"" القِسْمُ الثاني "" وارتباطه بواقعِنا الرَاهن وأهميّته """
"" من مُواجهةِ الفَسَادِ والانحِرَافِ في المُجتَمعِ ودور الأخيارِ والصُلَحَاءِ والأحرَارِ في المُعَالَجَةِ والتغييرِِ في نَظَرٍ أميرِ المُؤمنين , الإمامِ علي بن أبي طالبٍ ,عليه السلامُ,""
:.. ما زلنا في إحدى خطبِ أمير المؤمنين , علي , عليه السلامُ , والتي ذكرنا فيها تصنيفه للوضع الاجتماعي إلى فئاتٍ أربع – إنْ بقيتْ على حالها ستكون سبباً للفساد والانحراف , وفي نفس الوقت توجدُ ستُ فئات من المجتمع هي المُكلّفةُ بالتغيير والإصلاحِ لأحوالِ بقية الفئات الأخرى , وقد تأسّفَ الإمامُ علي على رحيل هذه الفئات وعدم تمكنها من القيام بمنهج الإصلاح والتغيير , وينبغي بنا أن نعرض أنفسنا على هذا التصنيف لنعرف من أي الفئات نحن.
قال : عليه السلامُ :
(اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ - فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً - أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّه كُفْراً - أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّه وَفْراً - أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِه عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً – أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وصُلَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وسُمَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ - والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ - أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً - عَنْ هَذِه الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ - والْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ - فَ ( إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ ) –
ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ - ولَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ - أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّه فِي دَارِ قُدْسِه - وتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِه عِنْدَه - هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّه عَنْ جَنَّتِه - ولَا تُنَالُ مَرْضَاتُه إِلَّا بِطَاعَتِه – لَعَنَ اللَّه الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَه - والنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِه)
: نهج البلاغة , ت ,د , صبحي الصالح , ص 188.
وهنا يُصنّفُ الإمامُ , طبقاتِ المُجتمعِ إلى فئاتٍ أربع إنْ بقيتْ من دون معالجةٍ فستكون سبباً للانحراف والفساد , وهذه الفئاتُ الأربعُ هي :
:1: فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً :2: أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّه كُفْراً . :3: أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّه وَفْراً . :4: أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِه عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً .
والفقيرُ على صنفين : صنفٌ يتحمّلُ ولا يقعُ في الانحراف والجريمة , ويُحافظُ على استقامته ويرضى بقضاء اللهِ وقدره .
وصنفٌ آخرٌ: فقيرٌ لا يتحمّلُ فقره , بل ربما يقعُ في الجريمة من أجل أن يسدّ حاجته.
هذه هي الفئة الأولى , والفئة الثانية هي : أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّه كُفْراً - : وهنا يؤشّرُ
أمير المؤمنين , عليه السلامُ , إلى خطورةِ التمايز الطبقي , ويُلفتُ النظرَ إلى حالة الفرقِ الفاحش بين المُكنَةِ والمَعيشةِ , فالغني المُترفُ , هو الذي لا يشكرُ اللهَ تعالى بأنْ يؤدي
ما عليه من حقوق شرعية ويصرفها للمحتاجين , بل يهدرها على ملذاته وشهواته ,
ولا ينفقها في طاعة الله وسدّ حاجات المجتمع.
وأما الفئة الثالثة فهي : بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّه وَفْراً – بمعنى أنَّ البخيلَ يمنعُ حقَّ اللهِ من الخمس والزكاة ويعتقد أنّه طريقاً لزيادة أمواله .
والصنفُ الرابع: مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِه عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً – وهم من يكونون سبباً للانحراف العقائدي والفكري والاجتماعي , والإمامُ هنا يؤشّرُ إلى هذه الحالة التي تظهرُ عند المتمردين عن سماع الحقّ ومعاندتهم له لغلبة الأهواء عليهم .
