محرّم مدرسة التطهير والتزكية
وهكذا فإن قضية عاشوراء تفرض نفسها على الإنسان، ولا ريب أنّ كثيراً من الناس يدخلون في هذا الشهر الحرام مثقلين بالذنوب
____________________
(١) كلمات الإمام الحسينعليهالسلام للشيخ الشريفي / ٥١٠.
(٢) المصدر نفسه / ٤٧٧.
٥٨
والأمراض القلبية، والخلافات الاجتماعية ثمّ يخرجون منه وقد طهرت قلوبهم، وزكت نفوسهم، وغُفرت ذنوبهم، وأصبحوا أكثر حبّاً لإخوتهم، وأقدر على التعاون والعمل، وأبعد ما يكونون عن الكسل.
والمحروم من محرم من لم يستفد من هذه المناسبة الفضيلة، والمحروم هو الذي لا يخشع قلبه لذكرى الحسينعليهالسلام فيجلس ويستمع، ولكن جدران قلبه من حديد، فيجعل بينه وبين الظاهرة التاريخيّة جداراً ضخماً، وحصناً قوياً.
حتّى الأعداء بكوا على مأساة الحسينعليهمالسلام
إنّ مأساة الحسينعليهالسلام أبكت حتّى أعداءه، وقد روي أنّ حرملة الذي قتل الطفل الرضيع قد بكى أيضاً؛ فعندما جيء به إلى المختار الثقفي سأله المختار قائلاً: أما رقّ قلبك للحسين وأطفاله ونسائه؟!
فقال حرملة: بلى رقّ قلبي عندما رأيت الطفل الرضيع يتفجّر عنقه دماً، ثمّ التفت إلى أبيه وتبسّم في وجهه، في تلك الساعة رقّ قلبي لمنظر الحسين، ولمنظر الطفل الرضيع وهو يُذبح على يديه.
وهكذا فقد أبكى الحسينعليهالسلام أعداءه بمأساته، فإن كنت لا تبكي، ولا تستفيد من هذه المأساة عبرة وخشوعاً في القلب ومعالجة لقسوته فلا بدّ أن تنعى الإنسانيّة في نفسك. وإلى هذا يشير تعالى في قوله
فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكْرِ اللَّهِ ) (الزمر / ٢٢)؛ ذلك لأنّ قسوة القلب هي أشد أنواع الشقاء عند الإنسان، فعندما يكون قلب الإنسان قاسياً موغلاً في القسوة فإنه سوف لا يتأثّر بأي شيء يزيل هذه القسوة.
ومن هنا فإنّ هناك بعض الإرشادات التي لو اتّبعت فإن حكمة هذه الذكرى العظيمة سوف لن تكون بعيدة عنا إن شاء الله تعالى.
٥٩
كيف نعيش ذكرى الحسينعليهالسلام دوماً؟
١ - حاول أن تعيش المأساة في شهر محرم الحرام بكل أبعادها وكأنك تعيشها.
٢ - عليك أن توحي لنفسك باستمرار أن الحسينعليهالسلام وأصحابه وأهل بيته كانوا بشراً مثلنا، ولكنهم رغم ذلك ارتفعوا إلى هذا المستوى من الشجاعة والتضحية والفداء؛ فلقد استشهد جميع أعزة الحسينعليهالسلام أمام ناظريه إلاّ أنه كان كما يقول الراوي: فوالله ما رأيت مفجوعاً قط كالحسين؛ كلما اُصيب بمصيبة ازداد عزماً وقوة! وهذه هي الشجاعة الحقيقية التي هي أن تقتحم الموت خطوة فخطوة بكلِّ إيمان وعزم دون أن تتردّد لحظة واحدة.
