إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رائــــــــــــ زينب الكبــــــــــرى دة الجهـــــــ وبطلـــــــه كرـبلاء ـــــــاد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #41
    السبايا في كربلاء


    وطلبت سبايا أهل البيت من الوفد الموكّل بحراستهم أن يعرّج بهم إلى كربلاء ليجدّدوا عهداً بقبر سيد الشهداء، ولبّى الوفد طلبتهم فانعطفوا بهم إلى كربلاء، وحينما انتهوا إليها استقبلن السيّدات قبر الإمام أبي عبد الله بالصراخ والعويل، وسالت الدموع منهن كل مسيل، وقضين ثلاثة أيام في كربلاء، ولم تهدأ لهن عبرة حتى بحّت أصواتهن وتفتّت قلوبهن، وخاف الإمام زين العابدين(عليه السّلام) على عمّته زينب وباقي العلويات من الهلاك، فأمرهن بالسفر إلى يثرب، فغادرن كربلاء بين صراخ وعويل(11).

    إلى يثرب


    واتّجه موكب أسارى أهل البيت إلى يثرب، وأخذ يجدّ في السير لا يلوي على شيء، وقد غامت عيون بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالدموع وهن ينجبنّ ويندبن قتلاهنّ ويذكرن بمزيد من اللوعة ما جرى عليهن من الذلّ، وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على اُمّ المؤمنين السيّدة اًمّ سلمة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقد توفّيت بعد قتل الحسين(عليه السّلام) بشهر كمداً وحزناً عليه (12).

    نعي بشر للإمام


    ولمّا وصل الإمام زين العابدين(عليه السّلام) بالقرب من المدينة نزل وضرب فسطاطه، وأنزل العلويات، وكان معه بشر بن حذلم فقال له:
    (يا بِشْرُ، رَحِمَ اللهُ أَبَاكَ لَقَدْ كَانَ شَاعِراً، فَهَلْ تَقْدِرُ عَلى شَيءٍ مِنْهُ؟).
    بلى يابن رسول الله.
    (فَادْخُلِ الْمَدِينَةِ وَانَعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ..).
    وانطلق بشر إلى المدينة، فلمّا انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعاً بالبكاء قائلاً:
    يَـــــا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ بِهَا قُـــــتِلَ الْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارُ
    أَلْجِــــــسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلاَءَ مُضَرَّجٌ وِالـــرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى الْقَنَاةِ يُدَارُ
    وهرعت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء، وأحاطوا به قائلين:
    ما النبأ؟
    هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.
    وعجّت الجماهير بالبكاء، ومضوا مسرعين لاستقبال آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي برَّبدينهم، وساد البكاء وارتفعت أصوات النساء بالعويل وأحطنّ بالعلويات، كما أحاط الرجال بالإمام زين العابدين وهم غارقون بالبكاء، فكان ذلك اليوم كاليوم الذي مات فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

    خطاب الإمام زين العابدين


    وخطب الإمام زين العابدين(عليه السّلام) خطبة مؤثرة تحدّث فيها عمّا جرى على آل البيت من القتل والتنكيل والسبي والذلّ، ولم يكن باستطاعة الإمام أن يقوم خطيباً، فقد أحاطت به الأمراض والآلام، فاستدعي له بكرسي فجلس عليه، ثم قال:

    (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، الرّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، بَارِئِ الْخَلاَئِقِِ أَجْمَعِينَ، الَّذِي بّعُدّ فَارتَفَعَ فِي السَّماوتِ الَعُلى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوىّ، نَحْمَدُهُ عَلىَ عَظَائِمِ الأُمُورِ، وَفَجَائِعْ الدُّهُورِ، وَأَلَمِ الْفَوَاجعِ، وَمَضَاضَةِ اللَّوَاذِعِ، وَجَلِيلِ الرُّزْءِ، وَعَظِيمِ الْمَصَائِبِ الْفَاظِعةِ الْكَاظَّةِ الْفَادِحَةِ الْجَائِحَةِ.
    أَيُّهَا الْقَوْمُ، إِنَّ اللهَ تَعَالى وَلَهُ الْحَمْدُ ابْتَلاَنَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ، وَثُلْمَةٍ فِي الإسْلامِ عَظِيمَةٍ: قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ(عليه السّلام) وَعِتْرَتُهُ، وَسُبِيَ نِسَاؤُهُ وَصِبْيَتُهُ، وَدَارُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ فَوقِ عَامِلِ السِّنَانِ، وَهذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتِي لاَ مِثْلُها رَزِيَّةُ.
    أَيُّها النَّاسُ، فأَيُّ رِجالاَتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّون بَعْدَ قَتْلِهِ؟‍‍! أَمْ أَيُّ فُؤادٍ لاَ يَحْزُنُ مِنْ أَجْلِهِ، أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبَسُ دَمْعَهَا وَتَضِنُّ عَنْ انْهِمَالِهَا؟!
    فَلَقَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الشِّدَأدُ لِقَتْلِهِ، وَبَكَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا، وَالسَّمواتُ بأرْكَانِهَا، وَالأرضُ بِأَرْجَائِها، وَالأشُجَارُ بِأَغْصَانِهَا، وَالْحِيتَانُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، وَالمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَأَهلُ السَّمواتِ أَجْمَعُونَ.
    أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ قَلْبٍ لاَ يَنصَدِعُ لِقَتْلِهِ؟! أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لا َيَحنُّ إلَيْهِ؟! أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِي ثُلِمَتْ فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ يصَمُّ؟!
    أَيُّهَا النَّاسُ، أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُورِينَ شَاسِعِينَ عَنِ الأَمْصَارِ، كَأَنَّنَا أَوْلاَدُ تُرْكٍ أَوْ كابُلَ، مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اجْتَرَمْنَاهُ، وَ لاَ مَكْرُوهٍ ارْتَكَبْنَاهُ، وَلاَ ثُلْمَةٍ فِي الإِسلاَمِ ثَلَمْناهَا، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّليِنَ، إِنْ هَذا إِلاَّ اخْتِلاَقُ.
    وًاللهِ، لَوْ أَنَّ النَّبيَّ (صلّى الله عليه وآله) تَقَدَّمَ إِليْهِمْ فِي قِتَالنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِليهِمْ فِي الْوصَايَةِ بِنَا لَمَا زَادُوا عَلىَ مَا فَعَلُوا بِنَا، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ، مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَأَوْجَعَهَا وأفْجَعَهَا وَأَكَظَّهَا وَأَفْظَعَهَا وَأَفْدَحَهَا،فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ فِيمَا أَصابَنَا وَأَبْلَغَ بِنَا، إِنَّهُ عَزِيزُ ذُو انْتِقَامٍ).
    وعرض الإمام في خطابه إلى المحن السود التي عانتها الاُسرة النبوية، وما جرى عليها من القتل وسبي النساء، وغير ذلك ممّا تتصدّع من هوله الجبال، وانبرى إلى الإمام صعصعة فألقى إليه معاذيره في عدم نصرته للحسين فقبل الإمام عذره وترحّم على أبيه.
    ثمّ زحف الإمام مع عمّاته واخواته وقد أحاطت به الجماهير وعلت أصواتهم بالبكاء والعويل، فقصدوا الجامع النبوي، ولمّا انتهوا إليه أخذت العقيلة بعضادتي باب الجامع، وأخذت تخاطب جدّها الرسول وتعزيه بمصاب ريحاينه قائلة:
    (يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين)(13).
    وأقامت العلويات المأتم على سيّد الشهداء، ولبسن السواد، وأخذن يندبنه بأقسى وأشجى ما تكون الندبة.

    sigpic
    إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
    ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
    ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
    لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

    تعليق


    • #42
      مكافأة الحرس


      وقام الحرس بخدمات ورعاية إلى السيّدات، فالتفتت السيّدة فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين فقالت للعقيلة زينب: (لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟).
      فأجابتها العقيلة:
      (والله ما معنا شيء نصله به إلاّ حلينا..).
      (نعم، هو ما تقولين).
      وأخرجن سوارين ودملجين، وبعثتا بهما إليه واعتذرتا له، وتأثّر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هن فيه من الضيق والشدة، فقال لهما باحترام:
      لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني، ولكن والله ما فعلته إلاّ لله ولقرابتكم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(14).