ثم بعد هذا التصنيف لهذه الفئات الأربع يتوجّه الإمام علي , عليه السلامُ , بالخطاب إلى الصالحين والأخيار وأصحاب العقائد الصحيحة ويستنهض هممَهم في سبيل الإصلاح والتغيير في المجتمع , حتى يُبدي تأسفه على فراق هؤلاءِ , ويُبيّن خطورةَ خلو المجتمع منهم , لأنّه إذا خلا منهم سينتشرُ الانحرافُ والفساد , قال: عليه السلامُ:
– أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وصُلَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وسُمَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ - والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ - أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً - عَنْ هَذِه الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ - والْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ - فَ ( إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ ) –
وإنَّ هذه الفئات الست هي قليلة في المجتمع , وفئات الفساد والانحراف هي الأكثرُ ,
والأخيار والصلحاء هم مَن يسعون للتغيير في المجتمع ومعالجة أسباب الانحراف والفساد فيه , وأما الأحرارُ فهم المنفكون من قيد الأسر والعبودية لغير الله تعالى ,
والسُمحاءُ هم الرحماء الباذلون للنعمة والمال في كلّ الأحوال , ويتصفون بالجود والكرم, و المتورعون هم المتنزهون عن المكاسب المُحرّمة شرعا كالمعاملات الربوية.
وإنَّ التورعَ في المكاسب هو أحدُ أسباب صلاح المجتمع , وهم صمام الأمان فيه , والقدوة للخير والصلاح.
ثم يُبدي أمير المؤمنين , عليه السلامُ , تأسفه على رحيلهم من هذه الدنيا حيث يقول:
- أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً - عَنْ هَذِه الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ - والْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ –
– وهنا لطائفٌ في هذا الكلام ينبغي الالتفاتُ إليها , وهي أنَّ الدنيا لا قيمة لها ,
ولا اعتبار وإذا كانتْ قد أفنتْ أهلَ الصلاح والخير والأحرار , وأبقتْ هؤلاء الفاسدين والأشرار , فهي أيضاً ستزيلهم من قريب من باب أولى.
, ثم يقول: عليه السلامُ: فَ ( إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ ) – وهذه مقولةٌ تُقالُ في مقام المصيبة التي تُصيبُ الإنسانَ في هذه الدنيا , فأين وجه المصيبة هنا , وهي أنّ فقدَ الأحبةِ من الأخيار والصلحاء هو في حدّ نفسه مصيبة , والمصيبة الأدهى منه هي قلتهم في المجتمع , وتكاثر المفسدين والفاسدين والأشرار فيه , وعلى أساس ذلك فد حَذّرَ , عليه السلامُ , بقوله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ - ولَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ - أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّه فِي دَارِ قُدْسِه - وتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِه عِنْدَه - هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّه عَنْ جَنَّتِه - ولَا تُنَالُ مَرْضَاتُه إِلَّا بِطَاعَتِه – لَعَنَ اللَّه الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَه - والنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِه)
فالطبقاتُ الست هي إمّا قليلةٌ أو ضعيفةٌ , وتريدُ أن تُصلحَ حالَ المجتمع ولكن تواجه تحديات ومعرقلات تحول دون القيام بالإصلاح , وإنَّ واجبَ هذه الطبقات
- الفئات الست- هو أن تسعى للإصلاح وتعمل دون انتشار الفساد , لأنّه من دون التغيير للمنكر والفساد لا يمكن إصلاح المجتمع ولا نيل حتى رضا الله تعالى ,
- أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّه فِي دَارِ قُدْسِه - وتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِه عِنْدَه –
هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّه عَنْ جَنَّتِه - ولَا تُنَالُ مَرْضَاتُه إِلَّا بِطَاعَتِه – .
وحينئذٍ لا يمكن أن تخدعوا اللهَ تعالى بالتظاهر بالإصلاح والدعوة إليه وباطنكم يغطي على الفاسدين .
فهذه الحالة مبغوضة عند الله سبحانه بل أصحابها ملعونون - لَعَنَ اللَّه الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَه - والنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِه – فمن يخالف باطنه ظاهره فهو ملعون.
وأخيراً إنَّ الإمام علياً , عليه السلامُ , هنا في خطبته هذه يستنهضُ هِممَ الأخيار والصلحاء والأحرار بضرورة القيام بالتغيير وإصلاح الوضع ومعالجة أسباب الفساد والانحراف في المجتمع.
____________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ,دَامَ عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ,
العاشر من ربيع الآخر ,1439 هجري- التاسع والعشرين من كانون الأوّل ,2017 م .