وقد كان الإمام الحسينعليهالسلام إلى آخر لحظة من لحظات حياته شديد العزم حتّى وهو واقع على تراب كربلاء يعالج الموت في اللحظات الأخيرة. فلنتعلم الشجاعة منهعليهالسلام ؛ فمن العار علينا أن لا نكون شجعان ونحن ندّعي السير على دربه وانتهاج نهجه، فلنسأل أنفسنا: لماذا كان الحسينعليهالسلام شجاعاً؟ بل لماذا كان القاسم بن الحسن بتلك الدرجة الرفيعة من البطولة دفعته إلى أن يقول للإمام الحسينعليهالسلام حينما سأله:« يا بني، كيف الموت عندك؟ » . قال: يا عم، أحلى من العسل(١) .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الآخرين من أهل البيت، فما الذي جعل علياً الأكبر شجاعاً؟ وما الذي جعل العباس وفياً؟ وما الذي دفع زينب إلى أن تكون صبورة؟
____________________
(١) مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني / ٢٢٨.
٦٠
فلنسأل أنفسنا: كيف نسير في دربهم حتّى نصل إلى هذه النتيجة؟ كيف نربي هذه الشجاعة والإيمان والوفاء في أنفسنا؟ كيف نتّصل بنور الله سبحانه وتعالى حتّى نصبح مثل الحسين وأصحابه وأهل بيتهعليهمالسلام ؟
٣ - علينا أن نتعرّف على فلسفة الحسينعليهالسلام ، أي الفكر الذي يلخّص كل هذه المأساة. إن فلسفتهعليهالسلام تتمثّل في أنه تنازل عن ذاته من أجل هدفه حتّى أصبح المثال الأكمل في هذا المجال، ونحن أيضاً يجب أن لا نفكر في أنفسنا؛ فهناك الكثير من الناس يجعلون أنفسهم جزء من قضيتهم فيسيرون بذلك على معادلة خاطئة، ويتشدقون واهمين أنهم هم الذين يطبّقون الحكومة الإسلاميّة، وأنهم هم الذين يجسدون تطلعات الاُمة؛ وبذلك يتحول هدفهم من هدف مجرد عن الذات إلى هدف ممزوج بها.
فيبتعدون عن تعريض أنفسهم للمشاكل والصعوبات؛ لأنهم - حسب زعمهم - يتصورون أنهم إذا أصابهم قرح فإن الاُمة ستفقد الذي يطبق حكم الله في الأرض، وتخسر الذي ينصح الناس ويعظهم، وهكذا تراهم دوماً وأبداً يبعدون أنفسهم عن الجهاد ويعتبرون المحافظة على أنفسهم أهم من المحافظة على الدين.
ومن هنا فإنّ الإمام الحسينعليهالسلام هو بطل هذه المعادلة؛ فلقد عرف كيف يقول: (لا) لنفسه. فعندما عرفعليهالسلام أن شهادته هي الطريق إلى تطبيق حكم الله لم يطرح نفسه رغم أنه إمام الأمة بنص رسول اللهصلىاللهعليهوآله :« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » (١) .
فمع أنهعليهالسلام كان
____________________
(١) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٩١.
٦١
يعلم أنه الإمام الحقيقي للاُمة، ولكنك تراه يندفع إلى التضحية بنفسه، وبما يملك من أجل الدين؛ ذلك لأنّ الدين أهم من الإنسان وإن كان هذا الإنسان متمثّلاً في الحسينعليهالسلام ، فكيف بي وبك؟!
وهكذا فإنّ علينا في كثير من الأحيان أن نتجرّد عن ذاتنا، وأن نواجه المخاطر والصعوبات بكل رحابة صدر؛ إذ ليس من المعقول أن يحتفظ الواحد منا بنفسه وأهله، وأولاده وماله بحجة أنه يمثل الدين، كلا، فالإنسان لا يكون متديّناً إلاّ عندما يتجرّد عن ذاته.
وهكذا فإنّ المأساة ينبغي أن تفتح الطرق إلى قلبك، أما إذا برّرت الاُمور بطريقة ما وقلت: إن الإمام الحسينعليهالسلام كان إماماً وأنا لست إماماً، وإنه عاش في زمان غير زماني، وما شاكل ذلك من التبريرات الواهية، فإنك ستحرم نفسك من دروس وعبر هذه الملحمة التاريخيّة.