      حزن العقيلة


      وخلدت عقيلة آل أبي طالب إلى البكاء على انقراض أهلها(15)، وكانت لا تجفّ لها عبرة، ولا تفتر عن البكاء، وكانت كلّما نظرت إلى ابن اخيها الإمام زين العابدين يزداد وجيبها وحزنها، وقد نخب الحزن قلبها الرقيق المعذّب، حتى صارت كأنّها صورة جثمان فارقته الحياة.

      ___________________________________

      1 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 414:3.

      2 - تاريخ ابن الأثير 300:3.
      3 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 416:3.
      4 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 416:3.
      5 - مقتل الحسين(عليه السّلام) - المقرّم:417.
      6 - الصراط السوي في مناقب آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله):93.
      7 - مجمع الزوائد 199:9. المعجم الكبير - الطبراني 140:1.
      8 - تاريخ الطبري 357:4.
      9 - مرآة الزمان في تواريخ الأعيان 101:5.
      10 - شرح النهج 72:4.
      11 - شرح النهج 72:4.
      12 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 422:3.
      13 - مقتل الحسين(عليه السّلام) - المقرّم: 472.
      14 - تاريخ الطبري 366:6. تاريخ ابن الأثير 300:3.
      15 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 428:3
      sigpic
      إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
      ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
      ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
      لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

      تعليق


      • #43
        إلى جنة المأوى
        وخلدت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) - في يثرب - إلى البكاء والنحيب، وأخذت تراودها صباحاً ومساءً تلك الذكريات المروعة التي جرت على أخيها في صعيد كربلاء، وما عاناه من الكوارث القاصمة التي تذوب من هولها الجبال، فكانت دموعها تجري في كل لحظة على أخيها واًسرتها الذين حصدت رؤوسهم سيوف البغي، ومثّلت بأجسامهم العصابات المجرمة.
        لقد أخذت تلوح أمامها تلك المناظر الحزينة التي تعصف بالصبر حتى ضاقت بها الأرض، ولم تلبث أن ترفع صوتها عالياً مشقوعاً بالألم والبكاء قائلة:
        (واحسيناه).
        (وا أخاه).
        (وا عباساه).
        (وا أهل بيتاه).
        (وا مصيبتاه).
        ثمّ تهوي إلى الأرض مغمىً عليها، فقد صارت شبحاً، وذوت كما ذوت اًمها زهرّاء الرسول من قبل، وكان أحبّ شيء لها مفارقة الدنيا والالتحاق بجدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) لتشكو إليه ما عانته من الرزايا والأسر والسبي، وما جرى على أخيها من القتل والتمثيل… ونتحدّث بإيجاز عن وفاتها، وما قيل في زمانه، والمكان الذي حضي بمرقدها.

        إلى جنة المأوى


        ولم تمكث العقيلة بعد كارثة كربلاء إلاّ زمناً قليلاً حتى تناهبت الأمراض جسمها، وصارت شبحاً لا تقوى حتى على الكلام، ولازمت الفراش وهي تعاني آلام المرض، وما هو أشقّ منه وهو ما جرى عليها من الرزايا، وكانت ماثلة أمامها حتى الساعات الأخيرة من حياتها… وقد وافتها المنية ولسانها يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه، وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله تحفّها ملائكة الرحمن، وتستقبلها أنبياء الله وهي ترفع إلى الله شكواها، وما لاقته من المحن والخطوب التي لم تجر على أيّ إنسان منذ خلق الله الأرض.

        الزمان


        انتقلت العقيلة إلى جوار الله تعالى على أرجح الأقوال يوم الأحد لخمسة عشر مضين من شهر رجب سنة (62هـ)(1). وقد آن لقلبها الذي مزّقته الكوارث أن يسكن ولجسمها المعذّب أن يستريح.
        sigpic
        إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
        ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
        ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
        لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

