام: قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال، قال الرجل: وما هي يا أمير المؤمنين؟
قال عليه السلام: لا تدخل علي شيئاً من خارج، ولا تدخر عني شيئاً في البيت، ولا تجحف بالعيال، قال ذاك لك يا أمير المؤمنين
- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص42.
فإن الله تعالى لا يحب أن يضيق الإنسان على نفسه كما أن شر الأخوان من تكلف له
- نهج البلاغة، أمير المؤمنين عليه السلام، ج4، ص110.
وما ذلك إلا لأنَّ الأخ الذي يشعرك بلزوم التكلُّف له ليس أخاً حقيقة لأن الأخ الحقيقي لا يسبب إحراجا لأخيه، بل ثقلٌ موجبٌ للحرج وللمشقة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أنه هناك فرقاً بين أن يكون الإنسان جالساً في بيته، ويأتيه أخ من دون دعوة، وبين أن يقيم الإنسان وليمة ويدعو إليها إخوانه وأهله، ففي الحالة الأولى لا ينبغي أن يتكلف الإنسان لأخيه فيها، والروايات التي مرت إنما تتحدث عن هذه الحالة وأشباهها، أما لو أقام الإنسان وليمة ودعا الناس إليها، فينبغي له التكلف بأن يحسن المأكل والمشرب ويهيئ لهم من الكرامة ما يليق بشأنه وشأنهم، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أتاك أخوك فأتِهِ بما عندك، وإذا دعوتَه فتكلَّف له"- المحاسن، ج2، ص179.
.
منقول بتصرف
تعليق