٦٢
عاشوراء نهضة خالدة
وهكذا فإن قضية عاشوراء تفرض نفسها على الإنسان، ولا ريب أنّ كثيراً من الناس يدخلون في هذا الشهر الحرام مثقلين بالذنوب
____________________
(١) كلمات الإمام الحسينعليهالسلام للشيخ الشريفي / ٥١٠.
(٢) المصدر نفسه / ٤٧٧.
٥٨
والأمراض القلبية، والخلافات الاجتماعية ثمّ يخرجون منه وقد طهرت قلوبهم، وزكت نفوسهم، وغُفرت ذنوبهم، وأصبحوا أكثر حبّاً لإخوتهم، وأقدر على التعاون والعمل، وأبعد ما يكونون عن الكسل.
والمحروم من محرم من لم يستفد من هذه المناسبة الفضيلة، والمحروم هو الذي لا يخشع قلبه لذكرى الحسينعليهالسلام فيجلس ويستمع، ولكن جدران قلبه من حديد، فيجعل بينه وبين الظاهرة التاريخيّة جداراً ضخماً، وحصناً قوياً.
حتّى الأعداء بكوا على مأساة الحسينعليهمالسلام
إنّ مأساة الحسينعليهالسلام أبكت حتّى أعداءه، وقد روي أنّ حرملة الذي قتل الطفل الرضيع قد بكى أيضاً؛ فعندما جيء به إلى المختار الثقفي سأله المختار قائلاً: أما رقّ قلبك للحسين وأطفاله ونسائه؟!
فقال حرملة: بلى رقّ قلبي عندما رأيت الطفل الرضيع يتفجّر عنقه دماً، ثمّ التفت إلى أبيه وتبسّم في وجهه، في تلك الساعة رقّ قلبي لمنظر الحسين، ولمنظر الطفل الرضيع وهو يُذبح على يديه.
وهكذا فقد أبكى الحسينعليهالسلام أعداءه بمأساته، فإن كنت لا تبكي، ولا تستفيد من هذه المأساة عبرة وخشوعاً في القلب ومعالجة لقسوته فلا بدّ أن تنعى الإنسانيّة في نفسك. وإلى هذا يشير تعالى في قوله

ومن هنا فإنّ هناك بعض الإرشادات التي لو اتّبعت فإن حكمة هذه الذكرى العظيمة سوف لن تكون بعيدة عنا إن شاء الله تعالى.
٥٩
كيف نعيش ذكرى الحسينعليهالسلام دوماً؟
١ - حاول أن تعيش المأساة في شهر محرم الحرام بكل أبعادها وكأنك تعيشها.
٢ - عليك أن توحي لنفسك باستمرار أن الحسينعليهالسلام وأصحابه وأهل بيته كانوا بشراً مثلنا، ولكنهم رغم ذلك ارتفعوا إلى هذا المستوى من الشجاعة والتضحية والفداء؛ فلقد استشهد جميع أعزة الحسينعليهالسلام أمام ناظريه إلاّ أنه كان كما يقول الراوي: فوالله ما رأيت مفجوعاً قط كالحسين؛ كلما اُصيب بمصيبة ازداد عزماً وقوة! وهذه هي الشجاعة الحقيقية التي هي أن تقتحم الموت خطوة فخطوة بكلِّ إيمان وعزم دون أن تتردّد لحظة واحدة.
