اللهم صل على محمد وآل محمد
دحو الأرض، حدث مبارك له شأن عند الله تعالى ومنزلة رفيعة، وهذا الحدث يصادف في يوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة،
- وهو من الأيَّام المباركة المخصوصة بالدعاء والصلاة والصيام، وقد ذكره الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه الكريم في معرض كلامه عن الخلق ومراحله؛ إذ قال:
((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا))
- النازعات: 27 - 31 .
وهنا القرآن يكشف عن مراحل الخلق للكون، والبداية كانت من السماء التي رُفعت، ثمَّ بعد ذلك وصل الدَّور إلى الأرض التي دُحيت فأخرج منها الماء والمرعى،
- وفي الموضوع نفسه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة إلى حدث دحو الأرض في نصٍّ طويل قال فيه:
((كَبَسَ الأرْضَ عَلى مَوْرِ أَمْوَاج مُسْتَفْحِلَة، وَلُجَجِ بِحَار زَاخِرَة، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا، وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً؛ إِذْ تَمعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً مَقْهُوراً، وَفِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وَسَكَنَتِ الأرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ))([1]) .
وفي نصٍّ آخر يقول (عليه السلام):
((ثُمَّ أَدَاءَ الأمَانَةِ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ، وَالأرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ))([2])،
وفي نصٍّ ثالث يقول:
((اللَّهُمَّ دَاحَيَ الْمَدْحُوَّاتِ، وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ))([3]) .
والدحو: بمعنى ((البَسْطُ . دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها... دَحَا الأَرضَ أَوْسَعَها،
- وفي حديث عليّ وصلاته عليه السلام: اللهم دَاحِيَ المَدْحُوَّاتِ، يعني باسِطَ الأَرَضِينَ ومُوَسِّعَها))([4]) .
- وإذا ثبت معنى الانبساط للأرض في هذا اليوم عبر دحوها، فإنَّنا نصبح أمام إشكال ماهيَّته أنَّ الأرض قد ثبتت كرويَّتها بعلم الفلك، فكيف يتلاءم ذلك مع نصِّ القرآن الكريم وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) القاضي بإسناد انبساط الأرض إلى الله تعالى، والانبساط خلاف الكرويَّة،
وفي الجواب على ذلك ننقل ما انتهى إليه ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 هـ) في شرحه لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الآنف الذكر، وذلك قوله:
((الأرض بجملتها شكل كرة؛ وذلك لا يمنع أن تكون كل قطعة منها مبسوطة تصلح لأن تكون مستقرًا ومجالًا للبشر وغيرهم من الحيوان، فإنَّ المراد بانبساطها هاهنا ليس هو السطح الحقيقي الذي لا يوجد في الكرة؛ بل كون كلِّ قطعة منها صالحة لأن يتصرف عليها الحيوان))([5]) .
- وبذلك يكون معنى الدحو: هو بسط الأرض عبر مدِّها وتوسيعها؛ لتكون صالحة للسكن والحياة .
أمَّا كيفيَّة دحو الأرض وخلقها فيمكن أن نتعرَّف عليه عبر رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها:
- (لمَّا أراد الله أن يخلق الأرض، أمر الرياح الأربع فضربن متن الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، وهو قول الله (عزّ وجلّ): (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا) [آل عمران: 96]،
فأوّل بقعة خُلقت من الأرض الكعبة، ثمّ مُدّت الأرض منها)([6]) .
- بهذه الصُّورة تمَّ خلق الأرض بأمر الله تعالى؛ ولهذه المناسبة فُضِّل هذا اليوم في هذه السَّنة، وأصبحت له أعمالٌ عباديَّة يتقرَّب المؤمنون بها إلى الله تعالى،
- وهناك من ذكر مناسباتٍ أُخرى لهذا اليوم (25 ذي القعدة) غير دحو الأرض، منها: نزول الكعبة بيت الله الحرام، ونزول الرحمة على آدم (عليه السلام)، وهذا المعنى أشار له الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) بقوله:
((في خمسة وعشرين من ذي القعدة، أنزل الله (عزَّ وجلَّ) الكعبة البيت الحرام، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة، وهو أول يوم أنزلت فيه الرحمة من السماء على آدم "عليه السلام")([7])،
- وفي رواية أُخرى عن الإمام الرضا (عليه السلام) يذكر فيها أربع مناسباتٍ لهذا اليوم، وهي:
((نُشِرَتْ فِيه الرَّحْمَةُ، ودُحِيَتْ فِيه الأَرْضُ، ونُصِبَتْ فِيه الْكَعْبَةُ، وهَبَطَ فِيه آدَمُ "عليه السلام")([8])،
وفي رواية أُخرى عن الرِّضا (عليه السلام) أيضًا يُضيف فيها مناسبتين وهما: ولادة النبي إبراهيم والنبي عيسى بن مريم (عليهما السلام)([9]) .
