كثر في الآونة الأخيرة الكلام حول الشعائر الحسينية ،
وأردنا من خلال هذا الموضوع مناقشة هذه الشعائر من خلال تسليط الضوء على بعض الأمور :
اولا : نتكلم عن جواز او عدم جواز إقامة الشعائر من ناحية عقلية صرفة , فنقول :
هل العقل يمنع من اظهار الجزع على الفقيد العزيز لبيان مقدار محبته في النفوس ؟ وهذا الاظهار يكون بأساليب مختلفة ويأخذ اشكالا عدة , فتارة يكون بالبكاء وأخرى يكون بالنوح , وثالثة يكون بلبس السواد وما الى ذلك ... .
فالعقل لا يمنع من ذلك , هذا إن لم نقل بان العقل يرجح جانب اظهار الجزع .
واذا لم يمنع العقل من ذلك , فما المانع من اقامة تلك الشعائر ؟!
ثانيا : نخصص الكلام ــ في هذا المورد ــ عن الشعائر التي وردت فيها أدلة تدعمها كالبكاء وإقامة المآتم والذهاب سيراً لزيارة الامام الحسين(عليه السلام) ونترك الكلام عن الممارسات لم تثبت فيها نصوص ــ ولو على رأي جمهور الفقهاء ــ الى وقت آخر .
لذلك نجد الغالبية العظمى من فقهاؤنا قد أفتوا باستحباب ممارسة واقامة هذه الشعائر والتي هي من شعائر الله تعالى , وعلى سبيل المثال السيد الخوئي قدس سره الشريف , حيث ذكر في مجموعة استفتاءاته المسماة بـ (صراط النجاة ) هذه العبارة :
" ...
كما أن البكاء على الحسين (ع) من شعائر الله، لانه إظهار للحق الذي من أجله ضحى الحسين (ع) بنفسه، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو أمية ..." [صراط النجاة - استفتاءات السيد الخوئي - (ج 3 / ص 442)]
كما وأنها من الأمور التي تبين مدى مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) ، كما انها من مظاهر الجزع على ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، هذا إلى جانب أنه لا يوجد دليل واحد على عدم مشروعية هذه الشعائر الحسينية ، وأعني دليلاً فقهياً يعتد به ، أما الحديث عن أدلة من مثل ان هذه الشعائر غير إنسانية وما شابه فهو حديث خرافة ساقط عن الاعتبار وما هذه البالونات المثارة من حوله إلا تخرصات لا يمكن اعتمادها كأدلةٍ فقهيةٍ وقد نوقشت وأمثالها من قبل فقهائنا الأجلاء ، بما يكفي الباحث مؤونة الرد عليها.
ثالثا : ما هي الثمرة من ممارسة الشعائر الحسينية ؟
إن العلة الرئيسية التي لأجلها كانت الشعائر الحسينية هي الممارسة الإعلامية الواضحة والمشيرة إلى الحق المسلوب ، وإن جميع الغايات والأهداف الأخرى تتفرع منها.
ويمكن اجمال تلك الأهداف بالنقاط التالية :
1- نشر تاريخ وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) وبيان فضلهم ، ولا يخفى عظيم الحاجة إلى ذلك لما تعرض له هـذا التاريخ من تشويه ودس لاسيما في العصرين الأموي والعباسي ، وما عملته وتعمله الأقلام المأجورة والضالة إلى يومنا.
2- خلق الترابط العاطفي مع أهل بيت العصمة (عليهم السلام) والذي هو نص صريح في القرآن الحكيم (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى) [ الشورى : 23].
3- تربية وتوعية الجيل الجديد ، وبناء أساس فطري عقائدي متين يستند إليه.
ونستطيع تلمس الحاجة إلى ذلك من خلال مناهج الدراسة في المدارس الأكاديمية و وسائل الإعلام المرئية على وجه التحديد التي تفتقر إلى ذكر أهل البيت (عليهم السلام) وما تخلفه من تأثيرات أساسية في التشكيل العقائدي للجيل الصاعد ، ومن هذه النقطة ندرك مدى الحاجة للتمسك الشديد بهذه الشعائر وتوجيه أجيال المستقبل نحوها.