        تعليق


        • #44
          سبايا آل النبي في دمشق
          وعانت عقائل الوحي ومخدرات النبوة والإمامة جميع ضروب المحن والبلاء أيام مكثهن في الكوفة، فقد عانين مرارة السجن وشماتة الأعداء، وذلّ الأسر، وبعدما صدرت الأوامر من دمشق بحملهن إلى يزيد أمر ابن مرجانة بتسيير رؤوس أبناء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأصحابهم إلى الشام لتعرض على الشاميّين، كما عرضت على الكوفيّين حتى تمتلأ قلوب الناس فزعاً وخوفاً وتظهر مقدرة الاُمويّين، وغلبتهم على آل الرسول.
          وقد سيّرت رؤوس العترة الطاهرة مع الأثيم زهير بن قيس الجعفي، كما سيّرت العائلة النبوية مع محفر بن ثعلبة من عائدة قريش، وشمر بن ذي الجوشن، وقد أوثقت بالحبال، وأركبت على أقتاب الجمال، وهن بحالة تقشعر منها ومن ذكرها الأبدان وترتعد لها فرائض كل إنسان(1).
          وسارت قافلة الأسرى لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى القرب من دمشق، فاُقيمت هناك حتى تتزيّن البلد بمظهر الزهو والأفراح، ومن الجدير بالذكر أنّ مخدّرات النبوة وباقي الأسرى قد التزموا جانب الصمت فلم يطلبوا أي شيء من اُولئك الأنذال الموكّلين بهم، وذلك لعلم العلويات بعدم الاستجابة لأي شيء من مطالبهن.
          sigpic
          إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
          ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
          ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
          لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

          تعليق


          • #45
            تزيين الشام


            وأمرت حكومة دمشق الدوائر الرسمية وشبه الرسمية بإظهار الزينة والفرح للنصر الذي أحرزته بقتل أبناء النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ووصف بعض المؤرخين تلك الزينة بقوله:
            ولمّا بلغوا - أي أسارى أهل البيت - ما دون دمشق بأربعة فراسخ استقبلهم أهل الشام وهم ينثرون النثار فرحاً وسروراً حتى بلغوا بهم قريب البلد، فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك، حتى تتوفّر زينة الشام وتزويقها بالحليّ والحلل والحرير والديباج والفضة والذهب وأنواع الجواهر، على صفة لم ير الراؤون مثلها لا قبل ذلك اليوم ولا بعده، ثمّ خرج الرجال والنساء، والأصاغر والأكابر، والوزراء والأمراء، واليهود والمجوس والنصارى وسائر الملل، إلى التفرّج ومعهم الطبول والدفوف والبوقات والمزامير، وسائر آلات اللهو والطرب، وقد كحّلوا العيون، وخضبوا الأيدي، ولبسوا أفخر الملابس، وتزيّنوا أحسن الزينة، ولم ير الراؤون أشدّ احتفالاً ولا أكثر اجتماعاً منه، حتى كأن الناس كلّهم حشروا جميعاً في صعيد دمشق(2).
            لقد أبدى ذلك المجتمع الذي تربّى على بغض أهل البيت جميع ألوان الفرح والسرور بإبادة العترة الطاهرة وسبي حرائر النبوة.
            sigpic
            إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
            ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
            ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
            لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

            تعليق


            • #46
              وروى سهل بن سعد الساعدي ما رآه من استبشار الناس بقتل الحسين، يقول: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسّطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار، قد علّقت عليها الحجب والديباج، والناس فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: إنّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه، فرأيت قوماً يتحدّثون فقلت لهم:
              ألكم بالشام عيد لا نعرفه؟
              نراك يا شيخ غريباً؟
              أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله.
              يا سهل، ما أعجبك أن السماء لا تمطر دماً، والأرض لا تنخسف بأهلها.
              وما ذاك؟
              هذا رأس الحسين يُهدي من أرض العراق.
              واعجباً، يهدى رأس الحسين والناس يفرحون! من أيّ باب يدخل؟
              وأشاروا إلى باب الساعات، فأسرع سهل إليها، وبينما هو واقف وإذا بالرايات يتبع بعضها بعضاً، وإذا بفارس بيده لواء منزوع السنان، وعليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو رأس أبي الأحرار، وخلفه السبايا محمولة على جمال بغير وطاء، وبادر سهل إلى إحدى السيّدات فسألها: من أنت؟
              (أنا سكينة بنت الحسين).
              ألك حاجة؟ فأنا سهل صاحب جدّك رسول الله.
              (قل لصاحب هذا الرأس أن يقدّمه أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه، ولا ينظرون إلى حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).
              وأسرع سهل إلى حامل الرأس فأعطاه أربعمائة درهم فباعد الرأس عن النساء(3).
              sigpic
              إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
              ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
              ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
              لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