________________________________________________
- تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ , ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
"" من مُواجهةِ الفَسَادِ والانحِرَافِ في المُجتَمعِ ودور الأخيارِ والصُلَحَاءِ والأحرَارِ في المُعَالَجَةِ والتغييرِِ في نَظَرٍ أميرِ المُؤمنين , الإمامِ علي بن أبي طالبٍ ,عليه السلامُ,""
:.. ما زلنا في إحدى خطبِ أمير المؤمنين , علي , عليه السلامُ , والتي ذكرنا فيها تصنيفه للوضع الاجتماعي إلى فئاتٍ أربع – إنْ بقيتْ على حالها ستكون سبباً للفساد والانحراف , وفي نفس الوقت توجدُ ستُ فئات من المجتمع هي المُكلّفةُ بالتغيير والإصلاحِ لأحوالِ بقية الفئات الأخرى , وقد تأسّفَ الإمامُ علي على رحيل هذه الفئات وعدم تمكنها من القيام بمنهج الإصلاح والتغيير , وينبغي بنا أن نعرض أنفسنا على هذا التصنيف لنعرف من أي الفئات نحن.
قال : عليه السلامُ :
(اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ - فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً - أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّه كُفْراً - أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّه وَفْراً - أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِه عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً – أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وصُلَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وسُمَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ - والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ - أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً - عَنْ هَذِه الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ - والْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ - فَ ( إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ ) –
ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ - ولَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ - أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّه فِي دَارِ قُدْسِه - وتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِه عِنْدَه - هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّه عَنْ جَنَّتِه - ولَا تُنَالُ مَرْضَاتُه إِلَّا بِطَاعَتِه – لَعَنَ اللَّه الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَه - والنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِه)
: نهج البلاغة , ت ,د , صبحي الصالح , ص 188.
وهنا يُصنّفُ الإمامُ , طبقاتِ المُجتمعِ إلى فئاتٍ أربع إنْ بقيتْ من دون معالجةٍ فستكون سبباً للانحراف والفساد , وهذه الفئاتُ الأربعُ هي :
:1: فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً :2: أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّه كُفْراً . :3: أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّه وَفْراً . :4: أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِه عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً .
والفقيرُ على صنفين : صنفٌ يتحمّلُ ولا يقعُ في الانحراف والجريمة , ويُحافظُ على استقامته ويرضى بقضاء اللهِ وقدره .
وصنفٌ آخرٌ: فقيرٌ لا يتحمّلُ فقره , بل ربما يقعُ في الجريمة من أجل أن يسدّ حاجته.
هذه هي الفئة الأولى , والفئة الثانية هي : أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّه كُفْراً - : وهنا يؤشّرُ
أمير المؤمنين , عليه السلامُ , إلى خطورةِ التمايز الطبقي , ويُلفتُ النظرَ إلى حالة الفرقِ الفاحش بين المُكنَةِ والمَعيشةِ , فالغني المُترفُ , هو الذي لا يشكرُ اللهَ تعالى بأنْ يؤدي
ما عليه من حقوق شرعية ويصرفها للمحتاجين , بل يهدرها على ملذاته وشهواته ,
ولا ينفقها في طاعة الله وسدّ حاجات المجتمع.
وأما الفئة الثالثة فهي : بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّه وَفْراً – بمعنى أنَّ البخيلَ يمنعُ حقَّ اللهِ من الخمس والزكاة ويعتقد أنّه طريقاً لزيادة أمواله .
والصنفُ الرابع: مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِه عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً – وهم من يكونون سبباً للانحراف العقائدي والفكري والاجتماعي , والإمامُ هنا يؤشّرُ إلى هذه الحالة التي تظهرُ عند المتمردين عن سماع الحقّ ومعاندتهم له لغلبة الأهواء عليهم .