4- تربية النفوس وإعدادها لنصرة إمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه) من خلال ترسيخ القيم والمباديء السامية مثل التضحية والمواساة ونصرة الحق وغيرها ، والتحقير والتنفير للصفات المذمومة مثل الطمع والظلم وقسوة القلب وغيرها , فعن الامام الباقر (عليه السلام) قال : يا علقمة واندبوا الحسين (عليه السلام) وابكوه وليأمر أحدكم من في داره بالبكاء عليه وليقم عليه في داره المصيبة بإظهار الجزع والبكاء وتلاقوا يومئذ بالبكاء بعضكم إلى بعض في البيوت وحيث تلاقيتم وليعزِّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السلام) قلت : اصلحك الله كيف يعزَّي بعضنا بعضاً قال تقولون أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهدي إلى الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين وإن استطاع أحدكم أن لا يمضي يومه في حاجة فافعلوا فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن وإن قضيت لم يبارك فيها ولم يرشد ولا يدّخرن أحدكم لمنزله في ذلك اليوم شيئاً فإنه من فعل ذلك لم يبارك فيه ، قال الباقر (عليه السلام) : أنا ضامن لمن فعل ذلك له عند الله عز وجل ما تقدم به الذكر من عظيم الثواب وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين (عليه السلام) . [مستدرك الوسائل 10/316-317 ]
5- مخاطبة البشر كافة ،وبغض النظرعن الاختلاف والتباين الثقافي بينهم.
ومن المعلوم أن الأمة الإسلامية على سبيل المثال تضم العديد من القوميات والأعراق والجنسيات التي هي بدورها تختلف من حيث الموروث الحضاري والثقافي ، ومخاطبتهم بالإعلام المكتوب لا تتيسر للجميع حتى في عصر العولمة ، أما الشعائر فإنها أشبه ما تكون في خطابها إلى اللوحة الفنية التي يستطيع الجميع أن يدرك مدى روعتها و جمال تعبيراتها وإن كان هذا الإدراك يختلف بالدرجة وفقاً للوعي الثقافي.
6- خلق عامل وحدوي من خلال المشاركة الجماهيرية في المواساة لأهل البيت (عليهم السلام).
ولعل هذا العامل من أهم العوامل المستبطنة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي تحث على المواساة والحزن في مصابهم ، فمن المعلوم في علم النفس أن الإنسان عندما يكون في حالة الحزن ، يصبح تأثره العاطفي سريعاً فيكون على سبيل المثال سريع الرضا والحب والانفعال ، وكذلك إن وجود شخص آخر يشاركه المصاب معه يؤدي مع ما ذكرناه إلى زيادة الألفة والمحبة والتودد بين المشاركين في الشعائر الحسينية وتقوية أنفسهم على تحمل أعباء الحياة ، وهذا ما يخلق جو الوحدة بين المشاركين ، الوحدة في المصاب والوحدة في الهدف والوحدة في التسابق لتحصيل الأجر والثواب في المواساة , فعن ابن خارجة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي (عليه السلام) وعلى قاتله لعنة الله فبكى أبو عبد الله (عليه السلام) وبكينا قال : ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي (عليه السلام) : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى . مستدرك الوسائل 10/311 ..
ومن هنا كانت هذه الشعائر تمثل أحد الأعمدة التي يقوم عليها المذهب جنباً إلى جنب مع المرجعية التي تمثل الإدارة والعقل الموجه في حين أن الشعائر تمثل العنصر الجامع والموحد بين أبناء المذهب على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم .
وعليه ندرك أن المحارب لهذه الشعائر لا يخلو من أحد أمرين :
إما جاهل مغرور أو طامع معادي يهدف إلى تمزيق وحدة أبناء المذهب ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : قصم ظهري رجلان جاهل متنسك وعالم متهتك [ شرح نهج البلاغة 20/284] .