              تعليق


              • #47
                الشامي مع زين العابدين


                وانبرى شيخ هرم يتوكّأ على عصاه ليمتّع نظره بالسبايا، فدنا من الإمام زين العابدين فرفع عقيرته قائلاً:
                الحمد لله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم.
                وبصر به الإمام فرآه مخدوعاً قد ضلّلته الدعاية الاُموية فقال له:
                (يا شيخ، أقرأت القرآن؟).
                فبهت الشيخ من أسير مكبول، فقال له بدهشة: بلى.
                (أقرأت قوله تعالى: (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)، وقوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)، وقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُربى)؟).
                وبهر الشيخ وتهافت فقال:
                نعم، قرأت ذلك.
                فقال له الإمام: (نحن والله القربى في هذه الآيات.. يا شيخ، أقرأت قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهَّرَكُم تطْهِيراً)؟).
                قال: بلى.
                (نحن أهل البيت الذين خصّهم الله بالتطهير).
                ولمّا سمع الشيخ ذلك من الإمام ذهبت نفسه حسرات على ما فرّط في أمر نفسه، وتلجلج وقال للإمام بنبرات مرتعشة:
                بالله عليكم أنتم هم؟
                (وحق جدّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّا لنحن هم من غير شكّ..).
                وودّ الشيخ أنّ الأرض قد وارته ولم يجابه الإمام بتلك الكلمات القاسية، وألقى بنفسه على الإمام وهو يوسع يديه تقبيلاً، ودموعه تجري على سحنات وجهه قائلاً:
                أبرأ إلى الله ممّن قتلكم.
                وطلب من الإمام أن يمنحه العفو والرضا فعفا الإمام عنه(4).

                سرور يزيد


                وغمرت يزيد موجات من الفرح حينما جيء له بسبايا أهل البيت، وكان مطلاً على منظر في جيرون، فلمّا نظر إلى الرؤوس والسبايا قال:

                لـــــما بدت تلك الحمول وأشرقــت تــــلك الــرؤوس على شفا جيرون
                نعـــــب الغراب فقلت: قل أو لا تقل فقد اقتـــضيت من الرسول ديوني(5)
                لقد أخذ ابن هند ثأره من ابن فاتح مكة ومحطم أوثان قريش، فقد أباد العترة الطاهرة وسبى ذراريها تشفّياً وانتقاماً من الرسول الذي قتل أعلام الاُمويّين.
                sigpic
                إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
                ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
                ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
                لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

                تعليق


                • #48
                  رأس الإمام عند يزيد


                  وحمل الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ومحفر بن ثعلبة العائدي رأس ريحانة رسول الله وسيّد شباب أهل الجنة هدية إلى الفاجر يزيد بن معاوية، فسرّ بذلك سروراً بالغاً، فقد استوفى ثأره وديون الاُمويّين من ابن رسول الله، وقد أذن للناس إذناً عاماً ليظهر لهم قدرته وقهره لآل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وازدحم الأوباش والأنذال من أهل الشام على البلاط الاُموي، وهم يعلنون فرحتهم الكبرى، ويهنّئون يزيد بهذا النصر الكاذب(6). وقد وضع الرأس الشريف بين يدي سليل الخيانة، فجعل ينكثه بمخصرته، ويقرع ثناياه اللتين كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يترشفهما، وجعل يقول:
                  (لقد لقيت بغيك يا حسين)(7).
                  ثمّ التفت إلى عملائه وأذنابه فقال لهم: (ما كنت أظنّ أباعبد الله قد بلغ هذا السنّ، وإذا لحيته ورأسه قد نصلا من الخضاب الأسود)(8).
                  وتأمل في وجه الإمام(عليه السّلام) فغمرته هيبته وراح يقول:
                  (ما رأيت مثل هذا الوجه حسناً قطّ)(9).
                  أجل إنّه كوجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي تحنو له الوجوه والرقاب، والذي يشعّ بروح الإيمان، وراح ابن معاوية يوسع ثغر الإمام بالضرب وهو يقول: إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام:
                  أبـــــى قومنا إن ينصفونا فانصفت قواضب في إيمــــاننا تقـــطر الدما
                  نُفلِّقـــــن هــــاماً مــن رجال أعــزَّة علينـــــا وهــم كانوا أعقَّ وأظلمـا
                  ولم يتم الخبيث كلامه حتى أنكر عليه أبو برزة الأسلمي فقال له: أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين، أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربّما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يرشفه، أما انّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ويجيء هذا ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) شفيعه).
                  ثم قام منصرفاً عنه(10).
                  sigpic
                  إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
                  ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
                  ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
                  لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