ثم بعد هذا التصنيف لهذه الفئات الأربع يتوجّه الإمام علي , عليه السلامُ , بالخطاب إلى الصالحين والأخيار وأصحاب العقائد الصحيحة ويستنهض هممَهم في سبيل الإصلاح والتغيير في المجتمع , حتى يُبدي تأسفه على فراق هؤلاءِ , ويُبيّن خطورةَ خلو المجتمع منهم , لأنّه إذا خلا منهم سينتشرُ الانحرافُ والفساد , قال: عليه السلامُ:
– أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وصُلَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وسُمَحَاؤُكُمْ - وأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ - والْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ - أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً - عَنْ هَذِه الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ - والْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ - فَ ( إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ ) –
وإنَّ هذه الفئات الست هي قليلة في المجتمع , وفئات الفساد والانحراف هي الأكثرُ ,
والأخيار والصلحاء هم مَن يسعون للتغيير في المجتمع ومعالجة أسباب الانحراف والفساد فيه , وأما الأحرارُ فهم المنفكون من قيد الأسر والعبودية لغير الله تعالى ,
والسُمحاءُ هم الرحماء الباذلون للنعمة والمال في كلّ الأحوال , ويتصفون بالجود والكرم, و المتورعون هم المتنزهون عن المكاسب المُحرّمة شرعا كالمعاملات الربوية.
وإنَّ التورعَ في المكاسب هو أحدُ أسباب صلاح المجتمع , وهم صمام الأمان فيه , والقدوة للخير والصلاح.
ثم يُبدي أمير المؤمنين , عليه السلامُ , تأسفه على رحيلهم من هذه الدنيا حيث يقول:
- أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً - عَنْ هَذِه الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ - والْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ –
– وهنا لطائفٌ في هذا الكلام ينبغي الالتفاتُ إليها , وهي أنَّ الدنيا لا قيمة لها ,
ولا اعتبار وإذا كانتْ قد أفنتْ أهلَ الصلاح والخير والأحرار , وأبقتْ هؤلاء الفاسدين والأشرار , فهي أيضاً ستزيلهم من قريب من باب أولى.
, ثم يقول: عليه السلامُ: فَ ( إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ ) – وهذه مقولةٌ تُقالُ في مقام المصيبة التي تُصيبُ الإنسانَ في هذه الدنيا , فأين وجه المصيبة هنا , وهي أنّ فقدَ الأحبةِ من الأخيار والصلحاء هو في حدّ نفسه مصيبة , والمصيبة الأدهى منه هي قلتهم في المجتمع , وتكاثر المفسدين والفاسدين والأشرار فيه , وعلى أساس ذلك فد حَذّرَ , عليه السلامُ , بقوله: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ - ولَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ - أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّه فِي دَارِ قُدْسِه - وتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِه عِنْدَه - هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّه عَنْ جَنَّتِه - ولَا تُنَالُ مَرْضَاتُه إِلَّا بِطَاعَتِه – لَعَنَ اللَّه الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَه - والنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِه)
فالطبقاتُ الست هي إمّا قليلةٌ أو ضعيفةٌ , وتريدُ أن تُصلحَ حالَ المجتمع ولكن تواجه تحديات ومعرقلات تحول دون القيام بالإصلاح , وإنَّ واجبَ هذه الطبقات
- الفئات الست- هو أن تسعى للإصلاح وتعمل دون انتشار الفساد , لأنّه من دون التغيير للمنكر والفساد لا يمكن إصلاح المجتمع ولا نيل حتى رضا الله تعالى ,
- أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّه فِي دَارِ قُدْسِه - وتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِه عِنْدَه –
هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّه عَنْ جَنَّتِه - ولَا تُنَالُ مَرْضَاتُه إِلَّا بِطَاعَتِه – .
وحينئذٍ لا يمكن أن تخدعوا اللهَ تعالى بالتظاهر بالإصلاح والدعوة إليه وباطنكم يغطي على الفاسدين .
فهذه الحالة مبغوضة عند الله سبحانه بل أصحابها ملعونون - لَعَنَ اللَّه الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَه - والنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِه – فمن يخالف باطنه ظاهره فهو ملعون.
وأخيراً إنَّ الإمام علياً , عليه السلامُ , هنا في خطبته هذه يستنهضُ هِممَ الأخيار والصلحاء والأحرار بضرورة القيام بالتغيير وإصلاح الوضع ومعالجة أسباب الفساد والانحراف في المجتمع.
____________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ,دَامَ عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ,
العاشر من ربيع الآخر ,1439 هجري- التاسع والعشرين من كانون الأوّل ,2017 م .
________________________________________________
- تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ , ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
تعليق