وأردنا من خلال هذا الموضوع مناقشة هذه الشعائر من خلال تسليط الضوء على بعض الأمور :
اولا : نتكلم عن جواز او عدم جواز إقامة الشعائر من ناحية عقلية صرفة , فنقول :
هل العقل يمنع من اظهار الجزع على الفقيد العزيز لبيان مقدار محبته في النفوس ؟ وهذا الاظهار يكون بأساليب مختلفة ويأخذ اشكالا عدة , فتارة يكون بالبكاء وأخرى يكون بالنوح , وثالثة يكون بلبس السواد وما الى ذلك ... .
فالعقل لا يمنع من ذلك , هذا إن لم نقل بان العقل يرجح جانب اظهار الجزع .
واذا لم يمنع العقل من ذلك , فما المانع من اقامة تلك الشعائر ؟!
ثانيا : نخصص الكلام ــ في هذا المورد ــ عن الشعائر التي وردت فيها أدلة تدعمها كالبكاء وإقامة المآتم والذهاب سيراً لزيارة الامام الحسين(عليه السلام) ونترك الكلام عن الممارسات لم تثبت فيها نصوص ــ ولو على رأي جمهور الفقهاء ــ الى وقت آخر .
لذلك نجد الغالبية العظمى من فقهاؤنا قد أفتوا باستحباب ممارسة واقامة هذه الشعائر والتي هي من شعائر الله تعالى , وعلى سبيل المثال السيد الخوئي قدس سره الشريف , حيث ذكر في مجموعة استفتاءاته المسماة بـ (صراط النجاة ) هذه العبارة :
" ...
كما أن البكاء على الحسين (ع) من شعائر الله، لانه إظهار للحق الذي من أجله ضحى الحسين (ع) بنفسه، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو أمية ..." [صراط النجاة - استفتاءات السيد الخوئي - (ج 3 / ص 442)]
كما وأنها من الأمور التي تبين مدى مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) ، كما انها من مظاهر الجزع على ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، هذا إلى جانب أنه لا يوجد دليل واحد على عدم مشروعية هذه الشعائر الحسينية ، وأعني دليلاً فقهياً يعتد به ، أما الحديث عن أدلة من مثل ان هذه الشعائر غير إنسانية وما شابه فهو حديث خرافة ساقط عن الاعتبار وما هذه البالونات المثارة من حوله إلا تخرصات لا يمكن اعتمادها كأدلةٍ فقهيةٍ وقد نوقشت وأمثالها من قبل فقهائنا الأجلاء ، بما يكفي الباحث مؤونة الرد عليها.
ثالثا : ما هي الثمرة من ممارسة الشعائر الحسينية ؟
إن العلة الرئيسية التي لأجلها كانت الشعائر الحسينية هي الممارسة الإعلامية الواضحة والمشيرة إلى الحق المسلوب ، وإن جميع الغايات والأهداف الأخرى تتفرع منها.
ويمكن اجمال تلك الأهداف بالنقاط التالية :
1- نشر تاريخ وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) وبيان فضلهم ، ولا يخفى عظيم الحاجة إلى ذلك لما تعرض له هـذا التاريخ من تشويه ودس لاسيما في العصرين الأموي والعباسي ، وما عملته وتعمله الأقلام المأجورة والضالة إلى يومنا.
2- خلق الترابط العاطفي مع أهل بيت العصمة (عليهم السلام) والذي هو نص صريح في القرآن الحكيم (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى) [ الشورى : 23].
3- تربية وتوعية الجيل الجديد ، وبناء أساس فطري عقائدي متين يستند إليه.
ونستطيع تلمس الحاجة إلى ذلك من خلال مناهج الدراسة في المدارس الأكاديمية و وسائل الإعلام المرئية على وجه التحديد التي تفتقر إلى ذكر أهل البيت (عليهم السلام) وما تخلفه من تأثيرات أساسية في التشكيل العقائدي للجيل الصاعد ، ومن هذه النقطة ندرك مدى الحاجة للتمسك الشديد بهذه الشعائر وتوجيه أجيال المستقبل نحوها.