                  تعليق


                  • #49
                    السبايا في مجلس يزيد


                    وعمد الأنذال من جلاوزة الخبيث ابن الخبيث يزيد بن معاوية إلى عقائل الوحي وسائر الصبية فربقوهم بالحبال كما تربق الأغنام، فكان الحبل في عنق الإمام زين العابدين إلى عنق العقيلة زينب وباقي بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكانوا كلّما قصّروا عن المشي أوسعوهم ضرباً بالسياط، وجاءوا بهم على مثل هذه الحالة التي تتصدّع من هولها الجبال، وهم يكبّرون ويهلّلون بسبيهم لبنات رسول الله وإبادتهم لعترته.
                    وأوقفت مخدرات الرسالة بين يدي يزيد، فالتفت إليه الإمام زين العابدين(عليه السّلام) فقال له:
                    (ما ظَنُّكَ بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) لَوْ رَآنَا عَلى هذِهِ الصِّفَةِ؟).
                    فتأثّر يزيد، ولم يبق أحد في مجلسه إلاّ بكى، وكان منظر العلويات مثيراً للعواطف، فقال يزيد:
                    قبّح الله ابن مرجانة لو كان بينكم وبينه قرابة لما فعل بكم هذا.
                    إنّه لم يصنع بالسيّدات العلويات بمثل هذه الأعمال إلاّ بأمر يزيد وإرضاءً لعواطفه ورغباته واستجابة لعواطف القرشيّين الذين ما آمنوا بالإسلام وكانت نفوسهم مترعة بالحقد لرسول الله (صلّى الله عليه وآله).
                    والتفت الطاغية إلى الإمام زين العابدين فقال له:
                    إيه يا عليّ بن الحسين، أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت.
                    فأجابه شبل الحسين بكل طمأنينة وهدوء بقوله تعالى:
                    ((ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ) ).
                    وثار الطاغية وقال للإمام:
                    (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم).
                    فردّ عليه الإمام:
                    (هذا في حقّ من ظلم لا في حق من ظُلِم..).
                    وزوى الإمام بوجهه عنه ولم يكلّمه استهانة به(11).
                    sigpic
                    إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
                    ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
                    ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
                    لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