وقد كان الإمام الحسينعليهالسلام إلى آخر لحظة من لحظات حياته شديد العزم حتّى وهو واقع على تراب كربلاء يعالج الموت في اللحظات الأخيرة. فلنتعلم الشجاعة منهعليهالسلام ؛ فمن العار علينا أن لا نكون شجعان ونحن ندّعي السير على دربه وانتهاج نهجه، فلنسأل أنفسنا: لماذا كان الحسينعليهالسلام شجاعاً؟ بل لماذا كان القاسم بن الحسن بتلك الدرجة الرفيعة من البطولة دفعته إلى أن يقول للإمام الحسينعليهالسلام حينما سأله:« يا بني، كيف الموت عندك؟ » . قال: يا عم، أحلى من العسل(١) .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الآخرين من أهل البيت، فما الذي جعل علياً الأكبر شجاعاً؟ وما الذي جعل العباس وفياً؟ وما الذي دفع زينب إلى أن تكون صبورة؟
____________________
(١) مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني / ٢٢٨.
٦٠
فلنسأل أنفسنا: كيف نسير في دربهم حتّى نصل إلى هذه النتيجة؟ كيف نربي هذه الشجاعة والإيمان والوفاء في أنفسنا؟ كيف نتّصل بنور الله سبحانه وتعالى حتّى نصبح مثل الحسين وأصحابه وأهل بيتهعليهمالسلام ؟
٣ - علينا أن نتعرّف على فلسفة الحسينعليهالسلام ، أي الفكر الذي يلخّص كل هذه المأساة. إن فلسفتهعليهالسلام تتمثّل في أنه تنازل عن ذاته من أجل هدفه حتّى أصبح المثال الأكمل في هذا المجال، ونحن أيضاً يجب أن لا نفكر في أنفسنا؛ فهناك الكثير من الناس يجعلون أنفسهم جزء من قضيتهم فيسيرون بذلك على معادلة خاطئة، ويتشدقون واهمين أنهم هم الذين يطبّقون الحكومة الإسلاميّة، وأنهم هم الذين يجسدون تطلعات الاُمة؛ وبذلك يتحول هدفهم من هدف مجرد عن الذات إلى هدف ممزوج بها.
فيبتعدون عن تعريض أنفسهم للمشاكل والصعوبات؛ لأنهم - حسب زعمهم - يتصورون أنهم إذا أصابهم قرح فإن الاُمة ستفقد الذي يطبق حكم الله في الأرض، وتخسر الذي ينصح الناس ويعظهم، وهكذا تراهم دوماً وأبداً يبعدون أنفسهم عن الجهاد ويعتبرون المحافظة على أنفسهم أهم من المحافظة على الدين.
ومن هنا فإنّ الإمام الحسينعليهالسلام هو بطل هذه المعادلة؛ فلقد عرف كيف يقول: (لا) لنفسه. فعندما عرفعليهالسلام أن شهادته هي الطريق إلى تطبيق حكم الله لم يطرح نفسه رغم أنه إمام الأمة بنص رسول اللهصلىاللهعليهوآله :« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » (١) .
فمع أنهعليهالسلام كان
____________________
(١) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٩١.
٦١
يعلم أنه الإمام الحقيقي للاُمة، ولكنك تراه يندفع إلى التضحية بنفسه، وبما يملك من أجل الدين؛ ذلك لأنّ الدين أهم من الإنسان وإن كان هذا الإنسان متمثّلاً في الحسينعليهالسلام ، فكيف بي وبك؟!
وهكذا فإنّ علينا في كثير من الأحيان أن نتجرّد عن ذاتنا، وأن نواجه المخاطر والصعوبات بكل رحابة صدر؛ إذ ليس من المعقول أن يحتفظ الواحد منا بنفسه وأهله، وأولاده وماله بحجة أنه يمثل الدين، كلا، فالإنسان لا يكون متديّناً إلاّ عندما يتجرّد عن ذاته.
وهكذا فإنّ المأساة ينبغي أن تفتح الطرق إلى قلبك، أما إذا برّرت الاُمور بطريقة ما وقلت: إن الإمام الحسينعليهالسلام كان إماماً وأنا لست إماماً، وإنه عاش في زمان غير زماني، وما شاكل ذلك من التبريرات الواهية، فإنك ستحرم نفسك من دروس وعبر هذه الملحمة التاريخيّة.
٦٢
عاشوراء نهضة خالدة
تعليق