4- تربية النفوس وإعدادها لنصرة إمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه) من خلال ترسيخ القيم والمباديء السامية مثل التضحية والمواساة ونصرة الحق وغيرها ، والتحقير والتنفير للصفات المذمومة مثل الطمع والظلم وقسوة القلب وغيرها , فعن الامام الباقر (عليه السلام) قال : يا علقمة واندبوا الحسين (عليه السلام) وابكوه وليأمر أحدكم من في داره بالبكاء عليه وليقم عليه في داره المصيبة بإظهار الجزع والبكاء وتلاقوا يومئذ بالبكاء بعضكم إلى بعض في البيوت وحيث تلاقيتم وليعزِّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السلام) قلت : اصلحك الله كيف يعزَّي بعضنا بعضاً قال تقولون أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهدي إلى الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين وإن استطاع أحدكم أن لا يمضي يومه في حاجة فافعلوا فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن وإن قضيت لم يبارك فيها ولم يرشد ولا يدّخرن أحدكم لمنزله في ذلك اليوم شيئاً فإنه من فعل ذلك لم يبارك فيه ، قال الباقر (عليه السلام) : أنا ضامن لمن فعل ذلك له عند الله عز وجل ما تقدم به الذكر من عظيم الثواب وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين (عليه السلام) . [مستدرك الوسائل 10/316-317 ]
5- مخاطبة البشر كافة ،وبغض النظرعن الاختلاف والتباين الثقافي بينهم.
ومن المعلوم أن الأمة الإسلامية على سبيل المثال تضم العديد من القوميات والأعراق والجنسيات التي هي بدورها تختلف من حيث الموروث الحضاري والثقافي ، ومخاطبتهم بالإعلام المكتوب لا تتيسر للجميع حتى في عصر العولمة ، أما الشعائر فإنها أشبه ما تكون في خطابها إلى اللوحة الفنية التي يستطيع الجميع أن يدرك مدى روعتها و جمال تعبيراتها وإن كان هذا الإدراك يختلف بالدرجة وفقاً للوعي الثقافي.
6- خلق عامل وحدوي من خلال المشاركة الجماهيرية في المواساة لأهل البيت (عليهم السلام).
ولعل هذا العامل من أهم العوامل المستبطنة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي تحث على المواساة والحزن في مصابهم ، فمن المعلوم في علم النفس أن الإنسان عندما يكون في حالة الحزن ، يصبح تأثره العاطفي سريعاً فيكون على سبيل المثال سريع الرضا والحب والانفعال ، وكذلك إن وجود شخص آخر يشاركه المصاب معه يؤدي مع ما ذكرناه إلى زيادة الألفة والمحبة والتودد بين المشاركين في الشعائر الحسينية وتقوية أنفسهم على تحمل أعباء الحياة ، وهذا ما يخلق جو الوحدة بين المشاركين ، الوحدة في المصاب والوحدة في الهدف والوحدة في التسابق لتحصيل الأجر والثواب في المواساة , فعن ابن خارجة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي (عليه السلام) وعلى قاتله لعنة الله فبكى أبو عبد الله (عليه السلام) وبكينا قال : ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي (عليه السلام) : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى . مستدرك الوسائل 10/311 ..
ومن هنا كانت هذه الشعائر تمثل أحد الأعمدة التي يقوم عليها المذهب جنباً إلى جنب مع المرجعية التي تمثل الإدارة والعقل الموجه في حين أن الشعائر تمثل العنصر الجامع والموحد بين أبناء المذهب على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم .
وعليه ندرك أن المحارب لهذه الشعائر لا يخلو من أحد أمرين :
إما جاهل مغرور أو طامع معادي يهدف إلى تمزيق وحدة أبناء المذهب ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : قصم ظهري رجلان جاهل متنسك وعالم متهتك [ شرح نهج البلاغة 20/284] .
تعليق