                    تعليق


                    • #50
                      خطاب العقيلة


                      وأظهر الطاغية الآثم فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد صفا له الملك، واستوسقت له الاُمور، وأخذ يهزّ أعطافه جذلاناً متمنّياً حضور القتلى من أهل بيته ببدر ليريهم كيف أخذ بثأرهم من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في ذرّيته، وراح يترنّم بأبيات ابن الزبعري قائلاً أمام الملأ بصوت يسمعه الجميع:
                      لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُو جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ الأَسَـلْ
                      فَـــــأَهَلُّوا وَاســـــــتَهَلُّوا فِرَحــاً ثُمَّ قَالُوا: يَا يَـــــزِيدُ لاَ تُشـَــــلْ
                      قَــــــدْ قَتَلْنَا الْقَوْمَ مِنْ سَادَاتِهِـمْ وَعَـــــدَلْنَاهُ بـِـــبَدْرٍ فَاعْتَـــــــدَلْ
                      لَعِبَـــــتْ هَــــــاشِمُ بالْمُلْكِ فَـــلاَ خَبَرٌ جـَــــاءَ وَلاَ وَحــــْيٌ نــَزَلْ
                      لَـــستُ مِنْ خِــنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ مِـــــنْ بَنِي أَحْمَدَ مِا كَانَ فَعـــَلْ
                      ولمّا سمعت العقيلة هذه الأبيات التي أظهر فيها التشفّي بقتل عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انتقاماً منهم لقتلى بدر، وثبت كالأسد، فسحقت جبروته وطغيانه فكأنّها هي الحاكمة والمنتصرة والطاغية هو المخذول والمغلوب على أمره، وقد خطبت هذه الخطبة التي هي من متمّمات النهضة الحسينية، قالت (عليها السّلام):
                      (أَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلىَ مُحَمّدَ وآلِهِ أَجْمَعِيَن، صَدَقَ اللهُ كَذَلكَ يَقُولُ: (ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السؤى أن كذبوا بأيات الله وكانوا بها يَسْتَهْزِؤُونَ)(12)، أَظَنَنْتَ - يَا يَزِيدُ- حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا
                      أَقْطَارَ الأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الإِمَاءِ - أَنَّ بِنَا عَلَى اللهِ هَوَاناً، وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةٍ!! وَأَنَّ ذَلِكَ لِعَظِيمَ خَطَرِكَ عِنْدَهُ!! فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ في عَطْفِكَ، جَذْلانَ مَسْرُوراً، حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً، وَالأُمُورَ مُتَّسِقَةً، وَحِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وسُلْطَاننَا، فَمَهلاً، أَنَسِيتَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين)(13).
                      أَمِنَ الْعَدْلِ يَا بْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإمَاءَكَ وَسُوقَكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟! قدْ هَتَكْتَ سُتورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدِ إلى بلدٍ، وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَازِلِ وَالمَنَاهِلِ(14)، وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالبَعِيدُ، وَالدَّنِيُّ وَالشَّرِيفُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالهِنَّ وَلِيُّ، وَلاَ مِنْ حَمَاتِهنَّ حَمِيُّ.
                      وَكَيْفَ تُرْتَجىَ مُرَاقبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الأَزْكيَاءِ، وَنَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ؟!
                      وَكَيْفَ لاَ يَسْتَبطِأُ فِي بُغْضِنَا أَهلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنَا بَالشَّنَفِ(15) والشَّنَآنِ وَالإِحَنِ وَالأَضْغَانِ؟!
                      ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَلاَ مُسْتَعْظِمٍ:
                      لأَهَـــــلُّوا وَاســـــْتَهَلُّوا فَــــرَحاً ثُــــمَّ قَـــالُوا: يَـــا يَزِيدُ لاَ تُشَلْ
                      مُنْتَحِياً عَلىَ ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السّلام) سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ.
                      وَكَيفَ لاَ تَقُولُ ذَلكَ، وَقَدْ نَكَأُتَ الْقَرْحَةَ، وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّأْفَةَ، بإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ ذُرَّيَّةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله) وَنُجُومِ الأرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! وتَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ، زَعَمْتَ أَنَّكَ تُنَادِيهِمْ!
                      فَلَتَرِدَنَّ وَشِيكاً مَوْرِدَهُمْ، وَلَتَوَدَّنَّ أَنَّكَ شُلِلْتَ وَبُكمْتَ وَلَمْ تَكُنْ قُلْتَ مَا قُلتَ وَفَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ.
                      أَللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانتَقِمْ مِمَّنْ ظَلَمَنَا، وَاحْلُلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا.