وأيَّما تكن المناسبات في هذا اليوم الفضيل فإنَّه قد ذُكرت فيه جملةٌ من الأعمال العباديَّة كالغسل والصوم والصلاة والدُّعاء([10]) .
ومن الروايات التي وردت بالحثِّ على العبادة والدعاء في هذا اليوم ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
((إنّ أوّل رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة،
- فمن صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، فله عبادة مائة سنة صام نهارها وقام ليلها، وأيَّما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربِّهم (عزَّ وجلَّ)، لم يتفرَّقوا حتَّى يُعطوا سؤلهم، وينزل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة، يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين والصائمين في ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة)([11]) .
ومن هنا سادتي الأكارم لنجعل هذا اليوم يوم عبادة وتقرُّبٍ إلى الله تعالى، وندعوه بأن يشملنا بعطفه ورحمته ويرفع عنَّا هذا الوباء والبلاء،
- وأن يحفظ بلاد المسلمين من كلِّ سوء، وأن يمنَّ على جميع المسلمين بالأمن والأمان .
- وعلينا أن نجتهد في هذا اليوم بكلِّ ما نستطيع؛ حتَّى نستثمر ذكرى نزول أوَّل رحمة لله تعالى على الأرض، عسى أن يشملنا الرؤوف بعطفه ويرفع عنَّا ما بنا من سوء وبلاء إنَّه سميع مجيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسلام على خير المرسلين محمَّدٍ وآله والطاهرين .
---------------
المصدر📚📚
اقبال الأعمال 26\27
- وهو من الأيَّام المباركة المخصوصة بالدعاء والصلاة والصيام، وقد ذكره الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه الكريم في معرض كلامه عن الخلق ومراحله؛ إذ قال:
((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا))
- النازعات: 27 - 31 .
وهنا القرآن يكشف عن مراحل الخلق للكون، والبداية كانت من السماء التي رُفعت، ثمَّ بعد ذلك وصل الدَّور إلى الأرض التي دُحيت فأخرج منها الماء والمرعى،
- وفي الموضوع نفسه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة إلى حدث دحو الأرض في نصٍّ طويل قال فيه:
((كَبَسَ الأرْضَ عَلى مَوْرِ أَمْوَاج مُسْتَفْحِلَة، وَلُجَجِ بِحَار زَاخِرَة، تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا، وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً؛ إِذْ تَمعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ، سَاجِياً مَقْهُوراً، وَفِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً، وَسَكَنَتِ الأرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ))([1]) .
وفي نصٍّ آخر يقول (عليه السلام):
((ثُمَّ أَدَاءَ الأمَانَةِ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ، وَالأرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ))([2])،
وفي نصٍّ ثالث يقول:
((اللَّهُمَّ دَاحَيَ الْمَدْحُوَّاتِ، وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ))([3]) .
والدحو: بمعنى ((البَسْطُ . دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها... دَحَا الأَرضَ أَوْسَعَها،
- وفي حديث عليّ وصلاته عليه السلام: اللهم دَاحِيَ المَدْحُوَّاتِ، يعني باسِطَ الأَرَضِينَ ومُوَسِّعَها))([4]) .
