بسم الله الرحمن الرحيم
قلنا عند حديثنا عن سورتي «الواقعة» و «الرحمن» : إنّ هاتين السورتين و سواهما تنتسبان في مادتهما القصصية إلى قصص البيئة الاُخروية ، سواء أكانت متصلة بحياة البرزخ أو ساحة المحاكمة ، أو بيئة الجنّة أو النار ، و بالنسبة إلى بيئة الجنّة نجد أنّ الحكايات أو الأقاصيص التي تعرض لنا بيئةَ الجنّة ، منتثرةٌ في القرآن الكريم بنحو نألفه جميعاً . بيد أنّ البعض منها يُشدّد على بيئة محدّدة ، أو أبطال محدّدين لهم سماتٌ خاصة من حيث الدرجة أو الطبقة التي ينتسبون إليها .فسورة الرحمن مثلا عرضت لنا بيئتين متميّزتين لكلٍّ منهما شخوصٌ خُصّصت لهم جنّتان عاليتانِ و أدنى منهما .و سورة الواقعة عرضت بيئتين: عالية للسابقين . . . و أدنى لأصحاب اليمين .
أمّا سورة الإنسان التي نحن في صدد الحديث عنها ، فقد عرضت بيئةً خاصة خلعت على أبطالها سمة الأبرار .و من الحقائق المألوفة في ميدان التفسير ، أنّ هذه السورة نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) في قضيّة تقديمهم إلى الفقراء طعام الإفطار ، بدلا من أنفسهم في الأيام الثلاثة المنذورة صوماً . . .و ممّا لا شك فيه أيضاً ، أنّ القصة تستهدف من عرضها لحادثة الإيثار ، و ما ترتّب عليها من الجزاء الاُخروي ، . . . تستهدف عرْضَ بيئة الأبرار بنحو عام ، ممّن يطعمون الطعام على حبّ اللّه ، مسكيناً و يتيماً و أسيراً لا يريدون بذلك من أحد جزاءً و لا شكوراً . . .و ممّا لا شك فيه أيضاً ،
أنّ الأبرار حينما تُخصّص لهم مثل هذه البيئة التي سنتحدّث عنها ، إنّما تظلّ قضية الإطعام لوجه اللّه واحدة من نماذج السلوك الذي يطبع الأبرار .كلّ ما في الأمر ، أنّ القصة شدّدت على هذه القضية بالذات ، نظراً لأهميتها في ميدان التدريب على نبذ الذات ، مستهدفةً من ذلك حَمْلَنا على ممارسة مثل هذا السلوك في نشاطنا العبادي .و الآن لِنتقدم إلى السمة الفنّية التي تمّ من خلالها عرض هذه الحادثة ، حادثة الإطعام لوجه اللّه . . . ثمّ الانتقال إلى عرض بيئة الجنّة ، بأوصافها المُثيرة الممتعة التي استقطبت غالبية العناصر المتصلة بالبيئة المذكورة .* * *بدأت القصةُ على هذا النحو:
﴿إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً ﴾
﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ﴾
﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾
﴿وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ﴾
﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ﴾
﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ﴾
﴿فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ . . .﴾
هذه البداية القصصية ـ من حيث البناء الفنّي لهيكل القصة ـ ذات أهمية جمالية بالغة المدى .إنّها تبدأ من وَسَطِ الأحداث من بيئة اليوم الآخر ، ثمّ ترتدّ إلى بداية الأحداث بيئة الحياة الدنيا . . . و تعود بعد ذلك إلى الأحداث وفق تسلسلها الزمني: البادئ بمكان ، هو : الجنّة ، و بزمان هو: اليوم الآخر .إنّها تـتنقّل وفقَ مبنىً فنّي مُمتع ، من بيئة لاحقة الجنّة ، مرتدة إلى بيئة سابقة الدنيا ، عائدة من جديد إلى بيئة الجنّة ، و لكن ببداية خاصة و عودة خاصة ، ينبغي أن نتعرّفهما فنّياً ، نظراً لارتباطهما بالدلالة الفكرية التي تستهدفها القصة .و السؤال هو: لماذا بدأت القصةُ بسرد النعيم الاُخروي ؟ثمّ لماذا بدأت من عنصر خاص هو الشراب و طريقة تناوله ، دون غيره من عناصر البيئة الاُخروية ؟كان بإمكان القصة أن تبدأ بالحديث عن الجنّة بعامّة ، و عن النضرة و السرور فيها ، من نحو ما نلحظه في الأجزاء اللاحقة في القصة ، كقوله تعالى:
﴿وَ لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً . . .﴾
كما أ نّه كان بإمكان القصة أن تبدأ أوّلا بعرض قضية الإطعام في الحياة الدنيا ، و انسحاب أثره على الحياة الاُخروية ، لكنها بدأت بالجنّة ، و ارتدّت إلى الدنيا ، و عادت ثالثةً إلى الجنّة . . .