                      فَوَاللهِ مَا فَرَيْتَ إِلاَّ جِلْدَكَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاَّ لَحْمَكَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرّيَّتِهِ، وَانْتَهكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ، وَحَيثُ يَجْمَعُ اللهُ شَمْلَهُمْ وَيَلُمُّ شَعْثَهُمْ وَيَأْخُذُ بِحَقِّهِمْ (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)(16).
                      وَحَسْبُكَ بِاللهِ حَاكِماً، وَبِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله) خَصِيماً، وَجَبِرَئيلَ ظَهيراً، وَسَيَعْلَمُ مَنْ سَوَّلَ لَكَ وَمَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ، بِئْسَ للِظَّالِمِينَ بَدَلاً وَأَيُّكُمُ شَرُّ مَكَاناً وأَضْعَفُ جُنْداً.
                      وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي لأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ، لَكِنِ الْعُيُونُ عَبْرىَ، وَالصُّدَورُ حَرّىَ.
                      أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ، فَهَذِهِ الأَيْدِي تَنْطِفُ(17).مِنْ دِمَائِنَا، وَالأَفْوَاهُ تَتَحَلَّبُ مِنْ لُحُومِنَا، وَتِلكَ الْجُثَثُ الطَّوَاهِرُ الزَّوَاكِي تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ(18). وَتَعْفِرُهَا أُمَّهَاتُ الْفَرَاعِلِ(19)، وَلَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَجِدُنَا وَشِيكاً مُغْرَماً، حِينَ لاَ تَجِدُ إِلاَّ مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ، وَمَا ربُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ، فَإلَى اللهِ الْمُشْتَكىَ، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
                      فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا.
                      وَهَلْ رَأْيُكَ إِلاَّ فَنَداً، وَأَيَّامُكَ إِلاَ عَدَداً، وَجَمْعُكَ إِلابَدَداً، يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ: أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
                      فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَتَمَ لأَوَّلِنَا بِالسَّعَادةَ وَالمَغْفِرةِ، وَلآخِرنَا بِالشَّهَادَةِ وِالرَّحْمَةِ.
                      وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ، وَيُوجِبَ لَهُمُ الْمَزِيدَ، وَيُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلافَةَ، إِنَّهُ رَحِيمُ وَدُودُ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل(20).
                      وهذا الخطاب من متمّمات النهضة الحسينية، ومن روائع الخطب الثورية في الإسلام، فقد دمّرت فيه عقيلة بني هاشم وفخر النساء جبروت الاُموي الظالم يزيد، وألحقت به وبمن مكّنه من رقاب المسلمين العار والخزي، وعرّفته عظمة الاُسرة النبوية التي لا تنحني جباهها أمام الطغاة والظالمين، وعلّق الإمام الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء على هذا الخطاب بقوله:
                      أتستطيع ريشة أعظم مصوّر، وأبدع ممثل أن يمثّل لك حال يزيد وشموخه بأنفه، وزهوه بعطفه وسروره وجذله باتّساق الاُمور، وانتظام الملك ولذّة الفتح والظفر والتشفّي والانتقام بأحسن من ذلك التصوير والتمثيل، وهل في القدرة والإمكان لأحد أن يدفع خصمه بالحجّة والبيان والتقريع والتأنيب، ويبلغ ما بلغته سلام الله عليها بتلك الكلمات، وهي على الحال الذي عرفت، ثمّ لم تقتنع منه بذلك، حتى أرادت أن تمثّل له وللحاضرين عنده ذلّة الباطل، وعزّة الحق وعدم الإكتراث واللامبالاة بالقوة والسلطة والهيبة والرهبة، أرادت أن تعرّفه خسّة طبعه، وضعة مقداره، وشناعة فعله، ولؤم فرعه وأصله(21).
                      ويقول المرحوم الفكيكي:
                      تأمّل معي في هذه الخطبة النارية كيف جمعت بين فنون البلاغة، وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان، وبين معاني الحماسة، وقوة الاحتجاج، وحجّة المعارضة، والدفاع في سبيل الحرية والحقّ والعقيدة، بصراحة هي أنفذ من السيوف إلى أعماق القلوب، وأحدّ من وقع الأسنة في الحشا، والمهج في مواطن القتال، ومجالات النزال، وكان الوثوب على أنياب الأفاعي، وركوب أطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الاحتجاج الصارخ الذي صرخت به ربيبة المجد والشرف في وجوه طواغيت بني اُميّة وفراعنتهم في منازل عزّهم ومجالس دولتهم الهرقلية والارستقراطية الكريهة، ثمّ أنّ هذه الخطبة التأريخية القاصعة لا نزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة وجرأتها النادرة، وقد احتوت النفس القوية الحساسة الشاعرة بالمثالية الأخلاقية الرفيعة السامية، وسيبقى هذا الأدب الحيّ صارخاً في وجوه الطغاة الظالمين على مدى الدهر وتعاقب الأجيال وفي كل ذكرى لواقعة الطفّ الدامية المفجعة(22).
                      sigpic
                      إحناغيرحسين *ماعدنا وسيلة*
                      ولاطبعك بوجهي"بابك إ تسده"
                      ياكاظم الغيظ"ويامحمدالجواد "
                      لجن أبقه عبدكم وإنتم أسيادي

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X