- وإذا ثبت معنى الانبساط للأرض في هذا اليوم عبر دحوها، فإنَّنا نصبح أمام إشكال ماهيَّته أنَّ الأرض قد ثبتت كرويَّتها بعلم الفلك، فكيف يتلاءم ذلك مع نصِّ القرآن الكريم وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) القاضي بإسناد انبساط الأرض إلى الله تعالى، والانبساط خلاف الكرويَّة،
وفي الجواب على ذلك ننقل ما انتهى إليه ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 هـ) في شرحه لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الآنف الذكر، وذلك قوله:
((الأرض بجملتها شكل كرة؛ وذلك لا يمنع أن تكون كل قطعة منها مبسوطة تصلح لأن تكون مستقرًا ومجالًا للبشر وغيرهم من الحيوان، فإنَّ المراد بانبساطها هاهنا ليس هو السطح الحقيقي الذي لا يوجد في الكرة؛ بل كون كلِّ قطعة منها صالحة لأن يتصرف عليها الحيوان))([5]) .
- وبذلك يكون معنى الدحو: هو بسط الأرض عبر مدِّها وتوسيعها؛ لتكون صالحة للسكن والحياة .
أمَّا كيفيَّة دحو الأرض وخلقها فيمكن أن نتعرَّف عليه عبر رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول فيها:
- (لمَّا أراد الله أن يخلق الأرض، أمر الرياح الأربع فضربن متن الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، وهو قول الله (عزّ وجلّ): (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا) [آل عمران: 96]،
فأوّل بقعة خُلقت من الأرض الكعبة، ثمّ مُدّت الأرض منها)([6]) .
- بهذه الصُّورة تمَّ خلق الأرض بأمر الله تعالى؛ ولهذه المناسبة فُضِّل هذا اليوم في هذه السَّنة، وأصبحت له أعمالٌ عباديَّة يتقرَّب المؤمنون بها إلى الله تعالى،
- وهناك من ذكر مناسباتٍ أُخرى لهذا اليوم (25 ذي القعدة) غير دحو الأرض، منها: نزول الكعبة بيت الله الحرام، ونزول الرحمة على آدم (عليه السلام)، وهذا المعنى أشار له الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) بقوله:
((في خمسة وعشرين من ذي القعدة، أنزل الله (عزَّ وجلَّ) الكعبة البيت الحرام، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة، وهو أول يوم أنزلت فيه الرحمة من السماء على آدم "عليه السلام")([7])،
- وفي رواية أُخرى عن الإمام الرضا (عليه السلام) يذكر فيها أربع مناسباتٍ لهذا اليوم، وهي:
((نُشِرَتْ فِيه الرَّحْمَةُ، ودُحِيَتْ فِيه الأَرْضُ، ونُصِبَتْ فِيه الْكَعْبَةُ، وهَبَطَ فِيه آدَمُ "عليه السلام")([8])،
وفي رواية أُخرى عن الرِّضا (عليه السلام) أيضًا يُضيف فيها مناسبتين وهما: ولادة النبي إبراهيم والنبي عيسى بن مريم (عليهما السلام)([9]) .
وأيَّما تكن المناسبات في هذا اليوم الفضيل فإنَّه قد ذُكرت فيه جملةٌ من الأعمال العباديَّة كالغسل والصوم والصلاة والدُّعاء([10]) .
ومن الروايات التي وردت بالحثِّ على العبادة والدعاء في هذا اليوم ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
((إنّ أوّل رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة،
- فمن صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، فله عبادة مائة سنة صام نهارها وقام ليلها، وأيَّما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربِّهم (عزَّ وجلَّ)، لم يتفرَّقوا حتَّى يُعطوا سؤلهم، وينزل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة، يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين والصائمين في ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة)([11]) .
ومن هنا سادتي الأكارم لنجعل هذا اليوم يوم عبادة وتقرُّبٍ إلى الله تعالى، وندعوه بأن يشملنا بعطفه ورحمته ويرفع عنَّا هذا الوباء والبلاء،
- وأن يحفظ بلاد المسلمين من كلِّ سوء، وأن يمنَّ على جميع المسلمين بالأمن والأمان .
- وعلينا أن نجتهد في هذا اليوم بكلِّ ما نستطيع؛ حتَّى نستثمر ذكرى نزول أوَّل رحمة لله تعالى على الأرض، عسى أن يشملنا الرؤوف بعطفه ويرفع عنَّا ما بنا من سوء وبلاء إنَّه سميع مجيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسلام على خير المرسلين محمَّدٍ وآله والطاهرين .
---------------
المصدر📚📚
اقبال الأعمال 26\27
تعليق