...........................................
يتبــــــــــــــــــــــــــع
أمّا سورة الإنسان التي نحن في صدد الحديث عنها ، فقد عرضت بيئةً خاصة خلعت على أبطالها سمة الأبرار .و من الحقائق المألوفة في ميدان التفسير ، أنّ هذه السورة نزلت في عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) في قضيّة تقديمهم إلى الفقراء طعام الإفطار ، بدلا من أنفسهم في الأيام الثلاثة المنذورة صوماً . . .و ممّا لا شك فيه أيضاً ، أنّ القصة تستهدف من عرضها لحادثة الإيثار ، و ما ترتّب عليها من الجزاء الاُخروي ، . . . تستهدف عرْضَ بيئة الأبرار بنحو عام ، ممّن يطعمون الطعام على حبّ اللّه ، مسكيناً و يتيماً و أسيراً لا يريدون بذلك من أحد جزاءً و لا شكوراً . . .و ممّا لا شك فيه أيضاً ،
أنّ الأبرار حينما تُخصّص لهم مثل هذه البيئة التي سنتحدّث عنها ، إنّما تظلّ قضية الإطعام لوجه اللّه واحدة من نماذج السلوك الذي يطبع الأبرار .كلّ ما في الأمر ، أنّ القصة شدّدت على هذه القضية بالذات ، نظراً لأهميتها في ميدان التدريب على نبذ الذات ، مستهدفةً من ذلك حَمْلَنا على ممارسة مثل هذا السلوك في نشاطنا العبادي .و الآن لِنتقدم إلى السمة الفنّية التي تمّ من خلالها عرض هذه الحادثة ، حادثة الإطعام لوجه اللّه . . . ثمّ الانتقال إلى عرض بيئة الجنّة ، بأوصافها المُثيرة الممتعة التي استقطبت غالبية العناصر المتصلة بالبيئة المذكورة .* * *بدأت القصةُ على هذا النحو:
﴿إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً ﴾
﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً ﴾
﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾
﴿وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ﴾
﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ﴾
﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ﴾
﴿فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ . . .﴾
هذه البداية القصصية ـ من حيث البناء الفنّي لهيكل القصة ـ ذات أهمية جمالية بالغة المدى .إنّها تبدأ من وَسَطِ الأحداث من بيئة اليوم الآخر ، ثمّ ترتدّ إلى بداية الأحداث بيئة الحياة الدنيا . . . و تعود بعد ذلك إلى الأحداث وفق تسلسلها الزمني: البادئ بمكان ، هو : الجنّة ، و بزمان هو: اليوم الآخر .إنّها تـتنقّل وفقَ مبنىً فنّي مُمتع ، من بيئة لاحقة الجنّة ، مرتدة إلى بيئة سابقة الدنيا ، عائدة من جديد إلى بيئة الجنّة ، و لكن ببداية خاصة و عودة خاصة ، ينبغي أن نتعرّفهما فنّياً ، نظراً لارتباطهما بالدلالة الفكرية التي تستهدفها القصة .و السؤال هو: لماذا بدأت القصةُ بسرد النعيم الاُخروي ؟ثمّ لماذا بدأت من عنصر خاص هو الشراب و طريقة تناوله ، دون غيره من عناصر البيئة الاُخروية ؟كان بإمكان القصة أن تبدأ بالحديث عن الجنّة بعامّة ، و عن النضرة و السرور فيها ، من نحو ما نلحظه في الأجزاء اللاحقة في القصة ، كقوله تعالى:
﴿وَ لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً . . .﴾
كما أ نّه كان بإمكان القصة أن تبدأ أوّلا بعرض قضية الإطعام في الحياة الدنيا ، و انسحاب أثره على الحياة الاُخروية ، لكنها بدأت بالجنّة ، و ارتدّت إلى الدنيا ، و عادت ثالثةً إلى الجنّة . . .
...........................................
يتبــــــــــــــــــــــــــع
تعليق