بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين ...
السَّلامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ...
بمجرد أن خطرت فكرة الموضوع في ذهني ورحت أتأمّلها للكتابة ، ترددت في أن أكتب فيه وتساءلت في نفسي وقلت : انه موضوع فيه شيء من التكرار والاعادة ، فلا داعي لأن أخوض في مواضيع نوقشت كلاً أو بعضاً في أوقات سابقة .
وسرعان ما عدت لأجيب على تساؤلي : صحيح ان هذا الموضوع وامثاله قد كتب فيها من سبقنا من اخواننا المؤمنين جزاهم الله عنا خير الجزاء على ما قدموا وبذلوا ؛ ولكن ما المانع أن نعيد الكلام فيها ولو من باب التذكير ، قال تعالى :
" وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " (1)
علّنا نكون سبباً في هداية ضال ، أو ارشاد منحرف ، أو صلاح طالح ، فننال ما هو خير من الدنيا وما فيها ، قال أمير المؤمنين(عليه السلام) :
« إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي يوم خيبر:
"لان يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس " » (2)
لذا استجمعت قواي من جديد وقلت لنفسي : لعل ما راودني هو من وساوس ابليس (عليه اللعنة) ليمنعني من المواصلة والاستمرار بان يحاول أن يثبط عزيمتي ويثني ارادتي كلما أردت الكتابة ، فعزمت أن أستمر وأسأل الله تعالى العون والتأييد .
ومن هنا علينا أن نحذر وساوس ابليس اللعين ومكائده ومصائده قال تعالى : " وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " (3)
فهو الذي يمنع من الخيرات ويصد عن الأعمال الصالحة ، وطالما صدنا وما زال يصدنا عما نريد من أعمال الخير ، تارة بالتسويف والتأجيل وأخرى باللهو عن ذكر الله وأخرى بالنسيان والغفلة .
أعود الى اصل الموضوع وهو الاستخفاف بالذنب ، وما هي أهم اسبابه ، وأهم نتائجه وعواقبه ، وكيف يمكننا علاجه والتخلص منه .
تحتاج مسألة ارتكاب الذنوب الى التأمل فيها والتركيز عليها لأنها من المسائل المهمة جدا ؛ كونها ترتبط ارتباط مباشر بحياة المؤمن فضلاً عن المسلم ، فهي يومية الابتلاء والوقوع لمعظم الناس ان لم يكن جميعهم غير المعصومين(عليهم السلام)
لذا فقد شدد الاسلام على مسألة لزوم الطاعة للمولى جل وعلا ووعد بالثواب والجزاء عليها ، وحذر من مقارفة المعصية وتوعّد عليها العقاب الشديد من خلال الآيات والروايات التي تحذر الناس من الركون الى وساوس ابليس والوقوع في شباكه وممارسة المعاصي ، ومع هذا كله نجد كثير من الناس لا يسلم من هذه المكائد والمصائد الشيطانية فيعلق في فخاخها ، وينزلق في حفرها المظلمة فيعرض نفسه الى سخط الله تعالى وعقابه .
ومع أن المولى سبحانه غفور رحيم ورؤوف بعباده فهو بنفس الوقت لا يرضى بالاجتراء عليه وتعدي حدوده فهو شديد العقاب ، وعقابه كما يكون على الكبائر يكون على الصغائر أو ما يعتبرها العباد من الصغائر بل قد يكون العقاب على هذه الصغائر أشد من العقاب على نفس الكبائر بسبب استهانة العبد بالصغائر واستخفافه بها خصوصاً بعد نهيه عنها بالوعظ والارشاد تارة والتهديد والوعيد أخرى لكنه أصر عليها .
والمشكلة هي أن البعض من الناس يتمادى في غيّه ويستمر ويصر على ذنبه فهؤلاء سيكونون حتماً من اصحاب الكبائر وحتى صغائرهم تصبح كبائر بإصرارهم على المعاصي واستمرارهم على الذنوب ومداومتهم على السيئات
وأشد من أولئك أناس يسمون المستخفون بالذنوب ، وهم الذين يرتكبون الذنب ويستخفّون بالعقوبة عليه ويهزؤون أو يستهينون بالوعيد والتهديد ، وهؤلاء اذا لم يتوبوا فليتوقعوا أشد العذاب ولينتظروا أقصى العقوبات .
عن زياد قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام):
« إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بأرض قرعاء(4) فقال لأصحابه:
" ائتوا بحطب "
فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال:
" فليأت كل إنسان بما قدر عليه "
فجاؤوا به حتى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
" هكذا تجتمع الذنوب " »
ثم قال (صلى الله عليه وآله):
« إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإن لكلّ شيء طالباً، ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين » (5).
قال سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) :
" أشد الذنوب ما استخف به صاحبه " (6)
عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
" لا صغيرة مع الاصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار" (7)
وعن أبي اسامة زيد الشحام قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام):
" اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر "
قلت: وما المحقرات؟ قال (عليه السلام):
" الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لولم يكن لي غير ذلك "(8)
وعن سماعة قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول:
" لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف " (9)
والذي يبعث الأمل في النفوس المضطربة المذنبة ويطمئن القلوب والوجلة المرتعبة هو وجود باب التوبة الذي فتحه المولى جل وعلا لعباده فاذا استغله العبد واستثمره وتاب وأظهر الندامة قبل انحسار الفرصة وفوات الأوان ؛ لأن " إضاعة الفرصة غصة " (10) كما يروى عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) ، فاذا تاب العب نجا من العقاب وضمن الثواب . ولهذا فأننا نجد كثير من اهل الاسلام اذا نهي عن الذنب يرتدع عنه ويتركه فيتدارك بالتوبة أمره ويرفع بالاستغفار وزره ، فيكفّر عما فات ويستعد لما هو آت .
____________________________________
(1) [الذاريات : 55]
(2) بحار الأنوار للشيخ العلامة المجلسي - (32 / 448)
(3) [الزخرف : 62]
(4) قرعاء : لا نبات فيها .
(5) الكافي للشيخ الكليني - (2 / 289)
(6) [نهج البلاغة - (ج 4 / ص 111) ]
(7) وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي - (15 / 338)
(8) الكافي للشيخ الكليني - (ج 2 /ص 288)
(9) المصدر السابق
(10) وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي - (16 / 84)
يتبع ...
تعليق